الرواية يمكنها أن تصلح ما أفسدته السياسة

الرواية يمكنها أن تصلح ما أفسدته السياسة


05/12/2018

حنان عقيل

بلكبير بومدين أستاذ جامعي وباحث وروائي من الجزائر. له العديد من الكتب المنشورة، منها "قضايا معاصرة في إشكالية تقدم المجتمع العربي"، "الربيع العربي المؤجل"، كما صدرت له رواية بعنوان "خرافة الرجل القوي" عام 2016، وكتاب "العرب وأسئلة النهوض".

في روايته الصادرة حديثا عن منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف عام 2018 بعنوان "زوج بغال" يتعرّض بومدين لإشكالية الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب. يقول بومدين "رواية ‘زوج بغال‘ تناولت العديد من الأفكار والاشكاليات، كالعلاقة المتوترة بين البلدين (المغرب والجزائر)، وإشكالية الحدود المغلقة؛ من خلال معاناة وتشرد الكثير من العائلات في كلا البلدين. كما تسترجع الرواية جرائم التعذيب إبان فترة الاستعمار الفرنسي والنضال والدماء المشتركة بين الشعبين المغربي والجزائري. وتشتغل الرواية على موضوع الإرهاب والعنف المسلح الذي يزج فيه بالدين، والذي استغل في ما مضى كشماعة لغلق الحدود بين البلدين".

يستطرد "ما دفعني إلى الخوض في غمار هذه المسألة هي المأساة الإنسانية التي تسببت فيها القرارات السياسية المرتجلة، فهناك المئات من العائلات المشتركة (مغربية-جزائرية) عانت الشتات والتمزّق، بسبب غلق المعبر الحدودي (زوج بغال) بين البلدين عام 1994، وقبلها معاناة الآلاف من الجزائريين والمغربيين جراء قرار الملك الحسن الثاني طرد الجزائريين المقيمين بالمغرب، وقرار الرئيس هواري بومدين طرد المغربيين المقيمين بالجزائر في عام 1975".

رديف للخراب

ركز الكاتب الجزائري في روايته على الجانب الإنساني بشكل أكبر من التوثيق التاريخي ومن اللغط السياسي. ويلفت بومدين إلى أن السّياسة في المنطقة أضحت رديفاً للخراب، فما دخلت على شيء إلا أفسدت جوهره وشوّهت مظهره. الحروب والخلافات العربية العربية القديمة أو تلك الّتي اشتعل فتيلها مؤخرا، وقبلهما الفساد المستشري في عصب الجهاز الحكومي، وظاهرة الإرهاب، وغيرها من الأوبئة الأخرى التي أنتجتها السّياسة الفاشلة بالمنطقة، وها هي تعيد إنتاجها باستمرار، من هنا جاء تركيزه في روايته على الإنسان أولا وقبل كل شيء، هذا الإنسان العربي الذي امتهنت كرامته، وظل شريدا ومجهول المصير، إما يعيش منفى الوطن وإما منفى الغربة.

يتابع "لو نرجع إلى أجواء الرواية سنجد المئات من العائلات المختلطة (إما الأم مغربية والأب جزائري أو العكس بالعكس) شُتّتت في منتصف سبعينات القرن الماضي بين ضفتي البلدين، ومزقت أواصرها، بسبب قرارات سياسية غير موضوعية وغير مبررة. ثم غلق الحدود في منتصف التسعينات وما انجر عنه من تداعيات عمّقت الأزمة وضاعفت معاناة العائلات. الفكرة الجوهرية التي أردت إيصالها من خلال هذا العمل هي أننا شعب واحد، نتقاسم التاريخ والجغرافية والثقافة واللغة والمعتقد، ولنا لهجات وعادات وتقاليد مشتركة. ما يجمعنا أكبر بكثير  مما يفرقنا".

يوضح بومدين قائلا "المواضيع الشائكة والقضايا المفخخة التي أشتغل عليها تجعل من كل عمل روائي يستنزفني تماماً، لا أدري أأخرج منه حيا أم ميتا، حتى أنني فكرت في الكثير من المرات في الانقطاع وعدم المواصلة. وإن حدث وخرجت حياً أرزق بعد الفراغ من نص روائي، كنت أخرج منه منهكا ومتهالكا كأنني خضت حرباً ضروساً، أحتاج إلى زمن طويل كي أسترد عافيتي وأستعيد نشاطي؛ فكل جملة أو فقرة من الرواية كتبتها، لم تكن فقط بالقلم أو بنقرات أصابع يدي على لوحة مفاتيح حاسوبي، بقدر ما كنت أكتبها بدمي وروحي وأحاسيسي وكل خلايا جسدي".

مقاومة العدم

يبين بومدين أن هاجس التغيير كان هو ما يحرضه على فعل الكتابة، لكن في مرحلة لاحقة أدرك كم كان مخطئا، لأنه لا يستطيع تغيير العالم وسط هذا الخراب الذي يحاصرنا من كل الجهات. أصبح فقط يحاول أن يكتب كفعل لمقاومة العدم، فالكتابة بالنسبة إليه أداة بقاء واستمرار. وحالما يصل إلى النقطة التي يدرك فيها لا جدوى الكتابة، فهذا يعني أن هذا العالم الأعمى والأصم قد هزمه. الكتابة لديه ليست مجرد تأليف كتب متلاحقة، بقدر ما هي مشروع مكتمل، وكل عمل جديد يدخل ضمن غايات وأهداف هذا المشروع السردي. يكتب عن كل ما يهم الإنسان في المنطقة، عن تلك الجوانب المتوارية أو المغفلة أو الصغيرة التي أهملها الآخرون أو لم ينتبهوا لها في زحمة الحياة ومتطلبات العصر المتسارعة.

يشير بومدين إلى أن المكان يأخذ حيزا مهما في جلّ أعماله، وهناك مجموعة من المسوغات الموضوعية والذاتية ممكن أن تفسر هذا الاشتغال الظاهر على المكان في رواياته؛ أولها اهتمامه بأدب الرحلة، وكتابته بانتظام استطلاعات حول المدن العربية والأجنبية نشرت بمجلات ثقافية. وثانيا لأن الرواية الجزائرية المعاصرة في عمومها أغفلت المكان عن قصد أو غير قصد، عدا بعض الاستثناءات. فذلك الحيّز الضيق الذي يخصصه الروائي للمكان، وعدم اكتمال تأثيث المكان في تلك الأعمال الإبداعية، جعلاها تخرج مشوهة فنياً وغير مكتملة سردياً، الشخوص في تلك النصوص باهتة وغريبة ولا رابطة لها داخل النص، كأنها تدور في الفراغ. المكان برأيه قد يتحول إلى شخصية رئيسية في الرواية لها مكانتها البارزة وحضورها الطاغي.

ويختم بومدين بالحديث عن المشهد الثقافي في بلده قائلاً "الرواية الجزائرية بخير، وأسماء مهمة تتصدر المشهد العربي والعالمي. على الرغم من تلك الصورة المشرفة يلحظ المتبع للمشهد الثقافي الجزائري بعض العلل والأمراض التي تنخر جسد الرواية في الجزائر؛ بسبب التهافت على النشر بشكل لافت، وضعف مستوى الحراك والنقاش الثقافي، وتقاعس النقد، ومحاولة البعض تسيّد المشهد، والسيطرة على القراء وإيهامهم قصد تحريك عواطفهم حتى تطغى على التفكير والمنطق ويستحيلون بعدها إلى قطيع أو مجرد أتباع عميان".

مضيفا "هؤلاء تؤلمهم رؤية بعض النجاحات الصغيرة التي يحققها غيرهم، وتسوؤهم رؤية غيرهم يحققون ما فشلوا فيه هم، ينصبون أنفسهم كآلهة للأدب، وحدهم دون غيرهم. المشهد الأدبي الجزائري ثري ومتنوع، ولا يحق لأي كان أن يدعي الربوبية. لا يوجد إله ورب واحد للأدب في الجزائر، ومن يروّج لنفسه على أنه الواحد الأحد في الرواية فقد كذب، ومن اعتقد في نفسه ذلك فهو واهم ومعتل ومهووس.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية