ما جديد الاحتجاجات الشعبية الإيرانية؟

ما جديد الاحتجاجات الشعبية الإيرانية؟


15/03/2018

رغم أنّ الانتفاضة التي فجرها الشعب الإيراني في أكثر من 70 مدينة وبلدة إيرانية، في أواخر العام الماضي وبداية العام الحالي، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وأبرز مظاهرها زيادة منسوب البطالة وتوسّع جيوب الفقر، تبدو قد خفّت جذوتها، إلّا أنّ الملاحظ، وفق ما يتسرّب من إيران، استمرار هذه الانتفاضة في مناطق وقطاعات مختلفة، بتكتيكات جديدة، تتركز في أوساط بعض الموظفين والعمال الحرفيين في المصانع والشركات، خاصة من لم يتسلّموا رواتبهم على مدى أشهر غير قليلة، وتجري تلك الاحتجاجات بالمطالب ذاتها، والعناوين، والأسباب التي بدأت خلال الانتفاضة الشاملة.

ويبدو أنّ القيادة الإيرانية كانت تتطلع لمثل هذا النوع من الاحتجاجات؛ أي تحولها إلى احتجاجات مناطقية، يغيب معها مفهوم الانتفاضة الشاملة؛ حيث يسهل القضاء عليها واحتواؤها، عبر الإجراءات القمعية ذاتها التي تم استخدامها مع الانتفاضة الشاملة، بالاعتقال واختفاء النشطاء، خاصة أنّ غالبية هذه الاحتجاجات انتقلت إلى الأطراف، في المناطق المهشمة التي تشهد نسباً أعلى في الفقر والبطالة، تعكس حجم التمييز بين أبناء الشعب الإيراني، خارج المدن الرئيسة، والعاصمة طهران التي يغلب على سكانها انتماؤهم لغير الإثنية الفارسية من جهة، وغير نظام ولاية الفقيه مذهبياً.

الملاحظ، وفق ما يتسرّب من إيران، استمرار هذه الانتفاضة في مناطق وقطاعات مختلفة، بتكتيكات جديدة

انتفاضة الشعب الإيراني الجديدة، رغم الستار الحديدي الذي ضربه النظام عليها، برسم صورة زائفة، على طريقة الاتحاد السوفييتي سابقاً، بأنّ الشعب الإيراني يقف خلف النظام، إلّا أنّ حالة الاحتجاج على النظام ورفضه شملت الغالبية العظمى من هذا الشعب، بما فيها أبناء الطائفة الشيعية التي يعتقد النظام أنّها قاعدته الأولى، وأبرزت حجم الأزمات المركّبة والمعقدة التي يواجهها النظام على الصعيدين؛ الداخلي والخارجي، وكان المتغير الأبرز في هذه الانتفاضة الشعارات المنادية برفض ثنائية النظام، القائمة على تبادل الأدوار في السلطة بين تياري: الإصلاحيين والمتشددين، وهو ما يعني رفضاً مطلقاً للنظام بكامله، خلافاً للمظاهرات التي اندلعت العام 1979، التي كانت تعبر عن احتجاجها بدعم التيار الإصلاحي، وهو ما يعني فشل طروحات الرئيس حسن روحاني، الذي أكّدت طروحاته الخاصة بمعالجة الانتفاضة الجديدة توافقه مع المتشددين في الدفاع عن النظام الإيراني، وتوافقه مع الحرس الثوري الإيراني بسياساته الخارجية، واختلافه معه في تكتيكات إدارة الأوضاع الداخلية، وكيفية حفظ النظام، فيما لا تحظى طروحات الرئيس السابق، أحمدي نجاد، باهتمام يذكر من قبل الشارع الإيراني، خاصة أنّ انتقادات نجاد تأتي في إطار انتقامه من التيار المتشدد، الذي كان من بين أبرز رموزه، وبعيداً عن تياري الإصلاح والتشدد، فإنّ للانتفاضة جذوراً عميقة مرتبطة بانكشاف زيف مزاعم الثورة الإسلامية، التي قامت على شعارات "الحياة الأفضل للفقراء والمظلومين"، وتلاشي تلك المزاعم في ظلّ استشراء الفساد من قبل طبقة الحكم، وهو ما يفسر الشعارات التي ترفض التيارين، وحجم الفجوات بين الشعب والنظام الإيراني.

حالة الاحتجاج على النظام ورفضه شملت الغالبية العظمى من هذا الشعب، بما فيها أبناء الطائفة الشيعية

وعلى صعيد سياسات إيران الخارجية؛ فقد عبّرت الانتفاضة بوضوح عن رفضها لتلك السياسات، ارتباطاً بدورها في إفقار الشعب الإيراني، تلك السياسات القائمة على دعم النظام السوري، وحزب الله، وحماس، والحشد الشعبي العراقي، وحجم التكلفة، البشرية والمادية، لهذا الدعم، في الوقت الذي تزداد فيه البطالة وجيوب الفقر داخل إيران.

وبدلاً من التعاطي بواقعية مع الانتفاضة، تعاملت القيادة الإيرانية مع مطالب المحتجين، بأساليب تقليدية تستخدمها الأنظمة الشمولية، باعتماد سياسات الهروب إلى الأمام، في ظلّ إدراك بأنّ تفرغها للشأن الداخلي سيعني سقوط النظام، فذهبت لحشد الأدلة على انتصارات في الخارج، لا تعني الشعب الإيراني، للتغطية على "فشل" سياساتها الداخلية، خاصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وإنكار أنّ هناك أزمة داخلية حقيقية، بزعم أنّ الانتفاضة تقف وراءها جهات خارجية تستهدف الثورة الإيرانية، والقيام بحملات اعتقالات ضدّ نشطاء المتظاهرين، وحجب الإنترنت، وتشديد القبضة الأمنية، وإقرار موازنة عامة للدولة "بعد الانتفاضة"، ذهبت في غالبيتها لخدمة الحرس الثوري الإيراني، ومشروعاته التوسعية وأدواته في الخارج، إضافة للمؤسسة الدينية وفروعها، ورجال الدين، في إطار ما يعرف بتصدير الثورة.

عبّرت الانتفاضة بوضوح عن رفضها سياسات إيران الخارجية بسبب دورها في إفقار الشعب الإيراني

تطرح اليوم، وعلى نطاق واسع، تساؤلات حول قدرة القيادة الإيرانية على الصمود ومواجهة الضغوط، في ظلّ حصار وعقوبات اقتصادية، واستمرار الاحتجاجات، رغم مواصلة قمعها، بعد وضع الملف الإيراني على طاولة البحث في الأوساط الدولية الفاعلة والمؤثرة، بمناقشة الاتفاق النووي الذي تم إبرامه العام 2015، وتوجهات الإدارة الأمريكية لتعديله باتجاهات تزيد الخناق على إيران، وبحث ملف الصواريخ الإيرانية الباليستية، ودعمها للإرهاب في المنطقة، بما في ذلك علاقات دعم وتنسيق مع القاعدة وداعش، ويؤكد "خبراء" أنّ إيران ستكون الطرف الأكثر خسارة في تسويات المنطقة القادمة، في العراق وسوريا ولبنان وفي فلسطين واليمن، وربما تشكل التوجهات بإعادة إعمار سوريا، وذهاب العقود إلى روسيا والصين، نموذجاً لوضع إيران المستقبلي، ومدى استفادتها، ومراهناتها على جني أرباح من تدخلاتها، فيما تطرح في العراق تساؤلات فيما إذا كانت آمال العراقيين بنظام سياسي، بعد العام 2003، على غرار النظام الإيراني، وأنّ الرهانات الإيرانية على تباين أوروبي أمريكي ذهبت أدراج الرياح؛ حيث تشير كافة الدلائل إلى أنّ الاتحاد الأوروبي "فرنسا وألمانيا"، أصبح أقرب للرؤية الأمريكية تجاه إيران، فيما ستذهب روسيا والصين لحلّ أزماتهما بإنجاز تسويات مع أمريكا، ستبدو فيها إيران مجرد ورقة تفاوض روسية.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية