هل ما يجري في اليمن استمرار معارك "عض الأصابع" بين واشنطن وطهران؟

هل ما يجري في اليمن استمرار معارك "عض الأصابع" بين واشنطن وطهران؟


14/03/2021

تشهد الحرب في اليمن تصعيداً جديداً على الأرض، في معارك جديدة بين الحوثيين في محافظة مأرب، وعبر السماء في تزايد استهداف مناطق بالمملكة العربية السعودية من خلال الصواريخ والطائرات المسيّرة، ويجري كلّ ذلك في سياقات جديدة أنتجتها القيادة الأمريكية الجديدة التي تسارعت على وقع  الضغوط التي تعيشها لـ"مخالفة" سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب في اليمن، بما في ذلك القرار الأمريكي المتزامن بوقف تصدير السلاح إلى المملكة العربية السعودية، على خلفية حرب اليمن، ورفع اسم الحوثي عن قائمة الإرهاب الأمريكية، في إطار تقديم موقف أمريكي جديد ومتوازن ، يفترض أن يؤسّس لعملية سلام في اليمن، ويوقف الحرب الدائرة منذ 7 أعوام فيه وعليه.

التصعيد من قبل الحوثي لا علاقة له بمجريات الحرب على الأراضي اليمنية، بل يرتبط مباشرة بتوجيهات إيرانية في إطار معارك عضّ الأصابع بين واشنطن وطهران

ملحظ آخر يلفت نظر المتابعين هو أنّ هذا التصعيد يأتي في سياقات أخرى سبقت المقاربة الأمريكية الجديدة، وتزامنت معها، تتمثل في شيوع أجواء تهدئة، عبّرت عنها مفاوضات بين الحوثيين والشرعية لتبادل الأسرى والمعتقلين، جرت في الأردن وعواصم أوروبية، وتسريبات لم يتمّ نفيها بشكل حاسم بين المملكة العربية السعودية والحوثيين على وقف الحرب وإطلاق مفاوضات تسوية بين الفرقاء اليمنيين.

اقرأ أيضاً: الجيش اليمني يعيد الأمل لضحايا الحوثيين من الأطفال... ماذا فعل؟

واضح أنّ المقاربة الأمريكية لم تنجح في التهدئة، رغم أنها أظهرت موقفاً تشير مخرجاته إلى الاعتراف بالحوثيين، ووقف الدعم والتأييد للسعودية، بما في ذلك وقف إمدادات السلاح، وقد تحوّلت مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين، ومعها "الهدن" التي تمّ التوصل إليها، إلى ملهاة لم تؤسّس لمفاوضات سلام كما أريد لها.

كلّ ذلك مدعاة للتوقف واجتراح مقاربة تحليل لما يجري، تجيب عن تساؤلات حول مرجعيات هذا التصعيد، بمعزل عن الاتهامات المتبادلة بين السعودية والحوثيين حول الطرف البادئ والمسؤول عن هذا التصعيد، ويبدو أنّ ما يشهده اليمن يقدّم شهادة جديدة على أنّ حرب اليمن جاءت في إطار صراع إقليمي تقوده طهران في المنطقة، وقد أعلنت مراراً بفخر سيطرتها على 4 عواصم عربية، من بينها صنعاء، بالإضافة إلى بغداد ودمشق وبيروت، وهو ما يعني أنّ أيّ تصعيد في تلك العواصم، ستكون إيران أحد أطرافه الفاعلة، مع اختلاف الأوزان النسبية للدور الإيراني ووكلائها في تلك العواصم، ما بين بغداد المسيطر عليها بالكامل من قبل طهران، إلى السيطرة النسبية في سوريا، والأكثر قوّة وفاعلية في بيروت.

اقرأ أيضاً: الجيش اليمني والتحالف يكثفون ضرباتهم ضد الحوثيين... في هذه المناطق

التصعيد من قبل الحوثي لا علاقة له بمجريات الحرب على الأراضي اليمنية، بل يرتبط مباشرة بتوجيهات إيرانية في إطار معارك عضّ الأصابع بين واشنطن وطهران، فحرب اليمن أطرافها الرئيسة السعودية وأمريكا من جهة، وإيران من جهة أخرى، وبقية القوى والجيوش والميليشيات التي تمارس الحرب على الأراضي اليمنية ما هي إلا "وكلاء" بصور مباشرة أو غير مباشرة للعواصم الـ3: "طهران، الرياض، واشنطن"، وأمّا القوى الأخرى الإقليمية والدولية، فهي ليست أكثر من قوى فاعلة ومساندة، تشكّل أدوارها في النهاية مصادر إسناد لأحد الأطراف الـ3.

لأنّ قرار التصعيد في اليمن إيراني، فمن المرجّح استمراره في المدى المنظور، ما دامت مقاربة عضّ الأصابع تشكّل عنواناً للنزاع الأمريكي ـ الإيراني

التصعيد في اليمن استعراض للقوة الإيرانية والأوراق التي تملكها في المنطقة، استثمرت بدهاء الموقف الأمريكي الجديد تجاه السعودية، ويشكّل اختباراً إيرانياً لاتجاهات الإدارة الأمريكية الجديدة، وتذكيرها بقدرتها على التحرّك في المناطق التي تسيطر عليها طهران، وهو ما يفسّر تزامن هذا التصعيد مع تصعيد آخر تشهده الحدود بين سوريا والعراق ضد الميليشيات الشيعية، بينما لم يظهر هذا التصعيد عبر قطاع غزة من قبل حركة حماس حليفة طهران، ولا من الساحة اللبنانية عبر حزب الله، لحسابات إيرانية خاصّة، لا ترى أنّ وقت التصعيد مع إسرائيل قد حان موعده.

ولأنّ قرار التصعيد في اليمن إيراني، فمن المرجّح استمراره في المدى المنظور، ما دامت مقاربة عضّ الأصابع تشكّل عنواناً للنزاع الأمريكي ـ الإيراني، وسيكون مستوى هذا التصعيد مرتبطاً بالمفاوضات القادمة بين الطرفين، والتي يبدو أنّ هناك مقاربتين تجاهها: الأولى أمريكية؛ جوهرها أنّ على طهران تقديم ما يثبت تغييرات في سياساتها في الملف النووي والصواريخ، والتدخل الإقليمي في المنطقة، ومقاربة إيرانية جوهرها رفع العقوبات أوّلاً ثمّ التفاوض على الملفات الخلافية، وفي ثنايا هذين الموقفين مواقف أمريكية ضاغطة تدعو بايدن لعدم استعجال العودة إلى الاتفاق النووي، يقابلها مواقف ضاغطة على الحكومة الإيرانية لعدم استعجال تقديم تنازلات، يقودها المرشد الأعلى للثورة، وأداته الحرس الثوري الإيراني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية