ولد أباه: الإسلام دين جماعة وليس دين سياسة

الدين والسياسة

ولد أباه: الإسلام دين جماعة وليس دين سياسة


22/11/2017

ليس الاستبداد والفساد وحدهما فقط من أنْهَكَا وقَوَّضَا الدولة الوطنية في كثير من البلدان العربية على مدى العقود الماضية. ففي مقاربته لأطروحات حركات الإسلام السياسي، يذهب الدكتور عبد الله السيد ولد أباه إلى الإعلاء من أهمية بقاء الدولة الوطنية في المنطقة العربية، ويضع ذلك مدخلاً أساسياً لتقييم تجارب تلك الحركات وأطروحاتها ومواقفها.
هذه المقاربة عرضها الدكتور ولد أباه لدى مشاركته في إحدى جلسات "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" الرابع الذي انعقد في 12 و13 من الشهر الجاري، بتنظيم من قبل "مركز الإمارات للسياسات"، مقترِحاً إعادة بناء الدولة الوطنية وتقويتها؛ بوصفها قنطرةً لمواجهة أقواس الأزمات التي تشتعل في الإقليم من جهة، وتجاوز الخلل وعنصر التفكيك الذي أوجده الإسلام السياسي والجهادي في بنية الدول والمجتمعات العربية من جهة أخرى.
ويرى أستاذ الدراسات الفلسفية والاجتماعية بجامعة نواكشوط أنّ "الإسلام دين جماعة، ولهذا الاعتبار هو ليس دين سياسة، وأطروحة الإسلام السياسي القائلة إنّ الدولة يجب أنْ تُحكَم بشرعية الدين ليس لها أصل في الموروث السُنّي الإسلامي"، فضلاً عن أنّها، كما يقول ولد أباه في مقام آخر، "شعار مضلل ومفارقة لا تستقيم، ينتج عنها تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا للحكم والقهر، ما ينزع عنه قداسته؛ بإقحامه في معترك الصراع على السلطة".

مشكلة جماعات الإسلام السياسي أنّها لا تعترف بشرعية الدولة، وكان لها دور في تقويض الدولة الوطنية

ويبدو أنّ حديث ولد أباه عن غياب التأصيل الإسلامي الموروث، وخصوصاً في نسخته السنيّة، عن أطروحات حركات الإسلام السياسي يحمل دلالة تشير إلى أنّ تلك الجماعات الإسلامية المؤدلجة والعنيفة تكاد تتنكر لهذا التقليد الإسلامي وترفضه، حتى لو تدثرت بغطاء إسلامي، لا سيما أنّ "كل علماء أهل السُنة اتفقوا على أنّ شأن الإمامة دنيوي مصلحي وتدبيري وليس من أمور العقيدة وأصول الدين".
ويستنتج ولد أباه من ذلك أنّ فكرة الإسلام السياسي، في خلفياتها وجذورها، ذات منشأ غربي، ولا تنسجم مع طبيعة الدولة المسلمة تاريخياً. ولقد شرح ولد أباه قوله هذا في العديد من مقالاته وكتاباته التي انتقد فيها "الاستغلال الأيديولوجي للدين" والذي يتجلى عبر تبني الحركات الإسلاموية (مقولة ازدواجية الديني والسياسي في الإسلام، وبالتالي رفضها أي تدبير دنيوي بشري للشأن العام خارج مفهوم "الحاكمية الإلهية"، من منظور هذا الفهم المغلوط الخارج عن التقليد الإسلامي)، وفق ولد أباه.

ثلاثة مستجدات
في مداخلته، خلال الملتقى، حدد الأكاديمي الموريتاني ثلاثة مستجدات تخص جماعات التطرف والإرهاب والإسلام السياسي: الأول، هو الهزيمة العسكرية لتنظيم "داعش"، والثاني هو أنّ الإسلام السياسي دخل في مأزق ناتج عن انفصامه عن المجتمع، والثالث يتمثل في أنّ هناك نهاية للاحتضان الدولي لحركات الإسلام السياسي. ويفسّر ولد أباه ذلك بقوله: "لقد أصبحت النظرة إلى حركات الإسلام السياسي، على اختلافها، على أنها "قوة تدميرية (للدولة والمجتمع والقيم)، إضافة إلى الانفصام السياسي (الذي تعانيه)، فبعد أن كان هناك تهافت على التحالف مع قوى الإسلام السياسي، تحولنا الآن إلى القطيعة، ولم يَعُدْ لدى أي دولة أو قوى إقليمية رغبة في احتضانهم أو التعاون معهم".

كل علماء أهل السُنة اتفقوا على أنّ شأن الإمامة دنيوي مصلحي وتدبيري وليس من أمور العقيدة وأصول الدين

ولد أباه نبّه في مداخلته أيضاً إلى أن قيام بعض جماعات الإسلام السياسي بالإعلان عن فك الارتباط بين الجانب الدعوي والجانب السياسي يُعَدُّ مظهراً من مظاهر المأزق البنيوي في هذه الجماعات، فقد أصبحت عاجزة عن تطبيع وضعها ضمن المجال السياسي.

الدولة الوطنية

وفي مدخله لتقييم تجارب الحركات الإسلاموية وأطروحاتها ومواقفها، يسعى  صاحب كتاب "الدين والهوية: إشكالات الصدام والحوار" إلى تأكيد أنّ "المفارقة التي نعيشها (تتجلى في) أنه قبل سنوات كان البحث في العالم العربي عن سُبل تجاوز الدولة الوطنية نحو دولة قومية، إلا أنّ حالة الدمار التي شهدتها المنطقة جعلت الجميع يدرك أهمية بقاء الدولة الوطنية". ويستطرد ولد أباه قائلاً:" مشكلة جماعات الإسلام السياسي أنها لا تعترف بشرعية الدولة، وكان لها دور في تقويض الدولة الوطنية خلال فترة الانتقال السياسي التي شهدتها المنطقة منذ العام 2011". من هنا، فإن الدكتور عبد الله ولد أباه دائماً ما يكرر اقتراحه بأننا "في حاجة إلى إعادة التفكير في هندسة البناء السياسي في المنطقة العربية؛ فالدولة الوطنية العربية تبنت نموذج الدولة المركزية السائدة في الغرب، وهو لا يستوعب الجميع، كما أنه لم يحل المشكلة الطائفية".
في سياق ذي صلة، قدّم محمود جبريل، رئيس الوزراء الليبي الأسبق، في الملتقى تعليقاً على مداخلة الدكتور ولد أباه قال فيه: "هناك ثلاثة محاور لمجابهة التطرف: الأول، لابد من تفكيك نظام التنشئة الاجتماعية، والثاني، إقامة اقتصاد تنافسي يولّد فرص عمل، والثالث، إقامة حوكمة سياسية تستوعب تطلعات الشباب".

 

الصفحة الرئيسية