هل سيتولى الجيش قيادة لبنان بإشراف فرنسي ودعم دولي؟

هل سيتولى الجيش قيادة لبنان بإشراف فرنسي ودعم دولي؟


12/08/2020

تتكشف يوماً بعد يوم بعض ملامح قصة تفجير ميناء بيروت، التي تشير كافة الدلائل والمعطيات إلى أننا أمام عملية استخبارية معقدة، تشترك في ترتيباتها وكشف خيوطها أجهزة استخبارية دولية في "واشنطن، باريس، لندن، موسكو، برلين، تل أبيب"، أبرزت مقاربات جدليات العلاقة بين الأمني والسياسي، وأثبتت أنهما يكملان بعضهما بعضاً، وأنّ الأمني دوماً كان بخدمة السياسي.

يبدو أنّ فرنسا ستقود جهداً أوروبياً يعمل وفق خطط مرحلية ومتزامنة، بين إعادة الترتيب السياسي وإعادة الإعمار

لا أحد، حتى اللحظة، يملك أدلة كافية تؤكد أنّ التفجير كان نتيجة خلل فني وتقصير بمسؤولية حفظ وتخزين مادة نترات الأمونيوم في المرفأ منذ أكثر من 6 أعوام، وحتى إذا كانت تلك الكمية المعلن عنها موجودة بالفعل أم لا، وبالتالي القول إنّ التفجير حادث عرضي سببه الإهمال، أو إنه نتيجة عملية عسكرية تمّت بضربة صاروخية أو بتفجير قنبلة تمّت زراعتها عبر عملاء لجهة ما، وتفجيرها، وبالتالي وصول الانفجار إلى مخازن نترات الأمونيوم، أو ما تبقى من نترات الأمونيوم فيها، وفيما إذا كانت أعمدة الدخان المتصاعدة، وفقاً لخبراء متفجرات، تؤكد أنّ ما تمّ هو تفجير لأسلحة ومتفجرات مخزَّنة.

اقرأ أيضاً: هل وصلت النيران التركية إلى لبنان؟

التسريبات الغربية تشير إلى أنّ تعاوناً وثيقاً تمّ في متابعة هذه العملية من قبل أجهزة الاستخبارات الألمانية والفرنسية والبريطانية، وعبر تكنولوجيا استخبارية متطوّرة، توصلت خلاصتها إلى أنّ ما جرى في مرفأ بيروت كان تفجيراً، ولم يكن انفجاراً، عبر طرف إقليمي لديه إمكانيات تكنولوجية "المقصود إسرائيل"، وهي القناعة التي تتعزّز في المنطقة العربية استناداً لمقاربة المستفيد المحتمل من التفجير، وأنّ الغموض الذي يكتنف ما حدث في مرفأ بيروت يتساوق مع حوادث مشابهة تشهدها إيران وسوريا والعراق، لدرجة أنه تمّ تداول فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقارن بين تفجير بيروت وتفجير آخر تمّ قبل 6 أشهر في سراقب السورية بصورة مطابقة.

اقرأ أيضاً: سياسيون لبنانيون لـ "حفريات": تمويل قطر لحزب الله جريمة بحقّ الإنسانية

تداعيات تفجير بيروت داخلياً بين القوى السياسية اللبنانية، وخارجياً على مستوى الفاعلين الإقليميين والدوليين، تشير إلى أنه يتمّ استثمار التفجير باتجاه إعادة تشكيل لبنان، وفق قواعد جديدة، مرجعياتها طرفان وهما: حزب الله اللبناني وسلاحه، ومستقبل هذا السلاح ومسؤولية الحزب في التفجير بوصفه يدير الدولة اللبنانية برئاساتها الثلاث، والطرف الثاني، وهو الحاضر الغائب، ممثلاً بإسرائيل المتّهمة بالوقوف وراء العملية.

إعادة التشكيل من الواضح، واستناداً لتطوّرات ما بعد التفجير وتداعياته، تقودها فرنسا ومعها بريطانيا وبتنسيق كامل مع أمريكا، وتحديداً الدولة العميقة فيها ممثلة بـ"السي آي إيه" و"البنتاغون" وإلى حدٍّ ما وزارة الخارجية، ويبدو أنّ زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت والتصريحات الحادة التي أطلقها من هناك ضدّ النخبة السياسية، ولاحقاً عقد مؤتمر دولي لمساندة لبنان بقيادة فرنسا، كلها كانت بتنسيق كامل مع واشنطن ولندن وبرلين.

اقرأ أيضاً: لبنان... تسوية أسوأ من الفراغ

ولعلّ السؤال المطروح اليوم هو: ما الذي تخطّط له فرنسا بالتعاون مع حلفائها في واشنطن ولندن لاستثمار هذا التفجير؟ وكيف ستتمّ إعادة تشكيل لبنان؟ يبدو أنّ الفرنسيين يعملون باتجاهين لتنفيذ خطة إعادة تأهيل لبنان: الأوّل ضغط سياسي على النخبة السياسية اللبنانية بكافة أطيافها لإعادة تشكيل الحكومة، وربما الرئاسات الثلاث في المدى المنظور، والراجح أنّ استقالة حكومة دياب كانت ضمن "تعليمات" أبلغها ماكرون للقيادات اللبنانية خلال زيارته، أمّا الاتجاه الثاني، فيتمثل بهذا الحضور العسكري المكثف للبحرية الفرنسية والبحرية البريطانية لإدارة الملف اللبناني وإعادة ترتيبه، بعد مطالب لبنانية بإعادة الانتداب الفرنسي.

التسريبات الغربية تشير إلى أنّ ما جرى في مرفأ بيروت كان تفجيراً، ولم يكن انفجاراً، عبر طرف إقليمي لديه إمكانيات تكنولوجية "المقصود إسرائيل"

وإلى جانب ذلك، فإنّ لبنان يتشكّل اليوم بقيادة فرنسية ـ بريطانية، تعمل في الواجهة ومن خلفها الولايات المتحدة المشغولة بانتخاباتها الرئاسية، وإسرائيل المطلوب منها أن تقف بعيداً عن المشهد، فيما القوى الإقليمية لا دور لها في إعادة التشكيل، فإيران، ومعها حزب الله، هما هدف العملية وإعادة إنتاج لبنان، فيما السعودية ومصر، بوصفهما القوتين العربيتين الأكبر، مشغولتان بهمومهما الداخلية، وإن كانت أيّة ترتيبات بإشراف أمريكي- أوروبي تتوافق مع استراتيجيتهما، أمّا تركيا، فهناك خط أحمر فرنسي على أيّ دور تركي، وهو ما يفسّر الزيارة التي قام بها نائب الرئيس التركي والتبرعات والوعود السخية للبنان، علماً بأنّ الدور التركي لن يكون له أيّ تأثير في لبنان، بما في ذلك في أوساط السنّة، فبالإضافة إلى الرفض الفرنسي والأوروبي لهذا الدور، فإنّ إيران وحزب الله لن يقبلا بدور تركي، في ظلّ تجربتهما مع تركيا ودورها في سوريا.

اقرأ أيضاً: أورنيلا سكر: حزب الله يوفر مساحة فتنة طائفية في لبنان

  إذن، ما الذي يمكن أن تفعله فرنسا في لبنان؟ يبدو أنّ فرنسا ستقود جهداً أوروبياً يعمل وفق خطط مرحلية ومتزامنة، بين إعادة الترتيب السياسي وإعادة الإعمار، وتحت عناوين رئيسية وفرعية، أبرزها: كخطوة أولى، سيتمّ إخلاء بيروت ومحيطها من الأسلحة، "بيروت منزوعة السلاح"، ومنع تخزين الأسلحة في المدن والأحياء السكنية، بما في ذلك قرى الجنوب والشمال  وفي الوسط، فيما سيتولّى الجيش اللبناني "قيادة البلاد"، وتشكيل ما يقترب من حكومة عسكرية، وتقديم الدعم والغطاء الدولي لها، وبوصفها حكومة عسكرية من الجيش ستكون هي الوحيدة القادرة على ضبط وسحب أسلحة كافة الميليشيات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية