كيف تحولت قرية دلجا إلى إمارة إسلامية بدون أمير؟

مصر والإرهاب

كيف تحولت قرية دلجا إلى إمارة إسلامية بدون أمير؟


16/10/2018

صدحت مآذن قرية دلجا، في صعيد مصر، بمحافظة المنيا، بالتكبير، في غير أوقات الصلاة، كان آذاناً لم يحمل الكلمات المعتادة، لكنه حمل عبارة تكررت في مساجد القرية، في آب (أغسطس) العام 2013: "إخوانكم يُقتلون في رابعة والنهضة، أنقذوا إخوانكم".

غزوات السلفية

في صباح الرابع عشر من آب (أغسطس) العام 2013، تحركت مجموعات منظمة، مناصرة لجماعة الإخوان المسلمين، في القرى التي يسيطر عليها فكر الإخوان، هوجمت مراكز الشرطة في تلك المناطق، وأحرقت الكنائس والأديرة، ذُبح اثنا عشر ضابطاً وفرد شرطة في قرية كرداسة بمحافظة الجيزة، وخلا منها التواجد الشرطي حتى اقتحمها الجيش في أيلول (سبتمبر) العام 2014.

بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عن حكم البلاد، تحولت قرية دلجا إلى إمارة إسلامية، لكن، دون أمير!

وهناك في صعيد مصر، بقرية "دلجا" التابعة لمركز "دير مواس" بمحافظة المنيا، الواقعة على مشارف الصحراء الغربية، تكرر نفس السيناريو، غير أنّ الفارق بين جميع القرى التي حكمها أمراء الجهاد والجماعة الإسلامية والإخوان، في مناطق نفوذ تلك التيارات، إثر بيان الجيش في 3 تموز (يوليو) 2013، بعزل، محمد مرسي، الرئيس المصري الأسبق، عن حكم البلاد، أن قرية دلجا استحالت إلى إمارة إسلامية، لكن، دون أمير!

مناطق سيطرة الجماعات الإسلامية فى المنيا

دلجا

دلجا، من القرى التي يمتد تاريخها حتى الدولة المصرية القديمة. ذكرها القاموس الجغرافي للبلاد لمؤلفه محمد رمزي، باسمها القبطي «itelke» ، وذكرت قديماً باسم «deldjih»، ورد اسمها في معجم البلدان باسم «دَلجَة»، ويسميها العامة «جلدة»، يقول مؤلف القاموس الجغرافي عن ذلك: "ويظهر أنّ الأسماء التي تبدأ بحرف دال في أولها، ويكون بين حروفها جيم، يتغلب فيها حرف الجيم على الدال، مثل دلجا، ودجرجا، فيقال، جلدة، وجرجا".

اقرأ أيضاً: أحدث فتاوى داعش في سيناء

تعد أكبر قرى محافظة المنيا، وتعدادها السكاني يقارب مائتي ألف، بينهم ثلاثون ألف مسيحي، تنقسم إلى عشر شياخات، تتبع العائلات الأكبر في القرية، هي: أبو المكارم، والقاضي، والشريف، والعوام، وعزور، والغيته، والفرا، والحرابوة، والبطرخانة، وأولاد عباس.

ورغم تعدادها السكاني، وحجم مساحتها، إلا أنه لا يوجد بالقرية، شعبة لجماعة الإخوان، ولم تعرف يوماً التنظيمات الجهادية، أو تنظيمات الجماعة الإسلامية، مثل قرى "كحك"، و"كوم الصعايدة" في محافظتي الفيوم وبني سويف، وقرى "ناهيا"، و"كرداسة"، و"أبو رواش"، في محافظة الجيزة.

اقرأ أيضاً: الفكر يتحدى الإرهاب في سيناء عبر سفارات المعرفة

ولم يخرج من بين أبناء دلجا مقاتلون في داعش أو القاعدة، كانت قرية متدينة تعيش في أمان، حتى قيام ثورات الربيع العربي كانون الثاني (يناير)  العام 2011.

دير الأنبا صموئيل وطريق الواحات البحرية فرافرة

البداية

تصريحات أبناء قرية دلجا للإعلام، ذكرت أنّ قبطياً من أبناء القرية، ابتهج بإسقاط حكم الإخوان، بعد أن ألقى الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في ذلك الوقت، بيانه بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي عن حكم البلاد، فأطلق النار في الهواء محتفلاً، مما استفز أهل القرية، فتجمهروا أمام منزله فأطلق عليهم النار، هنا سقط أحد المسلمين قتيلاً، لتبدأ قرية دلجا مسيرة من الأحداث استهلها مسلمو القرية بإحراق استراحة كنسية تجاور مسجد "النصر"؛ أقدم مساجد القرية، وأكملوها بحرق بيوت الأقباط، وفرض الجزية عليهم، لأكثر من شهرين، هي المدة التي بقيت فيها دلجا إمارة إسلامية، خالية من أية سيطرة أمنية للدولة، حتى اقتحمتها قوات الشرطة والجيش، مصحوبة بالطائرات الحربية، والمدرعات، والمجنزرات، والآليات العسكرية، في 19 أيلول (سبتمبر) العام 2014.

راعي كنيسة دلجا

راعي إحدى الكنائس بقرية دلجا، قال لـ"حفريات"، رافضاً ذكر اسمه: "اشتهرت دلجا حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بتدين أبنائها، واهتمامهم بطلب العلم الشرعي من الجامع الأزهر، ثم حدث التحول في التعامل مع العلوم الشرعية منتصف السبعينيات، مع صعود سيطرة الجماعة الإسلامية في محافظات وقرى الصعيد، خصوصاً المنيا".

نفى راعي كنيسة بدلجا مزاعم أنّ قبطياً أطلق النار فرحاً بإسقاط حكم الإخوان، فـ"أقباط مصر يعيشون الخوف الشديد دائماً"

وأشار راعي الكنيسة، إلى أن تلك الفترة "شهدت تأسيس جميع العائلات في القرية لجمعيات دينية، تعمل على نشر تحفيظ القرآن الكريم بشكل عشوائي، دون متابعة من أية جهة دينية في الدولة، ولم يخلُ أي شارع في دلجا منذ تلك الفترة من وجود كتاب لتحفيظ القرآن الكريم، يقوم عليها شباب غير مؤهلين لذلك، يزرعون في عقول أبناء القرية فكر التكفير"، لافتاً إلى إنشاء مقرات للجمعية الشرعية، "وهي التي يزعم أعضاؤها مسؤوليتهم عن عمليات حرق الكنائس وبيوت الأقباط".

ونفى راعي الكنيسة الرواية التي زعمت أنّ قبطياً أطلق النار فرحاً بإسقاط حكم الإخوان، وأوضح: "أقباط مصر يعيشون في حالة من الخوف الشديد دائماً، فكيف لأحدهم أن يخرج سلاحاً ويطلق النار مستفزاً المسلمين؟!".

اقرأ أيضاً: رؤوس الإرهاب التي لا تقطع في سيناء

وعن بداية الحادث يقول: "بدأت الاشتباكات في دلجا قبل ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 بيومين تقريباً، عندما توجهت مجموعات من اللصوص، مستغلين حالة الفوضى التي انتابت الدولة في تلك الأيام، وحاولوا سرقة منزل ذلك القبطي لعلمهم أنه صاحب تجارة كبيرة، تقدر بالملايين، هنا أمسك الرجل سلاحه مدافعاً عن منزله وعائلته، فأصاب أحد المهاجمين، الذريعة التي اتخذوها سبباً لحرق منزله، وإطلاق النار على زوجته، ثم خرجت مسيرات أخرى في الثالث من تموز (يوليو) العام 2013 وأحرقت استراحة تابعة لواحدة من كنائس القرية، وأجبرت المسيرات قوات الشرطة على ترك القرية، واستمرت التظاهرات حتى اقتحام قوات الشرطة لاعتصامي رابعة والنهضة في الرابع عشر من آب (أغسطس) العام 2014".

عن يوم الاقتحام يحكي راعي الكنيسة: "هتف أئمة المساجد في القرية، مطالبين الناس بانقاذ إخوانهم في رابعة والنهضة، فخرجت مجموعات منظمة يتقدمهم ملثمون يحملون أسلحة آلية وهاجموا جميع كنائس القرية، أحرقوها بالكامل، وسرقت 25 أيقونة أثرية من دير السيدة العذراء الممتد عمره إلى 1600 عام".

اقرأ أيضاً: سيناء بعد "الإخوان"

وعن تلك الفترة التي حكم فيها السلفيون قرية دلجا يقول راعي الكنيسة: "فرضت علينا الجزية، مبالغ وصلت إلى عشرة آلاف وعشرين ألف، تدفعها العائلات القاطنة في كل شارع بالقرية، وإذا حاولت أسرة قبطية ترك القرية فعليها أن تدفع مقابل تركها ترحل آمنة".

وطرحت أحداث دلجا استفساراً مهماً، عن الأفكار المتطرفة التي انتشرت في القرى المصرية، على خلفية سيطرة دعوات التيارات السلفية خلال العقود الأخيرة، بداية من العام 1975، عندما أخرجهم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات من السجون، وحتى العام 2013؛ فإن كانت القرية لا تضم بين جدرانها أي تنظيم أو مكتب إداري تابع لأية جماعة متطرفة، فكيف استحال أهلها لأفراد يسعون لفرض إمارتهم الإسلامية بالقوة، وبذلك الشكل المنظم، دون أن يكون هناك أمير يقودهم؟!

أهالي قرية دلجا أثناء المشاركة فى اعتصام رابعة

أحد أبناء دلجا قال لـ "حفريات"، رافضاً ذكر اسمه: "دلجا كانت تتبع محافظة أسيوط حتى وقت قريب، قبل أن تنفصل إدارياً لتنضم إلى قرى محافظة المنيا، وهي تقع في الظهير الصحراوي الغربي لمركز دير مواس، وعلى الرغم من عدم وجود تنظيمات لجماعات دينية متطرفة بالقرية، إلا أنها كانت محاطة بشُعب الإخوان وتجمعات الجهاد والجماعة الإسلامية المنتشرة في محافظتي أسيوط والمنيا، وآمن أبناؤها بدعوات تلك الجماعات، وإن لم ينضموا لها رسمياً".

اقرأ أيضاً: قرى المنيا: جند الله في المعركة الخطأ

وأضاف: "اشترك من أبناء دلجا في اعتصامي رابعة والنهضة، المئات، وقتل البعض منهم في أثناء فض الاعتصام، وعاد بقيتهم إلى القرية في نفس يوم الفض مكوّنين مجموعات قادت تظاهرات مسلحة ضد الدولة استمرت بشكل يومي، وخطب فيهم عاصم عبد الماجد، عضو الجماعة الإسلامية الهارب الآن في قطر، وقد اختبأ في القرية لبعض الوقت قبل هروبه إلى ليبيا".

عاصم عبد الماجد

وأشارإلى أن "وجود دلجا في الظهير الصحراوي للمحافظة جعلها واقعة أيضاً تحت سيطرة سماسرة تهريب البشر إلى ليبيا، عن طريق طريق جبلي، لا يعرفه سوى بدو الصحراء، بدايته دلجا، ونهايته واحة (الكفرة) جنوب شرق ليبيا، وتلك الصحراء هي التي استخدمتها التنظيمات المتطرفة في ليبيا للدخول إلى مصر لتنفيذ الاشتباكات المتكررة في منطقة الواحات والفرافرة، وأيضاً مذبحة الأقباط في دير الأنبا صموئيل بمركز العدوة، التي راح ضحيتها 29 شهيداً قبطياً، وهو المثلث الذي يشترك مع قرية دلجا في نفس الحدود الصحراوية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية