كيف يواجه حسن روحاني العاصفة؟

كيف يواجه حسن روحاني العاصفة؟


26/07/2018

وصلت الأوضاع في إيران إلى نقطة الغليان على عدة جبهات. حتى المدافعون عن النظام هناك يعترفون علناً بأنّ البلاد تتعرض لضغوط قاهرة في الداخل والخارج. ويبدو أنّ الرئيس حسن روحاني يواجه هذه الأيام مهمة مستحيلة؛ فهناك الكثير من الضغوط الشعبية في الداخل، وهناك مخاوف حقيقية من انهيار الاقتصاد الإيراني بالكامل في حال تنفيذ الولايات المتحدة تهديداتها بوقف صادرات النفط الإيرانية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

باتت إيران أمام مفترق طرق تاريخي ولعلّ ذلك يتطّلب وجود قيادة تاريخية أو على الأقل قيادة غير تقليدية

باتت إيران أمام مفترق طرق تاريخي، ولعلّ ذلك يتطّلب وجود "قيادة تاريخية"، أو على الأقل قيادة "غير تقليدية". لكنّ الرئيس روحاني يمكن أن يكون في أحسن الأحوال رئيساً وسطياً عادياً. تربّى روحاني في المدرسة الأمنية للنظام، وتعلّم منها الكثير من الحذر والاحتياط. وخلال الشهور التي أعقبت الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، حاول روحاني تعويض النقص في التأييد الشعبي، والتراجُع في موقعه في "خريطة توزيع القوة" الداخلية بالاقتراب أكثر من التيار المحافظ؛ وتحدّث روحاني بلسان خامنئي ساعياً إلى إرضائه، وتوقف نهائياً عن انتقاد "الحرس الثوري"؛ بل حاول أيضاً مغازلتهم عن طريق التهديد بإغلاق "مضيق هرمز". أُعجب قاسم سليماني بتهديدات روحاني، وردّد قادة "الحرس الثوري" عبارات حول الوحدة الوطنية، وإيران الموحدة في مواجهة "الغطرسة الأمريكية".

اقرأ أيضاً: هل سيكون لتباين مواقف روحاني وخامنئي أية تداعيات؟

لكنّ اقتراب روحاني من التيار المتشدّد في النظام عمّق خسائره، وخسائر الحكومة بشكل عام في الأوساط الشعبية، وبحسب استطلاعات داخلية وخارجية فقد تراجع التأييد الشعبي للحكومة إلى أدنى مستوياته خلال العقدين الأخيرين. وتقدّم روحاني على أحمدي نجاد في إثارة غضب الشعب الإيراني، وهو أمر لافت جداً بالنظر إلى طبيعة الظروف التي أحاطت برئاسة كل منهما، وبالنظر إلى التفاوت الهائل في شخصية وكاريزما الرئيسين. وإذا كان موقف روحاني تجاه الغرب بما في ذلك تهديده الصريح بإغلاق مضيق هرمز قد أدى إلى الابتهاج في أوساط المتشددين؛ فقد أحدث خيبة أمل واسعة النطاق في الأوساط الشعبية التي كانت تعول كثيراً على الانفراج الاقتصادي الذي وعدت به حكومة روحاني بعد الاتفاق النووي.

اقرأ أيضاً: روحاني يهدّد وترامب يحذّر... ماذا بعد؟!

وللغضب الشعبي من حكومة روحاني أسباب أخرى كثيرة؛ فقد التزم روحاني الصمت الكامل تجاه قضايا ملاحقة النشطاء الاجتماعيين مؤخراً. وتتردد في الأوساط الشبابية ووسائل التواصل الاجتماعي انتقادات لاذعة لروحاني تتهمه بالخداع والجبن والمراوغة، يعتقد هؤلاء بأنّ روحاني الذي جرى انتخابه مرتين على أساس الوعود التي قطعها بمنح مزيد من الحريات المجتمعية تنكّر لوعوده تماماً. وبات من الواضح بأنّه يرى أنّ مستقبله السياسي مرتبط بنوع من التسوية مع المتشددين، أكثر من ارتباطه بأي رغبة من جانبه لرسم مسار سياسي مستقل لنفسه أو لتياره المعتدل.

اقرأ أيضاً: ماذا قال خامنئي عن تهديدات روحاني حول منع صادرات النفط الخليجية؟

في هذه الأثناء، يشيرُ التزام قائد الثورة علي خامنئي الصمت المطلق تجاه التراشق اللفظي بين الرئيسين؛ روحاني وترامب إلى وجود قلق غير مسبوق في أعلى مستويات النظام السياسي الإيراني؛ فقد تبنّى القائد الأعلى خلال الأسبوعين الماضيين موقفاً علنياً سلبياً لافتاً. وهذا الصمت ليس من قبيل الصدفة؛ بل هو متعمد. صحيحٌ إنه ليس لدى خامنئي الكثير مما يمكنه قوله أو فعله في ظل الضغوط الهائلة التي يواجهها النظام، لكنّ خامنئي لا يمانع بالتأكيد في جعل الرئيس الإيراني المحاصر حسن روحاني محطّ تركيز الغضب الشعبي. وهذا سلوك مضطرد وتقليدي بالنسبة لخامنئي الذي يسارع عادة إلى جني ثمار أي نجاح سياسي للحكومة، غير أنه يختفي عن الأنظار في أوقات التقلبات والتوتر السياسي.

إخماد الحراكات المطالبة بالحريات الاجتماعية

بدلاً من التعامل مع حالة التردي الاقتصادي المتفاقمة في البلاد، تقوم السلطات الإيرانية على نحو مستهجن باعتقال الشباب الذين يمارسون الرقص، أو يعارضون فرض الحجاب! وهو ما يعني أنّ الفجوة لا تزال شاسعة بين أولويات النظام وتوقعات المواطن العادي. وبالطبع لا يعود ذلك لجهل النظام بمثل هذه الحقائق الأساسية؛ فالرد القمعي من جانب السلطات تجاه الناشطين المناهضين لفرض الحجاب، مرتبط بشكل أكبر بالحفاظ على القبضة السياسية للنظام، وهي أولوية بالنسبة للقوى الثورية؛ يعتقد النظام الإيراني بشكل راسخ أنّ الرد الناعم تجاه الدعوات بمزيد من الحريات الاجتماعية والثقافية سيؤدي إلى تصاعد سريع لمزيد من الدعوات من أجل مزيد من التغيير في السياسات.

النظام على استعداد لدفع ثمن باهض لقاء الضرر الذي يلحق بسمعته بسبب بعض المسائل كفرض الحجاب

ولهذا السبب يرفض النظام أي مساومة حول مسألة فرض الحجاب، كما أنّ النظام على استعداد لدفع ثمن باهض فيما يتعلق بالضرر الذي يلحق بسمعته الدولية بسبب مثل هذه المسائل. وفي غضون ذلك تعج وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالفارسية بالنشاط المتعلق بحركة "الرقص من أجل الحرية" والتي تُشَكِّلُ ظاهرة لافتة من المحتمل أن تكتسب مزيداً من الزخم والطابع السياسي كأداة مناهضة للنظام. وفي هذا كله يلتزم الرئيس روحاني السكوت الكامل، ويترك للأجهزة الأمنية حرية التصرف وفق رؤية تحالف خامنئي-الحرس الثوري الحاكم، ودون إبداء أي تأييد أو معارضة.

تكتيكات الحكومة لاحتواء الغضب الشعبي

لا يستطيع روحاني فعل أي شيء حيال العيوب الهيكلية في بنية النظام، وبدلاً من ذلك يحاول المناورة على الأطراف، لخلق انطباع بأنّ إجراء تغييرات جذرية في السياسات قيد التنفيذ أو الدراسة على الأقل. ويُمَثِّلُ هذا ببساطة إستراتيجية لشراء الوقت على أمل أن تهدأ العاصفة الحالية بسرعة؛ وعلى سبيل المثال، يلمح روحاني منذ أسابيع إلى إمكانية حدوث تغييرات كبيرة في حكومته، خاصة فيما يتعلق بالأدوار الاقتصادية (وزير الاقتصاد، ومحافظ البنك المركزي تحديداً)، لكنَّ أياً من هذه التغييرات لم يحدث حتى الآن. وقد جرى تداول أسماء بعض كبار مستشاري روحاني في إطار تغييرات قادمة أيضاً، بما في ذلك كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاقتصادية مسعود نيلي. بعبارة أخرى، وبالرغم من كثرة الخطابات والتلميحات حول التغيير فلا يوجد حتى هذه اللحظة أي مؤشر بوجود خطة منتظمة للتعامل مع القضايا التي قادت إلى الغضب الشعبي. ويتبنى النظام سياسة الدفاع ومحاولة الحد من الضرر فقط.

هل هناك خطة التعامل مع الحرب الاقتصادية الأمريكية؟

كان من الواضح بأنّ نائب الرئيس الإيراني إسحق جهانغيري حصل على هذا المنصب للدفاع عما تبقى من الثقة الشعبية في الاقتصاد الإيراني. ولعلّ تطميناته المتكررة بأنّ إيران ستتغلب على الضغوط الاقتصادية الأمريكية تُشَكِّلُ جزءاً رئيساً من عمله. كما أنّ شخصيته الصريحة والعفوية تجعل منه صوتاً مناسباً لهذه المهمة. ولعلّ الانطباع بأنّ جهانغيري شخص جدير بالثقة (بالرغم من تورط شقيقه الأصغر في فضيحة فساد كبرى) تجعل منه خطيباً جيداً حول الطرق التي تمكن طهران من تحييد العقوبات الأمريكية؛ فقد دعا جهانغيري الشركات الإيرانية الخاصة إلى شراء النفط الخام الإيراني، وبعد ذلك بيعه للمستهلكين في الخارج. ويباع النفط الإيراني حالياً من قبل "شركة النفط الوطنية الإيرانية" فقط؛ الأمر الذي يُسهِّلُ نسبياً السيطرة على عمليات شراء النفط الإيراني، وفرض عقوبات عليها كما ترغب واشنطن، ولذلك تريد طهران إشراك القطاع الخاص في عمليات البيع لإضعاف قدرة الإدارة الأمريكية على ضبط وتيرة عمليات البيع والتحكم بها، وفرض عقوبات على المتعاملين.

أظهرت التجارب السابقة أنه في حال إدخال القطاع الخاص إلى تجارة النفط يتزايد مستوى الفساد في التعاملات

وكما أظهرت التجارب السابقة للعقوبات، فإنّه في حال إدخال القطاع "الخاص" إلى تجارة النفط، يتزايد مستوى الفساد في التعاملات. وهو ما حدث خلال فترة العقوبات 2012-2015. في غضون ذلك فإنّ الكثير من الشركات "الخاصة" التي تفكر حكومة روحاني باستخدامها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بـ "الحرس الثوري". وبعبارة أخرى فإنّه في الوقت الذي يبحث فيه روحاني عن طريقة لتجاوز العقوبات فإنه سيعمل بشكل غير مباشر على تقديم مساعدة مالية كبيرة لـ "الحرس الثوري" الذي يُعَدُّ منافس روحاني الأساسي على السلطة؛ وهو ما يعني ضمناً أن روحاني بمثل هذه التكتيكات غير المجدية كثيراً في مواجهة العقوبات الأمريكية، سيبدو كمن يطلق النار على قدميه.

هل يتمكن روحاني من إنهاء أزمتي الماء والكهرباء؟

قاد نقص المياه في بعض محافظات إيران، وسوء توزيع الموارد المائية في البلاد إلى خروج احتجاجات واسعة النطاق، وسط مخاوف من هجرات جماعية، وعمليات نزوح كبيرة في المحافظات التي تعاني من الجفاف الشديد. وخلال الصيف الحالي شهدت محافظات وسط وجنوب إيران بضع مئات من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات لأسباب تتعلق بالمياه والتلوث البيئي، لكن خطورة هذه الاحتجاجات تفاقمت بشكل مفاجئ وسريع عندما تقاطع هذا الملف مع ملف حقوق الأقليات؛ حيث تحولت الاحتجاجات البيئية في المحافظات ذات الأغلبية العربية مثلاً إلى مواجهات عنيفة بالرصاص الحي بين قوات النظام والمحتجين نجم عنها قتلى وجرحى بالعشرات.

توقفت السلطات الإيرانية عن بيع الكهرباء إلى العراق بحجة عدم تسديد بغداد لما يترتب عليها من أموال

ويُعَدُّ نقص الكهرباء في أجزاء واسعة من إيران، القطاع الآخر الذي يقود إلى استياء شعبي؛ فقد أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة استهلاك الكهرباء فوق المستويات المعتادة. ولمنع تحول هذا الأمر إلى أزمة، كما حدث في مجال نقص الماء، توقفت السلطات الإيرانية عن بيع الكهرباء إلى العراق بحجة عدم تسديد بغداد لما يترتب عليها من أموال. ومن المرجح أن تحتاج طهران إلى استيراد الكهرباء للاستهلاك المحلي خلال الشتاء المقبل.

اقرأ أيضاً: هل تنهي العقوبات الأمريكية الصراع بين خامنئي وروحاني؟

تُبيّن مجمل هذه الأزمات مرة أخرى وجود إدارة اقتصادية ضعيفة لموارد البلاد، وتتحمل حكومة الرئيس روحاني في ولايتها الثانية الجزء الأكبر من المسؤولية حيال ذلك أمام الشعب الإيراني الغاضب، ولذلك تواجه حكومة الرئيس روحاني اليوم مخاطر حقيقية إزاء تفاقم الغضب الشعبي بشكل كبير، وبما يُعرِّض بقاء الحكومة برمتها للخطر، خاصة في ظل انتشار مطالبات في أوساط النظام المتشددة بحكومة عسكرية، لكنّ روحاني يهرب من الاستجابة إلى مطالبات الشارع، ويفضل الالتصاق بخامنئي و"الحرس الثوري"، أملاً في الحصول على بعض الدعم من مركزَيْ القوة الأهم في النظام، فهل يسقيه خامنئي شربة الحياة، أم يُجهزُ عليه؟

هل يلجأ روحاني إلى حكومة وحدة وطنية برئاسته؟

في الأيام الماضية، انتشرت تكهنات واسعة النطاق في الأوساط السياسية الإيرانية، بأنّ الرئيس روحاني سوف يستبدل نائب الرئيس الأول إسحق جهانغيري بأحد منافسيه على منصب الرئاسة، وهو رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف الذي نفى حدوث مثل هذا السيناريو، لكنَّ هذه التكهنات تكشف عن حقيقة مهمة حول السياسة الداخلية للنظام في ظل الأزمة الحالية. وبناءً على الضغوط السياسية التي تواجهها إيران من الخارج، فإنّ فكرة تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تضم معتدلين ومتشدّدين مثل؛ محمد باقر قاليباف، يجب أن تؤخذ على محمل الجد؛ فحدوث انقسام عميق داخل النظام يُعَدُّ آخر شيء ترغب فيه القيادة العليا في طهران هذه الأيام. وبطبيعة الحال ستمنح "حكومة الوحدة الوطنية" روحاني فرصةً لتقاسم الأعباء والمسؤوليات عن المشاكل الجوهرية التي تواجه إيران مع التيار المحافظ المتشدد داخل النظام. كما أنّ دخول حكومة روحاني بالنسبة للتيار المحافظ المتشدد، وبالنسبة لشخص مثل قاليباف يُمَثِّلُ خطوة أولية مفيدة للوصول إلى الرئاسة عام 2021. وفي المقابل، ينبغي ألا ننسى بأن تشكيل "حكومة وحدة وطنية" سوف يعني تعريض النظام الإيراني إلى مزيد من الضغط الدولية خلال الأشهر المقبلة، وسيفاقم من حدة التوتُّر في علاقات إيران الخارجية، ويزيد من احتمالات المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

اقرأ أيضاً: سليماني وروحاني وذيل الأسد

الصفحة الرئيسية