ممّ يخاف التربويّون.. من عيد الحب أم من الحب نفسه؟

ممّ يخاف التربويّون.. من عيد الحب أم من الحب نفسه؟


14/02/2019

احتفالاً بعيد الحب، يقوم الأطفال في بعض المدارس الابتدائية في أمريكا الشمالية، بتزيين حجرات الدراسة وتبادل بطاقات المعايدة وتناول الحلوى، وعادةً ما تذكر بطاقات المعايدة التي يتبادلها هؤلاء التلاميذ، الصفات التي تجعلهم يشعرون بالتقدير تجاه بعضهم البعض. وفي مدينة ستوكهولم تعمل المدارس على وضع نشاطات معينة لهذا اليوم، كي لا يقتصر عيد الحب على أطفال دون غيرهم، هذه النشاطات ليست مجانية إنّها بالـتأكيد تندرج في قائمة الأهداف التربوية. بالمقابل في مجتمعاتنا، من يتجرّأ من أطفالنا المراهقين على ارتداء شالٍ أحمر أو قميص، أو أي شيء يشير لاحتفاله بهذه المناسبة، سيقف الجميع له بالمرصاد، وينال نصيبه من السخرية والتأنيب، وسيكون يومها تحت المجهر، فأي فعل سيصدر عنه سيتصيده التربويون كإدانة على احتفاله بهذا اليوم.

هل المشكلة لدينا في يوم عيد الحب، أم في الحب نفسه، في هذا اليوم وكل يوم؟

من خلال السؤال الذي تمّ طرحه على أطفال في سنّ المراهقة حول عيد الحب أو ما يطلق عليه (الفالنتاين)، سنرى أنّ ما يفكر به الكبار لا وجود له في دائرة اهتمام الصغار، فقد كانت الإجابات بعيدة كل البعد عما يدور في خلد هؤلاء الكبار، لم يصرح أحدٌ منهم أنها بدعة غربية، أو عيد وثني، أو مناسبة منافية للتقاليد والعادات، أو تشجع على الفسق والرذيلة، أو هي تجارة لزيادة الأرباح واستغلال جيوبهم، إنّ إجاباتهم كانت تفصح عن مشاعر نقية، تخللها فرحٌ خجول.

اقرأ أيضاً: بين الحب وحاجة التملّك

هل يمكن لنا أن نكون أكثر جرأة ووضوحاً: وهل المشكلة لدينا في يوم عيد الحب؟ أم هل المشكلة في الحب نفسه، في هذا اليوم وكل يوم؟ ولماذا تقذف تصوّراتنا بالحب نحو الرذيلة مباشرةً؟ وخاصةً إذا ما ارتبط الحب بالمراهق، ليغدو الحبّ في مجتمعاتنا وجهاً من أوجه الرذيلة؛ بحيث لا يمكننا تصوره مفصولاً عن الجنس، أو لنقل بطريقة مختلفة لماذا نعتقد أن الحبّ هو طريق مباشر نحو الرذيلة؟ وهل يجب أخذ الحيطة والحذر للحيلولة دون وقوعه؟ قد تبدو أحياناً المشكلة أنّها ليست  مرتبطة فيما نسميها "بدعة السيد فالنتاين"، كما ذكرت، إنما المشكلة تنحصر في أنّ "السيد فالنتاين" يُستثمر كذريعة قوية لرفض الحبّ كله، ورفض الحب هو ليس سوى التخلي عن القيام بمهام تربوية، ابتداءً بالتثقيف حول العلاقة بين الذكر والأنثى وآدابها، وصولاً إلى التربية على الحب، والتي نستبدلها في مجتمعاتنا بالتربية على الخوف من الطرف الآخر.

خوفنا هو ما يصنع مصائر أطفالنا، وهو ما يجرهم من آذانهم إلى "صناديقنا السوداء"

خوفنا هو ما يصنع مصائر أطفالنا، وهو ما يجرهم من آذانهم إلى "صناديقنا السوداء"، ما الذي نخشاه؟ أن يرتكبوا الأخطاء؟ أن يتعرضوا للمخاطر؟ أن يهدروا وقتهم؟ ألا نحظى باحترامهم؟ هل يخيفنا نموهم العاطفي؟ ليس الحل "بأن نعمل على تقييدهم وعزلهم، والإصرار على صوغ أجسادهم على غرار صنفنا الرجولي أو النسوي، وتلقينهم القوانين التي اعتدنا عليها، والتأكد من ركوعهم أمام سلطتنا" بتعبير كابلن، فقد أثبتت الأبحاث النفسية أنّ المراهق الذي ترعرع في جو تربوي فيه الكثير من الحب والعطف، تتضاءل لديه كل هذه السلوكيات السلبية، وسيتصف بالمزيد من المسؤولية.

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث لجسمك بعد أقلّ من ثانية من الوقوع في الحبّ؟!

وهل يمكننا التساؤل حول الكيفية التي تنظر فيها مجتمعاتنا إلى الحبّ، وربطه التعسفي بالجنس عند المراهق؟ هل ثمة توتر وعدم تفهم عميق لوعي المراهق الذي كنّاه يوماً ما؟ ما نحن بحاجة للتفكير فيه بعمق وتأنٍّ أنّ مشاعر المودة والحب عند المراهق غالباً ما تكون غير مرتبطة بدوافع سيئة، بل هو عتبة نحو نمو وجودي، ولا يمكن أحياناً أن تنضج شخصيته إلّا بالمرور من خلالها، وفي هذه الأثناء تتشكل القيم المثالية في ذهن المراهق وقد يكون أهمها على الإطلاق "الحبّ"، الذي سيلعب دوراً مهماً في إضفاء الجمال على الوجود، بالتالي إنّ قمع هذه الصيرورة، ستحرمه من التوازن العاطفي، الخلل الذي سيؤدي إلى نتائج وخيمة، تهدد توازننا، أولها أنّه "لن يتمكن من احترامنا والاقتداء بنا لأنّ ما نقدمه له لا ينسجم مع طموحاته الأخلاقية" بتعبير روسو، فبفقدانه أحد أهم أشكال الحرية "الحب" سيفقد أي معنى لحياته، وسيردد قصيدة جيروم ابن الإحدى عشرة سنة "انظر، الذي بقي من قصيدتي بدّله الناس، كتبتُ قلبي لكنهم مزقوه، بصقوا على كلماتي ووطؤوا أفكاري، انظر، لقد غرسوا فيّ البكاء والأنانية".

الحب عند المراهق هو عتبة نمو وجودي وأحيانا لا يمكن أن تنضج شخصيته إلّا بالمرور من خلالها

منذ أن تسلل هذا اليوم إلى مجتمعاتنا، لم تفلح الحجج المعاد تكرارها، من إلغائه أو محاصرته، لقد بات "الفالنتاين" أمراً واقعاً؛ إذ يستحيل حجبه من فضاءات التواصل التي تمكنت من تجذير نفسها في الواقع، وصياغة واقع جديد ينحو نحو الانفتاح والكونية، وهذه الحقيقة يجب أن تدعونا إلى مستوى جيد من التفكير، يقوم على أنّ القبول لا يعني التمثّل؛ فالقبول هو اعتراف برغبات الآخرين وهواجسهم حتى لو لم نتفق معها، هو حالة من الوعي نمتلكها عندما لا يحكم علاقاتنا الخوف، بينما التمثل هو انصياع يقوم على الفرض والقسر، وغالباً ما ينوجد هذا الانصياع، عندما تفشل البنية الاجتماعية القائمة، في التعبير عن أفرادها، لذلك فإنّ المراهق الذي لم يستطع إشهار احتفاله بهذا اليوم، سيحتفل بالسر، وجميعنا يعلم ماذا يعني أن يضطر الطفل لإخفاء أمر ما، هذا يعني المزيد من الكذب والمزيد من الخطأ.

اقرأ أيضاً: 10 أفلام أشعلت حرائق الحب في قلوب العشاق

الحبّ ليس مؤسسة، إنه فعّالية إنسانية يمكن لها أن تتبدى في مجمل النشاط الإنساني ...، وإن أشكال العنف التي تتوفر في مجتمعاتنا هي اللاحبّ ذاته. الحب يوجد حين ينتهي الخوف، ويبدأ من معرفة كيف نحب أحداً، لنتمكن من محبّة الكل، وطالما لم نحب أحداً بعينه، سيبقى حبُّ الإنسانية الذي ندّعيه حباً خيالياً وفارغاً من المعنى. لننظر جيداً إلى الحب الذي تمّ تبنّيه باسم الأيديولوجيات المتباينة، لم يكن سوى غطاء للكثير من الحروب والمجازر التي انتهكت إنسانيتنا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية