العرب والعصر الصيني

العرب والعصر الصيني


16/07/2018

د. السيد ولد أباه

في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد السنة المنصرمة، تم اعتماد خطة «التناسق بين الرفاهية الاجتماعية والحضارة الإيكولوجية» وفق برنامج يمتد إلى 2050، وتعني هذه العبارة -على خلاف ما يُفهَم منها ظاهراً- العمل على تهيئة الصين للريادة الدولية من خلال نظام عالمي تعددي يطرح مقاربة جديدة للعولمة والشراكة الدولية.

لقد اعتبر الباحث السياسي الأمريكي «أيان بريمر»، في تعليقه على نتائج المؤتمر (في مقالة بنيكاي ازيان رفيو 6 يناير 2018)، أن الصين أصبحت جاهزة لسد الفراغ الذي خلّفه تحلل الولايات المتحدة من التزاماتها الدولية وانهيار الاتحاد الأوروبي، في سياق يتسم بتماسك وصلابة نظامها السياسي وجاذبية نموذجها الاقتصادي في الخارج. ويذهب بريمر إلى أن القوة الصينية المستقبلية تتركز في ثلاث مجالات حيوية هي:

أولا: أن الصين هي الدولة الكبرى الوحيدة التي تتمتع باستراتيجية عالمية للاستثمار والتجارة الدولية، من خلال مبادرة «الحزام والطريق» التي هي الصياغة الجديدة لطريق الحرير القديم.
ثانياً: تتطلع الصين إلى أن تصبح القوة التكنولوجية الأولى عالمياً من خلال الاستثمار الكثيف في الذكاء الاصطناعي عبر شركاتها العمومية العملاقة (مقابل الاستثمار الخاص في أميركا).

ثالثاً: تتمتع الصين بجاذبية أيديولوجية واسعة في العالم غير الغربي، لعدم تدخلها في أوضاع البلدان الداخلية وعدم اشتراطها أي مقاييس أو شروط في تعاملها مع الأطراف الأجنبية، على عكس البلدان الغربية.

وإذا كانت الصين لا تزال بعيدة عن الولايات المتحدة من حيث الإنفاق العسكري ومستوى التسلّح، فإنها تنطلق من تضاؤل تأثير القوة الصلبة في العلاقات الدولية وتنامي العوامل الاقتصادية في تشكيل وضبط النظام العالمي المستقبلي.

ما أشار إليه الباحث الأميركي «بريمر» من تصاعد الدور الدولي للصين، يندرج في سياق المرحلة الثالثة من مراحل الصعود الصيني الذي بدأ مع التجربة الماوية (نسبة إلى ماو تسيتونغ) التي نقلت البلاد من إحدى أفقر دول العالم (كان دخل الفرد في أفريقيا عام 1950 ضعفي نظيره في الصين) إلى دولة حديثة موحدة ومستقرة، استطاعت منذ السبعينيات الانتقال إلى مصاف الدول الصاعدة اقتصادياً وتقنياً، وهي اليوم تعيش المحطة الثالثة مما يطلق عليه في الأدبيات الرسمية مشروع «التصنيع الاشتراكي».

لقد أدركت القيادة الصينية الحاكمة أن هذه المحطة الثالثة تقتضي السيطرة على منافذ ومراكز التجارة الدولية، من خلال مقاربة جديدة للعولمة التي قامت في نسختها الغربية على المحدد المالي، بينما تطرح الصين مقاربة بديلة تقوم على البنيات التحتية الرابطة التي تنشئ وشائج قوية تستند لمصالح مشتركة صلبة. وفي هذا المنظور تندرج مبادرة «الحزام والطريق» التي تتوزع إلى مسلكين كبيرين لربط الصين بأوروبا: مسلك بري عن طريق آسيا الوسطى، ومسلك بحري عن طريق البحر المتوسط.

وتتمثل أهمية العالم العربي بمكونيه، المشرقي والأفريقي، ضمن الاستراتيجية الصينية الجديدة، باعتبار موارده النفطية والمالية وموقعه الاستراتيجي. فالصين تستورد ثلاثة أرباع حاجياتها النفطية من الشرق الأوسط (بينما تستورد الولايات المتحدة أساس استهلاكها من كندا والمكسيك، بالإضافة إلى مواردها الذاتية)، في حين أصبحت الزبون الأول للدول الأفريقية النفطية والمنجمية.

ومن هنا تأتي حاجة الصين المتزايدة إلى تأمين مسالك تجارتها الدولية التي غدت تفرض عليها التمدد خارج حدودها ومجال نفوذها التقليدي، بما يعني التنافس الحتمي مع الولايات المتحدة في المركز الجديد للعالم الذي هو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

لقد استطاعت الصين تكريس حضور عسكري واستراتيجي في المحيط الهندي في بوابته الأفريقية (القاعدة العسكرية في جيبوتي) وتسعى بقوة إلى توطيد نفوذها في الخليج العربي وفي الضفة المتوسطية العربية من خلال منطق الاستثمار والشراكة الاقتصادية.

وغني عن البيان أن مشروع العولمة الصينية يتيح للعرب فرصاً جديدة يجب عدم التفريط فيها، في مواجهة الأزمة الاستراتيجية والسياسية للغرب الذي يشهد صراعاً محتدماً بين جناحيه الأميركي والأوروبي، وبين قوى الانكفاء المحافظة المناهضة لمنطق الشراكة الدولية الحرة والقوى الليبرالية المتراجعة العاجزة عن سد اختلالات العولمة المالية الخارجة عن نطاق التحكم.

وحاصل الأمر أن العرب شكلوا في الماضي مكوناً محورياً من مكونات العولمة الاقتصادية الوسيطة إلى جانب الصين، وهو الدور المتاح اليوم مجدداً من خلال الشراكة الفاعلة وغير المشروطة مع العملاق الآسيوي الصاعد.

عن "الاتحاد"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية