العاصوف: القصبي يواصل تحريك المياه الراكدة

العاصوف: القصبي يواصل تحريك المياه الراكدة


10/06/2018

استطاع الثنائي السعودي ناصر القصبي وعبدالله السدحان عبر أعمالهما الفنية خلق خط "ثوري" في مجتمعهما؛ فكرياً واجتماعياً، بدءاً من التسعينيات حين كانت المؤسسة الدينية في السعودية في أوج سلطتها، ولا تقبل حتى التفكير بالانتقاد لا توجيهه، واحتملا آنذاك التهديدات والتضييقات كافة، منها، على وجه التحديد، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثمة من يرى في تلك "الطفرة"، وقتذاك، توظيفاً للثنائي للتنفيس عن الشعب، على غرار أنموذج ياسر العظمة ودريد لحام وعادل إمام، لكن هذه الاحتمالية تبدو باهتة؛ لتحالف المؤسستين؛ السياسية والدينية، بالإضافة إلى أنّ تلك الفترة كانت حساسة جداً؛ إذ لم يكن يدور في خلد المواطن والأنظمة على السواء أنّ الثوابت كلها ستنهار، لتحل محلها علامات الشك والاستفهام حول كل شيء.

حافظ مسلسل "طاش ما طاش" على نجاحه أعواماً مديدة، وباتت المقاطع الساخرة، التي يحفل بها العمل، تجوب العالم العربي برمّته، حول أمور كثيرة ليس بالوسع حصرها من قبيل تغول المؤسسة الدينية في الحكم والحياة اليومية للشعب، وقضايا تعدد الزوجات، ومنع الاختلاط، وتهافت الخطاب الديني، والأنماط الاستهلاكية التي كرّستها الأنظمة العربية لخلق مواطنين خانعين لا يهجسون بغير تكديس المال وإنفاقه.

 انفصل القصبي والسدحان بعد النجاح المدوّي لـ"طاش ما طاش"

انفصل القصبي والسدحان بعد النجاح المدوّي، وبات حضور كل منهما خافتاً مقارنة بالسابق، وتحديداً السدحان، كما توالت العوامل المثبطة من قبيل ظهور أعمال سعودية أخرى تحذو حذوهما، وتراجع سطوة المؤسسة الدينية في السعودية، وظهور أجيال جديدة باتت تألف قلب الطاولة على رأس الثوابت وأصحابها، فما عاد الثنائي يقدمان شيئاً غير مألوف كما حدث إبان الانطلاقة.

اختار القصبي -بعد نجاحه في البطولة المطلقة لمسلسل سيلفي على مدى العامين الماضيين- أن يطل بوجه تراجيدي هذا العام، عوضاً عن الكوميدي، الذي وسم حضوره الطريف حتى في برنامج "أرابس غوت تالينت"، كما اختار الرجوع للماضي وتفاصيل المجتمع السعودي في فترة السبعينيات  عبر مسلسل العاصوف، لكن بعيداً عن النوستالجيا وإسباغ الملائكية على الأشخاص والظروف، بل بتصوير إنساني حقيقي لأي مجتمع كان، كبر أو صغر، بأخطائه وخطاباته وظواهره وحكاياته، ولعل هذا ما أثار حفيظة المتلقي السعودي، الذي لم يعتد على هذه المراجعات، والذي كان يتوقعها أكثر رومانسية ومثالية إن حدثت.

اختار القصبي بعد نجاحه في البطولة المطلقة لمسلسل سيلفي أن يطل بوجه تراجيدي هذا العام

برزت في المسلسل، الذي يعرض حالياً، ظواهر من قبيل الأطفال اللقطاء والتطرف والعلاقات الجنسية الشائكة والدائرة في الخفاء. في المقابل، حضرت الأفراح والأتراح والحياة الفلكلورية بكل ما تنطوي عليه من موروث لغوي وموسيقى وآخر على صعيد الأزياء والأكلات، ويحسب للقائمين على السينوغرافيا دقتهم وتكثيفهم للعناصر كلها، إلى حد يشعر فيه المشاهد كما لو أنّه عاد لذلك الزمن ما يقارب أربعين دقيقة يومياً، وفي هذا فرادة أيضاً؛ إذ إنّ المتلقي العربي يجهل كثيراً من ملامح الحياة في السعودية؛ نظراً لسياسة الانغلاق التي وسمتها لعهود طويلة.

لكن يؤخذ على العمل الكيفية التي حضر بها الشقيق العربي، بما لا يبتعد كثيراً عن الصورة السلبية في كثير من الأعمال الفنية الخليجية: صاحب نزعة مادية تهيمن على تعامله ومعاملاته، متطرف، بل إنّ المسلسل ينحو باللائمة على المغترب السوري في نشر التطرف، في تجاهل للعامل الداخلي الذي يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.

برزت في العاصوف ظواهر من قبيل الأطفال اللقطاء والتطرف والعلاقات الجنسية الشائكة

لربما، ربط البعض بين "العاصوف"، للمؤلف الراحل عبد الرحمن الوابلي والمخرج السوري المثنى صبح، وبين التوجهات الجديدة للنظام السعودي، لكن من يعرف القصبي ويتتبع خط سيره منذ البدء، يدرك جيداً أنّ هذا الرجل الذكي وصل إلى "سر الخلطة" منذ البداية: تحريك المياه الراكدة والقفز فوق التابوهات ونخز المناطق الحساسة في جسد المجتمع السعودي المتدثر بطبقات سميكة منذ عقود طوال.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية