كيف أصاب الناطقون بلسان السماء الإصلاح الديني بالشلل؟

كيف أصاب الناطقون بلسان السماء الإصلاح الديني بالشلل؟


21/02/2018

تعدّ مسألة "حدّ الردة" مثالاً صارخاً على جمود الفكر الديني الإسلاموي تجاه عملية الإصلاح الديني، وإعادة النظر في الأحكام التي تتصادم مع ظاهر نصوص القرآن، أو مع التطور التاريخي لواقع المسلمين اليوم؛ فمعلوم أنّ موضوع  حدّ الردة قد طرح للدرس والمساءلة، على يد ثلّة من المفكرين والباحثين؛ سواء من المشتغلين  بالدراسات والعلوم الدينية، أو من المشتغلين  بالدراسات والعلوم الإنسانية؛ حيث توصلت هذه البحوث والدراسات، إلى تعارض ما سمِّي "حدّ الردة"، مع نصوص القرآن التي نصّت صراحة على عدم  الإكراه في الدين، ومع التجربة التاريخية لنبيّ الإسلام، عليه السلام، وخلفائه من بعده. لكن رغم هذه المراجعات، إلّا أن سدنة المقدس، ومن كل المذاهب الإسلامية، رفضت هذه القراءات الجديدة لعقوبة المرتدّ عن الإسلام، وظلّت تتعبّد بنصوص رجال الدين الأوائل الذين أفتوا بقتل المرتد، استناداً على مرويات منسوبة للنبي، تعارض ظاهر النصوص القرآنية.

كيف ينادي الإسلاميون بأستاذية العالم وهم لا يجرؤون على مراجعة حكم الردّة الذي مضى عليه أكثر من ألف عام؟!

والسؤال الذي نطرحه هنا على سدنة المقدّس، كيف لكم أن تنادوا بصلاحية الإسلام لكلّ زمان ومكان، وأنتم تجمدون عند أحكام وفتاوى صدّرها رجال اجتهدوا في الدين، فقرروا عقوبة إزهاق روح إنسان أراد تغيير معتقده الديني؟ رغم أنّه حقّ كفلته له النصوص القرآنية والتجربة التاريخية (السنة العملية) لنبي الإسلام، فها أنتم عاجزون عن تخطّي رأي شيوخكم في مسألة واحدة، تعدّ من أهم حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر، فكيف بكم ترفعون شعار "الإسلام هو الحل"، و "الدولة الإسلامية العادلة"، و"أستاذية العالم"، وأنتم لا تجرؤون على مراجعة حكم مضى عليه أكثر من ألف عام؟!

ورغم ذلك؛ فإنّ أكثر ما يثير العجب من هؤلاء السدنة وطلائعهم، من جماعات الإسلام السياسي، هو أن يرفعوا عقيرتهم ضدّ ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا"، والمؤامرة التي تحاك على الإسلام من أعدائه! والحق أنّ من يتآمر على الإسلام، هم أنفسهم، بعقليتهم الجامدة التي لا تكلّف نفسها عناء البحث، أو على الأقل، الأخذ باجتهادات رجال دين من بين صفوفهم، ليسوا علمانيين، استطاعوا أن يرفعوا الحرج عن الدين، وذلك بإعادة النظر في أحكام وفتاوى تشكّل عقبة أمام المسلم، في أن يتعايش ويتصالح مع واقعه الحاضر.

إذا لم توضع أسس تكفل حقّ الفرد في حرية المعتقد ستبقى مجتمعاتنا تئنّ تحت وطأة إرهاب حراس الله في الأرض

ولهذا كلّه؛ فإنّ شريحة واسعة من الباحثين في شؤون التراث والدراسات الإسلامية، ليسوا متفائلين بما يسمى "الإصلاح الديني"، بسبب سدنة الدين نفسه، الذين يعارضون أية محاولة للإصلاح الديني، أو تطوير أحكامه العملية بما يتوافق وواقع الناس، والتغير الحضاري الكوني، فالناطقون بلسان السماء، ليست لديهم إرادة الإصلاح؛ بل إنّهم يقفون حجر عثرة في طريق من يجتهد، سواء صدر هذا الاجتهاد من بعض المنتسبين لطبقتهم الدينية، أو من خارجها؛ ففي كلتا الحالتين، هم ضد "التغيير" قانون الوجود ومبدأه الأسمى.

إذاً، يكمن الخلل في عقم المنهج المعرفي للفكر الديني، بكافة فروعه وطبعاته وتجلياته ومؤسساته، نظراً إلى توحّش خطابه الأيديولوجي، وديماغوجيته، وتهافت أطروحاته ضدّ الإنسان، حتى وصل هذا العقم والكساح العقلي إلى المؤسسات الدينية، التي تدّعي الوسطية والتجديد والإصلاح الديني، رغم أنّها لا تختلف بنيوياً عن دعاة الإسلام السياسي والأسلمة، فالفرق بينهما هو فرق في الدرجة لا النوع.

لا يخدعنا قولهم المخاتل الذي يتبجحون به، بأنّهم مع فتح باب الاجتهاد؛ لأنّهم حرّاس الماضوية، وعبادة ما قاله السلف

لذلك؛ لا نرجو خيراً من جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، ودعاة الأسلمة، أو من المؤسسات الدينية التقليدية، الرسمية وشبه الرسمية، في إحداث نقلة إصلاحية في مسائل الدين والتديّن، ما داموا يختبئون خلف تفسيرات وآراء فقهية، أدّت بمجموعها إلى تشكيل وعيهم، ولا وعيهم، الجمعي، بالتالي؛ ما عاد فكرهم المنغلق على ذاته، يستطيع الفكاك من هذه الترسانة التراثية، التي انطبعت في عقولهم كخريطة ذهنية جيوفكرية سميكة، عصية على التغيّر والتغيير. وهذا كلّه أدّى بها إلى العجز والكساح العقلي، عن إدراك أهمية الفكر النقدي العميق، الذي يقوم على السؤال والمساءلة، للآراء والأحكام والمقولات، التي أنتجها الفاعلون الاجتماعيون على مسرح تاريخ الفكر العربي والإسلامي. فهم أسرى الماضي وحده، بكلّ ما جاء فيه، ولا يخدعنا قولهم المخاتل الذي يتبجحون به، بأنّهم مع فتح باب الاجتهاد؛ لأنّهم حرّاس الماضوية، وعبادة ما قاله السلف، بعجره وبجره، لدرجة أنّهم فاقوا الديانة الشامانية في تقديس أسلافها.

وتأسيساً على ما سبق: لم يبقَ لنا أمام هذه الإشكالية المستعصية، إلّا اجتراح حلّ يكون المنقذ من الضلال الإسلاموي، وأطروحاته؛ وذلك بأن تقوم  الدولة والمجتمع، وبوعي تام، بوضع أسس عقد اجتماعي جديد، يكفل حقّ الفرد في حرية العقيدة والمعتقد، وحرية الدين والتديّن، على النحو الذي لا يكون فيه لأحد سلطة إكراهية على خيارات الفرد الاعتقادية، وبغير ذلك ستبقى مجتمعاتنا تئنّ تحت وطأة إرهاب حراس الاعتقاد الدوغمائي، ووكلاء الله  في الأرض.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية