"الكتائب الإخوانية" إذ تكسب معارك صغيرة وتخسر الكبرى

"الكتائب الإخوانية" إذ تكسب معارك صغيرة وتخسر الكبرى

"الكتائب الإخوانية" إذ تكسب معارك صغيرة وتخسر الكبرى


03/12/2023

تتأسس هذه المقالة على فرضية أساسية، وحده الزمن النقدي سيحسم في صحتها، ولو أنّ مؤشرات الساحة تصب في تزكية مضامينها. وتفيد هذه الفرضية بأنّ ذكاء العقل الإسلاموي، في نسخته الإخوانية، سقط في امتحان كسب ثقة مجتمعات المنطقة، فالأحرى كسب ثقة نخبتها وأنظمتها. 

ويصعب إحصاء عدد المجالات والفضاءات التي أكد فيها الحضور الإخواني، أنه غير أهل للثقة، سواء تعلق الأمر بالحقل الديني أو التعليمي أو السياسي أو الإعلامي، مادام الأمر مرتبطاً بأزمة جهاز مفاهيمي، تربى على أدبيات تصبّ مع مرور الزمن، في تكريس أزمة الثقة، كما زكت ذلك مجموعة من الوقائع التاريخية في المنطقة، لذلك.

من أجل الدفاع عن قيادات إخوانية متورطة في الفساد جرى الحديث عن "أسلمة الفساد" و"أسلمة الخيانة الزوجية" و"أسلمة القمار"

وحتى لا نتوه في كثرة الأمثلة والوقائع، سنتوقف عند نقطة واحدة فقط، تصب فيما نصبو إليه من إثارة اهتمام العامة قبل الخاصة من بعض مآزق هذا العقل الذي لم يقتنع بعد أن الحلم بـ"اختطاف الدولة والدين"، أمر مشروع نظرياً، ولكن من الناحية العملية، اتضح أن تحقيقه، لم ولن تسمح به شعوب المنطقة، فالأحرى أنظمتها.

يتعلق بالأمر بما أصبح يُصطلح عليه منذ حوالي عقد بـ"الكتائب الإلكترونية"، ومن باب عدم التشويش على المتلقي من هول الأمثلة التي تعج بها المنطقة، في مصر على الخصوص، وفي بعض دول الخليج العربي، سوف نتوقف عند الحالة المغربية.

يُقصد بـ"الكتائب الإلكترونية"، "مجموعات رقمية" مكلفة بمهام داخل حركة إسلامية إخوانية، مهمتها الانخراط العملي/ الميداني في حملات الدفاع عن "المَجَرّة الإسلامية الحركية"، ونقصد بالمَجَرّة هنا كل ما له علاقة بالمشروع الإخواني، سواء تعلق الأمر بالواجهة السياسية أو الدعوية أو الإعلامية أو النقابية أو غيرها، لذلك ارتأينا الحديث عن مَجَرّة، عِوَض الحديث عن جماعة أو حركة أو حتى "حزب إسلامي"، وسوف نتوقف في مقال لاحق، عند أهمية الاشتغال النظري على الظاهرة الإسلاموية انطلاقاً من هذا النموذج التفسيري، عِوَض الإبقاء على النموذج الكلاسيكي الذي يختزل المشروع في الشق الدعوي أو السياسي.

أقرأ أيضاً: في ذكرى رحيله..سيد قطب مُلهم الإخوان ومرجع الحركات الجهادية

في مقابل نُصْرة المَجَرّة الإسلامية الحركية، تقوم "الكتائب الإلكترونية" الإخوانية، بنقد وشيطنة المنافسين، سواء تعلق الأمر بفاعلين في الدولة أو الأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني، ولو تطلب الأمر اللجوء إلى ممارسات مُعادية للأخلاق، من قبيل تشويه السمعة، فبركة الأخبار، الاتهام في الأخلاق والملة.

ثنائية التقية والجهل المُرَكّب

نجزم بأن أسلوب التقية التي يُميز أداء العمل الإخواني بشكل عام، ومعه الجهل المُرَكّب بمقتضيات العقل الإخواني، ضمن أسباب أخرى، يُفسر تواضع مؤشرات الوعي لدى النخبة، أو بالأحرى العامة، بالأدوار المنوطة بهذه الكتائب، وبيان ذلك كالتالي:

ــ لا يمكن توقع تفاعل العقل الإسلاموي في العالم الرقمي (شبكة الإنترنت، مواقع التواصل الاجتماعي.. إلخ) إن كان المعني بالتوقع، لا عِلم له أساساً بهذه الكتائب الإلكترونية، وبالأدوار المنوط بها، محلياً وإقليمياً ودولياً، وهذا ما عايناه ونُعاينه في العديد من المحطات، من قبيل أنّ أي استحقاق انتخابي يُشارك فيه حزب إخواني في المنطقة، يتميز بمتابعة و"نُصْرة رقمية" لباقي إخوان المنطقة، وغيرها من الأمثلة الدالة والمتوقعة.

اقرأ أيضاً: 5 محن عصفت بجماعة الإخوان المسلمين

ــ وحتى لو افترضنا أنّ الفاعل المعني هنا، كأن يكون باحثاً أو إعلامياً أو رجل سلطة (سياسية أو دينية أو أمنية)، أخذ علماً بالظاهرة، واطلع على بعض معالمها وتطبيقاتها، فإنّ الانتقال إلى مرحلة المواجهة والتصدي، صيانة للدولة والدين، تقتضي الاشتغال على إحداث كتائب إلكترونية مضادة، وهو المعطى شبه الغائب في الساحة المغربية، وبالكاد عاينا إطلاق بعض الأحزاب السياسية لما يُشبه كتائب إلكترونية، ولكن بشكل متواضع مقارنة مع الحضور الرقمي الكبير للفاعل الإسلامي، الإخواني والسلفي على حد سواء؛ حيث إنه في مرحلة الاستحقاق الانتخابي، يُصبح خطاب الفاعل الإخواني والفاعل السلفي موحداً، بمقتضى ترك الخلافات الفقهية والسياسية جانباً، وهذه ظاهرة نُعاينها في أغلب دول المنطقة وليس في المغرب وحسب. [خطاب الإخوان والسلفيين في حقبة "الفوضى الخلاقة" المصرية، بين 2011 و2013، على هامش تعديل الدستور، كان خطاباً موحداً].

ـ ليس هذا وحسب، وبخلاف المشروع الإخواني أو "المَجَرّة الإسلامية الحركية"، فإنّ باقي الأحزاب السياسية المغربية، غير الإسلامية، لم تطلق كتائب إلكترونية، وما هو موجود مجرد حسابات متواضعة، تنتمي إلى هذا الحزب أو ذلك، ولكنها تشتغل في إطار سياسي صرف، وقد تتقاطع بالكاد مع الفروع الإعلامية والنقابية والجمعوية للحزب المعني، بينما الأمر مختلف كلياً مع الكتائب الإلكترونية الإسلاموية؛ لأنها تنطلق من أرضية دينية، وتتعامل مع هذه المعارك على أساس أنها "معارك مقدسة" أو "معركة حياة أو موت"، ولا تتردد في الانخراط في ممارسات رقمية مُعادية للدين، أو بالأحرى الأخلاق، دفاعاً عن مشروعها الإخواني.

لو سلّمنا بأن الكتائب الإلكترونية الإخوانية نجحت في العديد من الامتحانات، إلا أنها فشلت في الظفر بثقة الرأي العام

ــ بخصوص إشكالية التقية، فقد أبدع العقل الإخواني كثيراً في استغلال هذا المعطى رقمياً، من خلال إطلاق منصات رقمية ناطقة أو محسوبة على المَجَرّة الإسلامية الحركية، أو إطلاق منصات تدعي أنها مستقلة أو خاصة ولكنها محسوبة على المَجَرّة ذاتها، وأخيراً، من خلال تغلغل الفاعل الإخواني في باقي منصات الساحة، الرسمية والمستقلة، وهي عملية هينة، أخذاً بعين الاعتبار الجهل المُرَكّب بعقل التقية.

لقد تأكد للباحثين بالأرقام والمؤشرات، أنه من بين المُحدّدات التي تُميز تفاعل الخطاب الإخواني مع الاستحقاق الانتخابي، وإضافة إلى التفاعل الصعيد الميداني؛ أي في الحملات الانتخابية التقليدية التي تتميز بتنظيم لقاءات جماهيرية وجولات في الأحياء والشوارع، نجد تفاعلاً موازياً وحاضراً بقوة وكثافة في الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي، وقد تمّ اللجوء إلى عدة خوارزميات أو تقنيات رقمية من أجل توسيع دائرة الانتشار الرقمي، وبالتالي التأثير على خيارات الناخبين، سواء عبر أسلوب المواجهة أو التقية أو التحايل وغيرها من التقنيات، وهذا ما أبدع فيه العقل الإخواني في نسخته الرقمية.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن رحلة الإخوان المسلمين في سلطنة عمان؟

كان على الرأي العام انتظار بعض الأزمات الداخلية للمَجَرّة الإخوانية، حتى يطلع على بعض أدوار هذه الكتائب، ونخص بالذكر، ما جرى مع القلاقل التي ميزت الخلافات التنظيمية بين الأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران والأمين العام الحالي للحزب ذاته، سعد الدين العثماني، حتى يكتشف أنّ ما كانت تقوم به "الكتائب الإلكترونية" ضد الخصوم، أصبح يطال المشروع ذاته أيضاً، بل تطور الأمر إلى أن الأمين العام السابق اضطر إلى إصدار بلاغ بتاريخ 10 تشرين الأول (أكتوبر) العام 2017، يعلن فيه براءته مما تتضمنه بعض الصفحات على موقع "التواصل الاجتماعي"، ومن ذلك ما صدر عن بعض هذه الكتائب الإلكترونية، والتي حسب خلاصات الباحث المتخصص في التواصل والإعلاميات، يحيى اليحياوي، اتضح أن أغلب أعضائها قادمون من مدن الهامش، وخاصة من قرى الجنوب المغربي؛ حيث الفقر المادي والمعنوي، ولكنها حظيت بتكوينات وتدريبات، جعلتها اليوم تقوم بهذه الأدوار ضد الجميع: المجتمع والأحزاب السياسية والنظام الحاكم والدولة.

اقرأ أيضاً: الإخوان وصناعة وهم الأيديولوجيا المقدّسة

انطلاقاً من تأمل ما صدر عن هذه الكتائب، اتضح أنها لم تكن تتردد في الدفاع عن حالات الفساد الأحادي أو الفساد المُرَكّب (الفساد المالي والإداري والأخلاقي) التي تورطت فيها قيادات المجرة، سواء تعلق الأمر بقيادات الحركة أو قيادات الحزب أو قيادات النقابة وغيرها، ومن هنا الحديث عن "أسلمة الفساد" في العديد من الحالات، من قبيل "أسلمة الخيانة الزوجية" و"أسلمة القمار" و"أسلمة الخمر" وغيرها من الوقائع التي ارتبطت في مخيال المجتمع بحالات فساد لقيادات إخوانية، ولكنها حظيت بدعم رقمي قادته هذه الكتائب ضد كل الذين انتقدوا أو تصدوا لهذه النماذج.

ما لا ينتبه إليه القادة الذين يقفون وراء هذه الكتائب، وأغلبهم يشتغل اليوم في مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة رئاسة الحكومة، أنه حتى لو سلّمنا بأن هذه الكتائب الإلكترونية نجحت في العديد من الامتحانات السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها، اعتماداً على هذه الأدوار غير السوية، وكلها معارك صغيرة على المدى القريب أو حتى المتوسط، فإنها فشلت في أهم وأكبر امتحان، أي امتحان المعركة الكبرى، وعنوانها الظفر بثقة الرأي العام.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية