قرى الشرقية: من هنا بدأت رحلة "أمراء الدم"

مصر

قرى الشرقية: من هنا بدأت رحلة "أمراء الدم"


26/02/2018

محافظة الشرقية، قبل مئة عام، كانت تضمّ؛ مدينة "بوباستيس" وهي واحدة من أكبر المدن في مصر، وعاصمة محافظة الشرقية في مصر القديمة، تقع بقايا أطلالها الآن على أطراف مدينة الزقازيق، واسمها الحديث "تل بسطة"، وكان أهلها يعبدون الإلهة "باستيت"، إلهة الحبّ والخصوبة عند المصريين القدماء، ضمت الشرقية أيضاً؛ "تل بسطة"، التي تقع ضمن المسار الذي اتخذته العائلة المقدسة في رحلتها إلى مصر، وقد اعتمدها بابا الفاتيكان، في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، مزاراً سياحياً، لتصبح طريقاً يحجّ إليه المسيحيون في كلّ العالم.

وفي مدينة الزقازيق؛ توجد قرية "هرية رزنة"، مسقط رأس الزعيم المصري أحمد عرابي، قائد الجيش الذي قاد ثورة ضدّ الأسرة العلوية الحاكمة.

تلك هي الشرقية قديماً، أما اليوم، فهي تعدّ واحدة من أبرز معاقل التيار الجهادي في العالم.

أمراء الدم

من قرى الشرقية خرجت بعض قيادات تنظيم "الجهاد"، الذي اغتال السادات عام 1981، مثل: أسامة قاسم، وأنور عكاشة، وعلي فراج. وخرج منها أيضاً أمير تنظيم القاعدة بأفغانستان، مصطفى أبو اليزيد، المكنَّى بالشيخ سعد. وأمير تنظيم القاعدة بالعراق، عبد المنعم البدوي، المكنَّى بأبي حمزة المهاجر. والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الصديق المقرَّب لأمير القاعدة أيمن الظواهري، ثروت صلاح شحاته، المكنَّى بأبي السمح، الذي قبض عليه في الشرقية عام 2014، بعد هروبه لعشرين عاماً من حكمين بالإعدام، صدرا ضدّه في المحاكم المصرية، قضاها متنقلاً بين اليمن والسودان وباكستان وأفغانستان وإيران وليبيا. وفي أيار (مايو) 2015 قبض على الأمير السابق لجماعة "الشوقيين"، حلمي هاشم، مفتي داعش، وهو يحاول تأسيس خلية في واحدة من قرى الشرقية.

كانت الشرقية، ولا زالت، أرضاً خصبة لدعوات الجهاد، وظهرت نتيجة ذلك أحد أكبر قيادات الجهاد من بين أبنائها

وفي قرى الشرقية أيضاً، كشفت الداخلية المصرية تنظيم "كتائب أنصار الشريعة في أرض الكنانة"، أحد خلايا تنظيم أنصار بيت المقدس.

الشرقية مهد الإخوان

ولأنّ الشرقية هي المحافظة الأقرب إلى محافظة الإسماعيلية، مهد دعوة الإخوان المسلمين في مصر، التي شهدت تأسيس أول شعبة للجماعة في أوائل القرن العشرين؛ فقد عرفت أذرع جماعات العنف الطريق إليها مبكراً.

ففي عام 1933، افتتحت في محافظة الشرقية شعبة "أبو صوير"، وهي الشعبة الأولى للإخوان في المحافظة، ثم افتتحت بعدها ثلاث شعب أخرى، هي: شعبة أبو حماد، ونائبها محمد السيد العصلوجي. وشعبة الزقازيق، نائبها حسن فزبك. وشعبة بني قريش، نائبها عبد المجيد فارس، وذلك عام 1934.

وولد في قرية السّعديين، التابعة لمركز "منيا القمح" محافظة الشرقية، مصطفى مشهور، المرشد الخامس لجماعة الإخوان المسلمين، عضو التنظيم الخاص للجماعة، ومنها خرج محمد مرسي رئيس مصر السابق.

وفي عام 1935، في قرية "بني عياض"، مركز أبو كبير بالشرقية، ولد عبد البديع صقر، أحد قيادات الإخوان الهاربة من ملاحقات النظام الناصري إلى الدول العربية المختلفة، وكان صقر ممن هربوا إلى قطر، مؤسساً دعوة الإخوان هناك، ثمّ أصبح بمرور الوقت المستشار الثقافي لحاكمها.

ظهرت الجماعة على خلفية إعدام سيد قطب

أنصار السنّة المحمدية

لم تكن جماعة الإخوان هي الوحيدة في الشرقية، بل شقّت جماعة "أنصار السنة المحمدية جذورها في قرى الشرقية مبكراً، منذ منتصف الستينيات، وكانت منهلاً تغترف منه مجموعات الجهاد المصرية.

ظهرت الجماعة على خلفية إعدام سيد قطب، وألزمت تلك المجموعات أعضاءها، بمتابعة دروس الشيخ محمد خليل هراس، أحد شيوخ دعوة "أنصار السنة المحمدية"، في مسجد "قولة" بعابدين، الموجود فيه المقر العام لجماعة "أنصار السنة".

وقد أنجبت الشرقية أيضاً اثنين من روّاد دعوة "أهل السنة والجماعة" في مصر، الأول: الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، العالم الأزهري وأحد أئمة الدعوة إلى السنة، من مواليد قرية "التلين"، عام 1881، مركز "منيا القمح" بالشرقية، تلقّى تعليمه على يد عدد من الشيوخ مثل محمد الشنقيطي ومحمد عبده، اعتنق المذهب السلفي، فعكف على دراسة كتب ابن تيمية وابن القيم، ويعدّ الإمام الثالث للحرم الشريف في العصر السعودي، بعد الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ، والإمام الأول للحرم من خارج السعودية، وقد استقدمه الملك عبد العزيز آل سعود عام 1926، للإمامة والخطابة في الحرم.

أشار الظواهري في اعترافاته إلى أنّه أرسل جزءاً من الأموال إلى ثروت صلاح شحاته في ليبيا

والثاني: الشيخ عبد المهيمن أبو السمح، من مواليد قرية "التلين" بمركز "منيا القمح" بالشرقية، عام 1890، تلقّى علومه وثقافته الدينية في الجامع الأزهر الشريف، سافر لمدينة جدة، وأقام بالقرب من أخيه عبد الظاهر أبو السمح، وقد استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود عام 1950، لإمامة المصلين في المسجد الحرام، ويعدّ أبو السمح من أكبر المتحمسين لفكرة رابطة العالم الإسلامي.

ثروت صلاح شحاته، المكنَّى أبو السمح، ذراع أيمن الظواهري اليمنى في تنظيم القاعدة

جماعة الجهاد

كانت الشرقية، ولا زالت، أرضاً خصبة لدعوات الجهاد، بعد عقود من العمل الدعوي السلفي، وظهرت، نتيجة ذلك، أحد أكبر قيادات الجهاد من بين أبنائها، ثروت صلاح شحاته، المكنَّى أبو السمح، ذراع أيمن الظواهري اليمنى في تنظيم القاعدة.

ثروت صلاح شحاته، المولود في 29 حزيران (يونيو) 1960، في مدينة الزقازيق، والحاصل على بكالوريوس الحقوق بعد خروجه من السجن، واعتقل مرات عدّة، وافتتح مكتباً للمحاماة، اتّهم عام 1981، في القضية المتعلقة باغتيال الرئيس أنور السادات، وصدر في حقّه حكم بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، كما اتُهم عام 1987 في القضية المتعلقة بإعادة إحياء تنظيم "الجهاد"، لكنه برِّئ من هذه التهمة، وكان قائداً لمجموعة الجهاد في محافظة الشرقية، مع تأسيس أيمن الظواهري للجماعة عام 1988، في بيشاور، باكستان، ونجح ثروت صلاح شحاته في تجنيد آخرين، أصبحوا علامات بارزة في خريطة الجهاد العالمي، منهم: زميله المحامي هاني السباعي، مواليد 1960 بالقناطر الخيرية، وقد هرب من مصر، عام 1991، مستخدماً جواز سفر مزوراً، واتجه إلى أفغانستان، حيث عمل في معسكرات جماعة "الجهاد"، وقد اصطدم ثروت شحاته بأيمن الظواهري عام 1998؛ معترضاً على تحالف جماعة الجهاد مع تنظيم القاعدة، وتأسيس "الجبهة الإسلامية العالمية"، التي كانت حجر الزاوية في تحول أهداف الجهاديين، من محاربة العدو القريب، القائمة على حرب الحكومات الكافرة في الوطن العربي، على حدّ اعتقادهم، إلى تبنّي محاربة العدو البعيد، ويقصد به أمريكا وإسرائيل، وكانت نتيجة هذا التحالف، اندماج القاعدة والجهاد في تنظيم جديد، ظهر عام 2001 تحت اسم "قاعدة الجهاد"، وهو التنظيم الذي نفّذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

هرب ثروت صلاح من أفغانستان، بعد مهاجمتها من قبل الأمريكان إلى إيران، وهناك منع من مغادرتها لعدة أعوام، ثم سمحت له إيران بالمغادرة، فدخل إلى تركيا التي اعتقلته لدخول أراضيها دون الحصول على تأشيرة دخول، ولم يكن يملك أية أوراق تثبت هويته، وخرج من السجن منتقلاً إلى ليبيا عام 2012.

ورغم سماح السلطات المصرية لأسرة ثروت شحاته بالقدوم إلى القاهرة، في آب (أغسطس) 2011، بعد سيطرة الإسلاميين على المشهد؛ حيث وصلت زوجته، نجوى موسى عبد المقصود سلطان، برفقة أبنائها، قادمين من إيران مروراً بتركيا، إلّا أنّ شحاته اختار ليبيا ليشارك في أحداث الثورة هناك على النظام الليبي، ضمن ما عرف بتنظيم "أنصار الشريعة".

وفي الشرقية أيضاً، ولد ضابط المدفعية إبراهيم العيداروس، عام 1956، وتوفَّي عام 2008، وتولّى مسؤولية محطة لندن، ثمّ اعتقل عام 1999، وقد دعا العيدروس بدوره الصيدلي أحمد حسن عجيزة، الذي سبق واعتنق الفكر الجهادي على يد القيادي في نبيل نعيم، للانضمام إلى جماعة الجهاد، وقد انقلب عليهم بعد خروجه من السجن على أعقاب ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.

كتائب أنصار الشريعة

في اعترافاته المنشورة في صحيفة "اليوم السابع" المصرية، تحدّث محمد الظواهري، شقيق أيمن الظواهري، عن دعم جاوز 15 مليون دولار، قدّمه خيرت الشاطر للظواهري؛ من أجل تجميع شمل الفصائل الجهادية في مصر عامة، وفي شمال سيناء على وجه الخصوص، لتأسيس "الجيش المصري الحرّ"، لاستخدامه في حال ثار الناس في مصر ضدّ حكم الإخوان.

وقد أشار الظواهري في اعترافاته إلى أنّه أرسل جزءاً من هذه الأموال إلى ثروت صلاح شحاته في ليبيا، في الوقت نفسه الذي قدم فيه مشروعاً إلى أنصار بيت المقدس، لتأسيس جناح دعوى لهم تحت مسمى "أنصار الشريعة"، يعمل على دعوة الناس إلى الجهاد، وتحسين صورة الأنصار مرة أخرى في الشارع المصري، بعد أن نشرت جماعة الإخوان قبل ذلك في أوساط الإسلاميين، أنّ التنظيم صناعة مخابراتية، غير أنّ القبض على الظواهري عام 2013 عطل المشروع.

وشهدت الشرقية، مرة أخرى، محاولات لتأسيس خلية مسلحة لداعش في الشرقية، بدأها أحد أقطاب الدعوة السلفية هناك، الشيخ مدين إبراهيم، وهو أبو عبد الرحمن مدين بن إبراهيم بن محمد، المولود بقرية بساط، على مقربة من مدينة المنصورة في مصر.

وقد عُرف الشيخ مدين إبراهيم، في محافظة الشرقية، بنشاطه الدعوي الذي ازداد حجمه عقب ثورة يناير، وتخرّج من كلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، حيث تتلمذ بالسعودية على يد الشيوخ محمد بن العثيمين وحماد الأنصاري ومحمد أمان الجامي وغيرهم، ثمّ عاد إلى مصر، وتزوج في محافظة الشرقية واستقرّ بها، وقد اعتقل عدة مرّات في عهد مبارك.

وبعد الثورة، ندّد مدين إبراهيم بمشاركة الإسلاميين في الانتخابات والعملية السياسية، ودوّن بعض الكتب والرسائل العلمية، مثل: كتاب "تحذير المؤمنين من فتنة الديموقراطيين والسياسيين الضالين والمشركين"، ورسالة "قواعد في صفات الله وأسمائه الحسنى"، وتتلمذ على يديه، قبل الثورة، مجموعة من الشباب، مثل: أحمد عبد الرحمن، وشقيقه محمد عبد الرحمن، ومحمد توفيق.

محمد الظواهري، شقيق أيمن الظواهري

التحقيقات مع "أنصار الشريعة"

ويشير نصّ التحقيقات مع متهمي جماعة "أنصار الشريعة"، التي نشرتها صحيفة "اليوم السابع" المصرية، بتاريخ 15 شباط (فبراير) 2015؛ إلى أنّه عقب ثورة حزيران (يونيو) 2013 في القاهرة، تشكّلت نواة تنظيم "أنصار الشريعة"، على يد تلك المجموعة من تلاميذ مدين إبراهيم، بقيادة السيد عطا محمد مرسي، المكنَّى أبو عمر، مدرّس القرآن، المولود في كفر أولاد عطية، بمركز هيها في الشرقية، الذي سبق أن اعتقل لسبعة أعوام، من 1997 إلى 2004، تم تعيينه مدرساً للمرحلة الابتدائية في معهد أزهري، عقب خروجه من المعتقل إثر توقيعه على مبادرات وقف العنف، التي دشنتها الجماعة الإسلامية في السجون،  ثمّ سافر إلى السعودية عام 2007، وعمل في تحفيظ القرآن بالمسجد النبوي، وتعرّف هناك إلى ابن محافظته محمد عبد الرحيم.

تشير التحقيقات مع متهمي جماعة أنصار الشريعة، إلى أنّ نواة التنظيم تشكّلت عقب ثورة يونيو 2013

عاد عطا إلى مصر، في أيلول (سبتمبر) 2013، والتقى صديقه وعضو جماعة "أنصار بيت المقدس" محمد عبد الرحيم، الذي عرّفه إلى الشيخ مدين إبراهيم وتلاميذه.

وفي كانون الثاني (يناير) 2014، فاتحه محمد عبد الرحيم بتأسيس تنظيم يتبع جماعة "أنصار بيت المقدس"، باسم "أنصار الشريعة"، لتضليل الأجهزة الأمنية، وطلب منه السعي إلى ضم أنصار المرشح الرئاسي السابق، حازم أبو إسماعيل، والاهتمام بالدعوة إلى الفكر الجهادي وسط شباب التيارات الإسلامية.

تواجد التنظيم بشكل أساسي في محافظة الشرقية، وشكّل مجموعة تابعة له في محافظة بني سويف، من أقارب زوجة أحمد عبد الرحمن، وبعض معارفهم، إلى جانب وجود بعض العناصر التابعة للتنظيم في قرى محافظة الجيزة، وهي المحافظات التي شهدت تنفيذ عمليات التنظيم.

وقد تمكّنت الشرطة المصرية من القبض على أعضاء التنظيم، بعد أن نتج عن عملياتهم الإرهابية؛ قتل ضابط وأحد عشر فرداً من قوات شرطة، والشروع في قتل 9 آخرين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية