أمنيات مثقفين عرب في العام الجديد: هزيمة اليأس وقيامة الإنسان

2017

أمنيات مثقفين عرب في العام الجديد: هزيمة اليأس وقيامة الإنسان


31/12/2017

منى يسري،  سامح فايز، كريم شفيق، خالد بشير،عيسى جابلي

لا تبدو أحلام المثقفين العرب وأمانيهم على أبواب العام الجديد، قد بارحت تفاؤلها، رغم ما يستشعرونه من أجواء قاتمة، وانغلاقات شديدة في الحياة العامة على المدى المرتقب.

فما بين حلم بالحرية واستقلالية المثقف والإنسان، وما بين أمنية بألا يأتي يوم يقول الفقيه لأحدهم لماذا تعلق ثوب أمك على الحائط، فيحرمه مفاتيح الجنة، جاءت تصورات مجموعة من المثقفين العرب في تونس ومصر وليبيا وفلسطين والأردن وسوريا واليمن، لتعلن، كما صرحوا لـ"حفريات" حرباً على الهزيمة، وإيماناً بأحلام، ولو مؤجلة، كي يفرح الأبناء بما عجز عن التمتع به آباء وأجداد خذلتهم الأعوام، وأثخن جراحهم تقلب السنين ومكابدات العيش.

د. أحمد زايد: أن تجفّ منابع الإرهاب

قال الكاتب والأكاديمي المصري، الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة الأسبق يتمنى "أن تجفّ منابع الإرهاب التي أغرقت العالم عنفاً وكراهيةً، وأن يعُمّ الخير والحب والسلام بين الناس، وأن تسود المحبة بين أبناء مصر والعالم العربي، بعد أن زرع الإرهاب الفتنة في المجتمعات العربية، ومزّقها، وجعل العنف وخطاب الكراهية صورة عالمنا العربيّ أمام الخارج".

واقعنا مليء بالصفحات القاتمة؛ لكنّ قتامتها تبعث فينا الرغبة في التجاوز، والحلم بالغد الذي نرجو أن يكون أفضل

كما تمنّى زايد أن يرفع الإنسان العربي رأسه، وأن يعود لسابق مجده، وأن يعي أنّه بالإمكان صناعة المجد، زكل ذلك ممكن، وفقه، بـ"العمل الجاد والتطلع للمستقبل"، مبدياً تفاؤله قائلاً "مازلت أرى أنه مشرق ومحمل بالأمل".

د. إلهام مانع: أحلم بوطن يحترم إنسانيتنا

من جانبها، عبرت الأكاديمية والحقوقية اليمنية الدكتورة إلهام مانع، الأستاذ بجامعة زيورخ، عن حلم يراودها بأوطان تحترم الإنسان كما هو، مؤكدة أننا لم نصل بعد إلى مرحلة القبول بالآخر، قائلة "نلوك بألفاظ التسامح والقبول بالآخر، ثم نمصمص شفاهنا ونشيح بأوجهنا عندما يزج بإنسان في السجن؛ لأنه قرر تغيير دينه، أو بسبب مواقفه الفكرية، أو ميوله الجنسية، أو تفسير للدين يختلف عن رأى المؤسسة الدينية".

وأردفت:"أحلم بأوطان تحترم إنسانيتنا، حرياتنا، وإرادتنا، وحلمي سيتحقق يوماً، في عام ما؛ لأن التنوير قادم لا محالة، هي مسألة وقت لا غير".

منصور الصويم: أن تتوقف الحروب والصراعات

والسياق ذاته، قال الروائي السوداني منصور الصويم:" بلا شك أولى الأمنيات المفترضة في تقديري لأي إنسان على هذه الأرض، هي أن يشهد العام المقبل وقفاً للحروب والصراعات، وشيوعاً للسلام في أرجاء الدنيا"، متابعاً "بالنسبة لي، كوني مواطناً سودانياً، أتمنى توصل السودانيين إلى صيغة يتوافقون عليها للحكم، واقتسام الثروات واحترام المواطنة، وباعتباري مشتغلاً في الحقل الروائي".

ومن أمنياته أيضاً "أن يشهد العام الجديد ميلاد تجارب جيدة ومجددة في الكتابة الروائية السودانية، وأن تخرج للنور بعض المحاولات الجادة لأصدقاء أعتز بقيمتهم، وترتفع مع ذلك القيمة الفنية والنقدية للرواية العربية فوق ضجيج الجوائز وبريقها".

أشرف العشماوي: إنشاء منتجع للمبدعين من كبار السن

أما الروائي المصري أشرف العشماوي فقال: "ونحن على أعتاب 2018 جاء حادث الاعتداء على الكاتب وديع فلسطين، ليعيد إلى ذهني ضرورة تبنّي الدولة مشروعاً كبيراً لرعاية المبدعين في كل المجالات، ممن تقدم بهم السن، ودفعتهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية أو الصحية لأن يعيشوا بمفردهم".

وأضاف "أتمنى إنشاء منتجع متكامل للمبدعين من كبار السن، يتجمعون فيه، يعيشون ويبدعون، ويلتقون بمن يرغب في لقائهم، لهم خصوصية، وفي ذات الوقت متاحون في أغلب الأحيان، ليتنا نرى هذا الإنجاز في 2018 أو على الأقل الشروع فيه".

أحمد الخميسي: إبطال قرار ترامب الخاص بالقدس

بينما ذكر الدكتور أحمد الخميسي، القاص والمترجم المصري، حدثين هامين متلازمين ينتهي بهما عام  2017؛ الأول صدور القرار الأمريكي الإجرامي الذى يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، الذي يرجو ألا ينفذ واقعياً، أما الحدث الثاني، فهو اعتقال الطفلة الفلسطينية عهد التميمي (16 عاماً)، لمقاومتها جنود الاحتلال الإسرائيلي، وهو من أهم الأحداث في هذا العام، وفق الخميسي؛ لأنه يرد على ما قالته جولدا مائير ذات يوم من أن:"الكبار سيموتون والصغار سينسون"، ولأنه أيضاً يأتي رداً على القرار الأمريكي الذي قوض عملية السلام، إن كانت هناك عملية سلام أصلاً، "لقد أبرزت الطفلة الفلسطينية رد الشعب الفلسطيني: "لن ننسى، وفلسطين في القلب"، مشدداً على ضرورة الإفراج عن التميمي وعن الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

رباب كمال: تفعيل مادة حرية الإبداع

وترى الكاتبة والإعلامية المصرية رباب كمال، أن عام 2017، كان عاماً عصيباً على حرية الفكر، وتحديداً على المستويات الآتية؛ حيث ارتفعت حصيلة المواقع التي تم حجبها، وبعضها هام في شؤون الثقافة والفكر، وامتدت إلى بعض المواقع النسوية، التي تبنت حقوقاً نسوية، تراءى للبعض أنّها لا تتناسب مع  الفكر النسوي في خطه الرسمي والمسموح به مجتمعياً، فضلاً عن حالات القبض على كتاب ومفكرين، مثل: إسلام بحيري والأديب أحمد ناجي والشيخ محمد عبد الله نصر.

نبحر في قاربٍ واحدٍ، سيفقد جدواه إذا ما سقطنا. ما أتمناه إدراك، أنَّ هذا القارب الوحيد هو إنسانيَّتنا

وقالت رباب: "ثمة مشاريع قوانين تبعث على الخوف من تراجع مساحات الحرية؛ ومنها مشروع قانون تجريم الحرية العقائدية، تحت مسمى تجريم الإلحاد، ومشروع قانون حماية اللغة العربية، الذي يهدف للقضاء على استخدام العامية، والذي قد يعاقب عليه الصحفي، بالحبس والغرامة، فضلاً عن مشروع قانون ازدراء الرموز التاريخية، والأخير في حال تمريره، سوف يؤدي إلى نسف آلية البحث العلمي. 

وختمت حديثها، بأمنية تتطلع إلى تحققها في العام الجديد، حيث تتواجد مبادرات تحفز على تفعيل  المادة ( 65 )، وهي مادة حرية الإبداع، وكذلك المادة ( 63 )، و هي مادة حرية التنقل والسفر، والمكون الأهم وسط هذا كله، هو أن يلعب الإعلاميون دوراً في التوعية ضد مشاريع القوانين، السالف ذكرها؛ لأنه لو تم تمريرها، ستزيد الأمر تعقيداً.

إبراهيم عبدالمجيد: إيقاف الحروب المشتعلة عربياً

وباقتضاب ممتزج بالحزن، عبّر الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد عن أمنياته بأن ينتهى الإرهاب، ويخرج الموقوفون بقوانين الحبس المفتوح، ويسدل الستار على آتون الحروب المشتعلة في العالم العربي.

د.إيمان النمر: أتمنى ألا أرى سجين رأي أو كنيسة مهدمة

من جانبها عبرت الكاتبة والباحثة المصرية الدكتورة إيمان النمر عن تطلعها لتحقيق قيم المواطنة والحرية والعدالة، حيث قالت: "يتمدد الزمن وينحني ويعيد تشكيل قوى السلطة، وبما أن الإنسان الآن هو رأس السلطة على الأرض بما اكتسبه من عقل، فلا يصلح أن ينحني به كل هذا الزمن، ويظل عالقاً في قانون الغابة، يأتي العام تلو العام ولا نزال نفتقد العدالة، الآن قيم المثالية المُطلقة، تبدو كجنة طفل بريء مستحيلة التحقيق، ولكن أتمنى ألا أرى في بلادي مسجون رأي أو كنيسة مُهدمة، أو طفل متسول، أو متحرش بامرأة، أو بائع متجول يُسحل على يد ضابط، أو مواطن يسفك دم مواطن لاختلاف دين، أو مساكن صفيح يعيش فيها الإنسان مع أثقاله، أتمنى ألا يخوض العالم حرباً جديدة.

محمد عبد النبي:ألا يزداد الوضع سوءاً

وقال الروائي والمترجم المصري محمد عبد النبي "كل ما أتمناه ألا يزداد الوضع سوءاً أكثر من ذلك، ولا أطمح في تحسن الأحوال؛ لأن الوضع شديد الارتباك على كافة المستويات، وأتمنى معالجة ذلك الترهل الذي يفقد الأداء الحكومي مرونته، وأن تتجاوز ذلك، على وجه الخصوص، المؤسسات الثقافية المستقلة، وتأخذ بزمام المبادرة، سعياً لاكتساب أرض جديدة، ولو بمعارك صغيرة مع القوانين واللوائح التي تعيق نشاطهم.

واستطرد صاحب "في غرفة العنكبوت": "أتمنى أن يتحد الفقراء والبسطاء عموماً تحت لواء واحد، يداً بيد مثلما تتوحد العصابات التي تحكم العالم ضدهم سواء، ويجهضون أحلامهم نحو المستقبل، حتى يكون بمقدورهم تقديم الدعم والسند المادي والمعنوي لبعضهم".

د. سماح حمدي: خروج عهد التميمي من سجنها

الباحثة التونسية الدكتورة سماح حمدي ترى بأنه: لا يمكن أن نستهلّ العام الجديد من غير أحلام؛ وأولها بالنسبة إليّ، خروج الشابة عهد التميمي من سجنها ... آلمتني صورتها كثيراً، وهي بين مخالب جنود الغاصب.

في زمن الحروب والأزمات، يتدنى سقف أحلامنا، وتختفي أشياء كثيرة معتادة من حولنا، فتتحول إلى أحلام

واقعنا، للأسف، مليء بالصفحات القاتمة؛ لكنّ قتامتها تبعث فينا الرغبة في التجاوز، والحلم بالغد الذي نرجو أن يكون أفضل.

ننسى أحلامنا الشخصية، ونحن نرى قضايا وطنٍ، ومصائب أمةٍ، تتعاظم يوماً بعد يوم.

وطنياً؛ أرجو من كلّ قلبي؛ أن أرى شعبي متكاتفاً من أجل تضميد جراح البلد النازفة، وأن أرى الإحساس بالوطنية يتملك الجميع، لينهض الجميع بواجباتهم نحو تونس، التي لا تستحقّ أن تشهد ما عاشته من مشكلات خلال هذه السنوات، وأن أرى تونس تستعيد بريقها، وريادتها بين الأمم.

آمل من النخبة المثقفة؛ أن تفكّ عزلتها، وتنزل من برجها العاجي لتحتكّ بالعامة، ولتبثّ الوعي بين الناس، أرجو أن تفلح في إنتاج خطاب يعيد الثقة للبسطاء المتعطشين، لمن يبثّ غيّهم بارقة أمل بغدٍ أفضل.

أرجو من السياسيين أن يقدّروا مستوى الحمل الملقى على عاتقهم، وأن يحقّقوا ما تمنّى ابن المقفع، رؤيته في الطبقة الحاكمة: "ترك المصالح الشخصية، والالتفاف من أجل مصلحة البلاد والعباد"، هو، كما ترى، إذاً، حلم معتّق لأحد راود مثقفي القرن الثامن الميلادي، وها هو ما زال لم يرَ النور بعد.

د. محمود كيشانه: ألا يهاب المثقف سجاناً

الباحث المصلاي محمود كيشانه يقول: أحلم كمثقف، أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه المثقفون بما يستحقونه من حرية التعبير، وأن يعيشوا هذه الحرية واقعاً ملموساً في كتاباتهم، وأن يمسك المثقف قلمه، ويكتب من وحي مداده، دون أن يهاب جلاداً أو سجاناً، فالمثقف العربي يشعر دوماً بأنّ هناك سيفاً ما مسلطاً عليه، فأفكاره ليست طليقة، وكتاباته أسيرة أبعادٍ سياسيةٍ أو اجتماعية أو ثقافية، ومن ثمّ فإنّ حرية التعبير للمفكر العربي، تمثل له الماء والهواء، ومن دونهما يدخل في غيبوبة تؤدّي حتماً إلى الوفاة، فحرية التعبير أساس الإبداع؛ إذ لا إبداع في وسط تتصدّره القيود، وتكتنفه الأغلال.

أحمد يوسف عقيلة: أحلم بنزهة في الغابة

يقول الكاتب الليبي أحمد يوسف عقيلة: في زمن الحروب والأزمات، يتدنى سقف أحلامنا، وتختفي أشياء كثيرة معتادة من حولنا، فتتحول إلى أحلام. أصبحت أحلم فقط بيوم لا أسمع فيه صوت رصاصة، أحلم بنزهة في الغابة، دون أن أخاف من أن يقطع أحدهم رأسي؛ لأنّني لا أرتدي لباساً على مزاجه، أو لأّنني أسمع فيروز. أحلم بأن أعلّق صورة أمّي، بردائها الأزرق المخطط، في صالة البيت، دون أن يقول لي الفقيه يوم الجمعة، وهو يسدّد إصبعه ناحيتي، ويلوّح بمفاتيح الجنة من فوق المنبر: (إنّ تعليق صورة أمّك يحرمك من هذه المفاتيح)، أحلم بعالم خالٍ من الكراهية، حتى ولو عدنا عراةً في الكهوف، ولتذهب كل هذه (الحضارة) إلى الجحيم.

د. إبراهيم أبو هشهش: إعادة الاعتبار لقيم المحبة

يؤكد الأستاذ في جامعة بير زيت الدكتور إبراهيم أبو هشهش: لا أظنّ أنّ لدي أمنيات مختلفة عن أمنيات البشر في كلّ مكان، بأن تزول مظاهر التوتر في العالم، خاصة في العالم العربي، وأن تسود العقلانية، ومصالح الإنسانية عامّة، وأن تكون كرامة الإنسان، وحقوقه، هي الهدف الأول لكل الممارسات السياسية والتربوية والاقتصادية، وأن يُعاد الاعتبار لقيم المحبة، والجمال، والخير، التي انحسرت لحساب قيم الربح، والهيمنة، والفاشية، والمكاسب الذاتية والعامة، وأن يُعامل المواطن العربي، على الحدود العربية والدولية، إنساناً كامل الإنسانية والكرامة، وليس مجرد حالة أمنية تستدعي التوجس والحذر. وأن تستعيد المراكز الحضارية الأساسية في العالم العربي، أدوارها الثقافية الأساسية في إنتاج وعي مدني إنساني معاصر، بعيدٍ عن التأثيرات المنبتة عن زمنها وواقعها، وأن يعيش أبناؤنا وأحفادنا في عالم أفضل من هذا العالم، الذي صار يحكمه كثير من المغفلين، والحمقى، الذين سوف يرجعون به إلى عصور خطيرة على البشرية جمعاء.

مفلح العدوان: أمنية بعام قادم أقلّ عنفاً

الكاتب والقاص الأردني مفلح العدوان يقول: خريطة الواقع العربي مزدحمة بالعنف، والتناقضات، والحروب، والضعف العام المستشري في جميع الكيانات التي أرهقتها الأزمات، مع مخطط عالمي لإعادة التقسيم وترتيب خريطة جديدة تتوافق مع برامج مرسومة منذ زمن بعيد. وسط هذا السياق، يعيش العالم العربي، بمواطنيه وبنخبه أزمة فعلية. وأمنياتي للعام القادم؛ أن نتجاوز كلّ هذه الأزمات، بمزيد من التعاون والتنسيق والوعي، لتجاوز هذا الضعف العام، والدفاع عن فلسطين، والقدس، وكلّ ذرةٍ من الوطن العربي، الأمنية بعام قادم أقلّ عنفاً، وحرباً، ومؤامرات، ونزف دماء.

ميشيل عرنوق: مواجهة الحقائق بشجاعة

بماذا يحلم الباحث السوري ميشيل عرنوق؟: ما زالت أحلامنا عابرة للحدود، وأكبر من أوطاننا، سواء كإسلاميين أو قوميين، وكل هذه الأطروحات لم تخرج عن الإطار العاطفي الساذج، ولم تتطور كي تقدم اطروحات حضارية قابلة للحياة. ليس عيباً على الإنسان أن يحلم، فكلّ الأفكار الكبيرة والعظيمة بدأت بحلم، لكن عليها، بدايةً، أن تكون فعلاً أفكاراً عظيمةً، لا مجرّد أفكارٍ دونكيشوتيةٍ، تصارع طواحين الهواء بسيوف من خشب، أو تلتمس أبواب الحياة من الأموات في المقابر. كان درس السنوات الماضية قاسياً جداً، بما لا يمكّن من إجراء مراجعات جديّة، ورغم تواتر الإشارات في هذا الإطار، إلّا أّن البدايات ما تزال خجولةً ومترددةً. ناهيك عن أنّها تعمل في هامش يحرسه ألف رجل أمنٍ، وألف عمامةٍ، وألف ألف سيف. ومما يُعقّد المهمة؛ أنّ مفاهيم وثقافة "ما قبل الدولة"، ما تزال تستكمل سلالمها الموسيقية التي سترقص عليها شعوب المنطقة لعقودٍ طويلةٍ، في صراعاتٍ غير منتهيةٍ (سنية – شيعية) (عربية – فارسية) (عربية – كردية) (نيوعثمانية – عربية) (عربية - أمازيغية) (سنية – سنية)، وتلك الأخيرة تتّضح فصولها، وخطوطها بدءاً من الأزمة الخليجية – المصرية مع قطر، ولا تنتهي بالحلف الإخواني الذي بدأ يتحرك جيوسياسياً، من أنقرة على المتوسط، حتى الخرطوم على البحر الأحمر، بأموال الغاز القطري، الذي يبحث باستماتةٍ عن مخرجٍ  ودورٍ، كي يستكمل مشروع الإخوان المسلمين، ما بدأ به من تفخيخٍ وتفجيرٍ للمنطقة. قد لا تبدو هذه المداخلة واعدة لعامٍ جديد، لكن على البدايات الصحيحة أن تبدأ دوماً بمواجهة الحقائق بشجاعة، وشفافية، وإلّا سيبقى الزمن العربي مجرد ساعة حائطية قديمة، تسير عقاربها عكس اتجاه الوقت، وعكس سيرورة الزمن.

عماد صحناوي: القارب الوحيد هو إنسانيّتنا

الباحث السوري عماد صحناوي يعترف: لم يأت 2017 بجديد، سوى أنَّ الأوراق السياسية والإنسانية تساقطت، بشكلٍ مريعٍ، هذا العام، فـ (التعويل على أيّ شيء)، بلغ مناسيب متدنية جداً، مردّها الإحساس العام بالخذلان الداخلي والخارجي، لكن هذا قد لا يكون نهاية المطاف. إنّ مجمل ما يحدث يحمل في داخله إمكان قراءةٍ مغايرةٍ، تستند إلى إفلاس النزعات الأيديولوجية، بجميع أطيافها، في تعريف اليقين الإنساني، الذي يتعين في الحرية، والحرية فقط. وهذا قد يفتح الباب لوعي جديد يتحدّد: بأنّنا، على اختلاف مشاربنا، نبحر في قاربٍ واحدٍ، سيفقد جدواه إذا ما سقطنا عنه. ما أتمناه في 2018؛ إدراك، قبل فوات الأوان، أنَّ هذا القارب الوحيد هو إنسانيَّتنا.

الصفحة الرئيسية