الموسيقى الإسلامية الحديثة: فن أم تنافس لاستقطاب المتابعين؟

الموسيقى الإسلامية الحديثة: فن أم تنافس لاستقطاب المتابعين؟


24/04/2018

دأبت الحركات الإسلامية على تنفير الشباب العربي، والمسلم من الموسيقى، والغناء والرقص؛ لأنّ هذه الفنون ترقق القلوب، وترقى بالأحاسيس والمشاعر، وتبني جسور الوئام والسلام بين الأمم، وخلافاً لرغبة هذه الجماعات السلفية المتزمتة، تترك الموسيقى في نفوس الناس حباً للحياة، وتولّد تفهّماً وانسجاماً مع الثقافات والحضارات والدول الأخرى، التي تعدها تلك الجماعات داراً للكفر والحرب.

لكنّ الموسيقى العربية لم تضعف، أو تفتر بسبب فتاوى وآراء شيوخ الحركات الإسلامية؛ بل زادت قوة بمرور الزمن، وحضوراً في كلّ قنوات التلفزيون والإذاعات، وعبر تطبيقات الإنترنت أيضاً.

لذلك عمدت الحركات الإسلامية إلى اختراع مصطلح "النشيد الإسلامي"، وكان الإخوان المسلمون هم أول من ابتدع هذه البدعة في سبعينيات القرن العشرين، اعتماداً على موروث الغناء الصوفي، وكان الهدف من هذا الابتكار إيجاد بديل فني، حتّى إن كان أقل جودة، وتشويقاً من الغناء والموسيقى، حتى للعابرين من الحياة الإسلامية المتعارف عليها بين المسلمين، إلى حياة التنظيمات الجهادية و"الاستشهادية" التي كانت تريد أجيالاً تحارب النظام السياسي العربي، والقوة الشيوعية في أفغانستان.

واجه النشيد الديني والحماسي في السبعينيات نفوراً لأنّ مضامينه كانت تحثّ على الموت والانعزال عن المجتمعات الجاهلية

وقد واجه المنتج الإخواني هذا؛ أعني النشيد الديني والحماسي، نفوراً وامتعاضاً كبيرين من قبل المستمعين غير المنضوين تحت لواء الحركات الدينية، خاصّة أنّ أسماء المغنين "أو المنشدين كما يسميهم الإسلاميون" كانت غريبة على مسامعهم، وبألقاب مثل: أبو دجانة، وأبو الجود، وأبو راتب، وأبو مازن، أبو علي.

كما أنّ مضامين وكلمات الأناشيد كانت تحثّ على الموت في سبيل الفكرة الإخوانية، والانعزال عن المجتمعات الجاهلية، ومقاومة ملذّات الحياة، والحثّ على زيادة التعبد، والاعتكاف في المساجد. ومثال ذلك أناشيد الغربة والاغتراب، التي يعيشها السلفيون والإخوان في المجتمعات الإسلامية الحديثة، التي ارتدّت، بحسب اعتقادهم، عن المنهج القويم، وحادت عن طريق السلف الصالح، ومن هذه الأناشيد: أنشودة "غرباء" التي كان ينشدها الشباب العربي، الذي التحق بالمجاهدين الأفغان، ومن بعدهم أنشدها أعضاء "قاعدة الجهاد" وداعش. 

المنشد والمرتل سعد الغامدي – أنشودة غرباء:

 

 

وحين أرادت الأناشيد أن تترك أثراً إيجابياً، كانت تلجأ للموروث الصوفي، من المدائح النبوية، وأغاني التسبيح الإلهي، وهو ما يظهر جلياً في أناشيد المنشد السوري محمد أمين الترمذي، الذي خرج من سوريا، وجاء إلى الأردن، وقدّم أكثر من 30 أنشودة للتلفزيون الأردني في نهاية القرن العشرين.

وقد واجهت الأناشيد الدينية معضلات كثيرة، للتحرر من أغلال الفتاوى، والتحريمات التي تمنع الموسيقى، وتمنع ظهور النساء، أو غنائهن في المقاطع الإنشادية، لكن نظراً إلى أهمية هذا اللون الغنائي الكبيرة في استقطاب الأتباع والأعضاء الجدد، خاصة الشباب منهم، في التنظيمات الإخوانية والسلفية، فقد عمدت العقلية الإخوانية إلى الخروج بأفكار تنحي جانباً آراء كبار الفقهاء، وتُعلي من شأن آراء تحلّل الموسيقى، وتستحسنها في النشيد، وهنا ظهرت الإيقاعات الموسيقية الإلكترونية التي لا تستخدم الأوتار والمعازف، وذلك للالتفاف على الحديث النبويّ الذي يستخدمه بعض الفقهاء لتحريم المعازف، وتم الاستغناء هنا عن الآلة الموسيقية المسموح بها بين الإسلاميين، وهي الدف، لتحلّ محلها إيقاعات "وهي الكلمة التي يستخدمها المنشدون الآن لعدم إثارة حفيظة بعض المتشددين ضدّ الموسيقى وسماعها".

ومن المعضلات التي واجهت الموسيقى، والغناء الإسلامي، الاتهامات التي كان يوجهها لهم كلّ الرافضين لهذا النوع الغنائي من العلمانيين والحداثيين، وبأنّ كتّاب الأناشيد وملحنيها، والمنشدين يكونون دائماً من الذكور، ولا تظهر أية امرأة، أو طفلة في المقاطع الغنائية الإسلامية، وهنا اختلقت العقلية الإخوانية التي عَرفت أهمية النشيد في استقطاب الأعضاء الجدد، طريقة يحسّ بها السامع أنّ هناك صوت امرأة في الأنشودة، عن طريق جعل فرقة الإنشاد مكوّنة من رجال، وأطفال بأصواتٍ رقيقة تشبه أصوات النساء، وبذلك عملوا على إرضاء مجموعة كبيرة من الناس، خاصة الذين تربّوا على سماع أصوات مطربات عربيات كبيرات، وفي الوقت نفسه، لم يستطع رجال الدين المتشددين، أن يجدوا ذريعة لتحريم هذا النوع من الغناء المختلط عمرياً وصوتياً.

أدركت الحركات الإسلامية أهمية الموسيقى الحديثة والأغنية المصورة فدخلت هذا الميدان لتحصل على اهتمام المتابعين عبر التلفاز ومواقع التواصل

وكلّ محاولات الإسلاميين هذه لمنافسة الغناء، والموسيقى العربية باءت بالفشل، ولم يستمع لأناشيدهم إلا القليل من الناس، وبعضهم كان يقوم بذلك سِراً خوفاً من تأنيب بعض رجال الدين المتشددين، الذين يحرّمون أيّة مظاهر للفرح والغناء والطرب.

لكنّ مجموعة من الإخوان المسلمين ارتأت، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أن تأخذ النشيد الإسلامي إلى فضاءات أبعد، لتتحرر بها من سلاسل التحريم، والاتهامات بالفسق والمجون، وهنا ظهر الإخواني السعودي علي العُمري القائل: "إنّ الفنّ لا يبحث عن عباءة شيخ"، والعُمري هو مؤسس قناة "فور شباب" (4Shabab)؛ التي تبثّ من لندن مقاطع غنائية موسيقية بصبغة إسلامية، وقد عمل مع العُمري كذلك، المخرج المصري "أحمد أبو الهيبة"، الذي ابتكر برنامج اسمه "صوتك وصل" لاكتشاف الأصوات الغنائية للشباب المسلمين، وقال أبو الهيبة حينها "إنّ هذا البرنامج الإسلامي يضاهي برامج مثل "المعبود الأمريكي" (American Idol).

ومن ثم ظهرت شركة إخوانية كسرت كلّ المألوف والمعتاد في النشيد، والغناء الإسلامي، وهي شركة "تسجيلات الصحوة" (Awakening Records)؛ التي أسّستها في لندن شخصيات إخوانية، غير معروفة من أمثال؛ شريف حسن البنا، ووسيم ملك، وبراء خريجي، وهذه الشركة أخذت الغناء والموسيقى الإسلامية إلى عالم البيانو والغيتار، والكمان، والأورغ، والمسارح الكبيرة في أوروبا وأمريكا، وعروض الليزر والأضواء، وكان من أشهر المغنين الذين ترعاهم هذه الشركة الإخوانية المغني البريطاني سامي يوسف، والمغني السويدي اللبناني ماهر زين، والباكستاني عرفان مكي، والمقدوني مسعود كريتس، والمصري حمزة نمرة، والكويتي حمود خضر، صهر الإخواني الكويتي المعروف طارق سويدان، والبريطاني حارث جي (Harris J)، الذي ظهر في إحدى مقاطع شركة "تسجيلات الصحوة" بأغنية إسلامية باللغة الإنجليزية، عنوانها "السلام عليكم"، وبدا فيها في صورة تشبه، إلى حدٍّ بعيد، المغني الكندي الشهير جستن بيبر(Justin Bieber).

أغنية "السلام عليكم" من موقع "تسجيلات الصحوة" على اليوتيوب:

 

 

وفي الأعوام الأخيرة، أدخلت شركات ومهرجانات إسلامية، المرأة بقوة في مجال الأغنية، والموسيقى الإسلامية؛ حيث ظهرت مغنيات إسلاميات مثل؛ الأسترالية إيمان فرار (Eman Farrar)، والبوسنيتان سلمى بكتشي (Selma Bekteshi)، وشايلا كاديش (Šejla Kadić)، وظهرت فرق نسائية غنائية إسلامية، مثل؛ الفرقة الغنائية الشيشانية، والفرقة الألبانية، والفرقة الأندونيسية.

وفي الختام؛ يبدو أنّ حركة الإخوان المسلمين، وبعض حركات الإسلام السياسي الأخرى، قد أدركت الأهمية الكبيرة للموسيقى الحديثة، والأغنية المصورة، والرقص البسيط، والمشاهد التصويرية الجذابة، وإشراك العنصر النسائي في الاستقطاب السياسي، واستدراج الأتباع الجدد، والظهور بمظهر من يواكب الانتقال الكبير في صناعة الترفيه العالمية، ولم تعد تلك الجماعات الإسلامية تُلقي بالاً، أو تلتفت إلى آراء تحريم الموسيقى والغناء، والرقص، ومشاركة النساء في الفنون؛ بل تحاول أن تحصل على جزء من كعكة اهتمام المشاهدين، والمتابعين لقنوات التلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم نشر الدعوة السلفية والإخوانية بغلاف إعلامي، مزركش ومبهر، وغير مألوف عند عامة المسلمين وغير المسلمين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية