لا إعمار في بلد ينهبه أبناؤه!

لا إعمار في بلد ينهبه أبناؤه!


20/02/2018

انتهت حفلة "مؤتمر إعمار العراق" في الكويت، لتتكشّف مجموعة من الحقائق الصادمة؛ فما قيل عن "تبرعات" دولية وإقليمية، تحوّل إلى "ديون سيادية"، وما بدا مضموناً الحصول عليه، وضمن سقف يبلغ 90 مليار دولار، لم يتجاوز في مؤتمر الجار الجنوبي ثلث هذا المستوى، بالكاد وصل 30 ملياراً، وقبل كلّ هذا، أكّدت الجهات الدولية المقرضة أنّها لن تسلّم العراق أيّاً من المبالغ، خوفاً من شبكات الفساد المستولية على إدارة البلاد منذ عام 2003.

وكانت مطالب شخصيات مدنية مستقلة عراقية، تحوّلت، بقصد أم بدونه، إلى جوهر نتائج المؤتمر، منها:

* عدم تسليم الأموال للجانب العراقي، سواء كان ممثّلاً بالحكومة المركزية، أو الحكومات المحلية، فهي تمثيل حقيقي لأخطبوط الفساد؛ بل أن تتولى الدولة، أو الجهة المتبرعة (الدائنة)، تنفيذ مشروعات حقيقية تحتاج البلاد إليها، عبر شركات محترمة تتعاقد معها.

أكّدت الجهات الدولية المقرضة أنّها لن تسلّم العراق أيّاً من المبالغ، خوفاً من شبكات الفساد المستولية على البلاد

* عدم إحالة مقاولات مشروعات إعادة الإعمار، حتى وإن كانت صغيرة، لجهات عراقية؛ فهي ستكون واجهات لقوى الفساد الحاكمة، وشريكة لها.

* أن تبدأ القوى الدولية بمشروعات بناء مؤسّسات مالية تعتمد الشفافية؛ فبدونها لا يمكن لأيّة عجلة بناء أن تدور، ومع مؤسسات مالية عراقية هي واجهات لقوى مسلحة خارجة على القانون، وقوى سلطة الفساد الحاكمة، لا يمكن أن تكون الأموال إلّا رافعات لتلك القوى وحركتها المدمرة.

كل تلك الأفكار والمقترحات، ومعظمها واقعيّ وقابل للتنفيذ، تنتظم في فكرة محدّدة، هي: لا فائدة ترتجى من أيّ أموال تخصَّص لإعمار العراق ومساعدته، بوجود دولة الفساد والجريمة المنظَّمة الحاكمة.

صندوق النقد: لا فائدة ترتجى من أموال جديدة تقدَّم للعراق، دون أن يقوم بجهدٍ حقيقي لتخفيض نفقاته

وهذه خلاصة ليست بعيدة عن الواقع؛ فالعراق، رغم تدنّي أسعار النفط، جمع نحو 150 مليار دولار في الأعوام الثلاثة الماضية، وهي تكفي بربع نزاهة، لا نزاهة تامّة، لسدّ نفقات البلاد، العادية والاستثنائية، التي تعنيها الحرب على الإرهاب.

كما أنّ الجهات الدائنة (بلغت ديون العراق قبل المؤتمر نحو 125 مليار دولار) عليها أن تلزم الحكومة العراقية، بأنّه لا مزيد من الديون دون مشروعات محددة، تتحوّل إلى واقع عبر مشروعات منتجة، تردّ بعضاً من تلك الديون، التي إن ظلّت وتائرها على هذا النحو، فستظل البلاد مكبّلة بديون راح معظمها لتغطية شبكات الفساد، التي تمثلها القوى الحاكمة وشبكات القوى المسلَّحة الخارجة على القانون.

ولا تبتعد عن الواقع تلك الآراء التي تقول: "إنّه لا فائدة ترتجى من أموال جديدة تقدَّم للعراق، دون أن يقوم بجهدٍ حقيقي لتخفيض نفقاته"، وفق التقرير الذي أصدره "صندوق النقد الدولي"، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وجاء فيه:

* يبلغ الإنفاق العام في العراق مستويات عالية مقارنة بالمستويات الدولية.

* الإنفاق العام في العراق يذهب بمعظمه إلى كبار المسؤولين وموظفي الحكومة، وشبكة الحماية الاجتماعية، والتقاعد، وتعويضات ضحايا النظام السابق.

عدد الوظائف كبير جداً، ولا يعكس العدد الحقيقي للعاملين (نحو خمسة ملايين موظف لا يعمل منهم سوى أقل من 20%)

* غياب أيّة رقابة وسيطرة على فاتورة أجور العاملين في الحكومة.

* عدد الوظائف كبير جداً، ولا يعكس العدد الحقيقي للعاملين (نحو خمسة ملايين موظف لا يعمل منهم سوى أقل من 20%)؛ أي إنّ هناك صرف رواتب لأربعة ملايين موظف لا يعملون.

* ضرورة إصلاح برنامج الرعاية الاجتماعية، وتوجيهه للمستحقِّين (هناك أكثر من 60% ممّن يتقاضون رواتب البرنامج هم موظفون أو تزيد دخولهم عن 200 دولار شهرياً؛ بل هناك عراقيون لاجئون، وحتى مواطنون، في دول غربية متقدّمة، يتقاضون رواتب تلك الشبكة).

كل أموال العالم لن تكفي لإعمار العراق بوجود هذه السلطة الفاسدة، بكل أشكالها، ونظامها الاقتصادي القائم على النهب

* يتعين على الحكومة العراقية إدخال تعديلات أخرى على مشروع قانون التقاعد؛ فثمة مئات الآلاف من المتقاعدين المدرجين، يتقاضون في الحقيقة، أكثر من راتب، سواء كان ذلك ضمن "تعويضات ضحايا النظام السابق"، أو ضمن المستفيدين من قانون "الخدمة الجهادية"، الذي يوفّر خدمات كبيرة للآلاف ممّن يقولون إنهم "جاهدوا" ضدّ النظام السابق، مع وجود هامش قانوني يتيح لهم التمتع بأكثر من راتب، وهو ما شدّد عليه تقرير "صندوق النقد" في ضرورة "مراجعة البرامج المالية المخصصة لضحايا النظام السابق، وتوجيهها إلى المستحقِّين، والحدّ من إساءة استخدامها، وهو السائد حالياً".

حيال ما تقدَّم، وتحديداً الوقائع المتصلة بالفساد، صارت أعداد المستفيدين منه، ويدعون إلى ترسيخه تصل إلى الملايين، فكل أموال العالم لن تكفي لإعمار العراق بوجود هذه السلطة الفاسدة، بكل أشكالها السياسية والمسلحة، ونظامها الاقتصادي القائم على النهب الواسع والمنظَّم، والثقافة الشعبية التي صارت ترى في نهب المال العام "شطارة" كبرى، ولها أسباب "شرعية".

الصفحة الرئيسية