وفاة المفكر الهندي الإسلامي وحيد الدين خان.. ماذا تعرف عنه؟

وفاة المفكر الهندي الإسلامي وحيد الدين خان.. ماذا تعرف عنه؟


22/04/2021

بعد مسيرة طويلة حفلت بإرث فلسفي ودعوي امتد في حوالي 200 كتاب، قامت على اتباع المنهج العلمي في الدعوة إلى الإسلام ومهاجمة العنف وجماعات العنف المُسلّح، توفي مساء أمس، المفکر الإسلامي الهندي الشھیر وحید الدین خان، عن عمر يناهز الـ 79 عاماً، في أحد مستشفيات الهند بعد إصابته بفيروس "كورونا".

وقال ظفر الإسلام، الابن الأكبر لخان، في تصريحات لصحيفة "The Print" الهندية، إنّ والده كان مريضاً طوال الأسبوع الماضي، "ما استدعى نقله إلى المستشفى، حيث شخّص الأطباء حالته في البداية على أنّها التهاب رئوي، ليتضح بعد ذلك أنّه مصاب بكوفيد 19".

ولد وحيد الدين خان يوم 10 تشرين الأول من العام 1925 في مدينة أعظم كره بالهند، وتلقّى تعليمه الابتدائي في مدرسة إسلامية، ثم التحق بجامعة الإصلاح العربية الإسلامية

وتابع الابن الأكبر لخان: "ساءت حالة والدي الصحية الليلة الماضية وكان يعاني من صعوبة في التنفّس، قبل أن يُفارق الحياة".

وأعرب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، اليوم الخميس، عن حزنه الشديد لوفاة خان، مؤكداً أنّه سيبقى في الذاكرة لمعرفته الثاقبة بمسائل اللاهوت والروحانية.

وقال مودي في تغريدة نشرها عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "حزين لوفاة مولانا وحيد الدين خان، سيُذكر لمعرفته الثاقبة في مسائل اللاهوت والروحانية"، مضيفاً: "كان شغوفاً بخدمة المجتمع والتمكين الاجتماعي". 

الميلاد والنشأة

ولد وحيد الدين خان يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1925 في مدينة أعظم كره بالهند، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة إسلامية، ثم التحق بجامعة الإصلاح العربية الإسلامية، وفق ما أورد موقع "indian express".

وبدأ وحيد الدين، الذي قدّم حصيلة فكره بعد دراسات عميقة، مسيرته في سلك لجنة التآلف التابعة للجماعة الإسلامية بالهند حيث عمل لأعوام، قبل أن يلتحق بالمجمع الإسلامي العلمي التابع لندوة العلماء في مدينة "لكهنؤ"، حيث عمل لـ 3 أعوام متتالية.

وإلى جانب عمله في الجماعة الإسلامية، واظب خان على القراءة والكتابة، ليصدر أول أعماله الفكرية عام 1950، وهو كتاب حمل عنوان "على باب قرن جديد".

ثم شغل خان منصب رئيس تحرير مجلة الجمعية الأسبوعية في دلهي، في عام 1967 وبقي في منصبه لمدة 7 أعوام، حتى أُغلقت المجلة من قبل السلطات الهندية.

شغل خان منصب رئيس تحرير مجلة الجمعية الأسبوعية في دلهي في عام 1967 وبقي في منصبه لمدة 7 أعوام، حتى أُغلقت المجلة من قبل السلطات الهندية

ومنذ عام 1970 أسس وحيد الدين خان المركز الإسلامي في نيودلهي، والذي عمل على إصدار مجلة "الرسالة" بالأردية عام 1976، ثم بالإنجليزية والهندية أعوام 1984 و1990 وذلك لنشر فكره ورؤيته عن روح السلام في الإسلام والمسؤولية الاجتماعية للمسلمين وللترويج للفكر والعمل الإيجابي.

ومع مواجهة المجتمع الهندي حالة انقسام ديني حادة بسبب أزمة المسجد البابري عام 1992، طلب من المسلمين التنازل عن مطالباتهم بالأرض المُتنازع عليها، وشرع في "مسيرة السلام" التي ضمت قيادات الطوائف الهندية المختلفة، وجابت 35 منطقة هندية، وفق ما أورد موقع "indiatimes".

منهجه العلمي

وهب وحيد الدين حياته كلها للدعوة الإسلامية، وتخصّص في إقامة الأدلة العلمية على الإيمان الديني؛ فبلور علم كلام جديداً مناسباً لعصر العلم، خالياً من جدل الفرق الإسلامية القديمة، ومتجرداً من محاكاة الفلسفة الإغريقية القديمة، وقد أعانته ثقافته العلمية الواسعة على أن يُقدّم في هذا الميدان أعمالاً فذة غير مسبوقة.

وركّز في أعماله على النهج العلمي واتخذه خطّاً لمدرسته الدعوية والإصلاحية، فكان في قمة المعرفة العلمية والاطلاع على معظم المناهج العقائدية والاتجاهات الفكرية المعاصرة، وناقشها وقارن بينها وبين الإسلام، وعُرف أيضاً بنضاله ضد الملحدين، الذين جادلهم بالحجة العلمية والبراهين  لتكون معاركه دائماً رابحة.

وهب وحيد الدين حياته كلها للدعوة الإسلامية، وتخصّص في إقامة الأدلة العلمية على الإيمان الديني

ونجح خان في كتبه عموماً وكتابه "الإسلام يتحدى" خصوصاً، بإثبات وجود الله سبحانه وتعالى عبر قوانين الإحصاء والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء، والغريب أنّ وحيد الدين خان استند إلى بعض أبحاث ونظريات اللادينيين والملحدين العلمية وقلبها بأسلوب علمي لصالح إثبات وجود الله.

كما عُرف بفلسفته القائمة على مهاجمة العنف وجماعات العنف المُسلّح، والدعوة لتبني المنهج العلمي في الدعوة، ونشر رسالة إيجابية تُركّز على رحمة الله التي تسع كل مخلوقاته.

بلور خان المنهج الطبيعي في التغيير، من خلال العمل المتدرّج الموجّه للقلوب والعقول بالدرجة الأولى، بعيداً عن الصراع والمواجهة بكافة أشكاله

ويمتاز وحيد الدين خان عن أقرانه من مفكري العصر بإدمانه على دراسة الكتب العلمية والفكرية باللغة الانجليزية، وانفتاحه على شتى الأفكار والرؤى، ويمكن تقدير سعة اطلاعه وعمق دراسته من خلال مؤلفاتهِ.

كما خصّص خان جزءاً كبيراً من كتاباته لمواجهة العقلية القتالية التي استولت على الشباب الإسلامي، وتصحيح مسار الذهن المسلم الذي أصبح صانعاً للموت بدل الحياة باسم الجهاد.

خان والإسلام السياسي

خان لا يُعالج ظاهرة الإسلام السياسي أو تسييس الإسلام، كمراقب لممارسات تياراته، أو كباحث في الأبعاد الوظيفية أو الشكلية أو المرحلية، أو يتوقف عند روافد العنف الآنية، سواء المجتمعية أو الفكرية وحسب، إنما هو ينطلق من جوهر الهُوية، فيقول إنّ تحديدها بدقة هو بداية الطريق الصحيح، لأنّ الإجابة عن سؤال "ماذا نعمل؟" تكمن في سؤال "من نحن؟".

وبحسب تصوّر خان، فإنّ الاغتيالات والتفجيرات والسعي إلى السلطة للانفراد بها، والخلط بين السري والعلني بهدف تأسيس الحكم الإلهي خلف حكومة يقودها "إسلاميون"، ليست هي طريق الله، حيث يُشير المُفكّر الإسلامي إلى أنّ الإسلام السياسي أسّس هوية قتالية قائمة على الصراع ومحاربة العالم، على خلفية الهدف الأكبر وهو أن يصبح المسلمون حكام الأمم، تحت عنوان استعادة حكم الخلافة، الأمر الذي حوّل الدين - كما يقول خان في كتابه "الانبعاث الإسلامي" - إلى "عامل إثارة، وجالب للضجة، ومحدث صدع في العالم".

من اليسار الشيخ عبدالله بن زايد، وشيخ الأزهر والشيخ عبدالله بن بيه يسلمون وحيد الدين خان جائزة الحسن بن علي تقديراً لجهوده الفكرية

ويعتقد خان أنّ الإسلام السياسي أدى إلى "قومنة الإسلام" ونقل الدين من حالته التي تملأ أنفس معتنقيه بالمسؤولية الأخلاقية نحو البشرية، إلى نِحلة مذهبية قومية تتصارع بغرض السيطرة والهيمنة على الكون، ما يخلق في نفسية معتنقيه نزعات الاستعلاء والغطرسة، وفق ما أوردت صحيفة "العرب" اللندنية.

ناقش خان مسألة الجهاد في الإسلام من خلال كتبه؛ الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام، وأيديولوجيا السلام، وحاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام

في المقابل يبلور خان، المنهج الطبيعي في التغيير، من خلال العمل المتدرّج الموجّه للقلوب والعقول بالدرجة الأولى بعيداً عن الصراع والمواجهة بكافة أشكالها، وصيانة لقدسية الدعوة ونقاء الرسالة، فهو يرى أنّ النضال السلمي والدعوة النقية السالمة من الأغراض الدنيوية، مع التسلّح بالبصيرة والصبر وقوة التحمّل وتهميش العمل السياسي بل والنشاط الدعوي التنظيمي، تجعل القلوب تميل إلى الإسلام، وتوصل لهداية الناس وتحويل الأعداء والخصوم إلى مؤيدين وأنصار.

وعليه، فإنّ هدف خان هو تقديم الإسلام كأيديولوجيا مناسبة للعصر الحديث، كدين يقوم بالأساس على السلام والتسامح والتعايش.

مؤلفاته 

وقدّم خان خلال حياته نحو 200 كتاب، كُتبت باللغة الإنجليزية والأردية والهندية، وجميعها تهدف إلى خدمة الإسلام والمسلمين، ومنها: كتاب الإسلام يتحدى، والدين فى مواجهة العلم، وفلسطين والإنذار الإلهي.

كما ألّف أيضاً: كتاب رسول السلام.. تعاليم النبي محمد، الذي جادل فيه بأنّ النبي محمد كان يبتعد عن خوض الحروب ويلجأ للحسنى دائماً.

كما ناقش خان مسألة الجهاد في الإسلام من خلال كتبه؛ الجهاد والسلام والعلاقات المجتمعية في الإسلام، وأيديولوجيا السلام، وحاضرنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام.

نجح خان في كتبه عموماً وكتابه "الإسلام يتحدى" خصوصاً، بإثبات وجود الله سبحانه وتعالى عبر قوانين الإحصاء والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء

كما أصدر خان أيضاً كتاب قضية البعث الإسلامي، حكمة الدين، الإنسان القرآني، شرح مشكاة المصابيح، يوميات الهند وباكستان، فضلاً عن ترجمة وتفسير القرآن الكريم باللغات الإنجليزية والأردية والهندية، وتوزيعها بسعر التكلفة.

يشار إلى أنّ الحكومة الهندية قد منحت خان في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحالي جائزة "بادما فيبهوشان" التي تُعدّ ثاني أعلى جائزة مدنية في الهند، وتمنح لمن يقدم "خدمة استثنائية ومتميزة".

كما حصل أيضاً عام 2000 على وسام "بادما شري"هو رابع أعلى وسام وجائزة مدنية تكريمية في الهند، ومنحته دولة الإمارات العربية المتحدة جائزة الإمام الحسن بن علي للسلام عام 2015، وفي نفس العام كان ضمن قائمة أكثر 500 مسلم تأثيراً في العالم، وفق ما أورد موقع "The Print".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية