محلل بمعهد واشنطن يتحدث عن مستقبل القضية الفلسطينية في 2019.. ما أبرز التحديات؟

فلسطين

محلل بمعهد واشنطن يتحدث عن مستقبل القضية الفلسطينية في 2019.. ما أبرز التحديات؟


31/12/2018

تعيش القضية الفلسطينية اليوم واحداً من أدق منعطفاتها، في ظل تسارع الحديث حول ما يُعرف بـ "صفقة القرن"، وبعد أن شهد العام 2018 اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" ولحاق بعض الدول لها بقرارات مماثلة.

اقرأ أيضاً: 10 أفكار روّجها الإعلام حول "صفقة القرن"

رغم ذلك فإنّ العام القادم ربما يحمل، رغم تعقيدات المشهد، آمالاً مشروطة للفلسطينيين باستعادة الوحدة الوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة التي تعثرت محاولاتها لأعوام، وفق المحلل السياسي في معهد واشنطن، والمستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم، الدكتور غيث العمري، الذي تحدث لـ "حفريات" عن التحديات المتنامية التي تواجه القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها.

صفقة القرن

يقول العمري إنّه رغم تكرار الإدارة الأمريكية القول إنّ خطتها للسلام ستعلن قريباً، وآخر ما صرّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ بأنّ ذلك سيكون في كانون الثاني (يناير) أو شباط (فبراير) 2019، "إلا أنّ الشكوك ما تزال تعتري إمكانية نشرها، وذلك بسبب تضاؤل فرص نجاحها إذا ما أطلقت في الوضع الحالي"، مضيفاً أنّ الموقف العربي والفلسطيني يرفض التعاطي مع الخطة، وذلك أنّ "الدول العربية في موقف يصعب عليها فيه قبولها، وهذا ما أشار إليه ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، عندما صرّح أنّ السعودية لن تقبل بما لا يقبل به الفلسطينيون، وهذا الموقف لا يعكس الرواية السعودية فقط؛ بل يتماشى مع الموقفَين الأردني والمصري، وغيرهما من الدول العربية".

المحلل السياسي غيث العمري

ويرى العمري انّه إذا ما أرادت بعض الدول إقناع الفلسطينيين أو الضغط عليهم؛ "فإنّ الخطة الأمريكية، والتي لا تتوافر أية معلومات ذات مصداقية عن محتواها، يجب أن تلبّي أساسيات المطالب الفلسطينية، خاصة إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وبسبب غموض الموقف الأمريكي من هذه الأساسيات؛ فإنّ الدول العربية لا ترغب بنشر الخطة الأمريكية؛ لأنّ ذلك قد يضطرها للدخول في صدام دبلوماسي مع الولايات المتحدة".

ويبين العمري: "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعدّ رهينة لدى الأحزاب اليمينية التي تهيمن على الحكومة، والتي ترفض منح الفلسطينيين أي تنازلات، كما أنّه من المرجح الدعوة لانتخابات إسرائيلية في النصف الأول من العام القادم 2019".

المجتمع الدولي غير متحمس حالياً لدعم أية خطة أمريكية بشأن فلسطين لتوتر العلاقات الأمريكية الدولية

ويتابع أنّ ترامب كان واضحاً من خلال دعوته لإسرائيل بتقديم بعض التنازلات للفلسطينيين، "بالتالي؛ فإنّ نتنياهو، لا يرغب بأن يقع في موقف يجبره إما على مواجهة ترامب، أو التعرض للاتهام من الأحزاب اليمينية؛ بأنه ضعيف".

وهو ما يدفع العمري للاعتقاد أنّ "إسرائيل أيضاً لا ترغب بعرض الخطة الآن، كما أنّ المجتمع الدولي (خاصّة أوروبا وروسيا) غير متحمس في هذه المرحلة لدعم أية خطة أمريكية؛ بسبب توتر العلاقات الأمريكية الدولية".

ولهذه الأسباب مجتمعة، يقلّل العمري من فرص نجاح إطلاق صفقة القرن على أرض الواقع، "مما يدفع ببعض أركان الإدارة الأمريكية للتأنّي، كي لا يؤدّي نشر الخطة إلى فشل دبلوماسي أمريكي؛ لهذا فإنّ إمكانية نشر الخطة قريباً هي إمكانية متواضعة، غير أنّه تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس ترامب كثيراً ما يتخذ قرارات لا تأخذ بعين الاعتبار نصائح وتحليلات أركان إدارته، ولهذا فمن الممكن أن تفاجئ الإدارة الأمريكية الجميع، وتنشر الخطة، رغم كلّ هذه المحاذير".

خلافة عباس

ومن التحديات التي تطرق إليها العمري مسألة خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي يصفها بأنّها أكثر الأسئلة غموضاً في المشهد الفلسطيني الحالي؛ "لأنّ الرئيس عباس لم يسمح ببروز قيادات فلسطينية طوال فترة رئاسته، على عكس الرئيس الراحل ياسر عرفات؛ الذي حرص دائماً على وجود قيادات بارزة على الساحة الفلسطينية، الأمر الذي ضمن انتقالاً سلساً للسلطة بعد وفاته"، مضيفاً أنّه في ظلّ الانقسام الفلسطيني، "فإنّ الآلية الدستورية التي تنص على أن يخلف الرئيس هو رئيس المجلس التشريعي لن تنفّذ؛ بل إن المجلس التشريعي برمّته قد تم حلّه من قبل الرئيس عباس، الذي دعا إلى إجراء انتخابات تشريعية خلال 6 أشهر".

اقرأ أيضاً: لماذا تصعّد حماس ضدّ عباس؟

ولفت إلى أنّ السيناريو الأرجح هو أن تتوافق قيادات فتح على رئيس من بينهم؛ "تفادياً للفتنة، وحرصاً على استمرارية السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح، وهناك سيناريو، أقل احتمالية، بتقسيم هذه المناصب".

ورأى العمري أنّ أيّ سيناريو لإيجاد خليفة للرئيس عباس سيواجه بثلاثة تحديات هي: أولاً؛ انعدام وجود شخصية توافقية قد يؤدّي إلى عملية انتقال طويلة نسبياً، ومع طول مدتها تتزايد المخاطر من وقوع أحداث أو تصرفات تؤدي إلى إحداث فوضى سياسية أو أمنية، قد تمسّ سلاسة انتقال السلطة. ثانياً: الانقسام الفلسطيني، الذي لا يوجد أيّ مؤشر على رغبة أيّ من طرفيه في إنهائه، سيؤدي بحماس حتماً إلى التشكيك بشرعية من يخلف الرئيس عباس. وأخيراً؛ إنّ حالة تآكل الشرعية التي تعتري الساحة الفلسطينية؛ حيث إنّ أغلب الفلسطينيين لا يثقون بقياداتهم أو مؤسساتهم، سواء كانت من فتح أو حماس، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف أيّ رئيس قادم للسلطة الفلسطينية، خاصة إذا ما كان تنصيبه تعييناً لا انتخاباً، وهو الأرجح.

هل ينبئ العام 2019 بمصالحة حقيقية بين فتح وحماس؟

وبحسب العمري؛ فالمطلوب الآن "إعادة إحياء الحياة السياسية من أجل تمكين قيادات ذات مصداقية من البروز، ليس بالضرورة من خلال الانتخابات، فهي لن تتم في ظل الانقسام؛ بل من خلال السماح بالحراك السياسي، وتفعيل مؤسسات حركة فتح والمنظمة، لتعود إلى ما كانت عليه تاريخياً".   

تمويل الأونروا

وتطرق العمري في حديثه إلى أزمة التمويل التي عصفت بالأونروا العام 2018 بعد قرار واشنطن في آب (أغسطس) الماضي وقف ما كانت تقدمه للوكالة الدولية، مشيراً إلى أنّ المشكلة حُلّت إلى حدّ كبير، وأرجع الفضل في ذلك إلى "الدبلوماسية الأردنية الفاعلة والنشيطة، وإلى الدعم العربي الفوري والكريم، خاصة من السعودية والإمارات والكويت وقطر، والالتزام الدولي بالقضية الفلسطينية؛ سواء من أوروبا، أو كندا، أو من دول أخرى عديدة".

وأشار إلى أنّ "قرار الولايات المتحدة لم يؤدِّ إلى عزل الأونروا؛ بل على العكس من ذلك؛ أدى إلى إظهار محدودية قدرتها على خلق وقائع سياسية جديدة في غياب إجماع دولي وإقليمي".

العمري: الفضل في حل مشكلة الأونروا يعود للدبلوماسية الأردنية الفاعلة ولسخاء بعض دول الخليج

تبعات نقل السفارة الأمريكية للقدس

ورأى العمري أنّ "قرار نقل السفارة لم يغير رسمياً في الموقف الأمريكي من مصير القدس في المفاوضات، فالسفارة نقلت إلى القدس الغربية التي لم تكن يوماً موضعاً للنقاش أو التفاوض عليها، كما أنّ الرئيس ترامب ردّد عدة مرات؛ أنّ قراره لن يؤثر في الحدود النهائية للمدينة، ولو حدث وتغير الموقف الرسمي الأمريكي، فهذا لن يؤثر في الوضع القانوني الدولي للمدينة أو الإجماع الدولي حولها".

السلطة بفرضها إجراءات عقابية على غزة زادت من تفاقم الأوضاع وعقّدت فرص المصالحة

وأشار إلى أنّ "التأثير السياسي للقرار أهم من الأثر القانوني، الذي أظهر انحيازاً أمريكياً غير مسبوق للجانب الإسرائيلي، ودفع القيادة الفلسطينية إلى قطع الاتصالات مع الجانب الأمريكي، وهو قرار مفهوم عاطفياً، غير أنه قد لا يكون الأمثل عملياً".

ولفت إلى أنّه على المستوى الإقليمي؛ أعاد القرار تأكيد مركزية الموضوع الفلسطيني عربياً، "فرغم تراجع مكانة القضية الفلسطينية، غير أنّ الدول العربية أكدت وبشكل واضح لا يحمل التأويل أنّها رغم واقعيتها وبراغماتيتها؛ فإنّها لن تقبل بما يمسّ الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها القدس، ومن هنا جاء قرار ملك السعودية بتسمية القمة العربية قمة القدس، والدور الكويتي المتميز في الأمم المتحدة، والدور الأردني في توظيف الولاية الهاشمية على المقدسات من أجل حشد موقف دولي رافض للقرار الأمريكي".

وأكّد العمري أنّ "القرار الأمريكي أظهر أنّه رغم مركزية الدور الذي تلعبه أمريكا، الذي لا ينازعها عليه أحد، فإنّ قدرتها على خلق حقائق سياسية ستبقى محدودة، إذا لم تتمكن من بناء تحالف دولي وإقليمي، وهذا ما فشلت به في موضوع القدس، وما دلّ على ذلك رفض أية دولة أخرى عديدة نقل سفارتها إلى القدس".

العمري: قرار نقل السفارة لم يغير بالموقف الأمريكي من مصير القدس في المفاوضات

وأكد العمري أنّ القرار أضرّ بالسياسة الأمريكية التي كانت ترغب بإعطاء دور أكبر للدول العربية في العملية السلمية، "فلا توجد أية دولة عربية مستعدة للتعاطي مع سياسة تنتقص من الحقّ الفلسطيني في القدس الشرقية، غير أنّه لا يتوجب على القيادة الفلسطينية إساءة قراءة تبعات الحراك الدولي لمواجهة القرار الأمريكي حول القدس والأونروا، فهذا الحراك كان مبنياً على رغبة الدول العربية والمجتمع الدولي في تأكيد موقفها من هذه القضايا الأساسية".

اقرأ ايضاً: نقل السفارة للقدس يتصدّر مزاد انتخابات أستراليا.. والمخابرات تحذّر

وعن الدول التي اتخذت هذه المواقف المبدئية لنقل سفاراتها للقدس، يقول العمري: "هذه الدول ما تزال تشعر بالإحباط من القيادة الفلسطينية بشكل عام، خاصة دور السلطة السلبي في غزة؛ حيث لا تنظر هذه الدول إلى الموضوع الفلسطيني كأولوية في المرحلة الحالية، كما أنّ القيادة الفلسطينية الحالية أساءت إدارة علاقاتها العربية، ما أدّى إلى توتر العلاقات الفلسطينية مع العديد من القيادات العربية المهمة، والتي تنظر الآن بشيء من الريبة إلى هذه القيادة".

وبحسب العمري؛ فلا بد من مبادرة فلسطينية لإعادة بناء هذه العلاقات واستعادة العمق العربي؛ "ففي حين أنّ العرب لن يتنازلوا أبداً عن الثوابت الفلسطينية، بغضّ النظر عن علاقاتهم بالقيادة الفلسطينية، غير أنهم أيضاً لن ينشطوا في دعم الفلسطينيين سياسياً في الأمور التي لا تمسّ الثوابت، ما لم تتم إعادة بناء العلاقات الفلسطينية العربية."

 

 

هل تصعد إسرائيل في غزة؟

وعن إمكانية أن يشهد قطاع غزة تصعيداً عسكرياً في الفترة القادمة، يرى العمري أنّ ذلك وارد دائماً، مستدركاً أنّه "من الواضح أنّ الأطراف الأساسية في غزة وإسرائيل لا ترغبان بالتصعيد الآن"، مدللاً على ذلك بأنّ "ما حصل قبل عدة أيام في خان يونس، الذي لو كان قد حصل قبل عام أو عامين، لأفضى بالغالب إلى اندلاع حرب جديدة في قطاع غزة، إلا أنّه في هذه المرحلة قامت حماس وإسرائيل، وبوساطة مصرية نشطة وفعالة، باستيعاب الحادثة، وعدم رغبتهما بالتصعيد يعود إلى إدراك الطرفين أنهما لن يحققان أية مكاسب من حرب جديدة".

المحور القطري التركي فشل بتحقيق أي إنجازات بأزمة غزة بل أطال أمدها في سبيل منافسة الدور المصري

ويشير إلى أنّ "إسرائيل، رغم أنّها تستطيع عسكرياً إعادة احتلال غزة، وتدمير البنية العسكرية والإدارية لحماس؛ فإنّها لا ترغب سياسياً بالعودة إلى حكم غزة، أو خلق فراغ سياسي وأمني في القطاع. أما حماس، ورغم إعلانها النصر في الحروب الثلاثة السابقة، فإنّها تعلم أنّ أحداً لم يقتنع بتلك الشعارات المنافية للواقع، خاصة في غزة، وأن هذه الحروب لم تجلب سوى الدمار دون تحقيق أي إنجازات وطنية".

ويرجع العمري جانباً من الواقع الجديد إلى التوجه الذي يقوده قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، لإعادة التموضع، على الأقل جزئياً، "بعيداً عن المحور القطري التركي الذي فشل العام 2014، بتحقيق أي إنجازات لغزة وحماس؛ بل أطال أمد تلك الأزمة في سعيه لمنافسة الدور المصري، وإنّ إعادة التموضع أدّت إلى تقارب نسبي بين حماس ومصر، دون إزالة الشكّ المصري بنوايا حماس، أو أيّ إضعاف للدعم المصري للشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير".

يرى العمري أن تطوير تفاهمات تهدئة قد تحسّن الوضع المعيشي في غزة

السلطة الفلسطينية هي العقبة الأساسية

ويؤكد العمري أنّ ذلك مكّن مصر من ممارسة دورها التاريخي وتوظيف علاقاتها مع إسرائيل لتطوير تفاهمات تهدئة، تقلّل من فرص التصعيد، وتحسّن الوضع المعيشي في غزة، محذراً في الوقت ذاته من الإفراط بالتفاؤل، "فهذه التفاهمات قد تمنع الانهيار الاقتصادي والخدماتي في غزة، لكنّها لن تؤدي إلى انتعاش اقتصادي أو إلى تحقيق مطالب حماس من ميناء ومطار وغيرها، وهذه التفاهمات لم تنجز بعد، لكنّها في مرحلة متقدمة".

اقرأ أيضاً: لماذا كل هذا الجدل حول "صفقة القرن"؟

فالعقبة الأساسية الآن، وفق العمري، هي السلطة الفلسطينية؛ "فعوضاً عن التعاطي مع المقترحات المصرية التي كانت ترغب بأن تكون السلطة هي العنوان، من أجل حماية الشرعية والتمثيل الفلسطيني، قامت السلطة بفرض إجراءات عقابية على غزة، زادت من تفاقم الأوضاع نتيجة لهذا الموقف المتشدد؛ فإنّ المجتمع الدولي يقوم الآن عملياً بتجاوز دور السلطة، ليس رغبة بتقوية حماس أو إضعاف الشرعية، ولكن رغبة بمنع الانهيار في غزة أو نشوب الحرب فيها".

ويختتم العمري بالقول إن الباب ما يزال مفتوحاً على مصراعيه لعودة السلطة إلى غزة مدعومة بذلك دولياً ومصرياً، "غير أنّ السلطة لم تعد تمتلك الفيتو على المضيّ قدماً في التهدئة".

الصفحة الرئيسية