تونس.. هل خطفت الانتخابات الرئاسية الأضواء من قبة البرلمان؟

تونس

تونس.. هل خطفت الانتخابات الرئاسية الأضواء من قبة البرلمان؟


06/10/2019

فتحت اليوم الأحد مراكز الاقتراع في تونس أبوابها لاستقبال حوالي 7 ملايين ناخب مسجّلين بسجلات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لإجراء ثاني استحقاق تشريعي منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، وسط أجواء باهتة، ومنافسة فاترة بين المرشحين، الذين لم يسجلوا حضوراً ميدانياً لافتاً، برغم العدد الاستثنائي للقوائم المتنافسة التي تجاوزت 1500 قائمة موزّعة بين حزبية وائتلافية ومستقلة بأكثر من 15 ألف مرشح، يتنافسون على 217 مقعداً في البرلمان.

تفتح اليوم الأحد مراكز الاقتراع في تونس أبوابها لاستقبال الناخبين للتشريعية وسط أجواء باهتة ومنافسة فاترة بين المرشحين

وبرغم أهميّة هذا الاستحقاق في تونس التي تُسيّر وفقاً لنظامٍ برلماني، سلطته الأصليّة تنبثق من البرلمان، إلاّ أنّ النسق الذي تدور فيه الحملات الانتخابية، بدا بطيئاً جدّاً، وانطلاقته متثاقلة، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات والانتظارات، ويرجع متابعون للشأن الانتخابي ذلك إلى تزامن موعد الانتخابات التشريعية مع مجريات الانتخابات الرئاسية، خاصّةً أنّها تجري  بين دورتين رئاسيتين، وهو ما قد يؤثر سلباً على اختيارات الناخبين.
واستناداً إلى نظام الحكم التونسي فإنّ الانتخابات التشريعية تكتسي أهميّةً بالغةً، باعتبار أنّها ستحدّد ملامح المشهد السياسي القادم داخل البرلمان، وستفرز حكومة جديدة ورئيس حكومة جديداً، ورئيس برلمان جديداً، وهم من سيسيّرون البلاد، غير أنّها لم تشهد زخماً تنافساً انتخابياً، ولا برامج حزبية لمناقشتها، وبقي كل الاهتمام منصبّاً على الانتخابات الرئاسية التي طغت نتائجها، والمسار المترتب عنها على الحياة السياسية التونسية.
15 ألف مرشّح للانتخابات التشريعية التونسية وسط أجواء باهتة

الأحزاب التونسية انهارت
ورصدت "حفريات"، منذ بدء الحملة الانتخابية التي تزامنت مع موعد الصمت الانتخابي للاستحقاق الرئاسي في دورته الأولى يوم 14 أيلول (سبتمبر) الماضي، ما يشبه العزوف عن متابعة الأنشطة الدعائية في القرى والمدن، وهو ما انعكس على أداء المرشحين الذين تراجعت أنشطتهم، وغابت عنها الخيمات، والمقاهي السياسية، والتواصل المباشر مع المواطنين، وتوزيع المطويات من قبل أغلب القوائم المترشحة كما فعل المترشحون للرئاسية.

اقرأ أيضاً: فيديو وصور.. تناقضات جديدة لزعيم إخوان تونس
كما رصدت "حفريات" مع انطلاق الحملة الانتخابية، بطء نسق المعنيين بهذا الاستحقاق التشريعي؛ إذ ظلّت الأماكن المخصّصة لتعليق صور وبيانات القوائم المترشحة، شبه خالية خلال اليوم الأوّل لانطلاق الحملة، باستثناء أربع أو خمس قوائم كانت في الموعد وسارعت بتعليق بياناتها وصور مرشحيها.

تكتسي الانتخابات التشريعية أهميّةً بالغةً لأنّها ستحدّد ملامح المشهد السياسي القادم داخل البرلمان

وأرجع مختصون في الشأن الانتخابي ذلك، إلى عزوف القوائم المترشحة عن نسق الحملات التقليدية بعد صعود المترشح المستقل قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، واعتماده على سياسات التسويق السياسي الإلكتروني، وهو ما جعل أغلب القوائم المترشحة تراجع عملية التسويق الانتخابي.
كما ألقت نتائج الانتخابات الرئاسية بظلالها على حملة التشريعية؛ إذ بدت الأحزاب التي اكتوت بالخسارة في الدور الأول، مرتبكةً في نشاطها، وتحاول البحث عن مخرجٍ للتدارك، وهو ما أكّده الديبلوماسي السابق والمحلل السياسي عبد الله العبيدي، الذي اعتبر أنّ مضمون الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية خارج عن سياقه، وأنّ الوعود التي يسوّقها المترشّحون بعيدة جدّاً عن الواقع.
وشدّد العبيدي في حديثه لـ "حفريات"، على أنّ المترشحين يتعمّدون الاستهانة بالعقل التونسي، عبر التسويق لبرامج انتخابيةٍ لا تميّز بين متطلّبات المركز والمحلّي،

اقرأ أيضاً: تونس: هل تفقد حركة النهضة سيطرتها على البرلمان؟

وغير قابلة للتطبيق، وأخرى سوّقوا لها خلال الانتخابات المحلية التي اُجريت في أيار (مايو) 2018، وبقيت معلّقة دون تحقيقٍ، لافتاً إلى أنّ أغلب الأحزاب التي طبعت المشهد السياسي بعد عام 2011، قد انهارت، منها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وائتلاف الجبهة الشعبية، وحزب نداء تونس الذي تصدّر نتائج انتخابات 2014، فيما دخل حزب حركة النهضة في خلافاتٍ داخليةٍ، رغم كونه الحزب الأكثر تنظيماً وتماسكاً، وهو ما أفقد ثقة التونسيين في الأحزاب.
نتائج الانتخابات الرئاسية تلقي بظلالها على الاستحقاق التشريعي

الناخبون غير مبالين
النسق البطيء للحملة الانتخابية، وصداها الضعيف، لا يبدو أنّه قد وصل إلى سائر التونسيين من ذوي الاهتمامات غير السياسية، وهم الفئة التي مثلت جزءاً لا يستهان به من الذين اختاروا مقاطعة الانتخابات ومشتقاتها، وظلّت السمة البارزة لهذه الفترة الانتخابية الممتدة من 14 أيلول (سبتمبر) الماضي، إلى غاية 4 تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي، "اللامبالاة" التامّة للمواطنين مع الصور والبيانات الانتخابية لمجمل القوائم.

العبيدي: المرشحون يتعمّدون الاستهانة بالعقل التونسي عبر التسويق لبرامج انتخابية لا تميّز بين متطلّبات المركز والمحلّي

وبرغم كثرة المُتنافسين في هذا السباق الرئاسي، وتوزّعهم على مختلف العائلات السياسية والفكرية والأيديولوجية، فإنّ المزاج العام للناخب التونسي بدا غير مُهتم بما يجري حوله، وبالوعود الباهتة، والمكرّرة، ما يثير مخاوف القائمين على الانتخابات من استمرار العزوف الذي طبع الانتخابات الماضية التي عرفتها البلاد، والذي تجاوز 65 بالمائة، من مجموع المسجلين.
من جانبه، لاحظ الناشط الحقوقي والمحلل السياسي مصطفى عبد الكبير في حديثه لـ "حفريات"، أنّ الأحزاب السياسية المشاركة في الاستحقاق التشريعي استنزفوا مجهودهم المادي والبدني في الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي، وهو ما جعل نسق نشاطهم يسجّل تراجعاً، فضلاً عن تشتّت تركيز الناخبين بين هذين الاستحقاقين، ما أدى إلى فتور الاهتمام بالانتخابات التشريعية.
وأرجع عبد الكبير أيضاً لامبالاة التونسيين بالانتخابات البرلمانية، رغم أهميّتها في تحديد ملامح مستقبل البلاد، إلى دخول وجوهٍ جديدةٍ غير معلومةٍ بالنسبة للناخب التونسي، وليس لها تاريخ يذكر، أو نشاط وطني، على الخطّ، فضلاً عن إعادة رسملة وجوه قديمة فشلت في الاستجابة إلى تطلّعاته.

اقرأ أيضاً: أن يصبح السجين رئيساً يضع تونس أمام خيارات أحلاها مرّ
هذا الصمت والبرود، الذي تمر به الحملة الانتخابية للتشريعية، أثارا مخاوف كثيرة لدى مراقبين من عزوف المواطنين على الاقتراع خاصّة أنّ نسبة الإقبال العامة في الدور الأول للرئاسية لم تتجاوز 45 بالمائة.
رغم أهميتها.. التونسيون غير مبالين بالانتخابات البرلمانية

اهتمام مبالغ فيه بالانتخابات الرئاسية
ورغم انتهاء فعاليات الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية فعلياً، ودخول البلاد في المرحلة الأخيرة من اختيار برلمانٍ جديدٍ، ظلّ الجميع منشغلاً بالانتخابات الرئاسية، وما آلت إليه النتائج الأولية وكذلك الطعون وبقية المسار الانتخابي خاصة في ظلّ عديد الإشكاليات المطروحة على هذا المستوى بعد الهزيمة الصادمة للأحزاب السياسية، وهو ما لم تتوقعه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي حاولت تلافي كل الإشكاليات التي قد تربك العملية الانتخابية.
هذا وأكّد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عادل البرينصي في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ الاهتمام المبالغ فيه بالانتخابات الرئاسية، طغى بشكلٍ كبيرٍ على الانتخابات التشريعية، منتقداً انخراط وسائل الإعلام في انعدام التوازن بين الاستحقاقين، رغم أنّ السلطة الأصلية في مجلس نواب الشعب.

عبد الكبير: تزامن الحملات الانتخابية للاستحقاق الرئاسي والتشريعي شتّت تركيز التونسيين وجعلهم غير مبالين

وأكّد البرينصي أنّ الانتخابات التشريعية لعام 2019، لم تحظَ بكل حملات وتظاهرات كبيرة كما حصل في عام 2014، مشدّداً على أنّه من غير المعقول أن تكون حملة الانتخابات التشريعية باهتةً بهذا الشكل.
من جانبه، أرجع المختصّ في علم الاجتماع محمد الجويلي، هذا البرود، إلى ارتفاع عدد القوائم المترشحة، التي تجاوزت 1500 قائمة، وهو ما انعكس سلباً على اهتمام التونسيين، وأربك اختياراتهم. ولفت في تصريحه لـ "حفريات"، إلى تزامن الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية، واصفاً المرحلة بـ"التخمة" الانتخابية.
وقال الجويلي إنّ الناخبين لن يستطيعوا الاهتمام بأكثر من 1500 حملة انتخابية، بل سيركزون فقط على الحملات الرئاسية التي لم يتجاوز المشاركون فيها 26 مترشحاً، لتنحسر في الدور الثاني بين اثنين فقط، مشدّداً على أنّ نظام الشعب رئاسي، وإن كان نظام البلاد برلمانياً.
وتؤكد نتائج سبر الآراء أن يحقّق المستقلون مفاجأة، بصعودهم إلى البرلمان، على حساب الأحزاب التي تلقّت صفعة غير متوقعة، في الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسية، وانهزمت أمام المستقلين، كما يرجّح مراقبون أن تشهد نتائج الانتخابات التشريعية زلزالاً مشابهاً لما حصل في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، متوقعين صعود أحزاب وقوائم جديدة ائتلافية ومستقلة مقابل تقهقر نتائج الأحزاب الكبرى.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية