"داعش سيناء" في مواجهة "حماس".. طبول الحرب تدق بعيداً عن إسرائيل

داعش

"داعش سيناء" في مواجهة "حماس".. طبول الحرب تدق بعيداً عن إسرائيل


08/01/2018

برصاصة أطلقها داعشي في سيناء على رأس رفيقه الذي اتّهم بتهريب السلاح إلى "حماس" في غزة، كانت إشارة البدء لإعلان الحرب من قبل التنظيم على من وصفهم بـ"مرتدي الحركة".

حمل الفيلم الأخير لتنظيم داعش في سيناء مسمّى "ملة إبراهيم" وهو ذات دلالة في أدبيات تلك التنظيمات، فإبراهيم، عليه السلام، كان قد أقبل على ذبح ابنه، عندما أدرك أنّ ذلك هو المراد الإلهي، وكان أول من استخدم هذا المعنى في الأداء التنظيمي التكفيري هو أبو قتادة الفلسطيني، الذي أثنى على شاب جزائري، ينتمي إلى الجماعة الجزائرية الإسلامية المسلحة "جيا" حين ذبح والده ووالدته عندما أرادا تزويج ابنتيهما لشاب وصف بأنّه مناصر للدولة الجزائرية، وادعى "أبو قتادة" أنّ هذا المنهج والأسلوب هو "ملة إبراهيم".

القتيل موسى أبو زماط، من قطاع غزة، وكان عنصراً سابقاً في "حماس"، إلا أنّه كان قد قرّر الهرب من صفوف الحركة للانضمام إلى تنظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء، والذي أعلن مبايعته لداعش لاحقاً، أما القاتل فهو محمد أنور الدجني، وهو ابن أحد قادة حماس في القطاع، والملقب بـــ"أبي راشد"، والمدير المسؤول عن ملف الحماية ومعالجة الجرحى في غزة، إلا أنّه خضع لدورات تدريبية لإقناعه بتنفيذ العملية "وفق ما ذكرته مصادر فلسطينية"، أما من ألقى فتوى القتل أمام الكاميرا فكان حمزة الزاملي، المكنى بـ "أبو كاظم المقدسي" وهو من قطاع غزة أيضاً، ليرسل التنظيم إشارة في كيفية مفهومه للولاء والبراء، فلا يقتل فلسطيني ويفتي بقتله إلا بنو جلدته.

يا ثارات موسى

لم ينسَ صُنّاع الإصدار الأخير لداعش في سيناء، تذكير حركة حماس، بما فعلته في شيخها، عبداللطيف موسى "أبو النور المقدسي"، حين صعد على منبر مسجد ابن تيمية، ثم فاجأ المصلين بإعلانه الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس بحجة أنّ "حكومة حماس لا تطبق شرع الله".

وما كاد "موسى" يلقي خطبته الشهيرة، حتى حصلت حماس على فتوى تحلّ سفك دمه ومن معه.

يركز صُنّاع الفيلم على مشاهد محاصرة الجناح العسكري لحماس "كتائب عز الدين القسام" للمسجد، وإفراغهم الطلقات في جدرانه وجوانبه، وسقوط عدد من المصلين بين قتيل وجريح.

الفيلم لم يذكر"إسرائيل" إلا في جملة واحدة، فيما كان موقع "روتر نت" العبري، أول من كشف عن نشر الفيديو

في 14 آب (أغسطس) العام 2009، قضت حماس على الشيخ موسى وجماعته، وذهبت استغاثة المصلين في الداخل غبر المكبرات الصوتية أدراج الرياح، ولم تتوقف زخات الرشاشات الثقيلة حين حاولت سيارات الإسعاف أن تتدخل لإنقاذ المصابين.

لم تمضِ سوى 7 أعوام على تلك الواقعة حتى وقف شاب في العشرينيات من عمره في صحراء سيناء "كاظم المقدسي"، بشعره المنسدل على كتفه ولحيته الكثة، ليعلن حرباً على حماس، مجتراً من الذاكرة مشهد قتل عبداللطيف موسى وجماعته من قبل الأخيرة.

بلهجة حادة تكسوها مرارة الانتقام قال: "إنّهم – حماس- قتلوا الموحدين أمام أعينكم في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي حي الصبرة والنصيران، وأنتم ترون اليوم الحملة الشرسة على من صدع بالتوحيد من أبنائكم، والظلم الواقع عليكم من مكوث وضرائب، جمارك ومصائب من أنزل الله بها من سلطان، فانبذوا عنكم هذه الطائفة، وابرؤوا إلى الله منها وهذه هي ملة إبراهيم، ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه"

يصرخ "المقدسي" بأعلى صوته محرضاً أتباع تنظيمه في غزة لمقاتلة حماس: "يا شباب الإسلام في غزة ويا إخوة التوحيد في الوسطى، يا أنصار الشريعة في الجنوب أخاطبكم يا جند الله، إنّ قتال الكفرة المتحكمين في الشرائع لمتحتم عليكم، فادفعوا صيالهم، وردوا عاديتهم، وعليكم بالكواتم والنواسف واللواصق، انسفوا مقراتهم الأمنية ومحاكم الوضعية، ولا تبقوا في غزة رافضياً لعيناً، ولا نصرانياً كافراً، ولا ملحداً جاحداً، أو إخوانياً مرتداً، فسعروا الأرض من تحت أقدامهم، وأعلموا فيهم أسياف الصديق".

ويشرعن المقدسي لقتل رفيقه الذي يعترف أنّه كان يعمل ضمن صفوفهم: "إنّ إعانة هذه العصابة المرتدة بالمال والسلاح هي ردة واضحة عن دين الله، ففيها مظاهرة لهم على حرب المجاهدين، وتثبيت لعروشهم الزائلة، يواصلون مهادنة اليهود والطواغيت، ومهادنة النظام في مصر، وتسديد بنادقهم نحو صدور الموحدين".

حمل الفيلم الأخير لتنظيم داعش في سيناء مسمّى "ملة إبراهيم" وهو ذات دلالة في أدبيات تلك التنظيمات

تتلخص أهم الأسباب المعلنة التي يعلن فيها حربه على حماس في: محاربة جماعتهم في غزة، وإصدارهم لميثاق جديد يحاول التوفيق بين وضعية الحركة والقانون الدولي، تحالفهم مع نظام الملالي في إيران، تركهم العدو الصهيوني دون قتال، تحالفهم من النظام المصري، وقولهم إنّ الصراع مع اليهود سياسي وليس دينياً، وكل هذا يوجب الردة حتى لو كان يصلي قادة حماس في الصف الأول، وفق معتقد التنظيم.

الفيلم، الذي بلغت مدته 22 دقيقة، لم ترد فيه ذكر لـ"إسرائيل" إلا في جملة واحدة، فيما كان موقع "روتر نت" العبري، أول من نشر تنويهاً كشف فيه عن أنّ التنظيم في سيناء بصدد نشر فيديو يعدم فيه أحد عناصره بتهمة تسهيل دخول السلاح لحماس، مما دفع الباحث الفلسطيني إبراهيم المدهون، بوصف هذا العمل "بأنّ وراءه عمل استخباراتي إسرائيلي ويصب في خدمة المشروع الصهيوني".

ويضيف المدهون، في تصريحاته لموقع "أمان" المصري "هؤلاء صغار تم التلاعب بهم وغرتهم الشعارات، فوقعوا بالفخ وكانوا عبرة لغرهم ..."

لماذا الآن؟

مع أنّ العشرات من أنصار عبداللطيف موسى كانوا قد هربوا من غزة في اتجاه سيناء بعد واقعة مسجد ابن تيمية، إلا أنّ نذر الصراع بين الجماعتين لم تظهر إلا في أواخر العام قبل الماضي، بعدما أفادت مصادر محلية في مدينة رفح الفلسطينية، أنّ تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش، أجبر التجار في مدينة رفح المصرية على وقف تهريب البضائع إلى قطاع غزة، وتهديد سائقي الشاحنات لمنعهم من مواصلة نقل البضائع إلى مناطق الأنفاق، وفق ما أورد موقع "فلسطين نت"، لكن ذلك جاء بعدما شنت حماس حملة اعتقالات واسعة في صفوف السلفية الجهادية في غزة، وصلت لــ350 عنصراً وقتذاك.

يذّكر الفيلم حماس بشيخها عبداللطيف موسى حين أعلن الإمارة الإسلامية في القدس بحجة أنّ "حماس لا تطبق الشرع"

بعدها هاجم قائد التنظيم في سيناء، أبو هاجر الهاشمي في حديثه لصحيفة "النبأ" التابعة لداعش، قيادة حركة "حماس"، متهماً إياها بـ"الكفر" وداعياً عناصرها إلى التمرد عليها، ونشر صور لنشطاء وقادة سابقين في حركة "حماس"، انضموا إلى التنظيم أو قتلوا في الحرب إلى جانبه.

وفي منتصف العام الماضي أرسل أحد الموالين لداعش في غزة، رسالة إلى أبي بكر البغدادي، زعيم داعش، حملت عنوان "رسالة الاستنصار"، طالبه فيها بالسماح لهم بالزحف نحو سيناء، للقتال بجانب رفقائهم في تنظيم ما يسمى بولاية سيناء، بسبب ما أسماه بطش حماس بهم وقتلهم ونسف بيوتهم.

وطالبت الرسالة البغدادي، أن ينذر حماس لكفّ بأسها عنهم والإفراج عن معتقليهم فإن استجابوا فالحمد لله وإن لم يفعلوا فسوف نستعين بالله تعالى على قتالهم، ثم إنّ الصدام معهم قادم لا محالة لمن يقرأ الواقع جيداً.

يعود كاتب الرسالة إلى ملمح آخر في الصراع هو العداء بين الإخوان وتنظيم الزرقاوي في العراق "فو الله العظيم إنّهم يقتلوننا في غزة تحملهم في ذلك ثارات مخيم اليرموك وثارات فرع الإخوان في العراق، ويصرح بذلك قادتهم ويدرسونه لأتباعهم لشحن نفوسهم علينا، فهذا الفرع الإخوان هو أشد فروعهم حقداً على أهل التوحيد"، وفق نص الرسالة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية