هل يأتي يوم يحكم فيه الاشتراكيون أمريكا؟

هل يأتي يوم يحكم فيه الاشتراكيون أمريكا؟


09/09/2018

ترجمة: محمد الدخاخني


على مدار معظم التّاريخ الأمريكيّ، كانت فكرة الاشتراكيّة حلماً ميؤوساً منه ومعرّفاً في الغالب على نحو غامض. كما كانت احتمالاتها بعيدة في منتصف القرن الماضي إلى حدّ أنّ أفضل تعريف توصّل إليه كلّ من إيرفينغ هاو ولويس كوسر، وكانا القائمين على تحرير الدّوريّة الاشتراكيّة ديسنت، العام 1954، هو: "الاشتراكيّة هي اسم رغبتنا".

قد يكون ذلك محلّ تغيير الآن. فالدّعم العامّ للاشتراكيّة آخذ في الازدياد. ويقوم أناسٌ يقدّمون أنفسهم على أنّهم اشتراكيّون، مثل بيرني ساندرز وأليكساندريا أوكاسيو-كورتيز ورشيدة طليب، بصنع نجاحات داخل الحزب الدّيمقراطيّ، الّذي كان قد نعته المحلّل السّياسيّ كيفين فيليبس ذات مرّة بـ "ثاني أكبر حزب رأسماليّ متحمّس" في العالم. والانتساب إلى حزب الاشتراكيّين الدّيمقراطيّين الأمريكيّين، وهو أكبر منظّمة اشتراكيّة في البلاد، هو أيضاً في تصاعد كبير، خاصّة بين الشّباب.

فما الّذي يفسّر هذا التّدفّق؟ وماذا نعني، العام 2018، عندما نتحدّث عن "الاشتراكيّة"؟

صعود بيرني ساندرز

يعبّر جزء من القصّة عن مصادفة محضة. في عام 2016، كان السّيّد ساندرز منافساً قويّاً على الفوز بترشيح الحزب الدّيمقراطيّ للرّئاسة. ولم يُلحِق وسم "الاشتراكيّة" الضّرر بترشيحه البتّة، بل ساعده. لم يكن السّيّد ساندرز ليبراليّاً أو تقدّميّاً أو حتّى ديمقراطيّاً. ولم يكن ملوّثاً بكلّ كلمات وطرق السّياسة كالمعتاد. وبعكس ما هو متوقّع، لقد ساهمت حقيقة أنّ الاشتراكيّة كانت طويلاً في المنفى في حمايتها من المألوفات السّامة للسّياسة الأميركيّة.

بيرني ساندرز

ويعبّر جزء آخر من القصّة أقلّ عن عامل الصّدفة. فمنذ السّبعينيّات، اتّخذ الّليبراليون الأمريكان منعطفاً يمينيّاً في الاقتصاد. فقد كانوا من قبل داعمين للعمّال، والنّقابات، والضّرائب المرتفعة، وإعادة توزيع الثّروة، والقيود التّنظيميّة الّتي تضعها الحكومة على القطاع الخاصّ، والخدمات العامّة. فيما هم الآن يقومون بتأليه مليارديرات مثل بيل غيتس ومارك زوكربيرغ، وإلغاء القيود التّنظيميّة حيثما أمكن، وتجنّب النّقابات إلّا في وقت الانتخابات، وعلى الأقلّ حتّى وقت قريب، الصّراع حول حجم التّخفيضات الضريبيّة لمعظم النّاس.

إذا كانت الائتمانات الضّريبيّة وتبادلات التّأمين هي أفضل ما لدى الّليبراليّين لتقديمه فإنّ الاشتراكيّة تستحقّ المحاولة

يجادل الّليبراليّون، بالطّبع، بأنّهم يستخدمون أدوات صديقة للسّوق مثل التّخفيضات الضّريبيّة وإلغاء القيود على القطاع الخاصّ من أجل تحقيق أشياء مثل النّمو العادل، والرّعاية الصّحيّة الموسّعة، والعدالة الاجتماعيّة -  الأهداف نفسها الّتي كانوا يتّبعونها دائماً. وعلى مدى عقود، كان النّاخبون ذوو الميول اليساريّة يوافقون على هذا الجواب، حتّى لو لم تعجبهم النّتائج، لعدم وجود بديل.

لكن جاء ساندرز وأقنع هؤلاء بأنّه إذا كانت الائتمانات الضّريبيّة وتبادلات التّأمين هي أفضل ما لدى الّليبراليّين لتقديمه للرّجال والنّساء الّذين يكافحون من أجل جعل أجورهم الرّاكدة تسدّد الفواتير الّتي تضخّمت والدّيون الّتي لا تتبدّد، فإنّ الاشتراكيّة ربّما تستحقّ المحاولة.

الهيمنة وليس الفقر

تعني الاشتراكيّة أشياء مختلفة باختلاف شخص عن آخر. فبالنّسبة إلى البعض، تستحضر الكلمة الاتحّاد السّوفيتيّ ومعسكرات العمل (الغولاغ)، وبالنّسبة إلى آخرين، تستحضر الدّول الاسكندنافيّة والدّخل المضمون. لكن التّصوّر الحقيقيّ للاشتراكيّة ليس هذا أو ذاك. فما يسعى الاشتراكيّ إليه هو الحرّيّة.

في ظلّ الرّأسماليّة، نضطّر إلى دخول السّوق فقط لنتمكّن من العيش. فالّليبرتاريّ يرى السّوق باعتبارها مرادفاً للحرّيّة. لكن الاشتراكيّين يسمعون كلمة "السّوق" ويفكّرون بالوالدة المهمومة، الّتي تفعل كلّ ما في وسعها حتّى لا تُسيء إلى ممثّل شركة التّأمين على الهاتف، خشية أن يقرّر أنّ عقد التّأمين الّذي كانت قد دفعت من أجله أموالها لا يغطّي استئصال الزّائدة الدّوديّة لطفلها. وفي ظلّ الرّأسماليّة، نضطّر إلى الخضوع لرئيسنا في العمل. يتملّكنا الرّعب من رؤية جانبه السّيء، ننحني ونطأطئ، نتملّق ونتغزّل، أو ما هو أسوأ من ذلك - لمجرّد الحصول على هذه الزّيادة أو تلك، أو التّأكد من أنّنا لن نطرد من عملنا.

لا تكمن الحجّة الاشتراكيّة ضدّ الرّأسماليّة في أنّها تجعلنا فقراء بل في أنّها تجعلنا غير أحرار

لا تكمن الحجّة الاشتراكيّة ضدّ الرّأسماليّة في أنّها تجعلنا فقراء. بل في أنّها تجعلنا غير أحرار. عندما تعتمد صحّتي وعافيتي على نزواتك، عندما تجبرنا الحاجات الأساسيّة للحياة على الخضوع للسّوق والقبول بالإخضاع في العمل، فإنّ ذلك يعني أنّنا لا نعيش في حرّيّة بل في هيمنة. ويريد الاشتراكيّون إنهاء تلك الهيمنة: إرساء التّحرّر من حكم رئيس العمل، من الحاجة إلى الابتسام من أجل البيع، من الالتزام بالبيع من أجل البقاء.

اصغ إلى اشتراكيّي اليوم، وسوف تسمع لغة الفقر أقلّ مقارنة بلغة السّلطة. فالسّيّد ساندرز يستحضر "الواحد في المئة". وتتحدّث السّيّدة أوكاسيو-كورتيز إلى "الطّبقة العاملة" ومن أجلها - وليس "العاملين" أو "العائلات العاملة"، وتلك عبارات تلطيفيّة تهدف إلى التّخفيف والتّهدئة. وتعبيرات مثل "الواحد في المئة" و"الطّبقة العاملة" لا تنتمي إلى فئة المصطلحات الاقتصاديّة. بل هي تعبّر عن اتّهامات سياسيّة. وقد جرى بمقتضاها تقسيم المجتمع إلى قسمين، أحدهما حاكم غير شرعيّ للآخر، يصادر حرّيّة الآخر وسلطته ومستقبله.

اقرأ أيضاً: مارثا نوسباوم: الليبرالية تحتاج إلى الحب

وإذا قمت بالتّجوّل في شوارع بوشويك مع أحد المروّجين المنتمين لحملة جوليا سالازار، المرشّحة الاشتراكيّة لتمثيل شمال بروكلين في مجلس شيوخ ولاية نيويورك، فإنّ ما سوف تسمعه هو أنّها على عكس منافسها، لا تأخذ أموالاً من مطوّري العقارات. ولا يتلخّص الأمر فقط في أنّها تريد أن تعلن استقلالها عن المانحين الأثرياء. وإنّما أنّها ثمثّل منطقة يسكنها مستأجرون يعانون من عوز ماليّ حيث الملّاك هم العدوّ.

 جوليا سالازار

قارن ذلك الموقف بما روّج له شوميك دوتا، وهو مسؤول عن عمليّات جمع الأموال تابع للحزب الدّيمقراطيّ، أثناء حملة أوباما عام 2008: "إنّ شبكة كلينتون سوف تكسب لصفّها كلّ [الجهات المانحة في] المؤسّسة". وما احتاجت إليه الحملة هو شخص يفهم "الجهات المانحة الأقلّ انتماء للمؤسّسة، مجموعات مطوّري العقارات". لكن إذا كان ذلك قد أنتج "نعم، نستطيع" [شعار حملة أوباما]، فإنّ الإجابة الاشتراكيّة هي "لا، لن نفعل ذلك".

اصغ إلى اشتراكيّي اليوم، وسوف تسمع لغة الفقر أقلّ مقارنة بلغة السّلطة

من بين الأسباب الّتي تجعل المرشّحين من أمثال السّيّدة أوكاسيو-كورتيز والسّيّدة سالازار يتحدّثون لغة الطّبقة بطلاقة أنّها تمثّل أهميّة مركزيّة لهويّاتهم. لقد كابد آل غور وجون كيري وهيلاري كلينتون العناء من أجل التّوصّل إلى ذاتٍ لها مصداقيّة من بين الذّوات العديدة الّتي قدّموها على مرّ السّنين، في محاولة للعثور على قصّة شخصيّة تناسب الّلحظة السّياسيّة. لكن مرشّحي اليسار الشّبان اليوم يروون قصّة نضال شخصيّ تنسجم مع رؤيتهم السّياسيّة. وكان أوباما قد فعل ذلك - لكن فيما عضّدت قصّته أسطورةً مبنيّة على الهويّة الوطنيّة والإشراك المجتمعيّ، تعبّر قصّة الاشتراكيّين عن قصّة الرّأسماليّة والاستبعاد: كيف، باعتبارهم من أبناء جيل الألفيّة الّذي يقاسي الأجور المتدنّيّة والإيجارات المرتفعة والدّيون الّتي تلوح في الأفق، يجري منعهم هم وأقرانهم من وعد الحرّيّة.

كما أنّ قصص هؤلاء المرشّحين اشتراكيّة لسبب آخر: إنّها تقطع مع الدّولة-الأمّة. فالمراجِع الجغرافية للسّيّدة أوكاسيو-كورتيز - أو السّيّدة طليب، الّتي رشّحت نفسها لتمثيل المقاطعة الثّالثة عشرة في ميتشيغان في الكونغرس - محلّيّة وليست وطنيّة، وتستحضر الذّاكرة والبؤر الاستيطانيّة للاستعمار الأميركيّ والأوروبيّ بدلاً من الوعد بالحلم الأميركيّ.

اقرأ أيضاً: الليبرالية إذ تنتج من نجاحها فشلها الخاص

تتحدّث السّيّدة طليب عن تراثها الفلسطينيّ وقضيّة فلسطين من خلال النّضال الأمريكيّ الأفريقيّ من أجل الحقوق المدنيّة في ديترويت، فيما تشير السّيّدة أوكاسيو-كورتيز إلى دوائر الدّيون التي تربط بين بورتوريكو، حيث ولدت والدتها، وبرونكس، حيث تعيش. قصّة السّيّد أوباما كان لها أيضاً فصولها الهاوايّية (وكذلك الإندونيسيّة والكينيّة). لكن فيما انتهت قصّته إلى نغمة تروّج للاندماج، باعتباره المتجوّل الكوزموبوليتانيّ القادم إلى أميركا، لم تهتمّ كلّ من السّيّدة طليب والسّيدة أوكاسيو-كورتيز بذلك الحلّ. وذلك الرّفض هو أيضاً جزء من التّراث الاشتراكيّ.

اشتراكيّة الشّارع

يمكن القول إنّ أكبر الحدود الّتي يرغب اشتراكيّو اليوم في اجتيازها هو نظام الحزبين. ففي حملاتهم، تبدو الرّسالة واضحة: لا يكفي انتقاد دونالد ترامب أو الجمهوريّين؛ الدّيمقراطيون متواطئون أيضاً في إفساد الحياة الأمريكيّة. وهنا تلتقي الاشتراكيّة الّتي نشهدها في هذه الّلحظة مع أعمق تيّارات الماضي الأميركيّ.

لا يكفي انتقاد دونالد ترامب أو الجمهوريّين؛ الدّيمقراطيون متواطئون أيضاً في إفساد الحياة الأمريكيّة

شأنهم شأن الرّؤساء المُغيّرين العظماء، يصل المرشّحون الاشتراكيّون اليوم إلى ما وراء الأحزاب لاستهداف شكل اجتماعيّ خبيث: بالنّسبة إلى أبراهام لنكولن، تمثّل ذلك الشّكل في العبوديّة؛ بالنّسبة إلى فرانكلين روزفلت، تمثّل في المَلكيّين الاقتصاديّين. لقد أدرك المغيّرون العظماء أنّ أيّ تحوّل في المجتمع يتطلّب مواجهة ليس فقط مع المعارضة ولكن أيضاً مع الاقتصاد السّياسيّ الّذي يدعم كلا الحزبين. ولهذا السّبب يختار المغيّرون في كثير من الأحيان لغةً لا يتحدّثها أيّ من الحزبين. بالنّسبة إلى لينكولن في خمسينيّات القرن التّاسع عشر، في مواجهة اليمينيّين الأميركيّين والدّيمقراطيّين، تمثّلت تلك الّلغة في العمل الحرّ. بالنّسبة إلى اليساريّين في العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين، في مواجهة الجمهوريّين والدّيمقراطيّين، تتمثّل تلك الّلغة في الاشتراكيّة.

بالنّسبة إلى النقّاد في التّيار الغالب وفي اليسار، يمكن أن تبدو تلك الّلغة مُراوغة. فمن خلال حديث المرشّحين الاشتراكيّين عن رعاية طبيّة للجميع أو زيادة للحدّ الأدنى للأجور، يبدو هؤلاء مثل ليبراليّي "الصّفقة الجديدة" أو "المجتمع العظيم". فلا يوجد الكثير من النّقاش، مع ذلك، للمعتقدات الاشتراكيّة الكلاسيكيّة مثل سيطرة العمّال أو الملكيّة الجماعيّة لوسائل الإنتاج.

اقرأ أيضاً: الاشتراكيون بين اليوم والأمس

وبالطّبع، هناك تداخل بين ما يدعو إليه الّليبراليّون والاشتراكيّون. لكن حتّى إذا دعم الّليبراليون نظام رعاية صحيّة تتولّى فيه الدّفع جهة واحدة، وكلّيّات مجانيّة، والمزيد من النّقابات، وأجور أعلى، فإنّ الفجوة بين الاثنين ستبقى قائمة. فبالنّسبة إلى الّليبراليّين، هذه سياسات للتّخفيف من البؤس الاقتصاديّ. لكنّها بالنّسبة إلى الاشتراكيّين، مقاييس للانعتاق، وتحرير الرّجال والنّساء من طغيان السّوق وأوتوقراطيّة العمل. في ثلاثينيّات القرن العشرين، قيل إنّ الّليبراليّة هي الحرّيّة بالإضافة إلى البقالة. ويعتقد الاشتراكيّ، في المقابل، أنّ جعل الأشياء مجّانيّة يجعل النّاس أحراراً.

أوكاسيو كورتيز

من المهمّ أيضاً أن تتذكّر أنّ حركة المرور بين الاشتراكيّة والّليبراليّة كانت دائماً واسعة. فقد تضمّن البرنامج المؤلّف من 10 نقاط، "البيان الشّيوعيّ"، لماركس وإنغلز، المطالب الّتي أصبحت متداولة الآن: التّعليم العام الشّامل، وإلغاء عمل الأطفال، والضّريبة التّصاعديّة على الدّخل. وقد يتطلّب الأمر الكثير من الاشتراكيّين للحصول على القليل من الّليبراليّة: فاشتراكيّو أوروبا، في النّهاية، هم الّذين فازوا بالحقّ في التّصويت، وحرّيّة التّعبير، والدّيمقراطيّة البرلمانيّة. وبالنّظر إلى الكيفيّة الّتي أصبحت بها الّليبرالية الأميركيّة خجولة وفاترة - متى كانت المرّة الأخيرة الّتي وصف فيها رئيس ديمقراطيّ نفسه بأنّه ليبراليّ -، فإنّه ليس من المستغرب أن يساعد مصطلح أكثر لفتاً للنّظر على بدء المحادثة. إنّ إشارات التّنبيه نفسها تحتاج في بعض الأحيان إلى إشارة تنبيه.

اقرأ أيضاً: يا علمانيي وليبراليي العرب اتحدوا

ومع ذلك، فإنّ اشتراكيّة اليوم قد بدأت لتّوّها. لقد استغرق الأمر من لينكولن عقداً من الزّمن - بالإضافة إلى حرب أهليّة، وقرار العبيد السّود بتحدّي أسيادهم، مندفعين نحو الانضمام إلى قوّات الاتّحاد المتطوّرة - للوصول إلى الموقف القائل بأنّ العمل الحرّ يعني الإلغاء الفوريّ للعبوديّة.

في المجلّات والمواقع الإلكترونيّة، وفي مجموعات القراءة وفروع الأحزاب، يناقش الاشتراكيّون الخطوات التّالية: ملكيّة الدّولة لبعض الصّناعات، والمجالس العماليّة، والتّعاونيّات الاقتصاديّة، وصناديق الثّروة السّياديّة [:صناديق الاستثمار المملوكة للدّولة]. فيما مضى، كانت مثل هذه الأحاديث موضوع هجاء أكاديميّ و خيال علميّ. لكنّها الآن تحصد الأصوات وتحرّك الحملات الانتخابيّة. على أنّه من السّابق لأوانه معرفة ما إذا كانت ستنتقل إلى الكونغرس أم لا، لكن الأحداث لديها طريقتها الخاصّة في تحويل أحاديث الحانات إلى نقاش تشريعيّ.

اقرأ أيضاً: القرامطة سبقوا ماركس وأسسوا أول نظام اشتراكي منتخب

ليست السّياسات المحدّدة في رأس السّياسيّ هي ما يعطي في النّهاية شكل الرّغبة الاشتراكيّة وإنّما على نحو أكبر الرّجال والنّساء الّذين يسيرون على أقدامهم. وذلك هو السّبب في أنّ أهم تصريحين لاشتراكيّي اليوم هما مطالبة السّيّدة سالازار بأن تقوم نيويورك بإلغاء القانون الّذي يحظر إضراب موظفي الحكومة ودعوة السّيّدة أوكاسيو-كورتيز "لاحتلال كلّ ذلك". وكلاهما يكشف ما فهمه الاشتراكيّون دائماً: العمل الجماعيّ - أحياناً غير القانونيّ، ولكن المتصدّي دائماً - هو الّذي سيحدّد الشّكل النّهائيّ للاشتراكيّة.

إنّ الاشتراكيّة ليست صحافيّين أو مثقّفين أو سياسيّين مسلّحين بأجندة سياسيّة. وكما فهم الأمر كلّ من ماركس وإنغلز - وكان هذا من بين رؤاهم الأساسيّة، وما ميّزهم عن المفكّرين الاشتراكيّين الآخرين، المستعدّين دائماً ببرامجهم -، فإنّ العمّال هم الّذين يصلون بنا إلى هناك، وهم الّذين يقرّرون ما الّذي عليه "هناك" وأين يقع.

وهذا، أيضاً، ضربٌ من الحرّيّة. الحرّيّة الاشتراكيّة.


كوري روبن، النيويورك تايمز



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية