أنس القصاص: الأزمة السورية مغلقة حتى إشعار آخر

أنس القصاص: الأزمة السورية مغلقة حتى إشعار آخر


16/04/2018

قال أنس القصاص إنّ بشار الأسد رغم تراجع خصومه لم يعد الحاكم الفعلي لبلاده "فالروس يتحكمون في الإستراتيجية العسكرية، أما الإدارة وتسيير أعمال الحكومة فهي بيد الإيرانيين".

وأضاف في حواره مع "حفريات" أنّ الولايات المتحدة، التي تمتلك 3 قواعد غير معلنة داخل كردستان سوريا، بدعمها للأكراد تسعى لتعويض وجودها المهزوز في أفغانستان، الذي لم يستطيعوا فرضه حتى الآن، أو الانطلاق منها للسيطرة على آسيا الوسطى في مواجهة إيران، مستبعداً من ناحية أخرى حصول مواجهة بين أمريكا وتركيا القلقة من إقامة دولة كردية مستقلة على حدودها الجنوبية، بحكم خضوع علاقات الدولتين لاعتبارات حلف الناتو الذي يجمعهما.

وأكد الباحث في الشؤون الإستراتيجية والخبير في دراسات الشؤون الدولية، أنّ الولايات المتحدة تعوّل على قصر نَفَس تدخل روسيا في سوريا؛ الذي يستنزف مواردها بالتزامن مع انخفاض أسعار الغاز الذي يعتمد عليه اقتصادها القلق بشكل أساسي.

يذكر أنّ أنس القصاص باحث ومحاضر في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية والسياسات الدفاعية المقارنة وقضايا الأمن الدولي والإستراتيجي واللاعبين المسلحين من غير الدول.

قام بتدريس نظرية العلاقات الدولية في العديد من الجامعات المصرية وله دراسات منشورة في الشؤون الإستراتيجية والدولية في العديد من مراكز الأبحاث المصرية والإقليمية.

وهنا نص الحوار:

يبدو أنّ سوريا تشهد حالياً تغييراً في خطط اللاعبين الرئيسيين على أراضيها، فبدت الولايات المتحدة وهي تأخذ خطوة للوراء لحساب روسيا، فما الذي يجري؟

بالفعل هناك خطة لإعادة ترتيب هذه البقعة من الشرق الأوسط؛ فالروس توجهوا لتثبيت نظام "الأسد"، ولعدم وجود رد فعل أمريكي، تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّه سيمضي قُدماً فيما يريد دون مقاومة تذكر، مستغلاً انشغال أمريكا بأمورها الداخلية، ومضت الخطة على نحو جيد، فاقتنصوا حلب وغيرها من المدن التي سقطت واحدة تلو الأخرى، كما انتهز الروس الفرصة وطرقوا الحديد وهو ساخن، ودفعوا للتعديل في الدستور السوري، ووسّعوا في قاعدتهم العسكرية هناك، بحيث أصبحت أرضاً روسية. مضت روسيا لحد كبير في هذا الاتجاه.

أوروبا ضد نظام أردوغان لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها التفريط بتركيا خارج عضوية الناتو

لكن الولايات المتحدة الأمريكية زادت جهودها الاستخباراتية، فاتجهت إلى تشكيل جيش قوات سوريا الديمقراطية، عن طريق تطبيق برنامج خُصّص لذلك، وبشكل سري أخذت في تقوية التعاون بينها وبين الأكراد، فأثمر ذلك عن إعادة هيكلة برنامج إعادة التدريب والتسليح، وهذا برنامج تابع للمخابرات المركزية الأمريكية، أما الغطاء الأساسيّ الواضح له فهو وزارة الخارجية الأمريكية، كان هذا البرنامج موجهاً بشكل أساسي للجيش الحر العام 2014، وكانت أمريكا على وشك إرسال سلاح نوعي للمعارضة السورية وقتذاك، لكن الفكرة رفضت من قبل الكونغرس.

أعادت الولايات المتحدة هيكلة هذا البرنامج، ووجّهت قسماً منه في اتجاه الأكراد باعتبارهم الكيان المؤهل لشراكتهم في المنطقة، لقي ذلك أيضاً قبولاً لدى الكرد، بعد أن أبدت الولايات المتحدة تفهمها لمشروعهم الانفصالي، فتشكّلت العلاقة بينهما على هذا الأساس.

تصور بوتين أنّه سيمضي بسوريا قُدماً فيما يريد دون مقاومة تذكر مستغلاً انشغال أمريكا بأمورها الداخلية

هل معنى ذلك أنّ الولايات المتحدة تدعم إنشاء دولة كردية في سوريا؟

ليس بهذا المعنى، لكنّها مسألة قابلة للمناقشة؛ فالانفصال من حيث المبدأ مقبول أمريكياً، ليس هذا فحسب؛ بل إنّ الولايات المتحدة ترمي إلى بناء شراكة إستراتيجية بينها وبين الأكراد، على غرار الشراكة الإستراتيجية مع إسرائيل.

واشنطن تنظر للأكراد على أنّهم أصحاب حق في إقامة دولتهم، وأنّهم بتركيبتهم هذه يصلحون أن يكونوا بمثابة "شرطي" لأمريكا في هذه المنطقة، لأن كردستان تطل على حيز جغرافي مهم للغاية، ألا وهو آسيا الوسطى، والأمريكان ليس لهم وجود قوي في هذه المنطقة، فمن خلال الأكراد يمكن أن يتحقق لهم التوازن مع وجودهم المهزوز في أفغانستان، التي لم يستطيعوا فرضه حتى الآن، أو الانطلاق منها للسيطرة على آسيا الوسطى، وبمشاركتهم مع الأكراد سيتمكنون من ذلك وتحديداً ضد إيران، وإيقاعها في كمّاشة ما بين أفغانستان وكردستان.

هل المقصود كردستان سوريا أم "كردستان الكبرى"؟

الولايات المتحدة - وهذا غير معلن- لها 3 قواعد داخل كردستان سوريا، أما كردستان العراق فالسيطرة فيها هي للألمان، وليس أمريكا كما يشاع، حتى أنّ ألمانيا كانت وراء الاستقلال الوهمي الذي حاول الأكراد في كردستان العراق الإعلان عنه مؤخراً، فألمانيا كانت تحتاج للدخول في مفاوضات جادة مع المنظومة الدولية، في إطار مشروع إصلاح الأمم المتحدة، وإعادة هيكلتها.

ألمانيا كانت تسعى في أن تدخل كعضو سادس في مجلس الأمن، وأن تكون صاحبة عضوية دائمة، وكانت الورقة التي تضغط بها على أمريكا في هذا الشأن هو موضوع استقلال كردستان العراق، حتى أنّ التصريحات الأهم لقادة الأكراد في العراق صدرت من برلين.

ألمانيا استخدمت ورقة استقلال كردستان العراق للضغط على أمريكا لتكون عضواً دائماً بمجلس الأمن

يقودنا هذا للسؤال عن موقف واشنطن من أنقرة التي تعتبر أنّ مسألة انفصال الأكراد حياة أو موت بالنسبة لها؟ ولماذا صمتت الولايات المتحدة ولم تتدخل للدفاع عن حليفها الكردي؟

الموقف من أنقرة هو لبّ الأزمة والصراع، فتوسيع العلاقات الأمريكية الكردية استتبعه قلق تركي، والقلق تطور لغضب، والغضب تطور لعملية عسكرية، لكن أمريكا لا تستطيع إيقاف الزحف التركي الآن؛ لأنّه سيستتبع أزمة أضخم مع أنقرة، والأزمة تعني التدخل العسكري، ولا أعتقد أنّ الولايات المتحدة ستقدم على مثل هذا الفعل، فلا تزال العلاقات بينهما محكومة بحلف واحد وهو الناتو، وبصرف النظر عن أي ارتباط دولي وسياسي واقتصادي آخر، فهذا الحلف هو مرجع العلاقة بين هؤلاء الفرقاء.

ومع أنّ أعضاء الناتو الأوروبيين مثل؛ ألمانيا وفرنسا وبريطانيا هم بالتأكيد ضد نظام أردوغان، لكنهم في الوقت نفسه لا يمكنهم التفريط في تركيا خارج عضوية الناتو، فمواجهة أمريكية تركية حتى وإن كانت محدودة ستعد سابقة خطيرة لم تحدث في تاريخ الناتو كله.

هل أمسى الطموح التركي الآن محصوراً بالسيطرة على الشريط الحدودي، وإفشال المشروع الكردي، أم أنّ لديها تطلعات تتعلق برسم خريطة سوريا المستقبلية؟

القلق التركي متنامٍ وديناميكي للغاية، ولا يقف عند حد معين، فهذا القلق قد يقتصر في وقت من الأوقات على تنفيذ مشروع الشريط، لكن برؤيتي الحالية فإنّ هدف أنقرة الأساسي هو تفكيك المجموعات الكردية، فلو كانت المسألة تتعلق بالشريط لكان من الممكن الوصول إلى اتفاق مع الأمريكان بشأنه في إطار مفاوضات دبلوماسية، ولما كان ثمة حاجة للغزو العسكري.

إذن الأسد لم يعد فاعلاً في هذا الصراع الدولي الإقليمي؟

هذا صحيح، فهناك رباعية تضم كلاً من (أمريكا، تركيا، روسيا، إيران) العلاقات بين 3 منهم ضبابية للغاية، نظام بشار بات صورياً في نهاية الأمر، فلا أعتقد أنّ من المنطقي الاعتقاد أنّ نظامه مايزال موجوداً على الأرض، بعد أن اختطفته الأيادي الإيرانية والروسية.

فالروس يتحكمون في الإستراتيجية العسكرية، أما الإدارة وتسيير أعمال الحكومة فهي للإيرانيين، وظهر ذلك جلياً للعيان منذ شهرين، عندما زار بوتين القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، إلا أنّ حرس بوتين أوقف الأسد حتى يتقدم بوتين، وأذعن الأول ورضخ لذلك، مع أنّ هذه أراض سورية، وأذاعت ذلك المشهد وكالات إخبارية عديدة، حتى الانتشارات في الغوطة قام بها حزب الله وليس الجيش السوري.

في بداية الأزمة كان هناك رغبة لإسقاط الأسد، بالسماح للفصائل المسلحة بممارسة ضغطها عليه، وانتزاع الأرض من بين يديه، فما الذي حدث؟

التحول الأساسي جاء بعد تدخل روسيا كلاعب أساسي في آب (أغسطس) 2015؛ دخل الروس بقواتهم وطيرانهم وسلاحهم، وبإراداتهم السياسية قبل كل هذا، ورفعوا شعار "نظام بشار لن يسقط، سوريا لن تقسم، سنظل واقفين وصامدين خلف النظام السوري".

ما مصلحتهم من وراء ذلك؟

روسيا لها قاعدة قديمة في اللاذقية، كانت على وشك أن تفقدها لو حدث أي تحوّل ضخم في المعادلة السورية، هذا التحول كان مرهوناً بأن تقوم الولايات المتحدة بتمويل سلاح نوعي عن طريق برنامجها المخصص للتدريب والدعم العسكري للجيش السوري الحر.

السلاح النوعي يعني أنّه ليس بإمكان طائرة سورية أن تقلع، وأنّه يمكن بمنتهى البساطة تدمير كتيبة مدرعات في الجيش السوري في نصف ساعة.

الجيش السوري قديم وغير متطور، ويمكن القضاء عليه بسهولة، هذا معناه أنّ الجيش السوري الحر لو امتلك هذا السلاح فإنه خلال أشهر يمكن أن يتمكن من غالبية الأراضي السورية، ومعه الفصائل السورية الأخرى.

يعني ذلك أيضاً أنّ القاعدة الروسية ستكون أول هدف لفصائل الجيش الحر، لأن المموّل هو الذي يحدد الأجندة، فبالتالي روسيا ستخرج خاسرة من سوريا خسارة كبيرة.

 كانت روسيا على وشك فقدان قاعدتها باللاذقية لو حدث أي تحوّل جذري في المعادلة السورية

ماذا فعلت روسيا إذن؟

روسيا تعاملت مع الموضوع ببراغماتية، فسعت في البداية للحصول على قاعدة بديلة في المتوسط تحديداً في الجزائر ومصر، إلا أنّهما رفضتا، فلم يعد هناك حل لأن تكون روسيا مطلة على المتوسط إلا عن طريق اللاذقية، فتم حسم القرار "سنظل في سوريا وسندعم النظام الحالي".

تنتهج روسيا سياسة ترى أنّها في الوقت الحالي مناسبة للأوضاع والأحوال، وهي سياسة "شفير الهاوية"، وهي تعني أن تظل تضغط وتضرب أمامها لأبعد الحدود، فتحدث الصدمة، فلا يستطيع خصمها التحرك بعد ذلك.

لم يكن أحد يرغب في البداية بالدخول في حرب مفتوحة مع نظام بشار الأسد 

في خضم أزمة صناعة القرار في أمريكا، كان هناك خيار مبكر تمت دراسته في أكثر من دائرة من دوائر الأمن القومي الأمريكي، ولكن دخول روسيا كان فجاً، مما أربك الولايات المتحدة فلم تستطع التعامل في مواجهة هذه القضية، وبالتالي تم فرض أمر واقع في فترة قصيرة؛ لأنّ قدرات الجماعات المسلحة المناوئة للنظام السوري ضعيفة، وإذا قام من يموّلها برفع التسليح إلى السلاح النوعي، فهذا يعني الدخول في حرب مفتوحة مع الروس.

لم يكن أحد يرغب في البداية بالدخول في حرب مفتوحة مع نظام بشار الأسد، الآن الموضوع أصبح أكثر صعوبة فلم يعد نظام بشار هو المقصود لكن المواجهة الآن مع الروس أنفسهم بشكل أساسي؛ فالموضوع بات صعباً بل مستحيلاً، روسيا دخلت فغيرت المعادلة كلها.

أيعني ذلك أنّهم سيسمحون لروسيا التي نجحت حتى الآن في تثبيت أركان نظام بشار أن تكمل سيطرتها وينتهي الأمر؟

هذه القوى تعوّل على قصر نَفَس النظام الروسي؛ فالمشكلة الأكبر لروسيا هي أنّ وجودها الواسع هناك يستنزف مواردها، نظراً لقدراتها المالية المحدودة أو غير الكبيرة، وبالتزامن مع انخفاض أسعار الغاز تعاظمت أزمتهم.

بعدما شعر بوتين بالسيطرة الكاملة بمخرجات ومدخلات الأمور في سوريا، حدثت انسحابات متتالية من البر السوري، وتم الاتفاق على توسيع قاعدة حميميم واللاذقية، وأن يبقوا في قواعدهم.

 أمريكا تعوّل على قصر نَفَس تدخل روسيا الذي يستنزف مواردها بالتزامن مع انخفاض أسعار الغاز

لكن في المقابل النتيجة على الأرض لم تتغير، فما تزال السيطرة والتمدد لنظام بشار على حساب المعارضة؟

الذي حسم الأمور بشكل كبير في الحرب السورية، هو الطلعات الجوية التي أنهكت الجماعات، واستطاعوا من خلالها توفير غطاء للجيش السوري الذي كان يدخل المدن واحدة وراء الأخرى، المشكلة الأكبر للروس هي أنّ الأمريكان دخلوا على الخط تحت ادعاء أو مظلة مكافحة "داعش".

التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا وقع في 2013 على اتفاقية إدارة الأجواء مع الروس حتى لا تحدث حالة اشتباك في الأجواء. الجو السوري مزدحم بالطيران فلم يعد الروس متواجدين فيه وحدهم؛ بل معهم الأمريكان تحت ستار محاربة "داعش"، هذا الستار حدّ كثيراً من توغل الروس في سوريا، وتوسيع قدرتهم على السيطرة على البر السوري، وتحت نفس المظلة توسعت أمريكا في العلاقة مع الأكراد، فإذا كان دخول روسيا في العام 2015 غيّر كثيراً من المعادلة الإستراتيجية في سوريا، فإن دخول أمريكا وتحالفها مع الأكراد عمل على إعادة توازن للأوضاع..فأصبح الوضع في سوريا معقد جداً.

هناك تعاون تركي إيراني قوي في مجال الاقتصاد والسياسي، أما في العسكري فهم أعداء لحد ما

هناك تعاون تركي إيراني قوي في مجال الاقتصاد والسياسي، أما في العسكري فهم أعداء لحد ما، وتركيا وروسيا عزّزا تحالفهما بعد الاتفاق على بيع صواريخ إس 400 الروسية لتركيا، والعلاقات السياسية بينهما أخذت تتحسن بشكل كبير، ورغم ذلك فالجو العام للعلاقة مشحون بالقلق والتوتر، هنا مشكلة كبيرة فالمعطيات على الأرض الحالية غير كافية لوضع تصور نهائي للعلاقات بين هذه الدول.

هل ترى أنّ هناك انسحاباً للعرب من اللعبة في سوريا في ظل هذه المعطيات؟

الانسحاب طبيعي بعد دخول روسيا تحديداً، فقد تيقن الجميع من ضعف اللاعبين الذين تعوّل عليهم في هذه المعادلة، فهناك مجموعات زهران علوش وغيرها، وبالمنطق المجرد للعبة أصبحت المراهنة عليها خاسرة؛ فقوة هؤلاء بالمقارنة باللاعب الروسي هزيلة.

ماذا عن الحديث عن حكومة وفاق تستطيع الخروج بسوريا من أزمتها الراهنة؟

موضوع سوريا موحدة في الواقع الحالي صعب للغاية، هذا حلم مشروع لكن الواقع لا يشي بذلك؛ في ظل وجود 5 قواعد عسكرية تحد سوريا شرقاً وغرباً، 3 منها أمريكية لدى الأكراد، و2 في الساحل تابعة لروسيا، وبالخبرة التاريخية فوجود روسيا وأمريكا على نفس الأرض، يصعب معه أن يكون هناك دولة موحدة، فالوجود العسكري لهاتين الدولتين يمنع ذلك، إلا إذا استطاع أحد اللاعبين أن يقلّل من وجود الآخر، أو يطرده خارج سوريا، وهو ما حدث في أماكن كثيرة كما في بولندا والتشيك واليونان إبان الحرب الباردة.

هل وصل العرب لقناعة بوجود بشار بدلاً من سيطرة فصائل تتبنّى أفكاراً متطرفة؟

طبعا لا توجد دولة جارة ترغب في تفتت جارتها؛ لأن هذا التفتت يمكن يطولها في أي وقت، خاصة إذا كان هذا التفتت بفعل الأيديولوجيات المتطرفة، لا أحد يقبل هذا، هنا يحدث التصادم والزحام بين فكرتين؛ الأولى فكرة الدولة ذات الأفكار الموحدة وبين الكيانات المتشرذمة المتطرفة.

أما النظام السوري فهو طرف واضح، فهو دولة وحكومة موحدة لا توجد بها انقسام، في الناحية الأخرى هناك أطراف متعارضة كل طرف يدخل في صراع مع الطرف الآخر بأكثر من صراعه مع بشار.

هذه الفصائل ذات تنوع كبير وعجيب، وذات أيديولوجية غير مفهومة، هذا هو الظلام بعينه، فلا يوجد لبشار بديل سوى أمراء الحرب والفصائل المتفتتة المتصارعة، كانتونات صغيرة متصارعة، كل منها تحت قيادة أمير.

إلى أين يتّجه مصير هذه الكانتونات؟

المشكلة في هذه الجماعات أنّه ليس لديها مآلات متوسطة المدى، كل منهم ينظرون تحت أرجلهم، طبيعتهم انشطارية ليس لها قدرة على تنبؤ وتصور المستقبل أو تخيله، هي لحد كبير قائمة على فكرة الفعل ورد الفعل.

ألا يمكن أن يتكرر سيناريو الحل في البوسنة والهرسك عندما أخرجها الغرب من حربها عندما أراد ذلك؟

الصراع لم ينته في البلقان إلا بحرب هزمت فيها يوغوسلافيا وتحطمت إلى دول، هذا كان السبيل الوحيد، الأفكار المتعدية والأحلام التوسعية لم تنتهِ عند قادة الصرب إلا بالحرب، المشكلة كلها في تصوراتنا الخاصة بالواقع الحالي، فهناك تمايز كبير بين الحالة السورية وحالات كثيرة قريبة.

هل تقترب سوريا إذن من النموذج الأفغاني؟

النموذج الأفغاني قريب لكن ليس النموذج المثالي في هذه الحالة، فهناك تلعب إيران وباكستان، وأمريكا، مع تدخل محدود للروس، ووجود ضخم للصين؛ فالعلاقة بين هؤلاء هي التي تحدد اتجاه الأزمة.

مشكلة إسرائيل الأكبر في سوريا مع الروس وليس إيران لأنها تريد أن تكون طليقة اليد دوماً

هناك الآن مفاوضات مطوّلة مع الإيرانيين الوكلاء عن الصينيين في أفغانستان، والصين تحاول أن تضغط على الولايات المتحدة من زاوية أخرى تستطيع فك الحصار عنها في بحر الصين، فتحاول أن تسيطر على هذه المنطقة من العالم، فوسط آسيا يعد ظهيراً لها، ووجود أمريكي فيها بالنسبة للصين غير مسموح به على الإطلاق.

الواقع الحالي للأزمة السورية يقول لا حل قريباً، وحلها لن يكون بشكل غير مباشر.

هل باتت سوريا ساحة صراع بين إسرائيل وإيران؟

مشكلة إسرائيل الأكبر في سوريا مع الروس وليس مع إيران، مع أنّ هناك علاقات سياسية جيدة بين تل أبيب وموسكو، لكن هناك أزمة ضخمة بينهما، روسيا انتشرت عسكرياً بشكل كبير في الساحل السوري، وهذا الموضوع هو محل رفض إسرائيلي تام؛ لأن تل أبيب تريد أن تكون طليقة اليد في أي إجراء ممكن أن تتّخذه في أي وقت ضد أي طرف.

الصفحة الرئيسية