عشماوي .. ضابط الصاعقة في وحل التكفير

عشماوي .. ضابط الصاعقة في وحل التكفير


28/02/2018

لم يكن يخطر على بال أحد ممن حوله أن يصبح هذا الشاب الأشقر، الأكثر قدرة على تحمل طقوس التدريبات الشرسة في الصحراء القاحلة بعد أن انضم إلى القوات المسلحة المصرية في منتصف التسعينيات، وهو المنتمي لعائلة ثرية لم يعانِ فيها شظف العيش، ولم يتذوق يوماً مرارة الحياة.

عاشق الصحراء

عشق هشام علي عشماوي، ابن الحي العاشر بمدينة نصر والمولود في العام 1979، الصحراء والسير في دروبها، والتسلق فوق جبالها، حتى تفوق على أقرانه من الضباط المقاتلين، في سلاح الصاعقة المصري، فأرسله قادته في دورة تدريبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

هناك لاحت لديه إرهاصات التحول نحو الأفكار المتطرفة؛ إذ إنّ حصون بغداد كانت قد تهاوت تحت عجلات الدبابات الأمريكية العام 2003، مما كان له تأثيره الكبير على نفسيته، وعندما عاد اقترب من عدد من أفراد الجيش كانوا قد سبقوه لنفس الرحلات والأفكار.. انكشف بعضهم وتعرضوا للمحاكمة والسجن، وظل هو وعدد من رفقائه يتوارون عن الأنظار، حتى ترقى عشماوي لرتبة رائد.

عشق هشام علي عشماوي الصحراء والسير في دروبها والتسلق فوق جبالها

بداية الانزلاق

بعدما قامت ثورة الـــ25 من يناير (كانون الثاني) 2011، تردد هشام على مسجد الكتيبة، ووبّخ قارئ القرآن عندما سمعه يخطئ في التلاوة، وهذا الموقف كان قد لفت الانتباه إليه، فجرى التحقيق معه على خلفية الواقعة فحول إلى أعمال إدارية.

روى بعض زملائه أنّ والده توفي أثناء وجوده بالخدمة في سيناء، إلا أنّ قادته لم يمنحوه إذناً للتوجه إلى القاهرة لحضور جنازته، لظروف خاصة، فأسرّها الضابط في نفسه.

انضم إلى القوات المسلحة المصرية منتصف التسعينيات وأظهر قدرة على تحمل طقوس التدريبات الشرسة في الصحراء

استمر في نشر أفكاره من خلال عقد لقاءات مع الضباط والجنود، ووزّع عليهم كتباً تحمل الأفكار السلفية الجهادية، وردد عبارات مخالفة لقواعد المؤسسات العسكرية مثل "التحية والسلام لله فقط" و"الحكام في أي بلد كفرة" وهو الذي لم تكن له أي دراية بالعلوم الشرعية.

اكتشاف متأخر

ظهرت زوجته نسرين، المدرِّسة بكلية العلوم جامعة عين شمس، وهي ترتدي النقاب، إلا أنّ عائلتها قالت إنّ زوجها هو الذي أجبرها على ارتدائه، فتم تحويله إلى لجنة طبية خاصة تولت فحص الحالة النفسية للضابط الشاب، فجاء تقرير المخابرات الحربية في غير صالحه؛ إذ  أكد أنه لم يعد صالحاً للاستمرار في عمله، فأُنهيت خدمته في العام 2012 لأسباب طبية.. اللافت أن هشام حتى هذه اللحظة حاول التصدي لهذا القرار عبر وسطاء، لكنهم باؤوا بالفشل.

ورغم ذلك لم تكتشف الأجهزة الأمنية المصرية خطورته إلا متأخراً، فقد كان عنصراً حاضراً بقوة في خلية مدينة نصر الإرهابية، التي ألقي القبض على عناصرها في نهاية العام 2012، وعضواً في شبكة الجمال، إلا أنه لم يكن معروفاً حتى لأعضاء خليته بعد استخدامه لعشرات من الأسماء الحركية (شريف، مهند، أبو عمر..)

كان عنصراً حاضراً بقوة في خلية مدينة نصر الإرهابية، التي ألقي القبض على عناصرها في نهاية العام 2012

بين ليبيا وسورية

شارك في الثورة الليبية ضد العقيد معمر القذافي، وقوّى وشائج الصلة بقادة القاعدة في شمال إفريقيا، ثم طار بعد ذلك للمشاركة في الحرب السورية، وعاد بعدها ليحال للتقاعد العام 2012 ثم يسافر إلى سورية مرة أخرى، إلا أنّ اندلاع ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) 2013، والإطاحة بنظام محمد مرسى دفعته للعودة إلى القاهرة مجدداً والتنسيق مع قادة جماعة أنصار بيت المقدس.

عاد ليتولى قيادة التنظيم في الوادي "خارج سيناء"، وبدأ عملية رصد تحركات وزير الداخلية المصري السابق، محمد إبراهيم، مع رفيقه الضابط المفصول عماد الدين عبدالحميد، الذي أعدّ العبوات المتفجرة بالاشتراك مع وليد بدر، "الانتحاري منفذ العملية"، وهو الضابط العائد أيضاً من سورية.

في أحضان الصحراء مجدّداً

بعد فشل هذه العملية، توجّه للصحراء التي طالما كان مولعاً بها عقب مقتل زعيم الجماعة في القاهرة، محمد الطوخي، على يد قوات الأمن، وعلى إثر ذلك توجه عشماوي بخلايا التنظيم التابعة له من العمل السري بالمدن إلى العمل العسكري في الصحراء، حتى يتجنب سقوط المزيد من عناصر الجماعة في قبضة الأمن.

تفوق على أقرانه من في سلاح الصاعقة المصري فأرسله قادته في دورة تدريبية إلى الولايات المتحدة

كان يخطّط قبلها لاغتيال شخصيات بارزة، لكنه كان قد قرر إلغاءها، وكان على رأسهم المحامي العام الأول لنيابات أمن الدولة العليا.. وذهب ليشن هجوماً على رفاق سلاحه، فارتكب مذبحة في حقهم في منطقة الفرافرة، في ١٩ تموز (يوليو) ٢٠١٤، وهي العملية التي استشهد فيها ٢٢ مجنداً.

أصيب عشماوي بطلق ناري في فخذه اليمنى، وتعرّض رفيقه "عماد" لإصابة في ذراعه اليمنى، لكنهما كانا قد نجحا في الهروب في اتجاه ليبيا.

توجّه للصحراء التي طالما كان مولعاً بها عقب مقتل زعيم الجماعة في القاهرة، محمد الطوخي، على يد قوات الأمن

مع القاعدة ضد داعش

انحياز "بيت المقدس" لأبو بكر البغدادي ومبايعة "داعش" أغضب عشماوي الذي كان على ولائه للظواهري والقاعدة في الشمال الإفريقي؛ فقرر الانفصال ثم ظهر بعد ذلك بكونه أميراً لجماعة "المرابطين".

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 وعقب مبايعتها لتنظيم "داعش" انقسمت مجموعة "الوادي" إلى قسمين؛ الأول تزعمه أشرف الغرابلي الذي أسّس تنظيم "جند الخلافة في مصر" وبايع "داعش"، والثاني تزعمه عشماوي الذي أصر على ولائه للقاعدة.

كان لسقوط العراق العام 2003  تأثيره الكبير في تحوله للتطرف فاقترب من زملاء له سبقوه لهذه الأفكار

ومرت مدة قصيرة حتى ظهر عشماوي في تسجيل صوتي بعنوان "ويومئذ يفرح المؤمنون"، بدأه بكلمة لأيمن الظواهري يتحدث فيها عن حرب اللسان والسنان، في إشارة ضمنية لولاء التنظيم الجديد لزعيم القاعدة العجوز.

انخرط بعدها هشام في محاربة "الدواعش" في ليبيا، الذين نشروا بياناً ضمّنوه معلومات عنه وصورة له تحت عنوان "مطلوب للقتل"، متهمين إياه بقتالهم في مدينة درنة ضمن ما وصفوه بــ"صحوات الردة"، وأكّدوا أنّ له علاقة بالجزائري مختار بلمختار، زعيم جماعة "المرابطين" الناشطة في منطقة الساحل والصحراء.

جماعة "المرابطين"

اللافت أن جماعة "المرابطين" التي أُنشئت في شمال مالي منتصف العام ٢٠١٣ كانت نتاجاً للاندماج بين جماعتين؛ الأولى هي "الملثمون" التي يتزعمها بلمختار، والثانية هي جماعة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" ويتزعمها أحمد التلمسي، إلا أن هذين الزعيمين قرّرا ألاّ يتولى أحدهما القيادة واتفقا بينهما على تولي المصري أبوبكر المهاجر قيادة التنظيم الجديد، وهي إشارة مهمة في حضور العنصر المصري في تلك التنظيمات حد الوصول لقيادة التنظيم.

استمر في نشر أفكاره من خلال عقد لقاءات مع الضباط والجنود ووزّع عليهم كتباً تحمل الأفكار السلفية الجهادية

قًتل "المهاجر" ومن بعده "التلمسى" في غارات جوية للطائرات الفرنسية على شمال مالي وجبال تغرغارت، وبقيت قيادة الإمارة شاغرة حتى تولاها أبو الوليد الصحراوي، الذي لم يكن يحكم قبضته سوى على أحد أجنحة التنظيم هو "التوحيد والجهاد"، وعندها ذهب ليعلن مبايعة جماعة "المرابطين" لتنظيم "داعش" في تسجيل صوتي نشرته مؤسسة الأندلس الإعلامية.

معاودة الإرهاب في مصر

بعد عودته من ليبيا شارك عشماوي في مذبحة العريش الثالثة، في شباط (فبراير) 2015، التي استهدفت الكتيبة 101، واستشهد بها 29 عنصراً من القوات المسلحة، واشترك في التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية.

وعاد اسمه للظهور مجدّداً عقب وقوع مجزرة غير مسبوقة لنخبة من عناصر الشرطة المصرية في طريق الواحات البحرية بالصحراء الغربية قرب الحدود الليبية وذلك في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ذهب ضحيتها 12 ضابطاً على الأقل من بينهم ٦ ضباط من جهاز الأمن الوطني، وهو عدد غير مسبوق من القتلى في هذه المؤسسة الأمنية.

لم تكتشف الأجهزة الأمنية المصرية خطورته إلا متأخراً رغم حضوره بقوة في خلية مدينة نصر الإرهابية

يمثل عشماوي امتداداً لبذرة التكفير التي دسّها عبود الزمر، وعصام القمري، بين عدد من أفراد الجيش، واقتلعت تماماً بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وظل الوضع كذلك حتى اجتاحت القوات الأمريكية الأراضي العراقية، فهيأ الغزو عقول وأفئدة شباب لنمو الفكرة الشيطانية مرة أخرى.

عاود عشماوي إرسال مفارزه الأمنية مخترقة الحدود المصرية الغربية، ليثبت أن التحولات الفكرية للضباط النظاميين في اتجاه الأفكار التكفيرية، مثّلت ومازالت خطورة كبرى على الدول والمجتمعات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية