هل هناك موقف تركي جديد من سوريا؟

هل هناك موقف تركي جديد من سوريا؟

هل هناك موقف تركي جديد من سوريا؟


03/10/2023

تتواصل التحولات التركية، وبصورة تعكس التحولات الدولية المرتبطة بموقع تركيا الدولي وعضويتها في الناتو، وعلاقاتها مع روسيا، بما فيها مواقف أنقرة تجاه الحرب الروسية ـ الأوكرانية، تلك المواقف التي صاغتها أنقرة بتفاهمات واسعة مع روسيا، مع تنفيذ التزاماتها المرتبطة بعضويتها في الناتو وتزويد أوكرانيا بأسلحة ومسيّرات، وبالتزامن فإنّ هذه التحولات الدولية انعكست بتحولات أخرى إقليمية كانت الحرب الأذربيجانية ضد أرمينيا أبرز عناوينها، وهي الحرب التي حققت فيها أذربيجان "حليفة تركيا" انتصاراً على أرمينيا غريمة تركيا، وحليفة إيران، ويبدو أنّ تلك التحولات تنسحب على موقف أنقرة من سوريا.

 ولعلنا لا نبالغ في القول: إنّ هناك مرجعيتين في التحولات التركية، على أساسهما يتم بناء المواقف والسياسات التركية وصناعة القرارات؛ وهما: الأولى: الأمن القومي التركي بمفهومه الواسع، وبما يشمل خلافاتها مع اليونان حول حقول النفط والغاز في البحر المتوسط، وما يوصف بالخطر الكردي في شرق تركيا وشمال العراق وفي مناطق واسعة في الشمال السوري، والثاني: ربط التحولات وبناء المواقف منها بمرجعية تحقيق منافع اقتصادية، في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة في تركيا، وهو ما يفسر التقدم في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، والتي يتم بناؤها على أساس المنافع الاقتصادية المشتركة .

الجديد في التحولات التركية الإقليمية مواقف تركية جديدة تجاه الملف السوري والمصالحة مع دمشق

الجديد في التحولات التركية الإقليمية مواقف تركية جديدة تجاه الملف السوري والمصالحة مع دمشق، عبّرت عنها أنقرة في مناسبتين تجاه سوريا، ومطلب انسحابها عسكريّاً من الشمال السوري مقابل تطبيع علاقاتها مع دمشق، فقد أعلنت أنقرة مواقف جديدة تؤكد رفضها الانسحاب من سوريا، مع موافقتها على بقاء أبواب التفاوض مع حلفاء دمشق (روسيا وإيران) مفتوحة، ففي اجتماع بين وزير الخارجية التركي (هاكان فيدان) مع نظيريه الروسي (لافروف) والإيراني (عبد اللهيان) في نيويورك، تم "بحث تطورات الأوضاع في سوريا، وتبادل وجهات النظر في مختلف القضايا المتعلقة بالأزمة، بما فيها المبادرة الروسية ـ الإيرانية للتطبيع بين أنقرة ودمشق"، وصدر بيان ختامي عن الاجتماع تضمّن عبارات مكرّرة من نوع "مواصلة الجهود لتعزيز التسوية في سوريا"، و"ضرورة حشد المساعدة الخارجية لسوريا، بما في ذلك المساعدات لمصلحة إعادة الإعمار"، إضافة إلى تأكيد استمرار العمل من أجل توفير الظروف الملائمة لدفع عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، كما أكد البيان دعم المسار الأممي المتمثل باللجنة الدستورية، التي تم التأكيد على عودتها بإشراف أممي، بعد توافق دول (أستانا) على ذلك خلال اجتماعها في كازاخستان في حزيران (يونيو) الماضي، بالإضافة إلى المبادرة العربية، المتمثلة بخطوة مقابل خطوة كما أقرتها القمة العربية في الرياض في أيار (مايو) الماضي، والقرار بنقل المباحثات الأممية من جنيف إلى سلطنة عُمان.

أعلنت أنقرة مواقف جديدة تؤكد رفضها الانسحاب من سوريا، مع موافقتها على بقاء أبواب التفاوض مع حلفاء دمشق (روسيا وإيران) مفتوحة

ورغم الموقف التركي في هذا الاجتماع الذي يمكن وصفه بأنّه جاء في سياق اجتماعات دبلوماسية، إلّا أنّ المتغير الحقيقي في الموقف التركي يتمثل في تصريحات وزير الدفاع التركي (يشار غولر)، التي ربط فيها وجود القوات التركية في الشمال السوري بالتطورات السياسية في سوريا، وقدّمها بصورة شروط تركية تتضمن: إنشاء دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية، إضافة إلى تشكيل حكومة تمثّل جميع الأطياف السورية، وهو موقف جديد، إذ كانت أنقرة تربط وجود قواتها بالمخاوف الأمنية، وهو ما حاولت موسكو وطهران الاستجابة له عبر طرح إمكانية التوصل إلى اتفاق يعيد نشر قوات الجيش السوري على كامل الحدود، وتفعيل اتفاقية (أضنة) الموقّعة بين سوريا وتركيا عام 1998، والتي تسمح لتركيا بالتوغل (5) كيلومترات في الأراضي السورية، وهو ما تضمنته مبادرة إيرانية أعلن عنها وزير الخارجية (عبد اللهيان) قبل وقت قصير.

ومع ذلك، فإنّ التهديد الأمني من قبل تنظيمات كردية بالنسبة إلى أنقرة ما زال هدفاً ثابتاً، فقد صرح وزير الدفاع التركي بالقول: "مرّة أخرى نقول إنّ الجانب السوري لا يجد وقتاً لمن يستخرجون ويبيعون نفط الشعب السوري، لأنّهم مشغولون فقط بالتعامل مع بعض المناطق التي أرسينا فيها السلام والأمن، ويريدوننا أن نخرج منها"، وقد جاءت هذه التصريحات قبيل اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي برئاسة أردوغان، تناول فيها تهديدات "الوحدات" الكردية، وأكد أنّ التنظيمات الإرهابية الكردية "تقتل الأبرياء، وتجند الأطفال قسراً، وتستغل الموارد الطبيعية للبلاد، وتشكّل عائقاً أمام السلام والأمن والاستقرار في سوريا".

يرجح أن يواصل أردوغان سياسة انتزاع المواقف لصالح تركيا من واشنطن حيناً، ومن موسكو أحياناً أخرى، عبر بناء "تفاهمات" لا ترقى إلى مستوى التحالفات الاستراتيجية

وفي الخلاصة؛ فعلى أهمية المرجعية الأمنية في الموقف التركي تجاه المصالحة مع دمشق، وإمكانية الذهاب بعيداً في إجراءات تطبيع، بضمانات جديدة تتعهد فيها دمشق بمواجهة التنظيمات الكردية في سوريا، إلّا أنّ طرح أنقرة لشروط جديدة للمصالحة والتطبيع مع دمشق، بما في ذلك سحب قواتها من الشمال السوري، يرتبط بالحلّ المستقبلي للقضية السورية، ويؤكد أنّ أنقرة تصنع مواقفها تجاه دمشق بمرجعية تفاهمات مع موسكو وواشنطن، ويبدو أنّ ما ظهر من تفاهمات بين أنقرة وموسكو مؤخراً بخصوص الحرب الأذربيجانية ـ الأرمينية، لم ينعكس بتفاهمات جديدة في سوريا، ويرجح أن يواصل الرئيس أردوغان سياسة انتزاع المواقف لصالح تركيا من واشنطن حيناً، ومن موسكو أحياناً أخرى، عبر بناء "تفاهمات" لا ترقى إلى مستوى التحالفات الاستراتيجية، لا سيّما من موسكو المحاصرة بعد حربها مع أوكرانيا، وتحوّل أنقرة إلى رئة تتنفس منها روسيا، فهل ستكون سوريا جزءاً من الثمن الذي سيقبضه بوتين من أردوغان، بعد تسهيل انتصار أذربيجان على أرمينيا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية