لماذا البحرين رأس الرمح الخليجي بمواجهة المشروع الإيراني؟

البحربن

لماذا البحرين رأس الرمح الخليجي بمواجهة المشروع الإيراني؟


14/05/2018

تقع دول الخليج العربي في دائرة الاستهداف الإيراني، ويتجلى هذا الاستهداف بإستراتيجية إيرانية معلنة، تعززت منذ الثورة الإيرانية عام 1979، عنوانها الهيمنة والاستحواذ على الخليج؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتم التأسيس لهذه الإستراتيجية في منظومات القوانين والتشريعات الإيرانية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه وتصدير الثورة، باستهداف مواطني دول الخليج ممن يتبعون المذهب الشيعي، بهدف الانقلاب على أنظمة الحكم القائمة، وإقامة أخرى تابعة لإيران، تستلهم أيديولوجيتها ونموذجها، ومن الواضح أنّ القيادة الإيرانية أغراها ما تعتقد أنّه نجاحات حققتها في العراق وسوريا ولبنان وأخيراً في اليمن، في رفع وتيرة استهدافها للخليج.

الاستهداف الإيراني للبحرين يتمايز عن استهداف بقية دول الخليج بمظهرين وهما:

الأول: غياب "التقية" الدينية السياسية عن المشروع الإيراني في البحرين؛ إذ إنّ الاستهداف معلن من قبل القيادة الإيرانية وأذرعها في الإقليم، خلافاً لبقية دول الخليج الأخرى، التي يمارس الاستهداف فيها عبر "غطاءات" متعددة ومتنوعة.

الثاني: إنشاء تنظيمات وخلايا سرية، تمارس الإرهاب المسلح، وتقديم الدعم السياسي والعسكري؛ تدريباً وتسليحاً، والإعلامي، و"نجاح" هذه التنظيمات في تنفيذ العديد من العمليات النوعية التي تستهدف السيادة الوطنية بعناوين أمنية واقتصادية، رغم نجاحات السلطات البحرينية في إحباط العديد من تلك المخططات.

تم التأسيس لهذه الإستراتيجية في منظومات القوانين والتشريعات الإيرانية القائمة على مبدأ ولاية الفقيه وتصدير الثورة

تاريخ الإرهاب في البحرين يعود إلى "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" التي خططت لتنفيذ العديد من العمليات، بما فيها قلب نظام الحكم في البحرين، منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، واستلهمت تنظيمات ناشئة على غرارها لاحقاً رؤى الجبهة، مستفيدة من التطورات بالتحول الديمقراطي في البحرين، بحيث شكلت الجمعيات (الأحزاب) وخاصة جمعية الوفاق، إضافة لتشكيلات سياسية دينية (المجلس العلمائي، يضم المراجع الدينية للطائفة الشيعية)، إضافة للعديد من منظمات حقوق الإنسان التي تتولى الدفاع عن العناصر الإرهابية غطاء لها.

الضرب على وتر تأجيج الطائفية

وإذا كانت الجبهة الإسلامية اعتمدت على إيران كلياً في التوجيه والتخطيط وتلقي كافة أوجه الدعم؛ فإنّ التنظيمات الجديدة التي تم إنشاء غالبيتها، بعد عام 2011 (سرايا الأشتر، ائتلاف 14 فبراير، سرايا المقاومة، حزب الله البحريني، سرايا المختار، وأحرار البحرين)، بالإضافة إلى استمرار تبعيتها لإيران، فقد وفرت التطورات في العراق نافذة دعم جديدة لها، بالتوازي مع دعم حزب الله اللبناني؛ إذ تشير تحقيقات السلطات البحرينية "المعلنة" إلى أنّ غالبية عناصر هذه التشكيلات تلقوا تدريبات وتوجيهات في إيران، في معسكرات معروفة، أبرزها معسكر "كوج" في شمال إيران، إضافة لمعسكرات حزب الله اللبناني، ولدى بعض فصائل "الحشد الشعبي العراقي"، الأكثر ولاء لمرشد الثورة الإسلامية في إيران؛ حيث تتم زيارات العناصر الإرهابية، بغطاء زيارة الأماكن المقدسة والمشاركة بمناسبات دينية مختلفة.

القيادة الإيرانية أغراها ما تعتقد أنّه نجاحات حققتها في العراق وسوريا ولبنان وأخيراً في اليمن، في رفع وتيرة استهدافها للخليج

الإرهاب المدعوم من إيران في البحرين، بالإضافة لديمومته باعتباره هدفاً إيرانياً ذا أولوية على دول الخليج الأخرى، إلا أنّه يتطور في ظلّ سياقات جديدة، مرتبطة بالمتغيرات التي يشهدها الإقليم، وأهمية البحرين في المشروع الإيراني، وهي:

أولاً: أنّ البحرين تشكل رأس الرمح في مواجهة المشروع الإيراني؛ إذ يتضمن هذا المشروع مخططات لاتخاذ البحرين مركزاً "غرفة عمليات" للسيطرة على الخليج، من خلال تسهيل بناء علاقات للتنظيمات العسكرية والسياسية والدينية مع أبناء الطائفة الشيعية في بقية دول الخليج، خاصة وأنّ "المجلس العلمائي" في البحرين يقيم علاقات وثيقة مع رموز ومراجع دينية مماثلة في دول الخليج الأخرى (شرق السعودية والكويت ....الخ)، وتحقيق أي نجاح على هذا الصعيد سيعفي هؤلاء من تهمة إقامة علاقات مباشرة مع إيران.

ثانياً: تطورات أزمة قطر مع جيرانها، والتسريبات حول علاقات قطرية مع المعارضة البحرينية (وخاصة رموز جمعية الوفاق، وعلى رأسهم الشيخ علي سلمان) ستفقد البحرين إحدى بوابات العمق الإستراتيجي في مواجهة مشروع إيران، خاصة وأنّ أنشطة المعارضة البحرينية تحتل حيزاً واسعاً من تغطيات قناة الجزيرة الفضائية، وباتجاهات تظهر تأييد وميول هذه القناة للمعارضة.

البحرين تشكل رأس الرمح بمواجهة المشروع الإيراني إذ يتضمن مخططات لاتخاذ البحرين مركزاً للسيطرة على الخليج

ثالثاً: إنّ استمرار الارتباط الوثيق بين التنظيمات الإرهابية في البحرين مع القيادة الإيرانية، وأذرعها في الإقليم، وتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الدولة اقتصادياً (تفجير أنابيب النفط) وسياسياً وإعلامياً (بجعل البحرين على قائمة أخبار فضائيات ووسائل إعلامية موالية للقيادة الإيرانية، وتحديداً محطات: (العالم والميادين والمنار) يجعل من شعارات القوى البحرينية ومطالباتها المتضمنة: تعزيز منظومات حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة، وأنّ ما يجري في البحرين "ثورة" حقوق مدنية، موضع شكوك عميقة لدى المتابعين للشأن البحريني، خاصة مع تجاهل هذا الإعلام انتفاضة شعبية متواصلة في إيران شملت (70) مدينة وبلدة إيرانية، بدأت منذ أواخر العام الماضي، على خلفية مطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية للشعب الإيراني، وهو ما يؤكد أن مشكلة خصوم إيران ليست مع الشعب الإيراني، وإنما مع القيادة الإيرانية، وبالتزامن تشهد البحرين حراكات جماهيرية، تتخذ طابعاً عنيفاً في أغلب الأحيان، كلما تعرضت إيران لضغوط دولية وإقليمية، وصلت إلى حد اعتبار الإدارة الأمريكية "سرايا الاشتر" تنظيماً إرهابياً.

من المشكوك فيه أن يتوقف الإرهاب في البحرين، ومن المستبعد أن يحقق هذا الإرهاب أهدافه، حتى وإن نجح في تنفيذ عملية هنا أو هناك، ولكن يبقى السؤال قائماً حول احتمالات أن تكون البحرين إحدى أبرز الساحات المرشحة لردود الفعل الإيرانية، بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي؟

*كاتب وباحث بالأمن الإستراتيجي.

الصفحة الرئيسية