مغربيات يكسرن الصمت.. ويكشفن عن مآسٍ تُرتكَبُ في الخفاء

مغربيات يكسرن الصمت.. ويكشفن عن مآسٍ تُرتكَبُ في الخفاء


05/12/2017

مختارات حفريات

مغربيات يروين لـ"دويتش فيله" تفاصيل مآسٍ ترتكب بحقّهن في صمت وتستّر. عنف واعتداءات جنسية وأرقام صادمة، تكشف واقعا مُرًّا وتثير قلق منظمات المجتمع المدني التي تبحث عن أنجع السبل لإيقاف النزيف.

"اسمي رشيدة، من "تاغجيجت" بمنطقة "كلميم" في جنوب المغرب. أمّ لثلاثة أطفال، أوّلهم من زوجي واثنان من والد زوجي. زوجي يعمل في فرنسا ولا يزورني إلاً مرة سنوياً، كانت فرصةً بالنسبة لوالده أنْ يغتصبني بالقوّة أكثر من مرّة وولدت طفلين بسببه، علم زوجي عندما حملت دون أن يواجه والده واكتفى بالقول "لن ينقصك شيء"، وأضافت بأن زوجها أخبرها أنه لا يستطيع تبليغ الشرطة لأن والده مسؤول عن "تزويدي أو حرماني من نقفة الطعام الأسبوعية إذا امتنعت عن معاشرته، و"طلب زوجي تسجيلهم "الطفلين" بالحالة المدنية للالتحاق به إلى فرنسا كي يستفيد من تعويضات الرعاية الحكومية هناك".

محاربة العنف ليست بالكلام والتظاهر، بل تتطلب العمل الميداني بجانب تمكين النساء ثقافياً واقتصادياً ومراكمة الثقة بين الناشطات والنساء

"نُزوّج إجبارياً ونصمت عن العنف والاغتصاب لأنّ لا معيل لنا، في بلدتي حيث أقيم يكثر المهاجرون الذي يوكّلون آباءهم بعقد قرانهم على زوجاتهم، وبعضهم يقومون بدلاً منهم بالمعاشرة" هكذا تروي رشيدة تفاصيل من معاناتها ومعاناة نساء أخريات مثلها في بلدتها جنوب المغرب، وتضيف قائلة:"لقد حاولت الانخراط في تعاونية للماعز حتى أكافح ظروفي الصعبة، لكنني أفكّر في أولادي الذين يواجهون الآن مصيراً مجهولاً".
ناقوس خطر
تشبه حياة رشيدة، التي روت حكايتها، آلاف المغربيات المعنَّفات في مدن وقرى ومناطق نائية أو على الهامش، حيث تتعرض الإناث لعنف داخل الأسرة تحت صمت العائلة والأعراف، فضلاً عن مواجهتها للعنف في الحياة العامة، إلى أنْ وصل عدد المغربيات المعنَّفات لهذا العام إلى 6 ملايين، أي ما يمثّل 62% من مجموع نساء المغرب، أكثر من نصفهنّ متزوجات بما يقدر بـ 3 ملايين و(700ألف) امرأة، وفق إحصائيات هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب.

وقالتْ ممثلة الهيئة ليلى الرحوي، والتي أعلنت هذه الإحصائيات، إنّ "العنف النفسي يأتي في المقدمة مستحوذاً على 48% من مجموع حالات التعنيف بعدد بلغ 4 ملايين امرأة و(600ألف)"، إلّا أنّ الباحثة في الشؤون النسوية والمحامية، فتيحة شتاتو، تؤكد أنّ "العنف الجنسي يأتي بالمقدمة ثم الاقتصادي نظراً لعدة تغيرات اجتماعية تدفع المرأة لأن تخاطر بحياتها من أجل العمل ليلاً والتعرض للتحرش أو الاغتصاب".
وتشارك منظّمات من المجتمع المدني في المغرب، ضمن فعاليات حملة عالمية أطلقتها هيئة الأمم المتحدة لمناهضة العنف تحت شعار "لنلوّن العالم برتقالياً" ووتواصل إلى يوم 10 كانون الأول (ديسيمبر) الحالي، وتحدث فيها أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قائلاً "بدون التصدي للعنف ضد المرأة، لن ننفذ أبداً خطة التنمية المستدامة لعام 2030".
وانطلقت فعاليات تضامنية مع المغربيات، من بينها تلوين نافورات بالرباط واحتجاج بمدينة تطوان، شمال المغرب، على الأوضاع المهينة التي تواجهها النساء العاملات على أبواب سبتة ومليلية، داعين إلى "إيقاف تأنيث الفقر وإطلاق مشاريع تمكنّ هؤلاء النساء اقتصادياً".

عنف متجذر اجتماعياً

تُشير الإحصائيات، إلى تصاعد مستوى العنف، فقد تعرّضت ثلاثة ملايين امرأة للتعنيف المرتبط بالمساس بالحريات الفردية، وفق هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إضافة إلى مليون و400 ألف مغربية تعرضن للعنف الجسدي، فضلاً عن 827 ألفاً تعرضن للعنف الجنسي، مقابل 181 ألفاً لعنف اقتصادي. وتظلّ هذه تقديرات نسبية وفق الخبيرة المغربية اشتاتو، فكثير من الحالات لا تعلن تعرضها للعنف كما فعلت رشيدة، وأشارت إلى أنّ عام 2010 وصلت نسبة العنف إلى 62.8% وفق المندوبية السامية للتخطيط (جهة حكومية)، مما يعني أن العنف الذي يتم بتستُّر قد يكشف عن أرقام صادمة.

وتثير هذه المؤشرات قلقا لدى الخبراء والمنظمات المعنية بحقوق المرأة،  حيث يسلطون الضوء على  ضعف بنية الثقافة الاجتماعية والقانون في حماية المرأة، وتجذّر العنف في بنى اجتماعية جائرة وعدم ارتباطه بتصرفات فردية ومعزولة فقط، حيث يتأصل في عدد من المجتمعات العربية نتيجة ضعف أو غياب التربية الجنسية في ظل عولمة تفتقد بوصلة قيمية، ونتيجة ضعف القوانين في حماية المرأة وعدم توجيه الرأي العام الشعبي والهيئات الثقافية لقضايا المرأة بشكل جديّ.
يضاف إلى ذلك مسؤولية عدد من مواقع التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة العنف دون رادع أو تحرك لمكافحته على أرض الواقع، ودور الإعلام في تنميط المرأة.
في مبادراتها التوعوية بجنوب للمغرب؛ شهدت الناشطة النسوية في "مجموعة شابات من أجل الديمقراطية" بشرى الشتواني قصص نساء تعرّضن لعنف مركبّ (اقتصادي، جنسي، نفسي، اجتماعي، قانوني).

حالات الاغتصاب التي تحدث عادة في أماكن مغلقة، يطلب القانون من الضحية الإثبات وهو ما يصعب تحقيقه"

التقت الشتواني برشيدة وحاولت مساعدتها معنوياً، وتقول بأن "العنف منتشر في منطقتها بسبب النظرة الدونية للمرأة، ثم إعادة إنتاج ثقافة التمييز، إضافة للفقر وعدم استقلالية النساء مادياً". وتوافقها الباحثة اشتاتو الرأي بالقول إنّ "غالبية النساء اللواتي يصلن إلى مراكز الاستماع التابعة لشبكة حقوق النساء "إنجاد" هنّ نساء فقيرات تزوّجن قاصرات وتم تعنيفهن بسبب بطالة أزواجهنّ وتعاطيهم للمخدرات".
ورغم أنّ القانون المغربي يضمن حق تكافؤ الفرص والمساواة بين الطرفين، إلّا أنّ العقليات الذكورية تفضّل وضع المرأة في المرتبة الثانية، تقول اشتاتو إنّ "القانون المغربي لا يوفر الحماية للمرأة ويكتفي بالوقاية وإفلات المُعَنِفين من العقاب وعدم تعويض ضحاياهم، ففي حالات الاغتصاب التي تحدث عادة في أماكن مغلقة، يطلب القانون من الضحية الإثبات وهو ما يصعب تحقيقه".
وقد أطلقت "فيدرالية رابطة حقوق النساء" في هذا السياق حملة "متسولهاش"(لا تسألها) العام الماضي، ومستمرة حتى الآن لتدريب القضاة على الحقوق ومحاربة الذكورية، تقول اشتاتو: "يسأل القاضي المغتصَبة أولاً: ماذا كنتِ ترتدين؟ وإنْ كانت عذراء أم لا".
مهمة صعبة تواجه المجتمع المدني

وكافحت الحركة النّسوية طويلاً في المغرب كي ترى مدوّنة الأسرة النّور، بدلاً من قانون الأحوال الشخصية السابق، ورغم التطبيق الخاطئ لبعض نصوص المدونة وعدم ملاءمة أخرى لدستور البلاد(2011) والاتفاقيات الدولية؛ ترى اشتاتو أنّ "المدونة إنجاز هام لصالح المرأة المغربية"، وأشارت إلى "صدور قانون شامل يوفر الحماية والوقاية للنساء مؤخراً بموافقة مجلس النواب بانتظار تمريره إلى مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)".

وتتطلب مكافحة العنف تكاتف مختلف الهيئات الحكومية وغير الحكومية، تقول اشتاتو "جهود الجمعيات المدنية (المجتمع المدني) لا تكفي للقضاء على العنف، بسبب إمكانياتها الضعيفة".
وعلى سبيل المثال، فانّ مراكز الاستماع والإيواء التابعة لشبكة "إنجاد" قائمة بجهود فردية وبدعم خارجي أحياناً، فضلاً عن تولي اشتاتو تطوعياً وقانونياً لملّفات نساء يتم تعنيفهن كملف "مي فتيحة" البائعة المتجولة التي توفيت بعد إضرامها النار في نفسها احتجاجاً على مصادرة بضاعتها.
الشتواني من جهتها ترى أنّ "محاربة العنف ليست بالكلام والتظاهر، بل تتطلب العمل الميداني بجانب تمكين النساء ثقافياً واقتصادياً ومراكمة الثقة بين الناشطات والنساء".

وصال الشّيخ - عن "دويتش فيله"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية