المجتمع المحافظ: هل يبدو مقلداً أم متخلفاً؟

المجتمع المحافظ: هل يبدو مقلداً أم متخلفاً؟
الفرد والمجتمع

المجتمع المحافظ: هل يبدو مقلداً أم متخلفاً؟


26/03/2018

 

ثمة جدل حقيقي بين من يعتبر صفة "المحافظة" حارسة للمجتمع من كل الأفكار الجديدة والعادات الغريبة والمبادئ الحديثة، وبين من يعتبرها صورة نمطية قائمة على التقليد والاتباع، وبين هذين الحدين جرت نقاشات نتجت عنها أسئلة كثيرة، تتطلب تفسيراً مقنعاً لمفهوم "المحافظة" ومدى ارتباطها بالدين أولاً وبالعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية ثانياً.

 

ومن هذه الأسئلة، ما هي صور "المحافظة"؟ وهل حقاً غاية الداعين لها حراسة المجتمع، وكيف تكون المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، باعتبارها الأكثر التصاقاً بهذه الصفة، قادرة على تحقيق توازن بين اتّباع الأعراف والتقاليد المتوارثة وبين الاستجابة لروح العصر ومحاكاة قيمه المتغيرة؟

إذا كانت المحافظة خيراً وفضيلة فكيف يستطيع المجتمع أن يستوعب حركة العصر بقيم قديمة وأفكار نمطية؟

فيما يتساءل بعض الدارسين، أنّه إذا كانت "المحافظة" خيراً وفضيلة، فكيف يستطيع المجتمع أن يستوعب حركة العصر بقيم قديمة وأفكار نمطية، وتفكير أحادي الجانب، متعصّب ومتصلب خلف موروثات قديمة، وكيف له أن يتعاطى مع قيم الحضارة الجديدة ما لم يكن قادراً على تجاوز عتبة الماضي، ليس بالإلغاء، وإنما بالبناء.

أسئلة تبدو محيرة ومقلقة، وأحياناً مستفزة لبعض الناس، لكن الإجابات التي تلقاها موقع "حفريات" حاولت أن تستجلي قيم المجتمع الجديد، بين أن يكون محافظاً أو مقلِّداً، وبين أن يكون قادراً على فهم واستيعاب مستوى التحولات في البنية المجتمعية وأعرافها وتقاليدها، في عصر جديد، وزمان جديد، وعلاقات جديدة مفتوحة وأنماط تفكير جديدة أيضاً.

نديم: هذه المحافظة والنمطية تأتي، في الغالب، من المعتقد الديني الذي ما زلنا في العالم كله نخضع لتفاسير مختلفة له

نديم: المحافظة النمطية والمعتقد الديني

يرى الشاعر والصحافي السوري هاني نديم، أنّ كل تجمّع مدني في العالم له مفرداته التي يتعامل بها، وسماته العامة التي تتراكم عبر الزمن، وتشكّل ما يسمى بالذهنية الجمعية والعرف والعادات، وأنّ هذه الذهنية هي التي تنتخب الزيّ والطعام، وتختار معجم المكان اللغوي، مستشهداً -مثلاً - بكلمة "مرا" التي تعني "لفظاً فاحشاً" لدى المصريين، بينما هي لفظ "تحبّب" لدى الشوام.

إنّ هذه المحافظة والنمطية تأتي، في الغالب، وفق نديم، من "المعتقد الديني الذي ما زلنا في العالم كله نخضع لتفاسير مختلفة له، وتأويلات متشاكلة أشعلت حروباً وأخّرت مجتمعات"، مشتدركاً "مع الإشارة إلى أنّ المحافظة لا تعني التخلف والتقليد دوماً".

نديم: كوريا الجنوبية مجتمع محافظ بكل معنى الكلمة، ومثله الياباني، لكنّه غير متخلف على الإطلاق

يقول نديم: "أكتب هذه الأسطر لـ "حفريات" من كوريا الجنوبية، مكان إقامتي، التي لم تترك أبداً تقاليدها ودينها ومعابدها ونذورها وأحجبتها، لكنّها انفتحت على العلوم وواكبت، بل سبقت، الزمن. إنّه مجتمع محافظ بكل معنى الكلمة، ومثله الياباني، لكنّه غير متخلف على الإطلاق".

ويعلق نديم، بأنّه لا ينطبق على العرب، وبقية الإثنيات في المنطقة العربية اليوم، أيّ من النظريات الاجتماعية، قائلاً: "نحن في حالة حرب وفوضى عجيبة".

مقلد: هذه الأخلاقيات نجدها في أيّ مجتمع، ونجد مخالفات لها في المجتمع ذاته أيضاً

مقلد: أخلاقيات عابرة للمجتمعات

من جانب آخر، يفرق الكاتب المصري، عبد الرحمن مقلد، في حديثه لـ "حفريات" بين "المحافظة"، بما تحمله الكلمة من معاني الالتزام بإرث مجتمعي معين، أو أفكار قديمة قادمة من التاريخ والفكر الديني أو القومي، وبين الالتزام بمنظومة الأخلاق الإنسانية عامة، التي أملتها فطرة الإنسان وسجلتها مدوناته، منذ كتاب "الخروج في النهار" الفرعوني، أو تعاليم "بتاح حتب"، ثم استقرت في الكتب السماوية والوضعية، ثم دوّنها الإنسان المعاصر في أكثر من سجل، منها: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي يتمحور حول عدد من الأخلاقيات العامة، التي لا تستقيم حياة البشر إلّا بها.

ويقول مقلد إنّ هذه الأخلاقيات "نجدها في أيّ مجتمع، ونجد مخالفات لها في المجتمع ذاته أيضاً"، مضيفاً "إنّني كما أخشى من كلمة "المحافظة" بما حملته من إرث، ربما يتعارض بعضه مع منظومة الأخلاق البشرية التي فطر الإنسان عليها، إلّا أنني أدعو لضرورة الالتزام بالمبادئ الإنسانية الأخلاقية، كما كان يردّدها المصري القديم ساعة الحساب، فيقول مثلاً: أنا لم أسرق، لم ألوّث النهر، لم أظلم، لم أقتل، ...إلخ".

مقلد: لا أعني برفضي المحافظة التفريط في تراث إنساني نتوارثه عن أجدادنا، أو أفكار دينية جادت بها عقول

هذه القيم الإنسانية المتعارف عليها، بحسب مقلد، هي التي يدعو لترسيخها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية والشرقية، وهي تتفق، برأيه، "مع متن ما جاءت به الأديان السماوية، سواء في الإسلام، أو المسيحية أو اليهودية، بل إنّ في أشعارنا العربية الجاهلية ما يدعو إليها".

ويشير مقلد إلى أنّ "الإرث المجتمعي الذي فرضته ظروف تاريخية سابقة، أو أفكار جاهلة، أو خرافية، تطورت بعدها وعبرتها مسيرة البشر، وتجاوزها عقل الإنسان المعاصر، وما وصل إليه العلم والطب والفلسفة والفكر والميكانيكا، لا يجب أن نبقى مرتهنين له، الأمر الذي يجعل هذه المنظومة "المحافظة" تتعارض مع مصالح البشر وحرياتهم؛ بل والالتزام بها (المنظومة الأخلاقية) يعوق حركتهم، كأن يفرض علينا، تحت مسمى أننا مجتمعات محافظة، "لباساً" أو أزياء معينة، هذا أمر غريب".

ويختم مقلد حديثه بقوله: "لا أعني برفضي "المحافظة" التفريط في تراث إنساني نتوارثه عن أجدادنا، أو أفكار دينية جادت بها عقول، لكن ما أقصده هو ألا نكتفي بالتقديس لهذا التراث ولا نسائله، إنما نخضع كلّ ذلك للنقد والمساءلة العقلانية".

قضامي: الصفة المحافظة هي الوجه الحقيقي للمجتمع والشعوب العربية

د. قضامي: لا للمسرح الغربي نعم لمأكولاتنا

من وجهة نظر مخالفة، حاولت الدكتورة هبة القضامي من لبنان أن تقدّم إجابة محافظة جداً؛ حيث حصرت مفهوم "المحافظة" بالماديات، داعية إلى "المحافظة على التراث القروي، وحماية الأماكن التراثية"، مبسطةً مفهوم المحافظة بقولها: إنّ المجتمع يكون محافظاً حين يستطيع أن يحمي تراثه، وينقل تجاربه الشعبية عن طريق الحكايات، حسب تعبيرها، وحين سؤالها عن مفهوم المحافظة من زاوية القيم والأعراف والتقاليد، وإن كان بالإمكان مواجهة حركة التطور الحضاري بأفكار تقليدية، قالت لـ "حفريات": "حتى لو"، دون أن تذكر أو تفسر دلالة "حتى لو".

وتعدّ قضامي الصفة المحافظة هي "الوجه الحقيقي للمجتمع والشعوب العربية"، ذاهبة إلى امكانية استبدال المسرح والسينما الغربية، بحسب رأيها وتعبيرها، بـ"تشجيع المأكولات العربية والمحافظة على الأزياء واللباس العربي التقليدي".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية