قراءة في كتاب "تشريح الإرهاب.. من مقتل بن لادن إلى ظهور داعش"

قراءة في كتاب "تشريح الإرهاب.. من مقتل بن لادن إلى ظهور داعش"


21/06/2018

رغم خطورة ظاهرة الإرهاب العالمي والأهمية التي تحظى بها الجماعات والمنظمات الإرهابية في العالم، خاصة تنظيمي؛ القاعدة وداعش، إلا أنّ هناك قلة في كتابات الخبراء الفعليين في هذا المجال الذين عملوا فعلاً على ملفات الجماعات الإرهابية، سواء في العمليات الاستخبارية، أو في التحليل الاستخباري، مقارنة مع الكم الهائل من الأدبيات في هذا الحقل من طرف الصحفيين والمحللين والباحثين والأكاديميين.

وهذه ظاهرة لا تقتصر على الدول العربية؛ بل في جميع أنحاء العالم، لأسباب كثيرة ليس هنا مكان شرحها.

من ضمن الكتب المهمة التي تتحدث عن إرهاب تنظيم القاعدة وداعش؛ يأتي كتاب "تشريح الإرهاب.. من مقتل بن لادن إلى ظهور داعش"، الذي نشر باللغة الإنجليزية 2017، للضابط السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية "علي صوفان".

صوفان؛ أمريكي من أصولٍ لبنانية، ضابط سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكان منخرطاً في قضايا رفيعة لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وحول العالم.

صوفان انخرط في قضايا رفيعة لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وحول العالم

قالت عنه مجلة "ذي نيويوركر"، عام 2006: إنه كان أقرب من أي شخص آخر للكشف عن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، قبل وقوعها، لولا عدم مشاركة وكالة المخابرات المركزية المعلومات مع مكتب التحقيقات الفيدرالية.

وهي قصة أصبحت معروفة على مجال واسع في أدبيات الإرهاب، وعمل الأجهزة الاستخبارية في العالم.

قدم استقالته من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بعد هجومه العلني على وكالة المخابرات المركزية، عام 2005، لامتناعها عن مشاركته المعلومات التي كان من الممكن أن توقف هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وفي عام 2011، نشر مذكراته، التي تتضمن معلومات تاريخية عن تنظيم القاعدة، بعنوان: "اللافتات السوداء: قصة 11 سبتمبر من الداخل والحرب ضد تنظيم القاعدة".

يُشبّه صوفان، تنظيم القاعدة وفروعه بوحش "الهيدرا" في الميثولوجيا اليونانية الذي كلما قطع له رأس نبت له رأسان

وعن قصة حياة صوفان مع الأجهزة الاستخبارية ومكافحة الإرهاب في أمريكا، قامت هوليوود 2018، بإنتاج مسلسل تلفزيوني بعنوان "البروج المشيدة" (ذي لومينغ تاور)، يصوّر الأخطاء التي ارتكبتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، والمنافسة بين مكتب التحقيقات ووكالة المخابرات، وعدم تبادل المعلومات بينهما، وهي من الثغرات التي أتاحت لهجمات 11 أيلول أن تنجح.

وفي هذا المسلسل يرى صوفان، الذي يؤدي دوره في المسلسل الممثل الفرنسي طاهر رحيم، فرصة ليروي وقائع من هجمات 11 أيلول للأجيال الجديدة، وكسر الصورة النمطية عن المسلمين، ورسالة للمهاجرين الجدد الذي يشعرون أنهم مهمّشون في الغرب.

كما قام صوفان بتأسيس مؤسسة مهتمة بمكافحة الإرهاب، أطلق عليها اسم "صوفان غروب"، وهو يوظّف متقاعدين من مكتب التحقيقات ومن وكالة المخابرات، ويقدّم التدريب للحكومات وأجهزة الأمن والمخابرات في كل أنحاء العالم.

في كتابه الجديد، يُشبّه صوفان، تنظيم القاعدة وفروعه بوحش "الهيدرا" في الميثولوجيا اليونانية الذي كلما قطع له رأس، نبت له رأسان.

غلاف الكتاب

الكتاب، بشكل عام، يحذّر من استمرار خطورة تنظيم القاعدة؛ حيث يقول إنّه بعد أكثر من عقد ونصف على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأكثر من ستة أعوام على مقتل أسامة بن لادن، ما يزال تأثير سرطان أسامه بن لادن، وهو ما أطلق عليه صفة الابنلادنّية  -نسبة إلى بن لادن- ينمو في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراءهما، وتنقله ناقلات أوسع انتشاراً، وأثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان لدى تنظيم القاعدة 400 عضو، وأما الآن فلديه أتباع ومريدون منتشرون من شواطئ المحيط الهادئ إلى ضفاف الأطلسي في إفريقيا، ويتساءل كيف وصل عدد مقاتلي داعش اليوم إلى 40000 مقاتل من مختلف الدول في العالم، حتى إلى دول ليس بها جاليات إسلامية كبيرة مثل؛ اليابان وتشيلي، دون أن ينسى الإشارة  إلى أنّ حمزة بن لادن، وهو في العشرينيات من عمره، والذي نشأ على الإرهاب، وعزم على اقتفاء أثر والده، يتم إعداده في الوقت الراهن للقيادة مع عدد آخر من الأفراد الذين كانوا محل ثقة والده.

اقرأ أيضاً: ماذا كان أسامة بن لادن يقرأ؟

يتحدث صوفان عن تجارب شخصية، سيما أنه كان محققاً بارزاً في تفجير المدمرة الأمريكية "كول"، وأشرف على عمليات مكافحة الإرهاب والتحقيق في الأحداث المحيطة بهجمات 2001، وكان من العناصر التي تعرفت إلى مختطفي الطائرات المستخدمة في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، وعلى العقل المدبر لتلك الهجمات خالد شيخ محمد المعتقل الآن في غوانتانامو.

بعد أكثر من ستة أعوام على مقتل بن لادن ما يزال تأثير سرطانه ينمو في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما وراءهما

استقال صوفان من مكتب التحقيقات الفيدرالي، عام 2005، وكان ينتقد علانية إدارة بوش بسبب أساليب التعذيب المستخدمة في استجواب المشتبه فيهم، باعتبارها خطأ أخلاقياً ووسيلة خطيرة وغير فاعلة، تتمخض عن معلومات غير موثوقة، وتساعد الإرهابيين في عمليات التجنيد.

ويركز صوفان على التنظيمات الإرهابية بعد وفاة بن لادن، وكيف تطورت تنظيمات القاعدة وداعش منذ ذلك الحين، وفلسفتهما المختلفة ومساراتهما المتباينة، وكيف شكلت شخصيات القادة التنظيمين، والعلاقة بين بن لادن الهادئ، وأبي مصعب الزرقاوي، المسلح الغاضب، وتحولاته وتركيزه على الاستشهاد بالقرآن والأحاديث، الذي أسس التنظيم الذي أصبح داعش فيما بعد.

وتحدث عن خالد شيخ محمد، المدبر والمخطط لهجمات 11 سيبتمر2001، ومحمد عطا، وغيرهم.

اقرأ أيضاً: كتاب جديد يكشف ملامح شخصية الإرهابيين

ركز صوفان على الدور الكارثي الذي لعبه الغزو الأمريكي للعراق، في تغذية الإرهاب وإنشاء الفوضى وفراغ السلطة في العراق، ووفّر البيئة الحاضنة المثالية للعنف وسفك الدماء، مؤكداً أنّ القرارين الأمريكيين بحلّ الجيش العراقي وحظر حزب البعث، ومنع أعضائه من تقلد مناصب في السلطة، ثبت أنهما كارثيان، (وهذه وجهة نظر يتفق عليها معظم الباحثين والخبراء في الشأن العراقي)، ذلك أنّ البعثيين السابقين العاطلين عن العمل، سرعان ما أصبحوا العمود الفقري لتنظيم داعش الإرهابي.

وبخبراتهم الحكومية والمخابراتية والعسكرية، جعل هؤلاء الناس أنفسهم أساساً لإنجازات التنظيم في ميدان المعارك، والأساليب الإرهابية التي استخدموها لترهيب المواطنين العاديين.

ويقدم صوفان توضيحاً مفصلاً للإدارة البيروقراطية بشكل كبير في تنظيم القاعدة، ويصف وجهة بن لادن للتاريخ، وولعه بالإدارة التفصيلية، مقتبساً رسالته إلى أحد القادة التابعين له: "أرجو إرسال السيرة الذاتية لكل العناصر الذين يمكن ترشيحهم للمناصب الإدارية العليا، الآن أو في المستقبل"، ومثل هذه الرسالة توضح كيف كانت إدارة التنظيم اليومية.

ركز صوفان على الدور الكارثي الذي لعبه الغزو الأمريكي للعراق، في تغذية الإرهاب وإنشاء الفوضى وفراغ السلطة في العراق

لقد حاول صوفان الحديث عن الخلافات بين القاعدة وداعش، رغم أنه يقول إنّه ليس هناك الكثير من الخلافات الرئيسة، لكنه يلفت النظر إلى أنّ بن لادن حذر أتباعه من مسألة السيطرة على الأرض وإعلان الخلافة، ودعا إلى عدم المركزية، وبناء الفروع.

وركز على تتبع حياة القيادي في تنظيم القاعدة الآن سيف العدل –مصري الجنسية، الذي شبهه بتشي غيفارا، ووصفه بأنه شخص خطير وأكثر فعالية وإبداعاً من أيمن الظواهري، الذي يختبئ في الكهوف، بينما سيف العدل شخص متحرك ونشط، جال في آسيا وإفريقيا، وهناك معلومات بأنّه في سوريا، بحسب صوفان.

أفرد صوفان بعض صفحات الكتاب للحديث عن بعض تجاربه الشخصية في مكافحة الإرهاب وعمليات التحقيق والاستجواب الاستخباري

على الجانب الشخصي، أفرد صوفان بعض صفحات الكتاب للحديث عن بعض تجاربه الشخصية في مكافحة الإرهاب، في عمليات التحقيق والاستجواب الاستخباري، والأساليب التي تعلمها كمحقق لمعرفة ما يدور في خلد المستجوبين، والمحقق معهم، والتعرف إلى العوامل التي دفعت كثيرين منهم إلى أن يصبحوا إرهابيين، والأساليب التي يستخدمها تنظيما القاعدة وداعش لتجنيد أعضاء جدد وللترويج لأعمالهما الإرهابية.

وقال إنّه، ومن خبرته الشخصية بالتحقيق والاستجواب، تبين له أنّ معظم مؤيدي داعش ليس لديهم علم بتعاليم الإسلام والقرآن، مؤكداً أنّ التعاطف أداة مفيدة في مكافحة التطرف والإرهاب.

النصيحة الغريبة التي انتهى إليها صوفان؛ هي دعوته صناع القرار إلى ضرورة فهم الحركة السلفية أكثر لفهم المحركات التي تدفع وتحرك الجمعات الإرهابية، وأنه بفهم تنظيمَي القاعدة وداعش، يمكن محاربة الأيديولوجية المدمرة التي يمثلانها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية