موجة البديل الإسلامي في جماعات الإسلام السياسي

موجة البديل الإسلامي في جماعات الإسلام السياسي

موجة البديل الإسلامي في جماعات الإسلام السياسي


13/03/2024

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين، التي تحالف معها الرئيس المصري أنور السادات، في السبعينيات؛ هي جماعة الإخوان المسلمين التي تحالف معها الملك فؤاد الأول، في العشرينيات؛ فقد أعادت الجماعة، في عقد الستينيات، تشكيل نفسها، باتجاه أفكار وأيديولوجيات جديدة، تبدو مختلفة اختلافاً كبيراً عن الرواية المنشئة للجماعة؛ بل وتتناقض معها، وشهدت صفوف الجماعة جدالات عميقة ومريرة، تمخضت في محصلتها عن هيمنة تيار "البديل الإسلامي"، والعمل من أجل الأسلمة والهيمنة على المؤسسات واختراقها، ونشأت أيضاً على يمين هذه الكتلة المهيمنة في الإسلام السياسي، وعلى يسارها اتجاهات وتيارات أخرى، مختلفة مع "التغييرية أو الاستبدالية"، ومختلفة أيضاً عن الإصلاحية المنشئة، والحال؛ أنّ الفكرة الإصلاحية تحولت إلى رسالة الدول والمؤسسات والشخصيات التي تعمل من خلالها، ولم تعد رسالة الجماعات الإسلامية السياسية.

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي في تشكلاته وتحولاته.. هل هو سياق تاريخي أم أزمة؟

نشأت على يمين الجماعة جماعات التحرير الإسلامي والتكفير والهجرة والجهاد، وأخرى انقرضت أو اندمجت في غيرها، مثل المجموعات التي يشار إليها بمجموعة الفنية العسكرية والسلفيات الجديدة، والتي تستمد من مقولات المفاصلة والتميز واستعلاء الإيمان، كما موجة الهزيمة والفشل والخوف التي سادت عالم العرب والمسلمين، رؤى جديدة للعمل والأفكار والمواقف العنيفة والرافضة للدول والمجتمعات والقيم والعلاقات السائدة، والتي كانت هي الأخرى، وما تزال، تواجه أزمة روحية ووجودية عميقة، تهزّ كيانها من الأعماق، ونشأت أيضاً على يسار الطبقة الجديدة المهيمنة تيارات الإصلاح الجديد والمستمدة من فكرة الديمقراطية الإسلامية أو المواءمة بين الإسلامية، وموجة الديمقراطية التي صعدت أيضاً في عالم العرب والمسلمين، كمشروع إصلاحي أو اقتباس التجربة الغربية.

كانت كتلة البديل الإسلامي أو الأسلمة هي الأكثر جاذبية للجيل الجديد من المقبلين على الجماعات الإسلامية السياسية

كانت كتلة البديل الإسلامي أو الأسلمة؛ هي الأكثر جاذبية للجيل الجديد من المقبلين على الجماعات الإسلامية السياسية؛ ففي التجربة التنظيمية والدعوية لأصحابها، في الصف الثاني والثالث للجماعات، وفي قربها العمري والاجتماعي من القادمين الجدد للجماعة، أنشأت تجمعات وتشكيلات جديدة في داخل الجماعة، وفي كثير من الأحيان، إن لم يكن دائماً، كانت هذه التشكلات سرّية، لا تعلم عنها القيادات التقليدية إلا القليل، ولم تكن تعمل بوضوح تنظيمي، أو بعبارة أخرى؛ أصبح داخل الجماعة نوعان أو مستويان من العضوية والعمل، أحدهما سرّي داخل الجماعة السرية نفسها، والآخر -وإن كان سرياً أيضاً- لكنّه يعمل من خلال التشكيلات التقليدية المعروفة للجماعة، والحال؛ أنّ المقصود بالسرية كان قيادة الجماعة والأعضاء الإصلاحيين الرافضين للفكر الجديد (كان جديداً)، وليس الحكومات.

اقرأ أيضاً: الإسلام السياسي كأزمة في تاريخ الأفكار

تحوّلت جماعة الإخوان المسلمين إلى منظمة محكمة التنظيم وواسعة الانتشار والتأثير بفكر تجميعي يقوم على المفاصلة العميقة للدول والمجتمعات وأسلوب الحياة، وفي الوقت نفسه؛ يسلك في عمله وعلاقته بالدولة والمجتمع، من خلال وسائل العمل السلمية والقانونية المتاحة، ووظفت الجماعة حالة المصالحة أو المشاركة الجديدة بين الأنظمة السياسية والإسلام السياسي، كما الطفرة الاقتصادية التي أنشأت وفرة كبيرة لدى المجتمعات، ووسعت في الطبقات الوسطى، وضاعفت الإقبال على التعليم، وتوسعت المدارس والجامعات، لتكون قاعدة اجتماعية وبيئية واسعة للإسلام السياسي الواعد.

اقرأ أيضاً: سعيد النورسي.. الإسلام الاجتماعي في مواجهة الإسلام السياسي
وسواء كانت الأنظمة السياسية تدرك أو لا تدرك التغير العميق في أفكار وتشكيلات الجماعة؛ فقد تعاملت معها لأجل شراكة جديدة ومشروعية جديدة أيضاً، وربما لم تتضح الأبعاد والتحولات الجديدة للجماعة، إلا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، على وقع الثورة الإيرانية، واغتيال الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات! والحال؛ أنّ التيار القيادي الجديد نفسه كان قد طوّر وعدّل كثيراً في أفكاره واتجاهاته؛ ففي حين استبعد، أو تخلص، أو تبرأ من كلّ الاتجاهات العنفية، أو الأكثر تطرفاً ووضوحاً، مثل: كارم الأناضولي، وصالح سرية، وشكري مصطفى، ومروان حديد، وعبدالله عزام، وأسماء ومجموعات أخرى ابتعدت كثيراً، أو توارت، ولم يعد مناسباً ذكرها، أو الإشارة إليها؛ ظلّ متمسكاً بالأفكار المؤسسة نفسها، ومتوارياً أمام الأعضاء والمؤيدين حول مقولات فقه التدرج والمراحل والواقع، ومستخدماً -في الوقت نفسه- مواقفه واتجاهاتها السلمية لبناء شراكة وثقة مع الحكومات والأنظمة السياسية، هكذا كان في مقدور قادة عقد السبعينيات والثمانينيات للجماعة، مثل: محمد أبو فارس، وهمام سعيد، ومصطفى مشهور، وغيرهم كثيرون، أن يديروا عمليات مشاركة سياسية وبرلمانية وينخرطوا في أعمال ومشروعات ومؤسسات اجتماعية وتعليمية ودعوية، تعمل علناً، وفق القانون؛ وأن يكونوا أعضاء في البرلمانات المنتخبة، وفي الوقت نفسه؛ يقدمون ويدعون إلى أفكار ومواقف تكفيرية ورافضة للسلطات والمجتمعات، ويمكن -على سبيل المثال- الإشارة إلى كتب محمد أبو فارس، مثل: "حكم المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية"، و"مفاهيم إسلامية"، و"الابتلاء والمحن في الدعوات"، و"منهج الحركة الإسلامية في التغيير"، و"أسس في التصور الإسلامي"، والتي لا تختلف في محتواها وما تدعو إليه عن الجماعات القتالية والتكفيرية، هكذا –وببساطة- يمكن وصف جماعة الإخوان المسلمين وشقيقاتها، بأنّها جماعات دينية دعوية بمحتوى انفصالي استعلائي وفي إطار سياسي.

اقرأ أيضاً: ما تأثير الإسلام السياسي على المجتمع الجزائري؟
لكنّه -على أيّة حال- توصيف لا يكفي لتفسير لماذا تمكنت الجماعة بفكرها الانفصالي من المشاركة السياسية والانتخابية السلمية والقانونية؟ ولماذا تعمل جماعة اجتماعية دعوية وتأثيرية كما لو أنّها حزب سياسي يسعى للمشاركة السياسية أو تشكيل الحكومات؟ والحال أنّ العلاقات السياسية للجماعة ومناهجها في العمل والتفكير، ومساراتها ومواقفها وقراراتها واتجاهاتها، أكثر تعقيداً من إمكانية وصفها، أو فهمها بهذا التفسير.

الصفحة الرئيسية