التنظيم الدولي للسلفيين.. النمو الصامت

التنظيم الدولي للسلفيين.. النمو الصامت


12/11/2017

بينما يتحدث المراقبون كثيراً عن التنظيم الدولي للإخوان، لم يأخذ التيار العريض، الذي يطلق عليه (السلفي) حظّه من الإجابة عن سؤال حاضر في كل وقت، وهو: أين هو من العمل العالمي، سواء عن طريق الشبكة اللامركزية، أو عمل الجماعات المتواصلة رأسياً؟

الإجابة عن هذا السؤال تتطلب تجنب الحذر من التعميم؛ لأن السلفية تيار عريض، وينقسم بحسب استراتيجياته -وليس بحسب أيديولوجياته، لأنها تقريباً واحدة، وذات أصول ثابتة- إلى: التيار السلفي الإصلاحي، والتيار السلفي الجهادي الحركي، والتيار السلفي المدخلي، والتيار السلفي العلمي، والتيار السروري، والأخيران يعملان بالسياسة الآن، ولهما أحزاب، كما أنهما في الوقت ذاته يؤمنان بالتغيير، وإن كان على مستوى القواعد لا القمة.
 

محطات تأسيس السلفية العالمية
لا يتحدث السلفيون مطلقاً عن تنظيمهم الدولي، لذا فالمعلومات المتوفرة عنه شحيحة، نظراً لأنهم بالغوا في السرية تنظيمياً، في كل الدول التي عملوا فيها، ومنها مصر، التي استطاعوا فيها أن يعقدوا، وفق مراقبين، صفقة مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك العام 2009، تم بموجبها إطلاقهم فضائياً؛ أي في القنوات التلفزيونية، ومحاربة تنظيمهم أرضياً، عكس جماعة الإخوان التي حوربت إعلامياً على أساس أنها غير شرعية، وأُطلقت أيديها وسمح لها بالعمل على الأرض في الأرياف والمدن والنقابات.. إلخ.

لكن يبدو أنّ انعكاسات عولمة التيارات الإسلاموية، وتداعياتها طالت أيضاً هذا التيار؛ فحول العمل التنظيمي والجماعي للتيار السلفي قال الدكتور محمد علي إبراهيم، نائب رئيس حزب النور السلفي بمصر لـ(حفريات)، إنه "منذ تأسيسنا في السبعينيات من القرن المنصرم، ونحن نؤمن بالعمل التنظيمي، وليس هذا بجديد علينا، وإن كنا من قبل نرفض العمل كحزب سياسي لعدم جدواه، لكن خشيتنا من انحرافات جماعة الإخوان، دفعنا للقبول بالعمل في هذه اللعبة"؛ موضحاً أنه عقب "الربيع العربي"، بدأ التنظيم الدولي للسلفيين في الظهور رويداً رويداً، وتبين فيما بعد أنّه لم يكن وليد هذه الأيام، بل ثمرة تخطيط مسبق لأن يصبح شبيهاً إلى حدٍ كبيرٍ بالتنظيم الدولي للإخوان الذي أسسه المرشد الأسبق للجماعة، مصطفى مشهور.

يعد المهندس سعيد حماد مسؤول الملف الخارجي للتنظيم الدولي السلفي

وفي حديث خاص لـ(حفريات)، قال الداعية السلفي محمد الأباصيري، إن المهندس سعيد حماد، العضو السابق بمجلس إدارة الدعوة السلفية، الذي أطيح به في انتخابات المكتب الإداري للدعوة السلفية في منتصف العام 2015، بحجة ظروفه الصحية، هو من تولى الملف الخارجي لتنظيم السلفيين الدولي لسنوات عديدة مضت، وهو صاحب الجولات الإفريقية للتعريف بالدعوة السلفية على مدار 40 عاماً، ويلقب داخل الدعوة بمهندس العلاقات الخارجية، والمبعوث الخارجي للسلفيين.
وأضاف، أنّ حماد كانت له جولات في الكويت والإمارات، والبحرين، كما عقد عدة مؤتمرات في اليمن قبل الحرب مع الحوثيين، أكثر من مرة، والتقى أبو الحسن مصطفى المأربي، تلميذ الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، في دار الحديث بمنطقة دماج، ثم انشق عنه، وألف كتابه "السلفيون والعمل السياسي"، وهو الكتاب الذي أثر في السلفية العلمية، وساهم في تحولها باتجاه العمل الحزبي.

عقب "الربيع العربي" بدأ التنظيم الدولي للسلفيين في البروز تدريجياً

وتابع حماد أنّ السودان كانت محطة مهمة لتنظيم السلفيين، حيث بدأ دور عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية المصرية الشيخ أحمد حطيبة العام 2012، وهو من مؤسسي العمل السلفي في عدد من الدول العربية، وتظهر تحركاته وما فعله هناك، أن المشروع برمته يضطلع المصريون السلفيون فيه بدور كبير جداً، ومنهم نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، المسؤول عن التنسيق مع باقي أفرع السلفيين، في عدة دول عربية علي رأسها تونس والسودان وقطر والسعودية.
ويعتبر سلفيو الكويت المركز الحقيقي للتنظيم الدولي، بقيادة عبدالرحمن عبدالخالق، وهو مصري، حاصل على الجنسية الكويتية، وأسس حزب الأمة العام 2005، ليكون ذراعاً سياسية للدعوة السلفية هناك، وانخرط في المشاركة في البرلمان عبر الانتخابات.

المجموعات السلفية بألمانيا تزايدت أعدادها من 3800 العام 2011 إلى 9700

عبدالخالق، وفق ما ذكرته مصادر أمنية مصرية، هو المسؤول عن عمليات التمويل لتيار السلفيين، وعقب ثورة 25 يناير في مصر العام 2011، وصل إلى القاهرة وساهم في إنشاء حزب النور، كما ذهب إلى تونس بعد ذلك، لدعم التيار السلفي هناك، وتأسيس حزب جبهة الإصلاح الإسلامية التونسية، الذي تم الترخيص له في آذار (مارس) 2012، وهو أقرب ما يكون إلى تجربة السلفية الدستورية في الكويت، التي تعترف بالدولة وأطرها، وتساهم في الحياة السياسية.
ويذكر الشيخ عادل عوض في كتابه أنّ "رابطة علماء المسلمين"، باسطنبول، هي إحدى مؤسسات تنظيم السلفيين، ومن أبرز من فيها الداعية السعودي الشيخ أحمد الصويان، رئيس تحرير مجلة البيان، والداعية السعودي الشيخ ناصر بن سليمان، ومن مصر الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح الدكتور محمد يسري إبراهيم، والرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية الدكتور عبدالله شاكر.

الحضور السلفي في أوروبا
وفي كتابه التنظيم الإخواني الدولي بتركيا" يقول الشيخ السلفي عادل عوض إنّ ألمانيا هي مركز للسلفيين، وهو ما ورد بالفعل في بداية العام 2017 على لسان رئيس هيئة حماية الدستور بألمانيا، هانس غيورغ بأنّ برلين غدت "عاصمة للسلفيين" في العالم.
وأضاف غيورغ في تصريحاته الصحافية: "إنّ جهاز الاستخبارات الداخلي رصد 44 ألف متشدد، لكن الخطر الأكبر تشكله المجموعات السلفية التي تزايدت أعدادها من 3800 العام 2011، إلى 9700 اليوم"، مرجعاً ذلك إلى الحرب في سورية وظهور "داعش"، مشيراً إلى أنّ التحقيقات أثبتت أنّ معظم الألمان ممن سافروا للقتال في سورية والعراق كانوا على صلة بهذه الجماعات.

تقرير أمريكي حذر من غزو الفكر السلفي لأوروبا خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا

وجاءت زيارات الداعية أبو إسحق الحوينى لبرلين، وما جرى فيما بعد من توقيف وفد ألماني سلفي في مطار القاهرة العام 2012، أيد نظرية الأمن الألماني؛ حيث إنه عقب التحقيق معهم تبين أن قائدهم هو الداعية الألماني سيفين لو المعروف بـ"أبو آدم" وأنه أحد مؤسسي التنظيم الدولي للسلفيين.
ووفقاً لتقرير صادر عن هيئة حماية الدستور الألماني في العام 2015، فإنه ليس لدى برلين معلومات أكيدة عن عدد المنتمين للقاعدة، والقاعدة في بلاد المغرب، والقاعدة في الجزيرة العربية، وجبهة النصرة، وتنظيم داعش، أما السلفيون فالتقرير يذكر بدقة أنّ عددهم في العام 2014 كان 7 آلاف، وفي العام 2015 وصل إلى 8350.
لكن في فقرة لاحقة يقول التقرير إنّ حملة "اقرأ" لتوزيع نسخ القرآن المترجم التي نظمتها جمعية "الدين الحق" السلفية في العام 2011، والتي تمكنت من خلالها من توزيع ملايين النسخ المترجمة للقرآن، قد وجهت الأنظار إليهم، فرصدت أجهزة الأمن أفراداً على صلة بنشاط الحملة حاولوا تجنيد آخرين.

ووفق ما ورد في بحث للمركز العربي الأوربي للدراسات في العام، فإنّ قيادة السلفيين في أوروبا تضم زعيم جمعية "الدين الحق" إبراهيم أبو ناجي، وهو ألماني فلسطيني، والداعية الإسلامي الألماني والملاكم المحترف السابق بيير فوغل، الملقب بأبي حمزة، وسفين لاو الملقب بإبي آدم الذي ألقي القبض عليه في أبريل (نيسان) العام 2015 بتهمة "التحضير لارتكاب جنايات خطيرة".

معظم الألمان ممن سافروا للقتال في سورية والعراق كانوا على صلة بجماعات سلفية

ويعد "أبو آدم" هو المسؤول الأول عن التنظيم في ألمانيا، وهو جندي سابق في الجيش الألماني اعتنق الإسلام منذ 15 عاماً، ويقوم بمساعدة السلفيين المهاجرين من ألمانيا إلى الدول العربية.
وفي هذا السياق حذر تقرير نشرته صحيفة "ديلي هيرالد" الأمريكية في شهر حزيران العام 2015 من غزو الفكر السلفي لأوروبا في العديد من الدول، على رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ففي بريطانيا، أثار ازدياد أعداد السلفيين قلق السلطات؛ خاصة أنه يديرون 7 % من أصل 1740 مسجداً في المملكة المتحدة، وفق ما صرح به في العام 2015 مستشار الحكومة البريطانية في "مكافحة التطرف الإسلامي" محمود النقشبندي، الذي أوضح أنّ عدد المتشددين يزداد، وخصوصاً بين الشبان، وأنّ ربع مسلمي بريطانيا الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً "يتقبلون الأفكار السلفية كلها أو أجزاء منها"، مستدركاً أن "السلفية" يفترض ألا تكون مصدر قلق، "مع أن بساطة رسالتها قد تسهل على أي شخص استخدامها لمآربه"، كما فعل "داعش".

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية