هل يقضي مشروع "قناة إسطنبول" على أردوغان؟

هل يقضي مشروع "قناة إسطنبول" على أردوغان؟


20/01/2020

ترجمة: محمد الدخاخني


من المحتمل أن يتحوّل الجدل الدّائر بشأن مشروع البنية التّحتيّة لقناة إسطنبول إلى جدل وجوديّ بين الرّئيس التّركيّ رجب طيّب أردوغان وعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو. وفي السّياسة، الحجج العاطفيّة لها تأثير كبير شأنها شأن الحجج العقلانيّة. وفي الوقت الحاليّ، يمتلك إمام أوغلو كافّة الحجج العاطفيّة. يقول شعاره ضدّ المشروع: "إمّا القناة أو إسطنبول". وإذا فقد أردوغان هذا الجدل، فقد يكون ذلك مكلّفاً للغاية بالنّسبة إليه.

اقرأ أيضاً: ما هي "قناة إسطنبول" التي يصر أردوغان على حفرها؟
في عام 2011، أعلن أردوغان مشروعه الجنونيّ على ما يبدو لحفر قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة في موقعٍ ثان. فمضيق البوسفور، الّذي يفصل الجانب الأوروبيّ لإسطنبول عن نظيره الآسيويّ، يربط بالفعل بين البحرين، وتنظّم عمليّة مرور السّفن عبر المضيق بموجب اتّفاقيّة مونترو.

صورة لسفينة تنفث دخاناً كثيفاً على مضيق البوسفور في إسطنبول في 21 أبريل 2009
ومن المتوقّع أن تؤدّي قناة جديدة إلى الغرب من المدينة إلى تقليل حركة المرور عبر مضيق البوسفور وتخفيف المخاطر النّاتجة عن هذه الحركة. وكان وزير النّقل التّركيّ، محمد شاهد تورهان، ادّعى أنّ العائدات الأوّليّة من السّفن الّتي ستمرّ عبر القناة ستصل إلى مليار دولار سنويّاً. من الصّعب تبرير هذا الرّقم، بشكل خاصّ؛ لأنّ السّبب الّذي قد يجعل السّفن تفضّل القناة على مضيق البوسفور ما يزال مجهولاً. وتدّعي الحكومة أنّ القناة ستقلّل من أوقات الانتظار وبالتّالي فإنّ شركات الشّحن ستفضّل الدّفع.

اقرأ أيضاً: قناة إسطنبول "مشروع أردوغان العظيم" ينذر بكارثة بيئية
أردوغان مهووس بالمشاريع الضّخمة. فقد قام ببناء جسر ثالث فوق مضيق البوسفور، وثالث وأكبر مطار في إسطنبول، والعديد من مشاريع البنية التّحتيّة الكبيرة الأخرى. ساعده هذا في الفوز بالانتخابات في الماضي، لكنّه يدافع الآن عمّا يمكن أن يصبح مشروعاً مكلفاً وعديم الجدوى في أسوأ الأوقات. ففي اقتصاد هشّ بمعدل بطالة يبلغ 14 في المائة، وضرائب متزايدة، وحيث لا مجال للمناورة، سيتعيّن على أردوغان إقناع الجمهور التّركيّ، الّذي يتزايد وعيه البيئيّ، بضرورة تخصيص الموارد لهذا المشروع الآن.

يشمل المشروع مستوطنات على طول ضفاف القناة، والّتي من شأنها أن تخلق مدينة جديدة تضمّ حوالي خمسمئة ألف شخص

يشير تقييم التّأثير البيئيّ للقناة، من ناحية أخرى، إلى أنّ 200,878 شجرة ستتأثّر بالمشروع. وخلال عمليّة تنفيذ المشروع الّتي من المتوقّع أن تمتدّ إلى سبعة أعوام، سيتمّ إجراء 360 انفجاراً في المتوسّط سنويّاً، واستخدام حوالي 4,000 طن من زيت نترات الأمونيوم، وفقاً لخبراء جيولوجيّين. وهذه شروط يصعب بيعها. وهذه المرّة، لديه معارض لا يستهان به؛ إنّ إمام أوغلو يخوض معركة صارمة ضدّ المشروع.
احتدم الجدل حول مشروع القناة عندما أعلن تورهان، في 28 تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي، أنّ عمليّة منح عقود بناء القناة ستبدأ قريباً. ويشمل المشروع، الّذي من المتوقّع الانتهاء منه في أقلّ من عقد من الزّمان، مستوطنات على طول ضفاف القناة، والّتي من شأنها أن تخلق مدينة جديدة تضمّ حوالي 500,000 شخص. (تدّعي المعارضة أنّ هناك مليوني شخص سينتقلون). ومن المخطّط استخدام التّربة المستبدلة في إنشاء جزر اصطناعيّة. وتقدّر الميزانيّة بـ 15 مليار دولار، حسب تورهان.
سيكون لمشروع بهذا الحجم عواقب طويلة الأمد ولا رجعة فيها على البيئة والاقتصاد - ناهيك عن عواقب من وجهة نظر عسكريّة. في النّهاية، بمجرّد حفر القناة، ستصبح مدينة إسطنبول القديمة فعليّاً جزيرة، وهو الأمر الّذي ادّعى إمام أوغلو مؤخّراً أنّه سيجعل المدينة دون حماية. ففي حالة وجود تهديد عسكريّ، يجب نشر القوات في "الجزيرة" إمّا من خلال الجسور الموجودة فوق القناة أو البوسفور.


ومع ذلك، فإنّ الجدل الدّائر في تركيا بعيد عن النّاحية التّقنيّة. والحجّة الأكثر بروزاً في خطاب المعسكر الموالي للقناة هي الإيرادات الّتي يمكن توليدها عندما تدفع السّفن مقابل المرور. ولم يتّضح بعد لِمَ قد تدفع السّفن لاستخدام القناة ويوجد ممرّ مجانيّ متاح على بعد 25 ميلاً إلى الشّرق، عبر مضيق البوسفور؟ الافتراضات ضعيفة، والحسابات غامضة. وفي دراسة استقصائيّة أجرتها شركة الاستطلاع إسطنبول إكونومي ريسيرش على مستوى البلاد، في كانون الأوّل (ديسمبر) 2019، لم يوافق 49 في المائة من الجمهور على القول بأنّ المشروع سيولّد مصادر جديدة للإيرادات.

اقرأ أيضاً: رغم كلّ التحذيرات.. أردوغان يصرّ على مشروع قناة إسطنبول
تهدف الحكومة إلى جمع الدّعم بشكل صارم على طول الطّيف السّياسيّ؛ وسط مشاحنات حزبيّة حول المشروع، اختار إمام أوغلو الاعتماد في الغالب على التّناقضات الفنّيّة والبيئيّة عوضاً عن ذلك. تشمل مخاوف العمدة فقدان الحقول الزّراعيّة، والنّتائج السّلبيّة المحتملة في حالة وقوع زلزال إسطنبول الّذي طال انتظاره، وتدمير الأحياء النّباتيّة في المدينة. سيحتاج إمام أوغلو إلى تقديم أدلّة أكثر تفصيلاً في المستقبل، ولكن في الوقت الحاليّ تبدو حججه جاذبة للأنظار. فقد هرع الآلاف من سكّان إسطنبول إلى مديريّة البيئة والتّوسّع الحضريّ في إسطنبول لتقديم طلبات ضدّ تقييم الأثر البيئيّ للمشروع.

وفي دراسة استقصائيّة على مستوى البلاد، لم يوافق 49% من الجمهور بأنّ المشروع سيولّد مصادر جديدة للإيرادات

بالإضافة إلى ذلك، لا يزوَّد الجمهور بشكل عامّ بالمعلومات. فالاستطلاع نفسه الّذي أجرته إسطنبول إكونومي ريسيرش أظهر أنّ المعرفة العامّة بشأن المشروع منخفضة بشكل مذهل. فقد أشار حوالي 49 في المائة من المشاركين إلى أنّه ليس لديهم معلومات عن المشروع، بينما قال 40 في المائة إنّهم "على علم إلى حدّ ما" بالمشروع. وادّعى 11 في المائة فقط أنّهم "مطّلعون جيّداً". مع ادّعاء 12.5 في المائة من السّكان المحلّيّين بأنّهم مطّلعون جيّداً، فإنّ سكّان إسطنبول يدركون أكثر قليلاً من القضايا الرّئيسة.
وصف أردوغان المشروع بأنّه حلمه واستند مجدّداً في استراتيجيّته على الاستقطاب الأيديولوجيّ. وشريكه في التّحالف، دولت بهتشيلي، رئيس حزب الحركة الوطنيّة، حذا حذوه ووصف المعارضين "غير العقلانيّين" للمشروع بأنّهم غير وطنيّين. ومن المفارقات أنّ كلا الزّعيمين كان ضدّ المشروع خلال مراحل مختلفة من التّاريخ. فقد قدّم رئيس الوزراء السّابق بولنت أجاويد الفكرة في عام 1994، عندما كان عضواً في البرلمان، وعارضها أردوغان بقوّة في ذلك الوقت، عندما كان مرشّحاً لمنصب رئيس بلديّة إسطنبول. وبالمثل، وصف بهتشيلي القناة بأنّها "مشروع جنونيّ سيمكّن السّرقة" مجدّداً في عام 2011، عندما قدّمه أردوغان لأوّل مرّة، وكان بهتشيلي ما يزال في صفوف المعارضة.

أعلن أردوغان أنّ "القناة ستبنى سواء أعجبهم ذلك أم لا"
كجزء من اتّجاه أوسع، أصبح الجمهور التّركيّ أكثر حساسية تجاه القضايا البيئيّة. فخلال العقد الماضي، وقعت احتجاجات لا حصر لها في كافّة أنحاء الأناضول، لا سيّما لمعارضة بناء محطّة توليد الطّاقة الكهرومائيّة. وفي الآونة الأخيرة، تجمّع الآلاف من النّاس في مقاطعة كاناكالي للاحتجاج على مشاريع تعدين الذّهب الّتي من شأنها أن تلحق الضّرر بالبيئة. الخيط المشترك لهذه الاحتجاجات هو أنّها تشمل أشخاصاً من جميع الأطياف السّياسيّة.

إذا تمكّن أوغلو من الفوز بالحشد في الجدل الدّائر حول المشروع فقد يوجّه ضربة قاتلة لأردوغان بالانتخابات الرئاسية المقبلة

اغتنم إمام أوغلو الفرصة لوضع نفسه أمام أردوغان في جدل له أهميّة وطنيّة من أجل تعزيز محاولته في الانتخابات الرّئاسيّة المقبلة. وهو يضغط على الرّئيس بشأن التّداعيات الاقتصاديّة والبيئيّة للمشروع. وكلاهما له صداه لدى الجمهور. على الجبهة الاقتصاديّة، ليس من الواضح كيف سيموَّل المشروع. إذا كان ذلك سيتمّ من خلال الأموال العامّة، فسيسأل النّاخبون عمّا إذا كان هذا هو التّخصيص الصّحيح للموارد في وقتٍ زاد خلاله العجز في الميزانيّة بنسبة 70 في المائة في عام 2019 ليصل إلى 21 مليار دولار، ووصلت الزّيادة الأخيرة البائسة في الحدّ الأدنى للأجور إلى 15 في المائة، تاركةً من حظي بها تحت خطّ الفقر بكثير.
حتّى الآن، تقف الحكومة بحزم. فقد أعلن أردوغان أنّ "القناة ستبنى سواء أعجبهم ذلك أم لا". لكن من غير المؤكّد أنّ خطابه المعتاد سيكون كافياً لكسب الجماهير هذه المرّة، لا سيّما عندما يتعلّق النّقاش بقضايا ذات أهميّة حقيقيّة للنّاخبين.
بعد تكرار الانتخابات البلديّة في إسطنبول، والّتي خسرها حزب أردوغان مرّتين، يستعدّ إمام أوغلو للفوز الثّاني على أردوغان - هذه المرّة على السّاحة الوطنيّة. وإذا تمكّن إمام أوغلو من الفوز بالحشد في الجدل الدّائر حول مشروع القناة، فقد يوجّه ضربة قاتلة لأردوغان في الفترة الّتي تسبق الانتخابات الرّئاسيّة عام 2023.


كان سيلكوكي، فورين بوليسي

مصدر  الترجمة عن الإنجليزية:

https://foreignpolicy.com/2020/01/16/turkey-erdogan-imamoglu-istanbul-canal-battle-over-infrastructure-could-shape-next-presidential-race/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية