ماذا تعرف عن الإسلام الصوفي؟

ماذا تعرف عن الإسلام الصوفي؟

ماذا تعرف عن الإسلام الصوفي؟


05/12/2017

التصوف هو شكل باطِنيّ وتزهُّدِيّ من الإسلام،  يمارسهُ عشرات الملايين من المسلمين. إلا أنّ الإسلامويّين الأصوليين استهدفوا المتصوّفة في هجمات وحشية، كان آخرها المذبحة الأخيرة في مصر التي حدثت بمسجد الروضة في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) وراح ضحيتها 305 مصلّين.

كان الهجوم المسلَّح، الذي يشتَبه أنّ تنظيم "داعش" قد قام به، على مسجد في شبه جزيرة سيناء هو أعنف هجوم إرهابي في التاريخ المصري.

وما يزال الدافع وراء الهجوم، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 300 من المصلين، غير واضح. لكن احْتِمال قيام تنظيم "داعش" باستهداف مسجد يتردد عليه المتصوفة قد أنْهَض شَبَح مزيد من العنف ضد شكل من أشكال الإسلام الباطنيّ يمتلك جذورًا عميقة في العالم الإسلاميّ.

ما هو التصوف؟

التصوف هو شكل باطِنيّ وتزهُّدِيّ من الإسلام يمارسه عشرات الملايين من المسلمين. وهو إذ يُعرَفُ بـ"التصوف" في العالم الإسلامي، غالباً ما يُنظر إليه في الغرب خطأ على أنّه طائفة منفصلة.

والتصوف أكثر بروزاً بين السنة، لكن هناك أيضاً طُرُق صوفية شيعية.

يعتقد أتباع التصوف أنّهم يمكن أن يصبحوا أقرب إلى الله من خلال التزكية والاستبطان الداخليّين. وهم يفعلون ذلك من خلال التأمُّل وتلقي التَوْجيه من قادتهم الرُوحيين، أو "المرشدين".

قام مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة بتدمير أضرحة صوفية قديمة في تمبكتو في مالي، ما أثار إدانة دولية. لكن تنظيم "داعش" قد أخذ الأيديولوجيا الجهادية العنيفة إلى مدى أبعد

ويتّبع مُريدو التصوف أركان الإسلام الخمسة مثل غيرهم من المسلمين المُمَارسين: يعلنون الإيمان بإله واحد هو الله، وبمحمد رسول له، ويقيمون الصلاة خمس مرّات في اليوم، ويؤتون الزكاة، ويصومون، ويؤدون فريضة الحج إلى مكة المكرمة.

يصف تيموثي وينتر، وهو عالم إسلاميات في جامعة كمبريدج، التصوف بأنه "نُزُوع تَنَسُّكيّ رَحْب". وقال لـ"دويتش فيله": لا توجد ممارسات أو معتقدات مُمَيّزة لجميع المتصوفة. وثمَّة تنوع هائل فيما يخص ذلك.

أشهر "طريقة" في العالم الغربي هي الطريقة المولوية، التي أسسها أتباع الشاعر والباطنيّ الفارسيّ في القرن الثالث عشر جلال الدين الرومي بعد وفاته في مدينة قونية التركية.

الطريقة المولوية تؤدي الممارسة الصوفية لـلـ"ذِكْر" في طقس موسيقيّ راقص، وهو ما أعطاهم لقب "الدراويش الدَوّارين".

والذِكْر هو ممارسة مركزية في التصوف؛ حيث يقوم المُريدون بتلاوة الآيات الإلهية وشَدْو اسم الله. ويمكن أن يؤدَّى بشكل فرديّ أو في مجموعة، ويمكن أن يكون هادئاً أو بصَوْت عال. وتختلف ممارسات الذِكْر باختلاف الطرق الصوفية.

"التصوف يكفل الأُنس في الحياة"

الشيخ إسرف أفندي، الرئيس الرُوحي للمركز الصوفيّ "ربّانية" في ألمانيا، الذي هو جزء من الطريقة النقشبندية، يصف التصوف لدويتشه فيله: "إن المتصوفة مسلمون ويعيشون الإسلام في كمال بين الجسد والروح. وجسد الإسلام هو الشريعة، القانون، وروح الإسلام هو التصوف، الروحانية. بالنسبة إلى المتصوفة، الشريعة ضرورية، لأن القانون يكفل النظام في الحياة والتصوف يكفل الأُنس في الحياة. ويقوم التذكُّر اليوميّ لله في الذِكْر وأشكال التأمُّل المختلفة داخل الجماعة الصوفية بتعزيز الشعور الواعي بالقرب من الإله ومَبَرّة الآخر".

انتشر التصوف في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، وأصبح مكوّناً أساسياً في الممارسة الدينية لشعوب كثيرة من إندونيسيا وجنوب آسيا إلى أفريقيا والبلقان

وواصل: "إنّ المتصوفة يلتزمون بالتقليد النبويّ الذي يقضي بمحبّة كل مخلوق من أجل محبّة الخالق. ولهذا يقوم المتصوفة بالتغاضي عن أخطاء وعيوب الناس الذين يُلاقونهم ويُبصرون فقط نور الإله فيهم. وبالتعرُّف إلى نور الإله، يمارس المتصوفة المغفرة تجاه أخطاء الإنسان".

أصــول

نشأ التصوف بعد وفاة النبيّ محمد –عليه السلام-  لكنه لم يتطور إلى طُرُق حتى القرن الثاني عشر.

شُكِّلت الطرق حول مؤسسين روحيين اكتسبوا منزلة القِدِّيسين، وجرى بناء مزارات بأسمائهم. وثمَّة الكثير من الطُرُق الصوفية الرئيسة والفرعية.

كما انتشر التصوف في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، وأصبح مكوّناً أساسياً في الممارسة الدينية لشعوب كثيرة من إندونيسيا وجنوب آسيا إلى أفريقيا والبلقان.

والطُرُق الصوفية كانت في بعض الأحيان قريبة من السلطات الحاكمة مثل الإمبراطورية العثمانية، مما ساعد في انتشارها وتأثيرها.

ومع انتشارها، كثيراً ما تكيَّفت مع المعتقدات والعادات المحلية وضمّنتها داخلها وهو ما جعل منها أمراً شعبياً، غير أنّه في وقت لاحق سوف يُنظَر إليها من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرفة على أنها شيء هَرْطَقِيّ.

صورة لضحايا هجوم مسجد الروضة

السلفية والوهابية

شهد القرن الثامن عشر ظهور أيديولوجيا وحركة إسلامية جديدة بيوريتانية (نقائية أو تطهرية) في شبه الجزيرة العربية من شأنها أن تنتج في وقت لاحق جماعات متطرفة عنيفة نَحْوَ تنظيمي "القاعدة" و"داعش".

لقد سعت الوهابية إلى تطهير الإسلام السني من المُحدَثات والبِدَع نَحْوَ الممارسة التصوفية واسعة الانتشار التي تقضي بتبجيل الأولياء وزيارة المقابر والأضرحة. وكان الهدف هو خلق إسلام "نقي".

غير أنّ السلفيين الجهاديين قاموا باستهداف المتصوفة، واعتبروهم هراطقة. واستهدفوا أيضاً المسيحيين والشيعة وغيرهم من الذين اعتبروهم مرتدّين.

وفي عام 2012، قام مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة بتدمير أضرحة صوفية قديمة في تمبكتو في مالي، ما أثار إدانة دولية. لكن تنظيم "داعش" قد أخذ الأيديولوجيا الجهادية العنيفة إلى مدى أبعد.

في وقت سابق من هذا العام، قتلَ انتحاري من "داعش" أكثر من 70 شخصاً في ضريح صوفي في باكستان.

وفي حين لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع على مسجد الروضة الذي يتردد عليه المتصوفة في شبه جزيرة سيناء، أخذ الهجوم سِيْماء تنظيم "داعش".

ويأتي ذلك بعد أن ذبح الفرع المصريّ للتنظيم العام الماضي الشيخ الأعمى سليمان أبو حراز، وهو شخصية صوفية. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، أيّدت المجلة الدعائية للتنظيم على الإنترنت استهداف المتصوفة وحذَّرت من أنها "لن تسمح بوجودهم".

التطرف والتصوف

لعدة قرون، قَبِل معظم العالم الإسلامي التصوف، وهو الموقف الذي جرى دعمه من قبل كبار علماء المسلمين ومراكز التعلم السنية المكرَّسة.

وفي هذا السياق يقول وينتر "في واقع الحال، ليست النزاعات الحالية في الشرق الأوسط بين "التصوف" و"التطرف"، بل بين الوهابية وكل شيء آخر"، مضيفاً أن التيار الرئيس في الإسلام يدعو إلى التسامح والسلام.

وكما يوضح الشيخ اسرف أفندي، فإن تنظيم "داعش" يرى فقط ما يعتبره انتهاكات داخل الإسلام وليس "الناس والنور الذي في الناس، وبالتالي يدعو المتصوفة بخونة الإسلام".

ويتابع "يعتقد التنظيم أنّ أيّ خطأ يستوجب العقاب. وهم يعتقدون ويرتكبون أعظم خطيئة في الإسلام: إنّهم يعلنون أنفسهم آلهة تقرر الحياة والموت وتتوسَّل العنف لتقتُل".

تشيس وينتر- دويتشه فيله- نشرت بتاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2017

الصفحة الرئيسية