لماذا سببت "بي بي سي" و "فرانس برس" الإزعاج لصحيفة عزمي بشارة؟

قطر

لماذا سببت "بي بي سي" و "فرانس برس" الإزعاج لصحيفة عزمي بشارة؟


14/06/2018

إذا كان من المألوف أن تنتقد الدوحة الدول الأربع المقاطعة لها، على خلفية اتهامها لقطر برعاية التطرف، فإنّ الغريب أنْ يتوجّه الانتقاد القطري أيضاً إلى مؤسسات إعلامية مرموقة مثل "وكالة الأنباء الفرنسية" (فرانس برس) أو قناة "بي بي سي" البريطانية؛ حيث عبّرت منصات إعلامية مقربة من قطر عن امتعاضها من تقارير بثتها المؤسستان العريقتان، في إطار تغطيتهما لمرور عام على أزمة قطر مع "الرباعي العربي" (السعودية ومصر والإمارات والبحرين).

"من الكنيست إلى كواليس السياسة القطرية"

وكانت "وكالة الأنباء الفرنسية" نشرت تقريراً لها في السادس من الشهر الجاري تحت عنوان: "عزمي بشارة من الكنيست إلى كواليس السياسة القطرية"، ذكرت فيه أنّ بشارة "أصبح مقرباً من دائرة القرار في قطر، وأحد أبرز محركي الإعلام القطري في المنطقة". ونقل تقرير الوكالة العالمية عن ثيودور كراسيك، الخبير في شؤون الخليج، قوله ("إن بشارة يلعب دوراً رئيسياً في "صياغة نهج قطر في المنطقة والعالم عبر وسائل الإعلام والأبحاث")، مشيرة إلى أنه (يترأس "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، بالإضافة إلى تأسيسه لصحيفة "العربي الجديد" و"التلفزيون العربي"، ومواقع وصحف إلكترونية أخرى). ونقلت "فرانس برس" عن كراسيك تأكيده (أن دور بشارة "مسلّم به"، مشيراً إلى أنه "بالنظر إلى حدة الخلاف بين (قطر) ودول الخليج، وإمكان حصول قطيعة دائمة، فإن المفكر الفلسطيني سيظل يجد ملاذاً آمناً في الدوحة").

ثيودر كراسيك: ماذا لو غيّرتْ الدوحة مسارها؟

وقد تابعت الوكالة الفرنسية تقريرها بما نصّه حرفياً: (في وسائل الإعلام الخليجية، أطلقت على بشارة ألقاب عديدة، من "راسبوتين الدوحة"، إلى "عرّاب الإرهاب القطري"، وحتى "عميل الموساد"، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. وتنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في الدول المقاطعة للدوحة عبارتا "خلايا عزمي" أو "مرتزقة الدوحة"، للإشارة إلى مستخدمي وسائل التواصل ووسائل الإعلام التي تنظر إليها الدول المقاطعة على أنها متعاطفة مع قطر). وفي تحريها للموضوعية والاستقلالية، وهو ما لم تلتفت إليه المنصات القطرية في انتقاداتها للوكالة، نقلت "الفرنسية" عن اندرياس كريغ، الباحث في مجال الدفاع في كينغز كولدج في لندن، والمطّلع على السياسة القطرية، قوله (إن ما تكتبه وسائل الإعلام الخليجية عن دوره "تم تضخيمه بنسبة كبيرة").

علي هاشم: بدت قطر و"الجزيرة" كتوأم ملتصق وإن سعت القناة في مناسبات عديدة لإظهار تميز تكتيكي عن سياسة الدوحة

وعندما تحدثت عن مستقبل بشارة في الدوحة رأت "وكالة الأنباء الفرنسية" أنه يبدو (مضموناً حتى الآن، بحسب المحللين الذين يشيرون إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق قريب بين الدول المتنازعة في الخليج. ويقول كراسيك إنه نظراً لصعوبة التوصل إلى اتفاق حالياً، فإنّ "المثقف الفلسطيني سيبقى في أمان في الدوحة"، ولكنه أشار إلى أنه "في حال غيّرت قطر مسارها، فإن بشارة بالطبع سيلجأ إلى مكان آخر".

تغطية "بي بي سي" عن أدوار عزمي بشارة

على الضفة الأخرى، وبمناسبة مرور عام على أزمة قطر بثّت قناة "بي بي سي" تغطية للحدث من الدوحة أعدها موفدها الصحافي علي هاشم، وقد قام الموقع الإلكتروني لـ"بي بي سي عربي" بنشر التقرير المطول في الخامس من الشهر الجاري.

اقرأ أيضاً: عزمي بشارة: مثقف تحت الطلب لخدمة مصالح قطر

التقرير البريطاني أشار إلى أنّ "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره العاصمة القطرية يديره الكاتب الفلسطيني عزمي بشارة، والذي أسس مؤسسات أخرى تربوية وأكاديمية وإعلامية في قطر. وبشارة الذي يعد أحد مستشاري أمير قطر، ويحكى أنه أشرف على تثقيفه سياسياً في السنوات التي سبقت توليه السلطة، هو من الشخصيات التي يُنظر إلى دورها بريبة في السعودية والإمارات بشكل رئيسي، ومؤسساته من ضمن التي ألمحت إليها القائمة التي قُدمت لقطر دون أن تسمى بشكل مباشر". وتتابع "بي بي سي" تغطيتها بالقول: (يغمز البعض إلى أن بشارة هو محفّز الطموحات القطرية العابرة للحدود، ولذا فإن استمرار فتح الدوحة أبوابها له ولمشاريعه مؤشر إلى أن الأزمة لن تنتهي عمّا قريب). وفي سياق تقديمها لتفسير للدور الذي يقوم به بشارة في قطر تؤكد "بي بي سي" أنه على المستوى القطري (هناك نظرة أخرى لدور بشارة في البلاد. ويقول إعلامي مقرّب من العائلة الحاكمة، طلب عدم ذكر اسمه، إن بشارة يحظى بأذن الأسرة الحاكمة، وإن أفكاره القومية وعلمانيته تؤمّن التوازن مع الاتجاه الإسلامي الذي يمثله عدد من الكتاب الآخرين ضمن فريق المستشارين المحيطين بالديوان الأميري. وهو عينه الأمر الذي دفع الدولة (القطرية) لتمويل المشروع الذي يضم صحيفة "العربي الجديد" وموقعها وتلفزيون "العربي" الذي يتخذ من لندن مقراً له؛ إذ إنّه لا يشكل منافساً لقناة "الجزيرة" القطرية، بل عامل توازن معها أو مكملاً للدور الذي تقوم به)، وفق ما قاله علي هاشم.

حسني مبارك و"علبة الكبريت"

وتعود "بي بي سي" في تغطيتها إلى إيراد كلام منسوب للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، عن قناة "الجزيرة"، حيث تورد القناة البريطانية إنّه (قبل أعوام شبّه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك خلال زيارته لقطر قناة "الجزيرة" بعلبة الكبريت، وكان حينها يشير إلى شكل المبنى الذي كانت تشغله، والذي كان عبارة عن هنغار جاهز مستطيل، لكنه في الوقت ذاته كان يلمح إلى نظرته للدور المنوط بها)، وفق موفد "بي بي سي" إلى الدوحة، علي هاشم، الذي يقارب، في فكرة أخرى، العلاقة بين قطر وقناة الجزيرة بقوله: (برغم أن واحدة هي أمُّ الأخرى، بدتْ قطر و"الجزيرة" كتوأم ملتصق، وإن سعت القناة في مناسبات عديدة لإظهار تميز تكتيكي عن سياسة (الدوحة)، لكن الأمر لم يكن ممكناً في المفاصل الرئيسية، تماماً كما الحال في "الربيع العربي"، والحرب على اليمن، قبل الأزمة الخليجية وبعدها).

ردّ صحيفة "العربي الجديد"

بدورها، ردت صحيفة "العربي الجديد" المقربة من قطر، في كلمة لها في السادس من الشهر الجاري على تقرير وكالة الأنباء الفرنسية، التي تمت الإشارة إليه آنفاً، واعتبرت أنّ ما جاء في التقرير خطأ. غير أنّ "العربي الجديد" عادت أمس الأربعاء ونقلت الهجمة والامتعاض ضد منبر إعلامي عالمي آخر، هو "بي بي سي". ففي مقال في "العربي الجديد" تحت عنوان "عن الهجمة على المركز العربي" قال مروان قبلان، الباحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات": (المستغرب فعلاً والمثير للدهشة حقاً أن تتخذ مؤسسات إعلامية غربية عريقة، مثل وكالة الصحافة الفرنسية [أ.ف.ب]، وهيئة الإذاعة البريطانية [بي بي سي]، الموقف نفسه وتهاجم المركز العربي ومشروعه الفكري، وتحاول طمس وتشويه دوره التنويري والتغييري في العالم العربي. إذ يفترض بهذه الوسائل الإعلامية التي تعد قائدة في مجال الدفاع عن حرية الرأي والفكر والتعبير والتعدّدية السياسية ونشر الديمقراطية، [والتي هي صلب رسالتها ومنطق وجودها] أن تجد نفسها في صف المركز العربي، لا ضده)، على حد قول قبلان.

تفسيران لهذا "الموقف الغريب"!

قبلان يتبنى تفسيرين لما يصفه بـ"الموقف الغريب" من "الفرنسية" و"بي بي سي"، وهذان التفسيران/الاحتمالان برأيه هما:

(الأول، أن هذه المؤسسات الغربية العريقة اخترقتها "أخوية الاستبداد" عن طريق صحافيين هامشيين يحملون أجنداتها، ويعبرون عن مواقفها). أما الاحتمال الآخر، وفق قبلان فهو: (أن هذه المؤسسات باتت تتبنّى أفكاراً ورؤى قريبة من هذا المعسكر وتشاركه، من ثم، الرأي بأن الشعوب العربية قاصرة، ولا تستحق الديمقراطية، "لخصوصيةٍ" فيها، نابعةٍ من أسباب ثقافية أو حضارية أو فكرية، وأن الأنظمة الاستبدادية القائمة تعد ضرورة لضبطها ومنعها من سلوك مسلك الفوضى). ويختم قبلان تفسيريه بالقول: "إذْ وجد هذا الموقف، الذي غدا مُعجَباً بالاستبداد، ممجداً للطغاة، في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية، فهو يعدّ تراجعًا كبيرًا باتجاه تبنّي مواقف ونظريات كانت سائدةً في عهود السيطرة الاستعمارية"، على حدّ تعبيره.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية