هكذا يتابع الغزيّون المونديال رغم الحصار وانقطاع الكهرباء

غزة

هكذا يتابع الغزيّون المونديال رغم الحصار وانقطاع الكهرباء


26/06/2018

في العاشرة ليلاً، وبينما كان الظلام الدامس يلف مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة بفعل انقطاع الكهرباء، كان صوت المعلق الرياضي عصام الشوالي يصدح من مقهى "الساهر" على شاطئ البحر، وكانت الأضواء تنير المكان الذي يشهد إقبالاً كثيفاً من أهالي المخيم لمتابعة مباريات كأس العالم وتشجيع المنتخبات العربية المشاركة في البطولة.
صوت المعلقين الرياضيين للقنوات الرياضية يصدح ثلاث مرات يومياً، في صورة تتكرر في مناطق قطاع غزة كافة. الصورة تعيد نفسها يومياً منذ بدء بطولة كأس العالم، حيث يجد الفلسطينيون في المونديال العالمي متنفساً لهم ومشاركة في مناسبة دولية، في حين لا يشاركهم العالم الحصار الإسرائيلي المُطبق منذ أحد عشر عاماً.

فلسطين من أوائل الدول العربية التي أسست اتحاداً لكرة القدم، ومن أوائل الدول التي شاركت في تصفيات كأس العالم

ولأن تلك البطولة فرصة لا تعوض بالنسبة للغزيين الذين لا يتمكنون من السفر بسهولة إلى دول العالم، فإنهم تحدوا كل المنغصات المفروضة عليهم للاستمتاع بمتابعة مباريات البطولة العالمية، فعدم مقدرة الغالبية من المواطنين في غزة من الاشتراك في القنوات الناقلة للمباريات لارتفاع ثمنها، جعلهم يتابعون القنوات المحلية الأرضية التي تنقل المباريات مجاناً.
بيد أن نقل المباريات لم ينه المشكلة بعد، فهناك معضلة أساسية يعاني منها الغزيون، وهي انقطاع الكهرباء (يومياً 20 ساعة متواصلة)؛ ولكنهم أوجدوا بدائل عدة للتمكن من التواصل مع العالم الخارجي، ومتابعة مباريات كأس العالم في موعدها، منها تشغيل أجهزة التلفزيون على المولدات الكهربائية، والتوجه للمقاهي، إلى جانب عرضها في ساحات عامة.
أجواء حماسية

شباب غزيون يتابعون مباريات المونديال في أحد مقاهي القطاع
"حفريات" رصدت أجواء متابعة أهالي مخيم الشاطئ الواقع غربي مدينة غزة، لإحدى مباريات كأس العالم، حيث ينقسم المتابعون عادة إلى مشجعين لكلا الفريقين، وسط أجواء حماسية وهتافات لا تخلو من التعليقات على أداء اللاعبين والمدربين والحكام، كما لا تخلو تلك الجلسات من ارتداء قمصان المنتخبات وأعلام الدول المشاركة في كأس العالم.
الشاب رأفت حسونة (28 عاماً)، يقول لـ "حفريات": "من حقنا أن نمارس هوايتنا ونقضي أوقاتاً ممتعة في ظل المآسي التي نتعرض لها، فإن لم نتمكن من السفر إلى روسيا لمتابعة المباريات نشاهدها عبر شاشات التلفاز". ويردف "لم يحظ منتخب فلسطين بالوصول إلى تصفيات كأس العالم لذا كنا نجد في المنتخبات العربية بديلاً لنا، ولكنها خيّبت توقعاتنا، والآن كل منا له فريقه المفضل الذي يأمل أن يكون كأس العالم لهذا العام من نصيبه".

لا يقتصر حضور المباريات على الشباب، بل تتابعها فضلاً عن ذلك الفتيات الغزيّات في المطاعم والأماكن العامة

ويمثل حضور مونديال "روسيا "2018 للمواطنين في قطاع غزة، كما يرى حسونة "متنفساً لهم وهروباً من واقع الحصار الإسرائيلي وتردي الأوضاع المعيشية، إلى جانب أنه قضية للنقاش والبحث بعيداً عن الهموم السياسية والواقع الذي أثكل كاهل أهالي القطاع".
ويخلق وجود عدد كبير من مشجعي كرة القدم في قطاع غزة يخلق أجواء تفاعلية، وحماسة للمباريات "خاصة مع غياب التعصب الكروي للمنتخبات العالمية، فعلى الرغم من اختلاف التوجهات، إلى أنها تمثل جانباً للتسلية والترفيه أكثر منها للنقاش والاختلاف"، وفق حسونة الذي يشير إلى أن الأدوار الأخرى من بطولة كأس العالم  تشهد منافسة، وتصبح المباريات أكثر تشويقاً للمتابعين، وتترأس قمة أولوياتهم اليومية التي تستحق تأجيل وتأخير أية مهام أو مسؤوليات أخرى. الأولوية للمباريات واللعب الممتع".
شغف التشجيع
وفي كأس العالم، يجد عدد من الشباب في غزة الذين يشاهدون مباريات كأس العالم فرصة لمتابعة اللاعبين المفضلين لهم وتشجعيهم، فالشاب محمد هنية المشجع لفريق برشلونة الإسباني يتابع بشغف مباريات منتخبي البرازيل والأرجنتين لمشاهدة اللاعبيْن كوتينيو وليونيل ميسي.
يقول هنية لـ"حفريات" إن بطولة كأس العالم "فرصة ثمينة لا تعوض لقضاء أوقات ممتعة أثناء متابعة مباريات المنتخبات المشاركة، كما أنّ المنتخبات المتأهلة إلى نهائيات كأس العالم والمشاركة تستحق المتابعة والمشاهدة، وخاصة تلك التي تضم في صفوفها نجوماً مثل ميسي وكوتينيو وجريزمان وبوجبا".
استقطاب المشاهدين

أعلام فلسطين وفرق مشاركة في المونديال تزين مقاهي غزة
ويسعى أصحاب المقاهي في قطاع غزة لاستقطاب متابعي كرة القدم الذين يبحثون عن مكان لمشاهدة المباريات، بفعل انقطاع التيار الكهربائي وعدم تمكنهم من مشاهدتها في منازلهم، فينشرون شاشات عرض كبيرة، ويخصصون أماكن للمتابعين.
وفي هذا السياق، يرى أحد أصحاب المقاهي، أبو جميل أبو سيف لـ"حفريات" أنّ المونديال فرصة لأهالي قطاع غزة البالغ عددهم (2 مليون نسمة) "للخروج من الحالة النفسية والضغوط اليومية والأوضاع المعيشية الصعبة التي يمرون بها منذ أكثر أحد عشر عاماً، نتيجة الحصار الإسرائيلي، وسوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر".

أبو سيف:نحن من أوائل الدول العربية التي أسست اتحاداً لكرة القدم وشاركت في تصفيات كأس العالم

ويوضح أبو سيف، أن "الفلسطينيين معروفون بعشقهم لكرة القدم ومتابعتهم للأندية والمنتخبات العالمية، فنحن من أوائل الدول العربية التي أسست اتحاداً لكرة القدم، ومن أوائل دول العرب التي شاركت في تصفيات كأس العالم".
كأس العالم، علاوة على ذلك، بالنسبة لأبو سيف "مصدر رزق لنا، لذا نحرص على توفير كل ما يلزم لهذا الموسم الذي يأتي كل أربع سنوات، ونسعى لتوفير البدائل التي لم تعد متاحة في منازل المواطنين، خاصة التيار الكهربائي".
يوفر أبو سيف في مقاه شاشات عرض كبيرة تجعل المتابع يشعر بالمتعة والحماسة، "كما أن اختلاف المشجعين يضيف متعة أكبر على أوقات الشباب ويضفي رونقاً خاصاً، حيث تكون المقاهي وقت المباريات مكتظة بالزبائن".
ومع اشتداد المنافسة يزداد إقبال الشباب على متابعة المباريات، وتخصص جلسات السمر والأحاديث الشبابية للتباحث في مجريات كأس العالم وتوقعات الغزيين للمنتخبات المتأهلة، والمنتخب الذي سيتمكن من حصد لقب بطولة العالم لدورة 2018.
ولا يقتصر حضور المباريات على الشباب، بل تتابعها فضلاً عن ذلك الفتيات الغزيّات في المطاعم والأماكن العامة المخصصة للعائلات، بحماسة لافتة للانتباه، تنسي أهل غزة ما يكابدون من أوجاع وفقدان وحصار.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية