هكذا خطط أردوغان للبقاء في الرئاسة مدى الحياة

هكذا خطط أردوغان للبقاء في الرئاسة مدى الحياة


05/07/2020

لا يبدو أردوغان قلقاً من تدني شعبيته، التي أجمع عليها المراقبون، ولا يبدو مهتماً بالانتقادات التي توجهها له المعارضة، ولم يعد منشغلاً بتحسين صورته أمام الدول الغربية؛ فهل زهد في الفوز بفترة رئاسية ثانية، أم لم يعد قلقاً من مسألة الانتخابات؟

الكاتب بشير عبد الفتاح، لـ "حفريات": لا يتوقع أردوغان نجاح المعارضة في الاتفاق على مرشح توافقي قادر على منافسته

من قراءة سياسة أردوغان الداخلية، منذ مسرحية الانقلاب عام 2016، وما تبعها من حملات سجن واعتقال وطرد وظيفي لمئات الآلاف من الأتراك، والتي ما تزال مستمرة حتى الآن، والتخلص من كوادر حزب العدالة والتنمية، واستفتاء 2017 على النظام الرئاسي، والانتخابات الرئاسية المبكرة عام 2018، يخرج المشاهد بحقيقة واحدة؛ هي أنّ أردوغان يفعل كلّ شيء ليبقى رئيساً مدى الحياة، سواء بالشعبية، أو بالتزوير، أو بقمع كلّ منافس له، بعد أن سيطر على القضاء والمؤسسات العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، وغيرها.

خدعة النظام الرئاسي

عندما كشف أردوغان عن نيته تحويل النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي أخذت الحيرة كثيرين، وآخرون كشفوا ما وراء ذلك؛ حيث إنّ الرجل بيده السلطة بطريقة ديمقراطية، وإن شابها نقص كبير، إلا أنّها تظلّ ديمقراطية في حدّها الأدنى.

غير أنّ أردوغان يدرك أنّ التعويل على الشعبية لن يستقيم مع طموحاته وأحلامه الشخصية في أن يصبح سلطاناً عثمانياً جديداً، فالكتلة التصويتية التي تنتخبه ليست جميعها مؤدلجة، تعتنق أوهام الإسلام السياسي والعثمانية الجديدة، وناخبوه في الأناضول لم يختاروه لعثمانيته الجديدة، بل للإنجازات الاقتصادية التي حققها في عهده كرئيس للوزراء، خصوصاً في الفترة من 2003 حتى 2012، قبل أن يكشف عن أحلامه الاستعمارية، التي لن يجني المواطن البسيط منها شيئاً، بل سيدفع ثمنها من استقراره المعيشي، وهو الواقع اليوم.

اقرأ أيضاً: لماذا يقف أردوغان على أطرافه في العراق؟

لذلك جاء قراره بتحويل النظام السياسي إلى رئاسي مطلق الصلاحيات، كي يضمن لنفسه حكم البلاد حتى الممات، وتنفيذ مخططاته دون الاهتمام الكبير بحيازة الأغلبية البرلمانية. وبحسب نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شركة "ماك" للدراسات الاجتماعية واستطلاعات الرأي؛ فقد تراجع تأييد "حزب العدالة والتنمية" إلى 32% في مطلع 2020.

يقول رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية"، والباحث في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، بشير عبد الفتاح: "أردوغان مسكون بفكرة بقائه في السلطة حتى مماته، ويرى نفسه الأحقّ بحكم تركيا، التي لم تنجب غير اثنين يستحقّان حكمها، الأول أتاتورك، وهو الثاني، كما يظنّ".

اقرأ أيضاً: أردوغان يزور الدوحة بأجندة أمنية ومالية... ما ملامحها وما اللافت فيها؟

بعد التحوّل إلى النظام الرئاسي أصبح رهان أردوغان على بقائه في الحكم مرتبطاً بشخصه أولاً، ثم بحزبه في المقام الثاني، والذي تحوّل إلى ديكور في مصفوفة الاستبداد الأردوغانية.

ويضيف عبد الفتاح، في حديثه لـ "حفريات": "تحويل النظام السياسي إلى برلماني جاء لتمكين أردوغان من البقاء في السلطة حتى مماته، ولذلك وسّع صلاحيات الرئيس، لتشمل السلطة المدنية والعسكرية، وتعيين القضاة، ورئاسة الحكومة، وغيرها، حتى بات مسيطراً على كلّ شيء".

يدعم الطرح السابق النصّ في الدستور المُعدل على تحديد الفترات الرئاسية بفترتين، مدة كلّ منهما 5 أعوام، مع الحقّ في فترة ثالثة حال الدعوة إلى انتخابات مبكرة، ما يفتح الباب لأردوغان للبقاء في الحكم لمدة تصل إلى 15 عاماً تقريباً، أي سيبقى بموجب ذلك رئيساً حتى 2033، ولو طال عمره سيغيّر الدستور بسهولة، ليبقى فترات أخرى".

يقرأ بشير عبد الفتاح، إرهاصات الاستبداد لدى أردوغان: "كان واضحاً أنّه لن يرحل أبداً عن السلطة إلّا بالموت، فعندما بنى القصر الرئاسي لم يكن يبنيه لأحد غيره، وعندما جمع كلّ الصلاحيات بيد الرئيس لم يتخيّل أن تكون بيد غيره".

رئيس بأيّة وسيلة

يمثّل التحوّل إلى النظام الرئاسي، بصلاحيات الرئيس المفرطة، سلاحاً ذا حدّين؛ فبإمكان أردوغان أنّ يظلّ رئيساً طالما جمع شعبية كبيرة حول شخصه، حتى إن تدنّت شعبية حزبه، ولو جاء برلمان لم يحصل فيه ائتلافه (العدالة والتنمية، والحركة القومية) على الأغلبية فبإمكانه تهميشه، بعد أن سلب صلاحيات البرلمان، وجعلها قاصرة على التشريع، بعد أن شاركه هذا الحقّ، لكن من ناحية أخرى؛ أصبحت إطاحة أردوغان أيسر، في حال توافر شرطين: الأول ضمان نزاهة العملية الانتخابية، والثاني مرشح كفء تجتمع المعارضة حوله، ويكسب أصوات الكتلة التصويتية لأردوغان، من غير المؤدلجين.

اقرأ أيضاً: لماذا تستدعى فلسطين في مباحثات أردوغان بالدوحة؟

لم تغب هذه الاحتمالية عن ذهن أردوغان، فبدأ العمل على إضعافها، منذ مسرحية الانقلاب، عام 2016، عبر عدة مسارات، وهي: الأول تفتيت مؤسسات الدولة القوية، وإحلال الموالين له فيها، بما في ذلك الجيش والقوى الأمنية والمخابرات.

والثاني: التخلص من العناصر النشطة في حزب العدالة والتنمية، من كبار القادة التاريخيين، مثل أحمد داود أوغلو، أو رجال الصفّ الثاني، مثل علي باباجان، وغيرهما، وترقية الموالين لشخصه، شريطة أن يكونوا منعدمي الطموح.

والثالث: جمع كلّ الصلاحيات التنفيذية بيده، ومشاركة البرلمان في التشريع، والسيطرة التامة على القضاء، خصوصاً المحكمة الدستورية.

اقرأ أيضاً: "حكم الرجل الواحد" في تركيا: سياسات أردوغان التي تقود نحو الهاوية

بالنسبة إلى المعارضة؛ لم يتخوّف أردوغان منها حتى الآن في المنافسة على منصب الرئيس، على عكس المنافسة على مقاعد البرلمان أو الانتخابات البلدية؛ فهذه المعارضة تعاني من مشاكل داخلية عميقة.

 يشرح ذلك الكاتب بشير عبد الفتاح، لـ "حفريات"، بقوله: "لا يتوقع أردوغان نجاح المعارضة في الاتفاق على مرشح توافقي قادر على منافسته؛ ففي أول انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر، عام 2014، لم ينجح مرشح المعارضة التوافقي، أكمل الدين إحسان أوغلو، أمامه، ونال أردوغان 51.79% مقابل 38.44% لأوغلو، الذي يحظى بتوافق كبير داخل تركيا".

اقرأ أيضاً: أردوغان وحلفاؤه فرحون بنتائج الانتخابات البلدية الفرنسية: ماكرون باقٍ

أمّا عن الانتخابات المقبلة، في 2023؛ فلا يرى عبد الفتاح منافساً بحجم أردوغان، فأحمد داود أوغلو محسوب على أردوغان، ولن يحظى بأصوات كبيرة، وعلي باباجان لا توجد قاعدة انتخابية كبيرة تدعمه، أمّا مرشح الحزب الجمهوري المتوقع، رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، فلا يملك خبرة كبيرة مقارنة بأردوغان، إلى جانب أنّ حزبه يعاني أزمة كبيرة منذ أعوام طويلة.

وبفرض وجود منافس قوي؛ فلن يعدم أردوغان التخلص منه بتهمة الإرهاب، أو بأيّة تهمة، بعد أن أحكم قبضته على القضاء، أو سيزوّر الانتخابات التي بات يشرف عليها.

وفي خطوة ذات صلة بذلك؛ بدأ أردوغان في الترويج، بشكل غير مباشر، لخطوته القادمة، التي يريد فيها تعديل شرط الحصول على 50% +1 للفوز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، والاستعاضة عنها بفوز من يحصل على أعلى نسبة من الأصوات، وإلغاء جولة الإعادة، ما يعني أنّ أردوغان ضمن الفوز إذا حصل على أيّة نسبة، شريطة أن يتجاوز أقرب منافس له، وجاء الترويج على لسان دولت بهتشلي، زعيم حزب الحركة القومية، حليف أردوغان، عبر حسابه على تويتر، في 17 أيار (مايو) الماضي، والذي بدأ الترويج للتحول للنظام الرئاسي على لسانه أيضاً، قبل طرح الفكرة على لسان أردوغان مباشرةً.

اقرأ أيضاً: هل يتسبب أردوغان بإفلاس المصارف الليبية؟

علاوةً على ذلك؛ لم يُسقط أردوغان الكتلة التصويتية الأكبر من الأتراك من حسابه، خصوصاً في الأناضول، حاضنته الانتخابية، فعمل على استغلال دواخلها النفسية.

يشرح الباحث والمترجم في الشؤون التركية، عبد الله منصور، ذلك بقوله: "معظم الأتراك منشغلون بأمورهم المادية، في ظلّ صعوبة الحياة في تركيا، لذلك يميل كثيرون منهم إلى إعادة انتخاب أردوغان، بعد أن ربط الاقتصاد ومؤسسات الدولة الاقتصادية بشخصه، فباتوا يخشون من تدهور حالهم إذا رحل أردوغان، بسبب هذا التداخل".

ويستدرك منصور في حديثه لـ "حفريات": "هناك أمر آخر يتعلق بنفسية الأتراك، وهو خوفهم من انتقام الميليشيات التي شكلها أردوغان، مثل الجندرمة، في حال عدم تصويتهم لصالح أردوغان، على الأقل في مناطق نفوذه التقليدية".

أهل الثقة لا أهل الخبرة

اعتمد أردوغان سياسة أهل الثقة لا أهل الخبرة في إطار خطته للانفراد بحكم تركيا طوال حياته؛ فاتّبع سياسة التخلص من الأصدقاء الأقوياء قبل الأعداء، مثلما بدأ مع الصديق القوي فتح الله غولن، مؤسس حركة "خدمة"، التي مهّدت المجتمع لتقبل الإسلام السياسي، والتي اعتلى أردوغان إنجازاتها ثم انقلب عليها، وصنفها إرهابية عام 2015، ثم استغلّ مسرحية الانقلاب ليصفي المنتمين إليها، أو من يريدون التخلص منه، ولا يجد ذريعة سوى اتهامهم بالانتساب إلى جماعة غولن.

أصبح حقّ اختيار أعضاء المحكمة الدستورية وتعيينهم بيد أردوغان، عقب التعديلات الدستورية عام 2017، ما يعني سيطرته على الجهة الوحيدة التي من حقّها عزل الرئيس

سار على النهج نفسه داخل حزب العدالة والتنمية؛ فأقصى رفيقه أحمد داود أوغلو، وكثيرين غيره، أمّا عن مؤسسات الدولة؛ فقد استغل تهمة الانتماء لجماعة غولن للإطاحة بعشرات الآلاف من ضباط وجنود الجيش والشرطة والمخابرات، ففصل ثلث طياري القوات الجوية، واضطر لاستبدالهم بطيارين مدنيين، يدينون بالولاء له، وأنشأ قوى أمنية موازية، مثل "الجندرمة"، التي أجاز لها حمل السلاح، لتكون ميليشيا مخلصة له.

يضيف بشير عبد الفتاح: وفق التقارير الدولية؛ فقد انخفضت كفاءة القوات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التركية، بعد فصل أردوغان العناصر الكفؤة التي تدربت في الولايات المتحدة وأمريكا، وعملت في مهام ضمن حلف الناتو.

إلى جانب ذلك نكّل أردوغان برؤساء البلديات من الأحزاب المعارضة، بفصلهم وتعيين آخرين موالين له، وبذلك أصبحت الانتخابات البلدية محض أمر شكلي بسبب استبداده.

وفي القضاء؛ أصبح حقّ اختيار أعضاء المحكمة الدستورية وتعيينهم بيد أردوغان، عقب التعديلات الدستورية عام 2017، ما يعني أنّ الجهة الوحيدة التي من حقّها عزل الرئيس، أو الفصل في خلافات الرئيس والبرلمان، باتت في يده.

اقرأ أيضاً: أردوغان على خطى الحرس الثوري الإيراني في تجنيد الأطفال في ليبيا

أمّا البرلمان؛ فقد حرمه أردوغان من دوره الرقابي على السلطة التنفيذية، وحتى إقرار الميزانية؛ إذ تنصّ التعديلات الجديدة على أن يعرض الرئيس الموازنة على البرلمان، وفي حال عدم اعتمادها يتمّ العمل بموازنة العام السابق، هذا عدا عن مشاركته في التشريع، وإرجاء حلّ الخلاف بين الرئيس والبرلمان إلى المحكمة الدستورية، التي يعيّن أعضاءها بنفسه.

في هذا السياق؛ تبدو تصريحات المعارضة، مثل تصريح رئيسة حزب الخير، ميرال أكشينار، ورئيس الحزب الجمهوري، كمال قليجدار أوغلو، بتضاؤل فرص أردوغان في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة صادقة، لكنّ ذلك لم يعد يشغل بال أردوغان، الذي أعدّ العدة للبقاء في الحكم حتى مماته.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية