خطر الإرهاب وعودة المقاتلين الأجانب يتصدر المشهد.. كيف يمكن مواجهته؟

الإرهاب

خطر الإرهاب وعودة المقاتلين الأجانب يتصدر المشهد.. كيف يمكن مواجهته؟


20/03/2019

تصدّر ملف "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" الأحداث، وسيطر على تغطية وسائل الإعلام واهتمام الأجهزة الأمنية وخبراء الإرهاب، خلال الأسابيع الماضية، على خلفية مشهد المعارك الأخيرة مع تنظيم داعش في آخر جيب مفترض له، في منطقة الباغوز؛ حيث ما تزال المعارك محتدمة. والحديث جارٍ عن اعتقال 5000 مقاتل من داعش، منهم أكثر من 1000 مقاتل أجنبي.
من هم المقاتلون الإرهابيون الأجانب؟
حدّدت رئيسة لجنة مجلس الأمن الدولي، المنشأة عملاً بالقرار 1373 عام 2001، بشأن مكافحة الإرهاب، ريموندا موركايتي، في رسالة وجهتها إلى رئيس مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 أيار (مايو) 2015، حول التقرير الأول لأعمال اللجنة المتعلق بقدرة الدول الأعضاء على التصدي للتحديات التي يمثلها المقاتلون الإرهابيون  الأجانب؛ أنّ قرار مجلس الأمن رقم 2178 لعام 2014، يُعرّف المقاتلين الإرهابيين الأجانب بأنّهم "الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمال إرهابية، أو تدبيرها، أو الإعداد لها، أو المشاركة فيها، أو توفير التدريب على أعمال الإرهاب، بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة".

أشارت ريموندا إلى أنّ عناصر الجماعات المسلحة يشكلون خطراً شديداً ومتعاظماً لأنّهم يزيدون النزعات تأججاً ويطيلون أمدها

وأشارت في التقرير إلى أنّ هؤلاء المقاتلين يشكلون خطراً شديداً ومتعاظماً؛ لأنّهم يزيدون النزعات تأججاً، ويطيلون أمدها واستعصاءها على الحلّ، وربّما تحولوا إلى خطر كبير على دولهم الأصلية، والدول التي يعبرون منها، والدول التي يسافرون إليها، إضافة إلى الدول المجاورة لمناطق النزاعات المسلحة التي ينشطون فيها، مثل؛ الأردن، التي تتحمل جراء ذلك أعباء أمنية جسيمة، وكثيراً ما تجد نفسها مضطرة لرصد موارد ضخمة للتصدي للآثار المترتبة على ذلك، وتجد نفسها وقد أصبحت ضحية للإرهاب. وحددت ريموندا (67) دولة، اعتبرتها الأكثر تضرراً من الخطر الشديد والمتنامي الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب.

ورغم أنّ ظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة؛ فإنّ الزيادة التي أُبلغ عنها مؤخراً في أعدادهم، وفي طائفة البلدان التي ينطلقون منها، بحسب التقارير، والجماعات التي ينضمون إليها، ودوافعهم ومساراتهم اللاحقة، تلقي الضوء على الطبيعة المعقدة لهذه المسألة، وتثير القلق في جميع أنحاء العالم.

إنّ هؤلاء المقاتلين يشكلون خطراً شديداً ومتعاظماً

ويستحيل الحصول على بيانات دقيقة وموثوقة عن أعداد المقاتلين، كما أنّ معظم الدول العربية لا تمتلك معلومات دقيقة عنهم، أو أنّها غير كافية، مثل: الأردن والسعودية ومصر ولبنان وليبيا.

لكنّ فريق الرصد التابع للجنة أعلاه، قدّر أعدادهم بحوالي 20 ألف مقاتل، وقد يصل إلى 30 ألفاً، ينتمون إلى أكثر من مئة دولة (بعض البيانات تشير إلى 130 دولة)، انضم معظمهم إلى داعش، وقسم منهم إلى جبهة النصرة، وحذّر التقرير من خطر انتشار هؤلاء المقاتلين المدربين في أنحاء العالم في حال هزيمة تنظيم داعش، والخوف هنا يتمركز من هجمات واسعة "للذئاب المنفردة" في المدن الغربية.

اقرأ أيضاً: اعترافات تكشف مسار الجهاديين الأجانب من التجنيد إلى القتال

وأشار التقرير إلى أنّ عدد المقاتلين الأجانب في أفغانستان يقدر بحوالي (6500) مقاتل، بالإضافة لوجود المئات منهم في اليمن وليبيا وباكستان، وحوالي (100) مقاتل أجنبي في الصومال، إضافة إلى وجود عدد منهم في شمال إفريقيا والفلبين.

ووفق التقرير؛ فإنّ معظم المقاتلين الأجانب الذين يتوجهون إلى سوريا والعراق يأتون من تونس والمغرب، وفرنسا وروسيا، كما شهد عدد المقاتلين القادمين من المالديف وفنلندا وترينيداد وتوباغو ازدياداً، وبدأت بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء بتصدير المقاتلين للمرة الأولى، وقال مسؤولون أمريكيون، مطلع هذا العام: إنّ 3400 شخص من دول غربية، من بينهم 150 من الولايات المتحدة، قد سافروا للعراق وسوريا للانضمام إلى جماعات متشددة. ويقدر مسؤولون بريطانيون أنّ أكثر من 700 بريطاني سافروا إلى سوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وقد عاد إلى البلاد ما يقرب من نصفهم.

خطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب

رغم الإعلان عن هزيمة تنظيم داعش "وطرده من معاقله في العراق وسوريا"، إلّا أنّ الخوف من هجمات التنظيم الخارجية ما يزال يحتل المرتبة الأولى في قائمة المخاوف العالمية، بحسب مسح قام به مركز "بيو"، في 1 آب (أغسطس) العام 2017، وبالطبع؛ فإنّ هذا الخوف تزايد الآن بعد الجدل السياسي العميق بين الحلفاء حول المطالبات الأمريكية بعودة المقاتلين إلى بلادهم، خاصة أوروبا.

حذّر تقرير دولي من خطر انتشار هؤلاء المقاتلين المدربين في أنحاء العالم في حال هزيمة تنظيم داعش

وكان تقرير لجنة مكافحة الإرهاب أعلاه قد وصف العراق وسوريا وليبيا بأنّها "مدرسة التشطيب الحقيقية" للإرهابيين، مشيراً إلى أنّ تونس والمغرب وفرنسا وروسيا بشكل خاص، قد تكون عرضة لهجمات إرهابية في المستقبل؛ نظراً إلى عدد من المقاتلين من هذه الدول.
ولقد أخذ هذا الخوف منعرجاً مختلفاً عقب إعلان ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، نهاية العام الماضي (2018)، ثم مطالبته بضرورة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم، بعد تهديد قوات قسد بأنّها لن تستطيع الاحتفاظ بهم في الأسر لديها، وكان الحديث يدور آنذاك عن حوالي 800 مقاتل أجنبي من داعش.

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب: الجهاد في عصر مُعولم
الأمر الذي أدّى إلى جدل واسع وعميق وانقسام داخل المجتمع الأوروبي، وأثار حفيظة وانزعاج الساسة الأوروبيين، خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، إذ تحتل فرنسا قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديراً للمقاتلين الأجانب، بما يقرب من  1200 مقاتل، وردّاً على مطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ أكّدت وزيرة العدل الفرنسية، نيكول بيلوبيه، في شباط (فبراير) 2019؛ أنّ بلادها لن تتخذ أيّ إجراء في الوقت الحالي، وستعيد المقاتلين على أساس مبدأ "كلّ حالة على حدة".

يشكل اليوم الإرهاب "شبكة" معقدة أخطر من السابق، رغم هزائمه العسكرية على الأرض
من جانبها، أشارت وزارة الداخلية الألمانية إلى أنّه من حقّ كلّ مقاتلي تنظيم داعش الذين يحملون الجنسية الألمانية العودة إليها؛ حيث يوجد 1050 مقاتلاً من الجنسية الألمانية، إلا أنّها لا تستطيع استعادتهم إلا إذا سُمح لهم بزيارات قنصلية.
أما بريطانيا، التي عاد إليها نحو 400 من أصل 900 مقاتل يحملون جنسيتها، في حزيران (يونيو) 2018؛ فترى السلطات البريطانية أنّ المقاتلين الأجانب في داعش يجب أن يخضعوا للمحاكمة في المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم، رافضةً دعوة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الدول الأوروبية إلى إعادة مواطنيها؛ حيث أعلن متحدث باسم رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، أنّه "يجب تقديم المقاتلين الأجانب إلى العدالة وفق الإجراء القانوني المناسب في النطاق القضائي الأكثر ملاءمة، وحين يصبح ذلك ممكناً، يحب إتمام الأمر في المنطقة التي ارتكبت فيها الجرائم".

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب... إرث يُقلق الدول
كذلك فعلت سويسرا التي أكدت، في تصريحات رسمية، أعلنت بتاريخ 8 آذار (مارس) العام 2019، وعلى لسان وزيرة العدل، كارين كلير سوتر، خلال شهر شباط الماضي؛ أنّ بلادها لا تمانع عودة مواطنيها، لكن بشرط محاكمتهم في ظلّ قوانين ذات معايير دولية في البلد الذي ارتكبوا فيه جرائمهم.
وتشير بيانات الأجهزة الأمنية السويسرية إلى أنّ عدد السويسريين الذين التحقوا بالتنظيمات في بؤر الصراع، منذ العام 2001، بلغ (93) مواطناً، (78) منهم ذهبوا إلى سوريا والعراق، وقتل منهم (27) بشكل مؤكد، و(16) مقاتلاً عادوا إلى سويسرا. وهناك (20) تعتقلهم قوات "قسد" الآن.

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب مع "داعش": تهديد يعود إلى الواجهة
من خلال الأمثلة أعلاه، يمكن الإشارة إلى خطورة هذا الملف، وبنفس الوقت تعقّده من حيث المتابعة وتقييم المخاطر في ظلّ الخلافات السياسية العميقة بين الدول المعنية، وبين المقاربات الأمريكية والأوروبية، في ظلّ غياب ردود الفعل العربية على هذا الملف، رغم أنّ الدول العربية، مثل تونس والسعودية والأردن ومصر، تحتل مراتب متقدمة في أعداد مواطنيها المشاركين في القتال في سوريا اليوم. 

شبكة تعاون عالمي لمكافحة خطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب
يعتقد بأنّ العالم اليوم يحتاج إلى شبكة عالمية مترابطة، واسعة وعميقة جداً من العلاقات، إذا أراد فعلاً مواجهة خطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب؛ فمجتمع الدول في حقبة العولمة المعاصرة يواجه مثلثاً من الأخطار والتحديات، يتألف من ثلاثة أضلاع هي:
1- التطرف العنيف.
2- الأيديولوجيا الإقصائية.
3- الإرهاب.
وتشكل هذه الأضلاع المترابطة ومتبادلة التأثير، تحديات أمنية للأطراف الفاعلة من الدول، وخطراً يهدّد السلم الأهلي والاستقرار والأمن العالمي.

اقرأ أيضاً: عودة "المقاتلين الأجانب" والانسحاب الأمريكي من سوريا.. هذه هي التحديات

يشكل اليوم الإرهاب "شبكة" معقدة أخطر من السابق، رغم هزائمه العسكرية على الأرض، نظراً لأنه لم ينتهِ؛ بل تماهى مع سيرورة العولمة، وتغيرت أساليبه وأشكاله، وأصبح أكثر قدرة على حرية الحركة، واستفاد من تجربة "الحرب المركّبة"، والتنظيم الهجين "الهايبرد"، وعاد لوضعه الطبيعي أصلاً، ليكون "سلاح الضعيف"، و"المقاومة من أسفل".

وفق التقرير فإنّ معظم المقاتلين الأجانب الذين يتوجهون إلى سوريا والعراق يأتون من تونس والمغرب وفرنسا وروسيا

في المقابل؛ هناك نافذه للتضافر(Collaboration) العالمي يمكن البناء عليها من خلال البرامج "الكلانيّة" في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وإعادة التأهيل والإدماج والرعاية اللاحقة، كمشاريع يمكن أن تشكل شراكة ناجحة وقابلة لقياس النتائج، خاصة بعد ظهور مشكلة  "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، والجدل الدائر حول ضرورة إعادتهم إلى بلادهم ومحاكمتهم قضائياً، وتحديداً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي تقضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، ودعوة الدول المصدرة للمقاتلين إلى ضرورة استعادة مواطنيها ومعالجة هذا الملف العالمي.

إنّ استمرار فشل المجتمع الدولي والمؤسسات الحكومية المتمحورة حول فضاء الدولة فقط في مواجهة خطر الإرهاب، ستكون نتائجه كارثية ومتخطية للحدود القومية للدول، ومثال ذلك خطر المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سوريا والعراق.
في النهاية؛ نعتقد أنّ هناك ضرورة "لبناء إستراتيجية شاملة لمواجهة التطرف العنيف (CVE)"، على أن تتكون من ثلاثة برامج مترابطة هي: الأول منع الراديكالية، والثاني إعادة التأهيل، والثالث وقائي يقوم على التدخل المبكر للحيلولة دون انخراط الأفراد والمجتمعات في التطرف العنيف.

اقرأ أيضاً: الأردن وعودة المقاتلين الأجانب.. اتجاهات وسيناريوهات خطيرة
ومن خلال هذه الإستراتيجية؛ يمكن إقامة شراكة واسعة وتضافر بين كافة الأطراف الفاعلة على المستويات الثلاثة: الدولة، وما فوق الدولة، وما دون الدولة، وبناء "شبكة" واسعة من العلاقات العالمية التي يمكن أن تواجه "شبكة" الجماعات والمنظمات الإرهابية، والأخطار التي يمكن أن يتسبب بها المقاتلون الإرهابيون الأجانب لبلادهم وللأمن والسلم العالمي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية