"الإخوان"... تلون الحرباء

"الإخوان"... تلون الحرباء


31/01/2019

جبريل العبيدي

إنه الإفلاس والتذبذب السياسي لدى جماعة الإخوان، وهذا مرده إلى الجهل بفقه الواقع، وإصرارهم على البقاء، رغم خسارتهم ليس فقط الصندوق الانتخابي، بل حتى ثقة الناس بهم، وهذا ما حدث للتنظيم في ليبيا، وسبقه الأمر ذاته في مصر.
وما محاولات أعضاء الجماعة استنساخ وسيلة الأفاعي في استبدال جلودها لتتعايش مع تغيرات الطبيعة والمناخ المختلف، إلا محاولات بائسة، يظنون بجهلهم أنها تنطلي على الناس، وهذا ما يفعله التنظيم الإرهابي وأعضاؤه من حين إلى آخر، فالتنظيم الإرهابي الذي اعتاد على الكذب والتقيّة السياسية، التنظيم السياسي في جلباب ديني، التنظيم المفلس سياسياً والمبتدع دينياً... هو الآن في حالة استخفاف بالعقول.
في ليبيا تقدم رئيس ما يسمى «مجلس الدولة» غير الدستوري، القيادي الإخواني خالد المشري، بالاستقالة من جماعة الإخوان، والتي لا يمكن فهمها إلا من خلال قراءة منهج الجماعة وتموضعها وسكونها وتكتيكاتها حين تحاصَر وتخسر المعركة، وتحاول الاستعداد لخديعة جديدة.
فالمشري قال في بيان استقالته المتلفز: «إنني أعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان المسلمين، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي والاحتفاظ بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة». الود الذي كان ولا يزال، لم ولن يقطعه المشري مع الجماعة، بسبب طاعة الميت للمغسِّل، والبيعة للمرشد، والتي لو قطعها لانتهى أمره، لنقضه البيعة للمرشد.
البيعة التي يقول العضو فيها: «أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعاً مطيعاً لأوامرها في العسر واليسر والمنشط والمكره، معاهداً على الكتمان وعلى بذل الدم والمال، فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير». البيعة التي تتم في طقوس كتلك التي تمارسها الجماعة الماسونية في الغرف المظلمة. فهل يستطيع المشري الهرب والفرار من كل هذا الكم من التحذير، ما لم يكن الأمر قد دُبِّر بليلٍ بهيمٍ بينه وبين صاحب البيعة؟
جماعة الإخوان الإرهابية والتي تَقدم بعض النواب بمقترح للبرلمان الليبي بحظرها وتصنيفها جماعةً إرهابية، لم تكفّ عن محاولات عرقلة تقدم الجيش الليبي في معركة تطهيره للجنوب، والتي سيطر فيها على عاصمة الجنوب الغربي سبها، وسيطر على كبرى القواعد العسكرية وهي قاعدة تمنهنت.
لقد انتهت محاولات التنظيم إلى الفشل والتي للأسف ضللت معها المبعوث الدولي سلامة، وجعلته ناطقاً باسمها في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن.
استقالة المشري، هي مجرد مناورة وتقيّة سياسية يستخدمها قيادي إخواني مثل المشري، وهي تكرار لسيناريو الكذب والتضليل الذي سبقه إليه القيادي المصري عبد المنعم أبو الفتوح، فتنظيم الإخوان ليس في منهج أدبياته مفهوم الاستقالة بعد البيعة للمرشد، لأن التنظيم سيعتبره «مرتداً»، وبالتالي استقالة الإخواني الليبي المشري هي مجرد اختبار بالون وتلون حرباء، ففي الانتخابات السابقة مثلاً دخل القيادي الإخواني نزار كعوان الانتخابات بصفة «مستقلاً» وعندما فاز في الانتخابات عن طرابلس، سرعان ما أعلن ولاءه للتنظيم الذي باعترافه أنه كان ولا يزال عضواً فيه، وأصبح رئيس كتلة الإخوان، في المؤتمر الوطني، وجاهر بالقول «إنه من الإخوان والإخوان تاج على رأسه»، ما يجعل ما فعله خداعاً لناخبيه، لكونه في إعلانه الانتخابي كان قد أعلن أنه مرشح مستقل.
أعضاء تنظيم الجماعة أصحاب البيعة للمرشد، في العادة ما يستقيلون من الحزب وليس الجماعة، وهناك فرق بين الحزب والجماعة، بل كثيراً ما ينكرون الانتماء إلى الجماعة، ولعل تصريحات عراب الجماعة في ليبيا المطلوب الدولي (للرباعية العربية) في قضايا إرهاب علي الصلابي، الذي أنكر انتماءه إلى تنظيم الجماعة الضالة، وقال إنه «فقط مؤمن بفكر الجماعة»، خير شاهد.
مناورة الاستقالات دأب عليه التنظيم وأعضاؤه، ولكن المشري كان أول إخواني يعلن أنه «يستقيل» من الجماعة، وكذبة كبيرة ومخادَعة كبيرة، لأن استقالته تترتب عليها تبعات خطيرة قد تودي بحياته، والمشري القيادي في التنظيم يعرف هذا جيداً، ويعي تماماً ما يقول، وبالتالي فإن الأمر لا يخرج عن كونه تبادُل أدوار وتنسيقاً بين الجماعة والمشري، وبنصيحة من دول صديقة للجماعة ومنها قطر، ليمكن لها إعادة تدوير هؤلاء، ضمن لعبة الكراسي التي يجيدها التنظيم المخادع.
فالموضوع برمّته لا يخرج عن كونه تكتيكاً لأعضاء تنظيم الإخوان، ومناورة سياسية، تهدف إلى إرسال رسائل للداخل والخارج، تبدأ بالاستقالة المزعومة، التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به.
فتنظيم الإخوان المبتدع دينياً والمفلس سياسياً لا يمكنه الخروج في سلوكه عن تلون الحرباء، واستبدال الأفاعي جلودها للاختباء والظهور مع تغير الظروف.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية

الصفحة الرئيسية