التعاليم الإسلامية واقتناء الكلاب المنزلية: هذا رأي العرب في كندا

التعاليم الإسلامية واقتناء الكلاب المنزلية: هذا رأي العرب في كندا


18/10/2018

"لا يعدّ المنزل بيتاً من غير وجود كلب فيه". هكذا يقول المثل الإنجليزي، وإذا عبرنا الأطلسي غرباً، نجد أنّ مكانة هذا الحيوان لا تقل قدراً عنها في أوروبا، فالمثل الأمريكي والكندي يقول "إن أردت أن يحبّك أحدهم إلى الأبد، اقتنِ كلباً، وأطعمه، وأحسن إليه، وأبقه بجانبك دائماً".

هذان القولان يدلان على مدى تعلق الإنسان الغربيّ بحيوان الكلب، الذي رافقه بولاء وإخلاص مطلق منذ العصور السحيقة؛ فهذا الحيوان الوفيّ حاضر في القصور الملكية والجمهوية الغربية؛ ويرافق الزعماء، والقادة، وعامة الناس في حياتهم اليومية، وأثناء إجازاتهم، وفترات استجمامهم.

اقرأ أيضاً: منظمة دولية تطالب بوقف المعاملة السيئة للحيوانات في البتراء

المسلم المهاجر إلى البلاد الغربية يستهجن العلاقة الوطيدة والحميمة، التي نشأت بين الإنسان الغربي وحيوانه الأليف هذا؛ بل ويعدّ الإنسان الغربي كلبه فرداً من أفراد عائلته، وله سرير وغرفة خاصة، ويطعمه من أجود الأطعمة، ويستمتع كثيراً عندما ينظفه بأفضل المنظفات، وينتابه فرح جمّ عندما يخرجه للمشي صيفاً وشتاءً؛ بل إنّ للكلاب مسابقات جمال، ومستشفيات خاصة، وسيارات إسعاف، وأماكن ترفيه، ومراكز معالجة نفسية، وصالونات تجميل في أغلب الدول الأوروبية والأمريكية.

ويعلم المسلم أنّ دينه الإسلامي يحترم حيوان الكلب، كخلق من خلق الله سبحانه، وهناك ذكر لهذا الحيوان في القرآن الكريم مع الفتية المؤمنين الذي لجأوا للكهف خوفاً على إيمانهم، وكذلك في الحديث النبوي، قصة امرأة غُفر لها سلوكها الاجتماعي المرفوض؛ لأنّها سقت كلباً يتضور عطشاً في أرض خلاء.

يتعلق الإنسان الغربي بحيوان الكلب ويعده فرداً من العائلة

الإسلام يحرص على سلامة الإنسان من أيّة أمراض قد تنتقل من الكلاب للبشر، وتظهر هذه الحيطة من الأمراض في حديث رواه أبو هريرة، أنَّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: "طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ"، رواه مسلم.

وللكلب ثلاثة أدوار في حياة المسلم، يعيش الكلب بموجبها قريباً من الإنسان، وليس في منزله، وهذه الاستثناءات امتثالاً لقول الرسول الكريم: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ"، رواه مسلم.

لكنّ بعض الفقهاء يقولون بالنجاسة المعنوية للكلب؛ لذلك لا يقترب كثير من المسلمين من هذا الحيوان، ولا يسمحون له بالاقتراب من ملابسهم، أو أطفالهم، أو أطعمتهم، وهذا السلوك يفسّره عامة الغربيين خطأً؛ بأنّه رعب يصيب المسلمين من حيوان الكلب، ويحرصون على إيقاف كلابهم بعيدة عن الطريق أثناء مرور المسملين بالجوار. والحقيقة أنّ المسلم لا يخاف الكلب، لكنّه يخشى أن تمسه نجاسة إذا لامسه هذا الحيوان. 

اقرأ أيضاً: ما شكل صورة العرب والمسلمين في عقلية الغرب؟

لكنّ لبعض علماء الدين آراء مغايرة لكثير من علماء الفقه الإسلامي، ومن أمثال هؤلاء؛ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، الذي أفتى، في لقاءٍ تلفزيوني، بجواز اقتناء الكلب من باب الرحمة، ولحمايته من الأذى والجوع والمرض في الشارع، لكنّه اشترط ألّا يكون ذلك للمفاخرة بين الأصدقاء أو للتباهي بين العائلات:

 

 

ولمعرفة آراء المجتمع العربي والمسلم في الغرب حول مسألة اقتناء كلب في المنزل؛ أرسلت "حفريات" رسائل إلكترونية للعديد من المؤسسات الإسلامية، ومجلس الأئمة في مقاطعة كيبك الكندية، لسؤالهم عن رأيهم في هذه المسألة، لكن لم تحصل على أيّة إجابة من طرفهم، والتزمت جميع هذه الجهات الإسلامية الصمت، وعدم الردّ، فتوجهت "حفريات" إلى سؤال إمام مسجد في مدينة "كيشتنر" الكندية، طلب عدم ذكر اسمه، عن مشروعية اقتناء كلب في البيت المسلم، الآن، مع وجود مطاعيم ورعاية طبية دائمة لهذا الحيوان في المجتمع الكندي؟ وكان للإمام ردٌّ ضمّنه الأحاديث النبوية المذكورة سابقاً، ورفض فكرة دخول هذا الحيوان إلى بيوت المسلمين، "لنجاسته المادية والمعنوية"، بحسب قول الإمام.

أفتى الدكتور علي جمعة بجواز اقتناء الكلب من باب الرحمة ولحمايته من الأذى والجوع والمرض في الشارع

"حفريات" التقت أيضاً بعضاً من الشابات والشباب المسلمين الذين ترعرعوا وكبروا في المجتمع الكندي، لسماع آرائهم بهذا الخصوص؛ حيث أوحى بعضهم بفهم وتصورات مغايرة عن آراء رجال الدين وكبار السنّ من المسلمين الكنديين، فهؤلاء اليافعون كانوا أكثر تصالحاً مع هذا الحيوان الأليف، الكلب، وقد طُرح عليهم السؤال: هل ترضى باقتناء كلب في منزلك؟ ولماذا؟

وأوّل من تحمّس للإجابة؛ كانت رانيا طه، وهي طالبة كندية من أصل عربي، تدرس في المرحلة الثانوية، وتعيش مع أهلها في مدينة "ميلتون" الكندية، وهي تقتني كلبة صغيرة أسمتها "بمبكن"؛ أي ثمرة القرع. تقول: "قرار اقتناء كلب كحيوان أليف، لا يكون من أجل التسلية أو اللعب؛ لأنّ هذا الكائن الوفي يتعلق بمن يربيه ويحسن إليه، كما يتعلق الطفل الصغير بأمّه، وهذه العلاقة بين الإنسان وحيوانه الأليف تكون مبنية على فهم سلوك هذا الحيوان، والعناية الدائمة به، وتدريبه على تناول الطعام، والتعامل مع الأهل والضيوف، وكذلك تدريبه على القيام بعملياته الحيوية".

رانيا طه: إن قرار اقتناء كلب لا يكون من أجل التسلية أو اللعب

وتذكر رانيا أنّها تقلّم لكلبتها بمبكن أظافرها، وتعتني بنظافتها، وتقدم لها ما يناسبها من أطعمة وأشربة، وتبعد عنها بعض أغذية الإنسان، مثل الشكولاتة والسكر؛ لأنّهما قد يتسببان لها بأمراض، أو حتى بالوفاة، كما تحرص على إعطاء كلبتها المطاعيم واللقاحات التي تمنع تواجد الجراثيم في جسمها؛ وذلك كي لا تنقل أيّة أمراض للإنسان.

وتضيف "أشعر بسعادة كبيرة عندما أخرج للمشي في يوم كندي دافئ ومشمس، مع أخي الصغير آدم، وبرفقتنا كلبتنا بمبكن".

آدم طه برفقة الكلبة بمبكن

وبالانتقال إلى أقصى الغرب الكندي؛ التقت "حفريات" مجد حسين، وهو طالب عربي يدرس في قسم الأحياء في جامعة بريتيش كولومبيا الكندية، ولمجد رأي يقوم على أسس علمية في مسألة اقتناء كلب منزلي؛ حيث يقول: "امتنع أجدادنا العرب من الاقتراب من الكلب، والتعامل معه كرفيق وصديق، بسبب خشيتهم من وصول الأمراض لهم، أو لعائلاتهم، عبر لعابه أو جلده، لكن مع تطور علوم الأحياء الدقيقة، ووجود لقاحات وعلاجات فعّالة لجميع الأمراض الكلبية، خاصة في الدول الغربية، صار اقتناء هذا الحيوان، ودخوله لبيت الإنسان، للإقامة والعيش، أمراً سليماً وآمناً من ناحية صحية".

اقرأ أيضاً: متى يكون الدين منارة للأخلاق؟

يضيف مجد: "يوجد في جامعتنا هنا في كندا نادٍ للمشي مع الكلاب، وتقوم فلسفة هذا النادي على أنّ أيّ طالب يعاني من صعوبات أو ضغوطات في حياته الجامعية، يمكنه التخلص من هذه المشقة النفسية، بأخذ كلب من هذا النادي، والمشي معه في الغابات الجميلة المجاورة للجامعة، ثم إعادته للنادي"، ويقول إنّ ذلك ساعد عدداً من زملائه في استعادة نشاطهم الدراسي والحياتي من جديد.

مجد حسين - طالب قسم أحياء في جامعة بريتش كولومبيا الكندية

وفي مدينة تورنتو الكندية؛ سألت "حفريات" الشاب نوفل العزاوي، وهو طالب كندي من أصول عربية أيضاً، ويدرس في المرحلة الثانوية، عن رأيه في الحصول على كلب وتربيته في البيت، فردُّ بأنّه لو خيّر في اقتناء حيوان أليف، من بين مجموعة مختلفة من الحيوانات، لاختار الكلب.

ويوضح الأسباب قائلاً: "الكلب حيوان وفيّ، ومخلص لصديقه، بل إنّه يحسّ بصديقه الإنسان إذا تعب أو مرض، كما يحبّ هذا الحيوان المخلص اللعب والمرح، مما يترك أجواءً جميلة وممتعة في البيت"، ويستطرد نوفل بأنّه لا يملك كلباً في الوقت الراهن، لانشغالاته بالدراسة، لكنّه يفكر جدياً باقتناء واحدٍ عندما يكبر. 

الشاب نوفل العزاوي - مدينة تورونتو الكندية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية