هجمة تحليلية وأفلام إعلانية تطيح مسلسلات رمضان

هجمة تحليلية وأفلام إعلانية تطيح مسلسلات رمضان


23/05/2018

أنجز الزوجان رحلتهما للتبضع في السوبرماركت بسرعة. فقد حان وقت برنامج الـ «توك شو» الشهير، وهو أحد البرامج القليلة المستمرة على الشاشات رغم أنف الهجمة الدرامية الرمضانية. الزوجان اللذان فشلا في متابعة مسلسلات رمضان بسبب الغزو الإعلاني الذي أتى على أخضر الدراما ويابسها، اختارا مسلسلين للمتابعة عبر «يوتيوب» حيث الحلقات منزوعة الإعلانات، وعرفا أن مشكلات عدة تحيط بالمسلسلات التي اختاراها، وهو ما أجج متعة المشاهدة أكثر وزاد من بهجة المتابعة أيضاً.

برنامج الـ «توك شو» الذي يغرد وحيداً بجرعاته الخبرية اليومية الثقيلة على رغم أنف رمضان، ومستمر في البث طيلة أيام الشهر الكريم على رغم أن موعد إذاعته يتقاطع وموعد عرض حفنة من المسلسلات التي تناطح بعضها البعض على الشاشات، جذب المشاهدين الهاربين من نيران التخمة الدرامية والمقبلات الإعلانية إلى مقلاة التباحث والتجادل حول ما يحويه هذا المسلسل من مغالطات وما يحمله ذاك من مهاترات.

مهاترات المسلسلات الرمضانية ومغالطاتها ووقوعها في مرمى نيران نقابات مهنية إنجرح شعورها، وغضبات وطنية من دول تشوهت سمعتها، ومطالبات تعويضية من أشخاص تضرروا باتت في حد ذاتها مكوناً تلفزيونياً يحظى بالمشاهدة، وينال شرف المتابعة من كل صوب.

عين الصواب كان هذا الذي فعله مؤلف قصة «أبو عمر المصري» الأستاذ الجامعي والكاتب والروائي عز الدين شكري فشير حين قرر مقاضاة القائمين على مسلسل «أبو عمر المصري» بطولة الفنان أحمد عز. فالمسلسل يطل كل ليلة على ملايين المشاهدين عشرات المرات على مختلف القنوات دون أن يحمل اسم مؤلفه.

فشير قال في تغريدة أنه فوجئ بإزالة اسمه من بوسترات المسلسل وإعلاناته ثم من المسلسل نفسه بحيث بدا وكأنه من تأليف كاتبة السيناريو. وأضاف أنه مع تقديره لأسرة المسلسل وتمنياته لهم بالنجاح، إلا أنه شرع في اتخاذ الإجراءات القانونية لإلزام الشركة المنتجة على احترام حقوق التأليف. بعض الخبثاء ألمح إلى ارتباط ما بين إزالة اسم فشير وبين مواقف سياسة يتخذها، وتبدو واضحة من كتاباته وتجعله يقف ضمن زمرة المعارضين للنظام السياسي في مصر.

ويبدو أن السياسة أبت أن ترحل بعيداً عن كرنفال الدراما الرمضاني، فبشائر عرض المسلسل نفسه «أبو عمر المصري» حملت مقداراً أكبر من الإثارة ووقعاً أعمق من الاهتمام. فأحداثه تدور حول «فخر الدين» وهو محام مصري ينجو من محاولة اغتيال يقتل فيها ابن خالته، فيهرب إلى فرنسا، ومنها إلى السودان، وهناك يتحول إلى كادر مهم من كوادر الجماعات الإسلامية المسلحة، ما أجج الاعتراضات السودانية.

ويبدو أن هوجة الأعمال الدرامية التي تعرض قصصاً وحكايات من داخل الجماعات الإرهابية، وتلك البرامج الكوميدية التي كانت تسخر في رمضان الماضي من تصرفات وملابس الجماعات الإرهابية قد ولت ودبرت، وحلت محلها هوجة مقاربة الإرهاب ومعالجته عبر أعمال تمر على الإرهاب حيث الإثارة والأكشن والحركة، وليس الفكر والأيديولوجيا والأهداف.

ومن شعب السودان الشقيق إلى أهل الفيوم جنوب غربي القاهرة والتي أقام أهلها الدنيا ولم يقعدوها بعد، وذلك لسبب مشابه، ألا وهو إظهارها وكأنها منبع للإرهاب، لكن هذه المرة الغضب جاء مصبوباً على مسلسل «كلابش 2» بطولة الفنان أمير كرارة. وتظهر أحداث المسلسل مشاهد عدة لمركز يوسف الصديق في الفيوم باعتباره مركزاً للإرهاب، حيث يتعرض رجال الشرطة للقتل والتفجير من جماعات إسلامية مسلحة. وقد وصلت أصوات بعض شباب الفيوم إلى شاشات الـ «توك شو» مطالبين بوقف عرض المسلسل وملوحين إلى رفع الأمر إلى القضاء.

ورغم خروج بعض نواب البرلمان عن الفيوم للدفاع عن أهل الفيوم، إلا أن حديثهم لم يخل من إشارات إلى أن مشكلات اجتماعية وثقافية واقتصادية تعانيها المحافظة، أدت إلى التأثر بأفكار الجماعات المتطرفة وتأييد جماعة «الإخوان المسلمين»، وخروج عدد من الأشخاص المتورطين في عمليات إرهابية منها، ومنهم منفذ عملـية تفجير الكنيسة الأخيرة.

وبينما الأطراف الضالعة في «تشويه» صورة آخرين عبر لصقهم بالإرهاب يتجادلون ويتناحرون على أثير الـ «توك شو» الرمضاني مع من يتهمونهم بذلك، إذ بجموع المحامين والقضاة يتقدمون ببلاغات إلى النائب العام اعتراضاً على مسلسلين هما «ربع رومي» و «أيوب». فمن قاض يحلف بالطلاق على منصة المحكمة في «ربع رومي» إلى نموذج للمحامين الغارقين في السذاجة والهطل في مسلسلي «ربع رومي» و«أيوب»، عرف البعض طريقه إلى الشاشات كذلك ليعلن أمام جماهير رمضان عن المضي قدماً في المحاسبة القضائية على الجرعة الدرامية «المهينة» للمهنة. والمحصلة التفاف جماهيري أمام شاشات الحوارات لمتابعة المعارك الدائرة رحاها بين الخصوم بسبب الدراما الرمضانية. وقد نجم عن ذلك بزوغ نجم المسلسلات موضوع الخلافات، وذلك بعدما جذبت لنفسها القيل والقال ما فتح شهية المشاهد.

شهية المشاهد، من جهة أخرى أصابتها سدة إعلانية، لم تنجم فقط عن الكم المذهب من الإعلانات التي ضاعفت من زمن مشاهدة الحلقة الواحدة من أي مسلسل حيث مشهد قصير يقابله إعلان طويل وهلم جرا. لكن جانباً من السدة يعود إلى هيمنة واضحة لا ريب فيها لنجوم التمثيل وكرة القدم على الإعلانات المليونية، لا سيما لشركات الاتصالات.

وعلى رغم هيمنة الفنانين ولاعبي الكرة كذلك على إعلانات الجمعيات الخيرية ومستشفيات علاج السرطان والحروق وغيرها، فإن القلوب الطيبة في الشهر الفضيل لم تتبرم أو تتملل من الخير. لكن التبرم والتململ كانا من نصيب إعلانات شركات الاتصالات– التي تحقق بلايين الأرباح من جيوب المواطنين. فإعلاناتها– التي شبهها بعضهم بالأفلام القصيرة لطول مدتها– تتنافس منافسة شرسة فيما بينها على حشر أكبر عدد ممكن من مشاهير الفن والكرة للترويج لها. وهؤلاء يتقاضون ملايين نظير مشاركتهم، وهو ما اعتبره بعضهم سفهاً في زمن اقتصادي بالغ الصعوبة. بل أن مواطنين طالبوا الشركات التوقف عن هذه الإعلانات، خصوصاً أن خدماتها معروفة مسبقاً لملايين المستخدمين وتخصيص هذه المبالغ لأعمال الخير. وقد نجحت إعلانات «الأفلام القصيرة» ذات الملايين الكثيرة من أن تصل كذلك إلى استوديوات النقاش التحليلي لهوامش رمضان التلفزيونية.

لكن الهوامش باتت قادرة على التغلب على المحتوى الأصلي أو على الأقل منافسته، وهو ما تؤكده نسب مشاهدة إعلانات بعينها نجحت في زحزحة الأعمال الدرامية من صدارة المشاهدة والاهتمام الجماهيري، إن لم يكن بنسب المشاهدة فبالأحاديث الاجتماعية والتعليقات العنكبوتية.

فمن إعلان «قلبي ومفتاحه» لصالح مؤسسة لأمراض وأبحاث القلب في أسوان والذي تغني فيه مجموعة من الأطفال رائعة فريد الأطرش «قلبي ومفتاحه»، إلى إعلان «طلعت حرب راجع» والذي حمل أغنية رائعة عنوانها «أنت تقدر» أداها النجمان محمد عدوية ومحمود العسيلي، والتي تحمل رسائل محفزة للاستمرار في محاولات المضي قدماً رغم الصعاب، إلى الجرعة المعتادة من الدق على أوتار نوستالجيا رمضان زمان حيث لمة العائلة والمسحراتي وروح المحبة وتجمع الجيران في رمضان، يتحدث المشاهدين عن إعلانات رمضان، ويبحث معدو البرامج عن أبطالها لاستضافتهم ومحاورتهم في استوديوات الـ «توك شو».

ويمضي رمضان قدماً، وتمضي المشاهدة في عام 2018 أيضاً قدماً لتشير إلى أن شاشات رمضان هذا العام تمر مرور الكرام على الإرهاب، وتثير غضب القضاة والمحامين وقطاعات من السكان، وتقدم أفلاماً قصيرة تقول عن نفسها إنها إعلانات وتجذب المشاهدين بعيداً من الأصل، ألا وهو الدراما ومحو الهوامش حيث مناقشة ما أسفرت عنه الأعمال وما نجم عن قطاع الإعلانات.

عن "الحياة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية