القرن الإفريقي.. حاضنة "داعش" و"القاعدة" الجديدة

القرن الإفريقي.. حاضنة "داعش" و"القاعدة" الجديدة


03/12/2017





يندحر تنظيم "داعش" يوماً بعد يوم في سوريا والعراق، وتتوالى الأسئلة ذاتها التي يتم طرحها في كل انتصار يتمّ على التنظيم الإرهابي؛ أين ذهب كوادر وعناصر "داعش"؟ أين  ذهبتْ جثث القتلى؟ أين معسكراتهم؟ وغيرها الكثير، تتزامن مع إنجاز اتفاقات مع التنظيم على نقلهم إلى أماكن وساحات أخرى، في رحلات تتم بحماية خصومهم، كما حدث باتفاق "داعش" مع "حزب الله" واتفاقات أخرى بين "داعش" والسلطات السورية ويتردد اليوم، وعلى نطاق واسع في أوساط خبراء الإرهاب، أنّ إفريقيا، وخاصة القرن الإفريقي الذي يضم كلاً من: الصومال وإثيوبيا وجيبوتي واريتريا وكينيا والسودان، ستكون الساحة الأبرز لفلول "داعش"، وفق السيناريو الأبرز لمآلات التنظيم وهو العودة إلى القاعدة الأم في غالبية الساحات، ويبدو أنّ هذا السيناريو هو الأكثر واقعية، من بين سيناريوهات عديدة، ارتباطاً بجملة من الظروف والمعطيات التي تخص مجموعة  دول القرن الإفريقي:

القرن الإفريقي الذي يضم كلاً من: الصومال وإثيوبيا وجيبوتي واريتريا وكينيا والسودان، ستكون الساحة الأبرز لفلول "داعش"

أولاً: إنّ الدول المذكورة  توصف بأنّها "هشة" سياسياً وأمنياً؛ إذ يغيب الاستقرار عن معظمها، باستثناء إثيوبيا، في ظل أنظمة حكم سياسية ضعيفة، أنتجت مفهوم الدول الفاشلة في السياسة الدولية.

ثانياً: هذه الهشاشة مرتبطة بحروب ونزاعات عرقية واقتصادية واجتماعية ما زالت قائمة وتتفاقم يوماً بعد يوم، وليس في الأفق ما يشير إلى حلول سياسية يمكن أن يكتب لها النجاح، وتشكل بيئة خصبة جاهزة لاحتضان الإرهاب، في ظل المجاعات، وكون المجتمعات في الإقليم يغلب عليها البدائية .

ثالثاً: الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بإطلالتها على البحر الأحمر، والتحكم بمنفذ بحري ذي أهمية عالية بالتجارة الدولية بانسياب البضائع والنفط يربط البحر المتوسط بالمحيط الهندي.

رابعاً: التنافس بين مراكز القوى الدولية والإقليمية على إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، من خلال إقامة قواعد عسكرية في جيبوتي وارتريا والصومال، واستثمار صراعات شعوب وقبائل القرن الإفريقي تحت عناوين الرعاية والدعم الإنساني؛ حيث لا تخل دولة من دول القرن الإفريقي من وجود قواعد عسكرية ومراكز إغاثة للمتنافسين الدوليين، تخدم بالنهاية أهدافهم الإستراتيجية.

استثمار صراعات شعوب وقبائل القرن الإفريقي تحت عناوين الرعاية والدعم الإنساني

واستناداً إلى تلك الاعتبارات كانت الصومال، الدولة الأكثر هشاشة، الخيار الأول للقاعدة بعد نهاية حروب أفغانستان مع الاتحاد السوفيتي، في أوائل التسعينيات لتكون بديلاً؛ حيث كانت إقامة أسامة بن لادن في السودان حتى عام 1994، واستناداً إلى وثائق أمريكية سرية لتنظيم القاعدة، فقد توجه أسامة بن لادن وبرفقته أيمن الظواهري، إلى القرن الإفريقي (نيروبي والصومال) عام 1993 بهدف إنشاء معسكرات بديلة لأفغانستان في الصومال بمدينة بوصاصو والوق وإقليم لاغودين، بتنسيق مع الاتحاد الإسلامي في الصومال، خلال عملية "إعادة الأمل" التي نفذتها أمريكا بالصومال بين عامي 1992 – 1994 وشارك العائدون من أفغانستان من رفاق بن لادن في جهود طرد أمريكا من الصومال، وكان بن لادن يخطط  لإقامة معسكرات تدريب في الصومال واستقبال متطوعين من السودان وباكستان، بالإضافة إلى دول القرن الأفريقي. فيما كانت بواكير العمليات الإرهابية الكبرى النوعية التي نفذتها القاعدة في إفريقيا عام 1998 في تنزانيا (دار السلام) وكينيا (نيروبي)، وتردد على نطاق واسع أن بن لادن قام بزيارة إلى الصومال بعد الضربات الأمريكية للقاعدة في أفغانستان عام 2001، بعد هروب مئات الكوادر والعناصر من القاعدة من أفغانسان إلى الصومال واليمن.

توجه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، إلى القرن الإفريقي (نيروبي والصومال) عام 1993 بهدف إنشاء معسكرات بديلة لأفغانستان هناك

ومع اندحار داعش في سوريا والعراق، والتنافس الحاد الذي ظهر بعد عام 2014 بين "داعش" و"القاعدة" في شمال وغرب إفريقيا؛ حيث انقلبت كثير من التنظيمات التابعة للقاعدة في حملة مبايعة لداعش، فإنّ احتمالات عودتها اليوم إلى القاعدة الأم أصبحت واردة في إطار انتقال مركزية العمل الجهادي إلى إفريقيا. ومن المعروف أنّ تنظيم "داعش" لا وجود حقيقياً له في الصومال والقرن الإفريقي  باستثناء مجموعة انشقت عن حركة الشباب المجاهدين وأعلنت مبايعتها له، تضم ما بين 150 إلى 200 مسلح، نفذت عمليات محدودة بأساليب "داعش"، وخاضت حروباً في مناطق مختلفة مع تنظيم القاعدة، أسفرت عن تحجيم دور التنظيم، الأمر الذي يعزز فرضية عودتهم إلى القاعدة الأم، واستئناف نشاط القاعدة من هناك، خاصة في ظلّ وجود يتسم بالقوة على الجهة المقابلة لتنظيم القاعدة في اليمن، على صلات وثيقة مع قاعدة الصومال، خاصة وأن تأسيس فرع القاعدة في اليمن ارتبط أصلاً بكون الصومال ساحة دعم لوجستي لقاعدة اليمن.

المنطقة أصبحت ساحة صراع بين الأحلاف الدولية والإقليمية من خلال الانتشار الواسع للقواعد العسكرية لتلك الأحلاف

إنّ الأسباب الكامنة في كون القرن الإفريقي ساحة للقاعدة، من ضعف الأنظمة السياسية والحروب الأهلية والمجاعة، ما زالت قائمة وفي ازدياد منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وأضيف إليها اليوم عاملاً جديداً في أنّ المنطقة أصبحت ساحة صراع بين الأحلاف الدولية والإقليمية من خلال الانتشار الواسع للقواعد العسكرية لتلك الأحلاف في الصومال وجيبوتي، وآخرها القاعدة العسكرية التركية التي تم افتتاحها مؤخراً في الصومال، وتبعها الإفراج من قبل المخابرات الأمريكية عن وثائق تعود إلى ابن لادن تضمّنتْ معلومات ذات دلالة حول العلاقة الوثيقة بين القاعدة وإيران وقطر، فيما يتوالى طرح تساؤلات حول الدور القطري في القرن الإفريقي الذي يتم تحت عناوين الإغاثة ودعم المحتاجين، والدخول كطرف في الخلاقات السياسية بين دول المنطقة، وربما كانت عملية التفجير الكبيرة التي راح ضحيتها ما يزيد على 250 قتيلاً، أمام فندق في مقديشو بشاحنة تحمل أطناناً من المتفجرات في أواسط تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مؤشراً على الإيذان ببدء عودة القاعدة الى الصومال، خاصة وأنّ أسلوب تنفيذ العملية، يحمل بصمات القاعدة، ويذكّر بعملية نيروبي عام 1998في كينيا.

لطالما تم استخدام تنظيم القاعدة كأداة في إطار خصومات الأحلاف

التساؤلات التي تطرح اليوم ليست حول القاعدة العائدة بقوة إلى الصومال والقرن الإفريقي؛ بل فيما إذا ستتجاوز القاعدة فكرة كون الصومال قاعدة دعم لوجستي فقط، وأن لا تقتصر عملياتها وأهدافها على الصومال وكينيا ودول القرن الإفريقي، وفيما إذا ستعيد إحياء وتفعيل تنظيمات القاعدة في جزيرة العرب وأرض الكنانة؟ خاصة وأن القاعدة لطالما تم استخدامها أداة في إطار خصومات الأحلاف، سيما وأن القوى الدولية الكبرى، وقوى إقليمية كإيران وتركيا وإسرائيل تحتفظ بعلاقات سياسية مع الأنظمة والأوساط السياسية في القرن الإفريقي، إضافة إلى قواعد عسكرية ناشئة، وقد أصبح مؤكداً أنّ بعض تلك القوى ترتبط بعلاقات وثيقة مع القاعدة وداعش، فقد جاء إنشاء القاعدة العسكرية التركية في الصومال بعد سنوات على إقامة الحرس الثوري الإيراني قاعدة عسكرية في إريتريا، بالتزامن مع عمليات القرصنة البحرية التي جرت قبل أعوام قبالة الشواطئ الصومالية .


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية