إعلانات الزكاة في رمضان: ابتزاز عاطفي بدون رقابة مالية

الأعمال الخيرية

إعلانات الزكاة في رمضان: ابتزاز عاطفي بدون رقابة مالية


28/05/2018

تنطلق مع بداية شهر رمضان، كل عام، موجة من الإعلانات التي تحضّ المشاهدين على التبرعات، ودفع الأموال والزكاة إلى صناديق التبرعات، التابعة إلى جهات عديدة؛ كالجمعيات الخيرية، والمستشفيات، ودور الأيتام.

بيْد أن بعض المشاهد، التي يجري توظيفها وصناعتها، في المحتوى الإعلاني، تبدو قاسية، ومستفزة، أحياناً، فيما تعمد إلى استغلال الفئات المحتاجة للتبرعات، كتصوير المرضى الذين يعانون من تشوهات جسدية ناجمة عن الحروق، مثلاً، ناهيك عن الأطفال المصابين بالسرطان والقلب، باعتبارهم وسيلة مثلى، تساهم في شحذ تعاطف المشاهد، وابتزاز مشاعرهم، للتبرع بالأموال، عبر حساب مصرفي خاص، بالجهة المعلنة، بحجة أنها تتكفل بعلاج المحتاجين.

بعض المشاهد في الإعلانات تبدو قاسية ومستفزة حيث تعمد إلى استغلال الفئات المحتاجة للتبرعات

وثمة جهات عديدة وأسماء جديدة، في كل عام، تظهر بهدف جمع التبرعات، إلى جانب الجمعيات الخيرية، ودور الأيتام والمستشفيات التي باتت معروفة؛ حيث تدخل في منافسة بمحتواها الإعلاني، مع الجهات التقليدية والقديمة المعروفة، وذلك، من خلال التركيز عى الفئة، التي يكون بصددها، نقل أموال التبرعات، سواء كانوا مرضى، أو عائلات مهمشة، تعيش بدون موارد، وفي ظروف اجتماعية معقدة، لا تتوافر لهم خدمات ومرافق سكنية، بغية جذب المشاهد، من خلال مادة إعلانية مثيرة.

بذخ شديد وإنتاج ضخم يترافق مع المحتوى الدعائي الهادف للمساعدة الإنسانية!

نجوم الإعلانات ورحى المنافسة

يبدو لافتاً الاعتماد على نجوم المجتمع والنخبة، سواء الثقافية والدينية والرياضية والفنية والإعلامية، وغيرهم، من الشخصيات العامة، بهدف خلق مصداقية، والاعتماد على متابعيهم ورصيدهم الجماهيري، في الترويج للمنتج الإعلامي، وتكوين خطابات ووجوه ومرجعيات مختلفة تساعد في تعضيد المحتوى الإعلاني لدى المشاهد.

وإزاء البذخ الشديد والإنتاج الضخم الذي يترافق مع المحتوى الدعائي الهادف للمساعدة الإنسانية، وأعمال الخير، تظهر تحفظات وأسئلة كثيرة، حول ضوابط العملية الإعلانية، والتشريعات، التي تحد من انفلاتها وتجاوزها القيم المهنية والإنسانية.

الإعلانات تحتوي على عناصر استفزازية ويظهر العديد من الفنانين في الإعلانات مع أنهم يتقاضون أمولاً طائلة

يرى إيهاب صلاح، طبيب صيدلي مصري، في تصريحه لـ"حفريات" أنّ الإعلانات تحتوي على عناصر استفزازية؛ حيث يظهر العديد من الفنانين، في الإعلانات، ونحن نعلم أنهم يتقاضون فيها أمولاً طائلة، وبالملايين، لحث المشاهدين على التبرعات، دون أن تكون هناك شفافية، في معرفة مصدر هذه الأموال، الخاصة بالجمعيات. وتساءل صلاح: "هل يجري إنتاج هذه الإعلانات من أموال التبرعات، ومن ثم، تخصيص جانب منها لنفقات المحتوى الذي يجري بثه؟".

أين تذهب أموال التبرعات؟

يضيف صلاح: "لماذا لا تكشف تلك الجهات والمؤسسات، عن حجم الأموال، التي يتم الحصول عليها سنوياً، ومصادر تمويلها، من غير التبرعات، وجهات الإنفاق الحقيقية، ومصدر الملايين التي تدفع للفنانين، وغيرهم، وإلا أصبحت التبرعات مهدرة في المنافسة التجارية والإعلانية بين الجمعيات"؟

وفي السياق ذاته، قال أستاذ مادة الإعلان في جامعة القاهرة، الدكتور صفوت العالم، لـ"حفريات"، إنّ عملية استغلال الأطفال والمرضى في الإعلانات، تمثل انتهاكاً مؤلماً، لخصوصية البشر في مرضهم، وحقوق الطفل والإنسان، معاً.

وأردف: "ما باتت تهدف إليه تلك القنوات هو الربح الذي تتقاسمه مع وكالات الإعلان، وما لا يعلمه المشاهد هو أن جزءاً من أموال التبرعات، التي ينفقها للخير، يجري صرفها على إنتاج هذه المواد الإعلانية، التي تكلف أموالاً باهظة، وتنقسم إلى عمليتين: الأولى إنتاج الإعلان، والثانية بثه في مختلف المنصات الإعلامية".

عملية استغلال الأطفال والمرضى في الإعلانات، تمثل انتهاكاً مؤلماً

مصادر الأموال والرقابة عليها

وبسؤاله عن مصادر تلك الأموال، والرقابة عليها من الجهات المعنية، بالإضافة إلى التقييم الإعلامي لها؛ مهنياً وأخلاقياً، يقول العالم: إنّ بعض الجهات التي تسعى وراء التبرعات، تكون ميزانيتها غير معلنة، ولا أحد يعلم عنها شيئاً، ويعد ظهور المشاهير فيها إهداراً لأموال المتبرعين، لأنّ هؤلاء يحصلون على أجور مقابل مشاركتهم، وذلك يكون على نفقة المتبرع، الذي تكون نيته التبرع للمحتاج، وليس لإدارة الحملات الإعلانية، بينما تربح القنوات والوكالات الإعلانية من وراء ذلك".

وتدعو الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام، سابقاً، في جامعة القاهرة، إلى "وضع حد لأشكال ابتزاز الناس نفسياً بهذه الطريقة المهينة". وطالبت، في حديثها لـ"حفريات"، وزارة التضامن الاجتماعي، بأن تقوم بدورها القانوني في "التصدي للجهات المطالبة بالتبرعات، وتتعقب سبل جمع أموالها، ورصد حجم ميزانياتها ومعرفة مصارف هذه الأموال، في جهاتها المستحقة، والكشف عن المخالفات، بحيث يتم إعلانها للجمهور، لفصل الغث من الثمين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية