محطات في حياة "خلافة" تنظيم داعش.. تعرف إليها

محطات في حياة "خلافة" تنظيم داعش.. تعرف إليها


27/03/2019

ترجمة: علي نوار


تضع السيطرة على آخر معاقل تنظيم داعش، نهاية للتوسّع الإقليمي للجهاديين على الأراضي السورية.
حين بسطت ميليشيات جهادية وافدة من الحدود السورية على متن عربات مزوّدة بأسلحة، هيمنتها في حزيران (يونيو) من عام 2014 على الموصل، ثالث كبرى مدن العراق، تساءل الكثيرون في الغرب عن منشأ تنظيم داعش في العراق وسوريا؛ ففي غضون أسابيع معدودة، تمكّن المقاتلون السنّيون في صفوف هذا التنظيم من التقدّم نحو وادي نهر دجلة، ووصلوا إلى مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وقصفوا بمدافع الهاون مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.

سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على أراضٍ تعادل مساحة دولة مثل المملكة المتحدة يعيش فيها 10 ملايين شخص

لم تكن بغداد أو واشنطن قد أخذتا بعد، حتى تلك اللحظة، على محمل الجد ذلك التحّدي المتمّثل في هؤلاء المسلّحين، وحين فعلتا، بعد مضيّ نحو عام، كانت الخلافة التي أعلن زعيمها أبو بكر البغدادي قيامها من أكبر مساجد مدينة الموصل، قد فرضت بالفعل هيمنتها على مساحات من الأراضي تعادل مساحة دولة مثل المملكة المتحدة، وتحت سيطرتها 10 ملايين نسمة؛ أي ما يقارب عدد سكان دولة مثل البرتغال.

نقلت الصور التي تداولها في الأيام الأخيرة رواد شبكات التواصل الاجتماعي لما كان آخر معاقل التنظيم الإرهابي، منطقة الباغوز، أجواء الكارثة الجهادية: عشرات من الجثث بين أجساد الناجين على ضفة نهر الفرات، تحّققت نبوءة الجهاديين حول دابق، تلك البقعة الواقعة في شمال سوريا؛ حيث دأبت وسائل دعاية داعش على التذكير بأنّ معركة آخر الزمان ضدّ الكفار ستدور رحاها هناك، ولكن على نحو معاكس تماماً، وفي منطقة صحراوية معزولة من الحدود الشرقية مع العراق.

ميليشيا كردية تحتفل بالنصر النهائي على داعش في سوريا

ويعني سقوط الخلافة على يد تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، هزيمة فكر "عبادة الموت" الذي رفع شعار ردّ المظالم التي تعرّضت لها المجتمعات السنّية التي تعيش تحت الحكم الشيعي، في كلّ من سوريا والعراق، لكنّ هذا المذهب السلفي المغرق في التطرف انتهى به الأمر لفرض رؤية متشددة للحكم في الإسلام، لقد أصبح عالم داعش المتشدد، جزءاً من الماضي.

صوّر تنظيم "داعش" نفسه دعائياً على أنّه المدينة الفاضلة التي ينشدها المسلمون

حفل تاريخ تنظيم داعش الإرهابي بعمليات إعدام جماعي جرى تصويرها، بما في ذلك إعدام الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، ودعاية رنانة على شبكة الإنترنت تصوّر التنظيم الإرهابي على أنّه المدينة الفاضلة (يوتوبيا) التي ينشدها المسلمون، وهو ما كان له بالغ الأثر في تجنيد واستقطاب مقاتلين من جميع أنحاء العالم للدفع بهم على جبهات القتال في كل من سوريا والعراق، فضلًا عن تلقين "الذئاب المنفردة" بغرض شنّ هجمات دموية لبثّ الرعب والردع في نفوس الدول التي تشارك في التحالف الدولي الذي تشكّل لمواجهة التنظيم على أراضيها، وكذلك استمالة عشرات الجماعات المسلحة المتشددة لمبايعة (داعش) بدءاً من جنوب آسيا في أفغانستان، وحتى غرب إفريقيا في نيجيريا، مروراً بشبه جزيرة سيناء في مصر وليبيا.

اقرأ أيضاً: خلايا داعش النائمة تبدأ هجماتها.. أين ظهرت؟

ما يزال آلاف الجهاديين يطوفون هائمين على وجوههم في أرجاء الصحراء السورية على الضفة الغربية لنهر الفرات، كما لا ينفك وجود الخلايا النائمة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي يقطنها السنّة في العراق، انتظاراً لاستئناف القتال غير المتكافئ، الذي تستخدم فيه تكتيكات حروب العصابات والاعتداءات، تساور أجهزة الاستخبارات في الدول الغربية المخاوف من عودة المقاتلين الأجانب الذين انخرطوا في صفوف (داعش) إلى بلدانهم الأصلية، والكثيرون منهم يقبعون بعد في سوريا داخل مخيمات احتجاز تحت سيطرة تحالف قوات سوريا الديمقراطية.

صورة لمقطع فيديو يظهر مقاتلي داعش في عام 2014

ألقى التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، أطناناً من القنابل كانت ضربات موجعة لـ "داعش"، منذ أيلول (سبتمبر)  العام 2014، حتى القضاء عليه عملياً في الباغوز، ظهر تنظيم داعش بعد عام ونصف العام تقريباً من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، وحالة الفوضى الناجمة عنها، ومستغلًا ضعف قوات الأمن العراقية بعد انسحاب القوات الأمريكية بناء على أوامر الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما.

سيطرت القوات العراقية على الموصل في 9 أشهر، بينما استغرق طرد عناصر داعش من الرقة السورية نصف ذلك الوقت

قرّر البغدادي، الذي أصقله الكفاح ضد القوات الأجنبية المنتشرة في العراق، إرسال المقاتلين تحت إمرته إلى سوريا لخوض غمار الحرب الأهلية؛ حيث وصل به الأمر إلى قطع علاقاته بتنظيم القاعدة الإرهابي الدولي، ونجاحه في فرض سيطرته على مدينة الرقة ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة، نظراً إلى أنها كبرى مدن وادي نهر الفرات، مدفوعين بحماسة الانتصار الكبير وانتزاعهم لمساحات كبيرة من الأراضي، انتشر مقاتلو داعش في الأراضي العراقية ليستولوا على المعدّات والعتاد العسكري الذي كانت الولايات المتحدة قد منحته للجيش العراقي، وكذلك مبالغ مالية ضخمة من المصارف وعدد من مصاف البترول الحكومية، كانت هذه هي الركائز التي استند إليها تنظيم داعش في قيامه.

الرعب والدعاية كأسلحة في الحرب

كان الرعب والدعاية أقوى أسلحة داعش في مواجهة خصومه العديدين الذين يمتلكون أسلحة أفضل، تعرّض آلاف الرجال الأيزيديين، وهي أقلية دينية في شمال العراق، اعتبرها التنظيم تمارس الهرطقة، للإبادة، بينما أُجبرت نساء هذه الطائفة على العبودية الجنسية، وكان بتر رؤوس المقاتلين الأسرى في قبضة التنظيم، وكذلك ذبح الرهائن علامة مسجّلة باسم داعش، الذي تبنّى رؤية متشددة.

اقرأ أيضاً: بعد سقوط "داعش" في سوريا.. أين البغدادي؟

نجحت غارات التحالف الدولي بالكاد في وقف تقدم تنظيم داعش، وعدم انتشاره في مزيد من الأراضي، حتى وجد داعش نفسه في مواجهة خصم لا يخشى فظاعاته، قاومت وحدات حماية الشعب طوال ستة أشهر الجهاديين في منطقة كوباني الواقعة على الحدود مع تركيا، في مواجهة وضعت نقطة نهاية لتوسع التنظيم من حيث الأراضي، كان ذلك مطلع العام 2015، حاول التنظيم الإرهابي مجدداً اللعب بورقة الدعاية العسكرية عن طريق بسط سيطرته على مدينة تدمر الأثرية، كان تدمير بعض القطع الأثرية، التي تم إدراجها ضمن قائمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة "اليونسكو" لتراث الإنسانية، إعلان حرب صريحة على الثقافة والحضارة العالمية.

لم يتوقّف انهيار الخلافة على مدار الأعوام الأربعة الماضية حتى اندثارها تماماً في الباغوز، فجر السبت الماضي؛ فقبل أن يرفع تحالف قوات سوريا الديمقراطية، الذي تقوده ميليشيات كردية ويسانده البنتاغون الأمريكي، رايته الصفراء على آخر معاقل التنظيم الإرهابي، استغرقت العمليات العسكرية ثلاثة أشهر ضد المعاقل الجهادية، وكانت هناك عوامل عدة وراء خفوت وتيرة القتال وتباطؤ عملية السيطرة على الباغوز؛ أبرزها وجود عشرات الآلاف من المدنيين، وكذلك عناصر انتحارية، بين صفوف الجهاديين، فضلًا عن إستراتيجية دولية، لا سيما من جانب رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي كان يدرس إمكانية سحب كافة القوات الأمريكية العاملة في سوريا، الأمر الذي كان سيعني نزع الحماية عن أكراد سوريا في مواجهة تركيا.

اقرأ أيضاً: ماتت "داعش" عاشت "داعش"!

أما في العراق، وبعد تسعة أشهر من القتال من منزل إلى آخر، نجحت القوات العراقية في طرد عناصر داعش من الموصل، في تموز (يوليو) 2017، بينما تمكّن تحالف قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على مدينة الرقة في نصف ذلك الوقت بفضل الدور الذي لعبته الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي على المدينة، وفي ظل حرمانه من عاصمتيه الاثنتين، وافتقاره للقدرة على تنفيذ عمليات ابتزاز السكان المحليين للحصول على التمويل، أخذ تنظيم داعش في التقهقر، شيئاً فشيئاً، حتى انتهى به الحال محاصراً بمناطق صحراوية على الحدود العراقية، بعد أن فقد قاعدته من الأراضي والسكان، تحوّل التنظيم بالضبط إلى الفرضية التي لطالما عارضها: جماعة إرهابية متجوّلة لا تمتلك مقومات الاستمرار في قيادة الجهاد العالمي.

اقرأ أيضاً: من "الأفغان العرب" إلى ما بعد "داعش"

إنّ الوحشية والقساوة اللتين اتّصف بهما مقاتلو ميليشيا دموية، والذين لم يعرفوا حياة أخرى خلاف رفع السلاح وشنّ الحرب، ما تزالان تهزّان العالم، وفي نزاع حيث تتدخّل القوى العظمى العالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، فضلًا عن القوى الإقليمية، مثل إيران والمملكة العربية السعودية، كانت الحرب ضدّ تنظيم داعش هي العامل المشترك الوحيد بين الأطراف المتناحرة.

اقرأ أيضاً: الكشف عن مخططات داعش في أوروبا

كذلك، ما تزال محاولة تنفيذ مذبحة بحقّ الأقلية الإيزيدية من جانب خلافة داعش تسطر واحدة من أكثر فصول الإنسانية ظلاماً، ولا تقارن سوى بما كتبه عناصر ميليشيات الهوتو في رواندا، قبل 25 عاماً، أو الخمير الحمر في كمبوديا، منذ ما يناهز أربعة عقود، كما أنّ التأثير المضاعف لوحشية تنظيم داعش، التي ظهرت لمحات منها عبر الشبكات الاجتماعية، علاوة على الذاكرة القريبة للرعب الذي شهده العالم جراء كوارث مثل قاعة باتاكلان في العاصمة الفرنسية باريس، أو هجمات لاس رامبلاس في مدينة برشلونة الإسبانية، تجعل جانباً كبيراً من العالم يتنفّس الصعداء الآن، بعد سقوط آخر معاقل الخلافة.


استعراض لأبرز مراحل ونقاط مسيرة تنظيم داعش، منذ ظهوره وحتى هزيمته في آخر معاقله بسوريا، إعداد الصحفي، خوان كارلوس سانز، ونشر بجريدة "آ بي ثي" الإسبانية

المصدر: https://bit.ly/2UR5iyZ



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية