وليد عبدالحي: رفعت تركيا الشعار الديني وتحالفت مع الإخوان لتمرير مشروعها

وليد عبدالحي: رفعت تركيا الشعار الديني وتحالفت مع الإخوان لتمرير مشروعها


30/04/2020

قال الباحث الدكتور وليد عبدالحي إنّ الشرق الأوسط من أكثر المناطق اضطراباً وتوتراً، كونها منطقة "رخوة" تتصادم فيها المشاريع الدولية والإقليمية المتعارضة، ودلّل على ذلك الاضطراب بتركيا التي رفعت الشعار الديني وتحالفت مع جماعة الإخوان المسلمين لتمرير مشروعها.

وكشف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك وجامعة آل البيت، في حوار مع "حفريات"، عن أبرز الإستراتيجيات والمشاريع المتعارضة في المنطقة، بدايةً من المشروع التركي وتنبُّه المؤسسة العسكرية العربية له ومحاولة التصدي له، مروراً بمستقبل "محور المقاومة"، وفُرَص تعزّزه خلال المرحلة القادمة، وصولاً إلى الاهتمام والتوجه الروسي المتزايد بالشرق الأوسط الذي انتهى إلى التدخل في سوريا، وتزامن كل ذلك مع الانسحاب وتراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة مقابل النفوذ الصيني المتزايد.

صفقة القرن مجرد كلام، لم تُقدم للأمم المتحدة ولا للكونغرس، الإشكال أننا الآن نتعامل مع ما يشبه الإشاعة الرسمية

ونوّه عبدالحي إلى أنّ المشروع التركي في المنطقة العربية جرى كما خطط له أوغلو؛ حيث أدرك صانع القرار التركي أنّه إذا ما رفع الشعار القومي، فإنّه ستتم مجابهته، مثلما حدث أثناء الثورة العربية الكبرى، فتنبّهت لرفع الشعار الديني، وبذلك كان العامل الديني هو الجسر الأهم في المشروع التركي، وهنا برزت حركة الإخوان المسلمين بمختلف تنظيماتها وفروعها، باعتبارها القوة الأساسية للعامل الديني في المنطقة العربية؛ والحركة السياسية الأكثر تنظيماً في المنطقة، ووطدت تركيا علاقاتها بالجماعة.

ويرى عبدالحي أنّ التزام إيران بمحور "الممانعة" مرتبط بمرحلة ما بعد خامنئي، الذي من المتوقع، بحسبه، أن تُحدث وفاة خامنئي خلافات في إيران على وريثه، وخلافاً حول منصب "المرشد الأعلى"، طالما هناك رئيس إيراني منتخب، وقد يكون الخلاف حول تحويله إلى مجلس منتخب، أو حول حصر صلاحياته في الشأن الديني، وهو ما قد يفتح مجالاً لاضطراب داخلي.

ويذكر أنّ الدكتور وليد عبد الحي، كان عمل في معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر خلال الفترة 1982-1994؛ أستاذاً للدراسات المستقبلية، وشغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك خلال الفترة 1996-1998. له العديد من المؤلفات والدراسات في مجال الإستراتيجية والدراسات المستقبلية، ومن أهمها: "معوقات العمل العربي المشترك" (1987)، و"تحول المسلمات في العلاقات الدولية" (1994)، و"مستقبل الفكر الصهيوني" (1997).

الدكتور وليد عبد الحي والزميل خالد بشير

فيما يلي نص الحوار:

باعتبارك متخصصاً في الدراسات الاستشرافية، هل بالإمكان أن يكون حوارنا هذا استشرافياً لمستقبل المنطقة، بالمعنى الدقيق للكلمة؟

بالنسبة لي لا أميل إلى بناء السيناريوهات اعتماداً على "الذاكرة"؛ لأنه حتى يتم تحديد طبيعة العلاقة بين دولتين، فإنه لا بد من العودة إلى فترة زمنية سابقة، لنقل إذا كنّا نعدّ سيناريو استشرافياً لمدة السنوات العشر القادمة، هذا يعني على الأقل أنه يجب العودة الى عشر سنوات سابقة حتى نحدد الـ Trend (الاتجاه العام)؛ هل العلاقة متذبذبة؟ أم متصاعدة؟ أم هي في حالة تراجع؟ أما الاعتماد على الذاكرة فإنه لا يفيد؛ بل يجب جمع ومعرفة بيانات عديدة من أجل بناء النموذج الاستشرافي، إلى جانب المؤشرات الإقليمية والدولية، ومن ثم نقوم بحساب التأثير المتبادل، حتى نستطيع إعطاء صورة، لكن أغلب ما يتم كتابته وتحليله، خاصة في الفضائيات العربية، هو أقرب إلى الاستشراف الحدسي؛ حيث يقوم المحلل برسم الصورة بناء على عدد محدود وقليل من المؤشرات، ولذلك فإنه في كثير من الأحيان تكون النتيجة الواقعية مخالفة للتوقعات.

التوقعات الحدسية لمستقبل المنطقة

هل بالإمكان إعطاء مثال على التوقعات الحدسية التي كانت مخالفة للواقع؟

بالتأكيد، بالإمكان إعطاء مثال على ذلك، مثلاً، لقد ذهبت نسبة كبيرة جداً من الكتابات حول "الربيع العربي" الى إعطاء دور كبير لوسائل التواصل الاجتماعي، وهو التفسير الذي راج على نحو واسع جداً، ولكنني، وبحكم طريقة تقكيري، فإنه ليس عندي استعداد لتلقي أي معلومة لمجرد انطباع سائد، ومن ثم البناء عليها، لذلك قمت بإحضار نسب استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ونسب المشتركين في شركات الاتصالات، في كل الدول العربية، ومن ثم أحضرت مؤشرات ومقاييس درجة الاستقرار السياسي في كل دولة، لأجد بأن النتيجة مخالفة تماماً؛ حيث كانت الدول الأكثر استقراراً هي التي ترتفع فيها نسب استخدام التواصل الاجتماعي، لذلك فإن كل ما بُني على الانطباع فإنه سيؤدي إلى استنتاجات خاطئة.

عزل الرئيس الإخواني مرسي أدى إلى كسر العمود الفقري للمشروع التركي في المنطقة

إذا ابتعدنا قليلاً عن رسم النماذج الاستشرافية الدقيقة، وتكلمنا بمنطق الإستراتيجيات، وخصوصاً في سياق منطقتنا، برأيك ما هو مستقبل إستراتيجة أوغلو "العمق الإستراتيجي"؟ وهل هي قابلة للتطبيق في المرحلة القادمة؟

لقد كان أوغلو بمثابة المنظر لسياسات حزب العدالة والتنمية الخارجية، خلال السنوات الماضية، ومنذ وصول الحزب الى الحكم، وجوهر ما ذهب اليه هو إدراك أنّ أوروبا لا تريد عضوية تركيا؛ بل على العكس من ذلك، فإنّ الفجوة معها تزيد ولا تضيق، وإنما هي تقبلها فقط بحدود معينة، كالشراكة في قوات حلف شمال الأطلسي، ولكن ليس أكثر من ذلك، ليس كشريك في الاقتصاد وصناعة القرار السياسي على مستوى القارة. ولأن الجغرافيا هي التي تفرض المجال الحيوي، فقد أدرك أوغلو أن منطقتي آسيا الوسطى والشرق الأوسط، هما المجال الحيوي المتبقي أمام الأتراك، فأما آسيا الوسطى فهي منطقة تنازع بين النفوذ الروسي والصيني مما لا يسمح بالدخول فيها من قبل آخرين، أما المنطقة التي تقبل المراوغة والقابلة لـ "النهش"، المنطقة "الرخوة" إلى الحد الذي يسمح بالامتداد فيها، فهي منطقة الشرق الأوسط، وعموم المنطقة العربية، ولذلك رأى أوغولو أنه لا بد من مد الجسور إليها.

المشروع التركي في المنطقة

ولكن ما هي هذه الجسور؟

لقد أدرك صانع القرار التركي أنّه إذا ما رفع الشعار القومي، فإنّه ستتم مجابهته، وسنعود إلى أجواء الثورة العربية الكبرى، أما إذا تم رفع الشعار الديني، فإنّ فرصة تقبل المشروع التركي في المنطقة ستكون أفضل، وبذلك كان العامل الديني هو الجسر الأهم، أما الأدوات والجسور الأخرى كالعلاقات الاقتصادية والعسكرية، فإنّ تركيا كانت مدركة بأنها لن تستطيع منافسة الولايات المتحدة، أو روسيا، أو الصين، أو الاتحاد الأوروبي، فيها. وهنا برزت حركة الإخوان المسلمين بمختلف تنظيماتها وفروعها، باعتبارها القوة الأساسية للعامل الديني في المنطقة العربية؛ حيث إنّها الحركة السياسية الأكثر تنظيماً في المنطقة، بدليل قدرتها على الفوز عند إجراء الانتخابات، كما حدث في الجزائر عام 1991، والأردن عام 1989، ومصر عام 2012، ومن هنا بدأ التقارب بين تركيا والإخوان المسلمين، منذ فترة ما قبل سنوات "الربيع العربي"، وهو ما رأيناه في الجانب الدعائي لحادثة أسطول الحرية، وما تم من ترويج لتركيا باعتبارها معادية لـ"اسرائيل"، وهو ما لفت الانتباه العربي إلى تركيا وأردوغان، ليبدأ بعد ذلك تعزيز التواصل ما بين الإخوان وأنقرة. وقد عنى نجاح هذا المشروع تضاعف القدرة التركية على منافسة النفوذ والمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة، وكذلك على منافسة النفوذ الإسرائيلي، وخصوصاً بعد أن بلغ المشروع مرحلة متقدمة إثر نجاح الإخوان في الوصول إلى الحكم عام 2012، حيث كان من المؤكد أنه سيكون هناك تقارب ونمو في التعاون على جميع المستويات بين الدولتين المركزيتين في المنطقة؛ تركيا ومصر.

روسيا تستشعر بأن أمريكا لم تعد القوة الأكثر تأثيراً في المنطقة العربية، وتتجه صوب المحيط الهادي وشرق المتوسط

ومتى حدثت نقطة التحول؟

في البداية جرى المشروع التركي كما خطط له أوغلو، ولكن ما حصل بعد ذلك هو أنّ المؤسسة العسكرية العربية استشعرت الخطر، فجاء عزل مرسي، وهو ما أدى إلى كسر العمود الفقري للمشروع التركي كله، وهو ما يفسر العداء اللاحق بين تركيا ومصر، وسببه أن مصر أفشلت المشروع التركي في المنطقة، وكان المساند الأول لها السعودية؛ إذ إنها ترفض أي شكل من أشكال التنظيم السياسي، وبالأخص الإسلامية منها، وخصوصاً أنّ حركة الإخوان يوجد لها مؤهلات في السعودية، من حيث كون المجتمع السعودي محافظاً، إضافة إلى العلاقات السابقة بين السعودية وحركة الإخوان في الفترة الناصرية وما بعدها. وكانت النهاية التامة للمشروع التركي بعد الصدام مع الروس في سوريا، والذي بلغ ذروته مع إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. وكانت نتيجة كل ذلك هي إبعاد داوود أوغلو من السلطة، وهو ما عنى النهاية التامة للمشروع واتهام أوغلو بتوريط تركيا فيه.

تركيا وإيران: تصالح المصالح

وماذا كان الخيار البديل؟ هل اتجه الأتراك نحو الإنكفاء؟

لقد شعر الأتراك بأنّ إيران أدارت اللعبة بطريقة أذكى، لذلك اقتنعوا بأنه لا بد من التصالح مع القوى التي كانت تريد منافستها. فبدأ التقارب مع إيران، والتصالح مع روسيا، وبالنسبة لـ"إسرائيل" فإنّ العلاقات التجارية معها في تصاعد مستمر. أما الآن فإنّ خلاف الأتراك الأبرز هو مع الولايات المتحدة وبالأخص حول ملف أكراد سوريا، وهو ما نراه في هذه الأيام مع التدخل التركي في عفرين، والذي يبدو أنّ النظام السوري يشعر بالارتياح تجاهه؛ إذ إنه يضرّ الأتراك، ويريحه من مواجهة الأكراد. ويمكن أن نضيف إلى المشاكل التي تواجه تركيا: الخلاف مع الاتحاد الأوروبي، وبالأخص حول قضية اللاجئين. وأعتقد أنّ ما يقوم به أردوغان الآن هو محاولة علاج آثار فشل المشروع الأول بقدر من التعاون مع القوى الإقليمية الموجودة.

وبذكر روسيا، وتدخلها الحاسم في الملف السوري، هل بالإمكان الحديث عن اهتمام روسي متزايد بالمنطقة؟

بالتأكيد، بالعودة إلى الماضي، لو أخذنا روسيا القيصرية، وروسيا الاتحاد السوفيتي، وروسيا الحالية، فإن الدول الثلاث كانت تعتبر غرب آسيا بمثابة الإطار الأكثر جاذبية، وباعتقادي، في الفترة الحالية، وحتى ندرك موقف روسيا، فإنه لا بد من قراءة "الكساندر دوغين"، وهو المنظّر الإستراتيجي لبوتين، وملخص ما يذهب إليه دوغين هو أن مجال روسيا الحيوي يتمثل في مناطق: شرق آسيا، وغرب آسيا، وشرق أوروبا، فأما شرق آسيا؛ ففيها الصين واليابان، وهي دول ليس من السهل منافستها، وأما شرق أوروبا فإنه مغلق الآن تماماً أمام الروس بسبب انضمام دول شرق أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وبذلك بقيت منطقة غرب آسيا هي المنطقة "الرخوة".

آسيا بالنسبة للروس

إذاً، ما هي أهم النقاط التي يمكن أن نلخص بها أهمية منطقة "غرب آسيا" بالنسبة للروس؟

تأتي أهمية "غرب آسيا" بالنسبة للروس من عدة نقاط؛ أولها: أنّ تنامي الحركات الإسلامية في غرب آسيا قد يحرك الحركات الإسلامية الانفصالية في جمهوريات القوقاز الروسية، بالإضافة إلى جمهورية تتارستان. أما النقطة الثانية: فهي أن ضمان سوق مستقر لأسعار النفط لا يمكن أن يتم إلا بالتنسيق مع دول الخليج النفطية. والنقطة الثالثة: أنه لا يمكن الوصول للمياه الدافئة (البحر المتوسط) إلا عبر المنطقة العربية، ويضاف إلى كل ذلك أن هناك استشعاراً في روسيا بأن الولايات المتحدة لم تعد هي القوة الأكثر تأثيراً في المنطقة؛ فأمريكا الآن ترى أنّ منطقة المحيط الهادي وشرق المتوسط أكثر أهمية؛ ذلك أن اعتمادها على النفط العربي آخذ بالتراجع، إضافة إلى أن الصين آخذة بالاستحواذ على السوق الاقتصادي العربي، فلو نظرنا إلى إحصاء العام 1981 سنجد أنّ حجم تجارة الصين مع المنطقة العربية كان 0.1 حجم تجارة الولايات المتحدة مع المنطقة، أما الآن فحجم التجارة الصينية مع المنطقة العربية يفوق الولايات المتحدة بـ 36 مليار، وبالنظر إلى مبيعات الأسلحة فإن أكبر مشتري السلاح في المنطقة، وهم: الجزائر، وسوريا، ومصر، نجد أن معظم مشترياتهم من روسيا، وهكذا فإن الولايات المتحدة بدأت تتحلل من ارتباطاتها في المنطقة، وهو بالطبع لا يحصل ببساطة وبشكل سريع.

هناك مشكلة في إيران تتمثل بأن الجرعة الدينية في النظام السياسي أعلى بكثير مما هي عليه في المجتمع

الكلام الآنف يشير إلى وجود رؤية إستراتيجية خلف القرار الروسي بالتدخل في سوريا؟

كما تقدم، فإنّ روسيا تدرك بأنّ هذه المنطقة هي الأساس بالنسبة لها، حتى أن دوغين يشبّه الصورة بأنّ لروسيا فتحتي أنف؛ شرق أوروبا، وغرب آسيا، أما شرق أوروبا فقد تم تسكيرها، وبذلك لم يتبق  إلا غرب آسيا، إذا تم إقفالها فإن روسيا ستختنق. وهو ما حاولت الولايات المتحدة الاشتغال عليه فعلاً، من خلال مساعي ضم جورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، إلى حلف شمال الأطلسي؛ حيث كان من المفترض أن تنضم أرمينيا في عام 2012 للأطلسي، ولو انضمت كانت ستتبعها أذربيجان، بالإضافة إلى ذلك كان الأمريكيون قد اسسوا قاعدة عسكرية في قرغيزيا، كما عقدت كازخستان اتفاقية "التجارة من أجل السلام" مع حلف الناتو، وبذلك كان الخناق يضيق على روسيا أكثر فأكثر. لذلك دخل الروس على جورجيا وقسّموها، وعندما رأت أرمينيا وأذربيجان الضرب في جورجيا أنهوا فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، أما القاعدة القرغيزية فتم إغلاقها بعد فرض شروط صعبة من قبل البرلمان، وكذلك اتجهت كازاخستان إلى إنهاء اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. بعد ذلك، وعندما رأى الروس كيف فشل الغرب في تطويقهم على مستوى الحزام الأول الأقرب لهم، انتقلوا إلى الحزام الثاني، والمتمثل في: إيران والعراق، وسوريا، ولبنان؛ لحمايته؛ لأنه في حال استقرار الولايات المتحدة فيه فإنها ستعود للحزام الأول، ومن هنا جاء التعاون الروسي-الإيراني-السوري.

 سوريا ستتمكن من تحقيق قدر من الاستقلالية وعدم التبعية، وقد تكون هناك صيغة تشاركية بينها وبين إيران

صفقة القرن

بالحديث عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة، هل يمكن أن نضع "صفقة القرن" في إطار هذا الانسحاب؟

صفقة القرن حتى الآن هي مجرد كلام، لم تُقدم للأمم المتحدة ولا للكونغرس، الإشكال أننا الآن نتعامل مع ما يشبه "الإشاعة الرسمية"، المصدر الوحيد الذي قدم معلومات عن الصفقة هو التقرير الذي نقلته بعض وسائل الإعلام، والذي كتبه صائب عريقات وقال فيه بأن ترامب عرض فيه الصفقة على السعودية، والسعودية نقلت بدورها الموضوع إلى الجانب الفلسطيني؛ حيث تتضمن الانتهاء من ملف القدس وإعلان أبو ديس عاصمةً لفلسطين، وضم "إسرائيل" 40% من مساحة الضفة: 25% من القدس والمناطق المحيطة بها، و15% من المناطق "أ"، والـ 60% المتبقية تصبح جزءاً من أقاليم مرتبطة بالأردن، بحيث تكون العلاقة فدرالية فيما بينها، وعاصمتها عمّان، وطبعاً مع إلغاء حق العودة للاجئين، وتقديم بعض المساعدات للاقتصاد الأردني والفلسطيني، وحتى هذا الإعلان، لو أخذنا كل بند منه على حدة، سنجد أنه كان مطروحاً من السابق؛ مبادرة ريغان (1982) مثلاً تجاوزت حق العودة، وموضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كان مطروحاً منذ الـ 1995.

بالعودة للحديث عن المنطقة، والسيناريوهات المستقبلية المتوقعة، هل برأيك أننا نتجه نحو مرحلة تعزيز وانتصار لـ"محور الممانعة"؟

أعتقد في الفترة القريبة القادمة قد يبقى الجميع على مواقفه المعلنة، ولكن المعظم سينكفئ للداخل، سوريا الآن في مرحلة ترميم بنيتها، سواء من ناحية وضعها الاقتصادي، أو وضعها العسكري، أو الانشقاق داخل المجتمع، العراق أيضاً، ما يزال يواجه تحديات من أجل تحقيق الاستقرار السياسي الداخلي، أما إيران، فباعتقادي أن التزامها بـ "محور الممانعة" مرتبط بمرحلة ما بعد خامنئي، وهو رجل الآن على أبواب الثمانينيات ويقال بأنه مصاب بالسرطان، وباعتقادي، أنّ هناك مشكلة في إيران تتمثل بأن الجرعة الدينية في النظام السياسي أعلى بكثير مما هي عليه في المجتمع. وعند وفاة الخامنئي قد يحدث خلاف على وريثه، وقد يحدث خلاف حول منصب "المرشد الأعلى"، طالما هناك رئيس إيراني منتخب، وقد يكون الخلاف حول تحويله إلى مجلس منتخب، أو حول حصر صلاحياته في الشأن الديني، وهو ما قد يفتح مجالاً لاضطراب داخلي، ولكن الحقيقة لا بد من التنبيه أن الإيرانيين قد أثبتوا قدرتهم على استشراف الأزمات، ومحاولة وضع أسس لحلها قبل أن تنفجر.

وهل نتوقع أن تبقى سوريا خلال المرحلة القادمة مرتبطة بالجمهورية الإيرانية؟

باعتقادي أنّ السوري يتمتع بعقلية فينيقية، عقلية التاجر، التي تمكنه من البحث عن تدبير شؤونه بشكل مستقل، لذا أتوقع أن تتمكن سوريا من تحقيق قدر من الاستقلالية وعدم التبعية، وقد يكون هناك صيغة تشاركية ما بين سوريا وإيران، وخصوصاً أن إيران ليست دولة صناعية، ربما سيكون هناك اعتماد على إيران في بعض القطاعات مثل صناعة السيارات، ولكن في قطاعات أخرى كالنسيج واللباس أعتقد أن سوريا ستحقق استقلالاً فيها، وإن كان الحديث عن ذلك مبكراً الآن، خصوصاً أنّ سوريا ستمر بداية في مرحلة "إعادة ترميم" قبل الحديث عن إعادة بناء القطاعات الصناعية. وبالإجمال، أتوقع أن يكون الحال في سوريا مختلف عما هو في العراق؛ حيث يلعب الرابط المذهبي في العراق دوراً أكبر، ويؤدي إلى تبعية اكبر للجمهورية الإسلامية.

وماذا  عن الصين وتزايد اهتمامها بمنطقتنا، هل سنشهد زيادة في النفوذ الصيني خلال المرحلة القادمة؟

نعم، أعتقد ذلك فعلاً، الآن الصين ماضية في تنفيذ مشروعها الإستراتيجي "طرق واحد.. حزام واحد"، وهو مشروع لا بد أن يمر في المنطقة العربية. وما يستتبع ذلك من تزايد الاستثمارات الصينية في المنطقة، وتزايد حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، ومن المؤكد أنّ الصين ستحمي مصالحها في المنطقة، وبدأت فعلياً؛ حيث تم بناء أول قاعدة عسكرية مؤخراً في جيبوتي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية