هل تنجح المقاربة الأمنية المغربية في إدماج العائدين من داعش؟

داعش

هل تنجح المقاربة الأمنية المغربية في إدماج العائدين من داعش؟


24/04/2019

تجدّد النقاش في المغرب حول عودة المغاربة الذي انضموا لداعش، عقب تسليم تركيا، عماد جيبار، للمغرب، وهو أحد أبرز مغاربة داعش، الذين ساهموا في عملية الاستقطاب وتأمينِ رحلة الدواعش إلى المغرب.
وينتقد البعض إعادة مغاربة داعش؛ معتبرين أنّهم يشكلون تهديداً على السلم والأمن بالمغرب، في حين أنّ هناك من يطالب بإدماجهم بالمجتمع، بعد التحقق من عدم مشاركتِهم في عمليات إرهابية، لكن كيف يمكن إدماج من كان يتبنّى خطاباً تكفيرياً رافضاً للآخر بالمجتمع؟ وهل يمكن إدماجهم في مجتمع قائم على تعددية؟ وكيف يمكن أن يتحقق هذا الإدماج؟
احتمال تحول سجون البلاد إلى بؤر وأوكار للدعوة لفكر هذه التنظيمات

عماد جيبار أبرز مغاربة داعش
تسلم المغرب، مؤخراً، من السلطات التركية، عماد جيبار، أحد أبرز مغاربة داعش، ورأى المركز المغربي للدراسات الأمنية؛ أنّ هذه الخطوة ستمكّن السلطات الأمنية المغربية من فكّ خيوطِ العديد من ألغاز التحاق الشباب المغاربة ببؤر التوتر بسوريا والعراق، وعلاقاتهم بخلايا الاستقطاب والتجنيد، سواء بالمغرب أو خارجه (إسبانيا، بلجيكا، وفرنسا، ...إلخ).

كشف تقرير أنّ أغلب المقاتلين المغاربة الذين التحقوا بصفوف التنظيمات المتطرفة بالعراق وسوريا لم ينتموا إلى أيّ حزب

ويضيف أنّ ذلك سيساهم في تقدير مستوى خطورة العديد من الدواعش المغاربة، الذين يُجهل مصيرهم بعد سقوط آخر قلاع داعش بالباغوز، قبل أسابيع، ويقدر عددهم بين 700 و800 شخص، بحسب المركز.
وتتهم العديد من الأجهزة الاستخباراتية، عماد جيبار، البالغ من العمر 27 عاماً، والمنحدر من مدينة الفنيدق (شمال المغرب)، الذي تمّ إيقافه خلال شهر نيسان (أبريل) العام الماضي في تركيا، بأنّه أحد أكبر المجندين الرئيسين في المغرب وإسبانيا، بما في ذلك استقطاب مغاربة سبتة، إلى جانب كونه متخصصاً في تأمين رحلات الدواعش آنذاك من المغرب وإسبانيا، نحو الكتيبة التي أسسها ابن مدينته، أبو أسامة المغربي.
ونهج المغرب المقاربة الأمنية التي ترتكز على معاقبة كلّ من التحق، أو حاول الالتحاق، بكياناتٍ أو جماعاتٍ إرهابية، مهما كان شكلها وأهدافها، أو مكان تواجدها، من 5 أعوام إلى 15 عاماً سجناً، وغرامة تتراوح بين 50 ألف و500 ألف (الدولار يساوي 9.60 درهم مغربي).

اقرأ أيضاً: كيف تستعدّ الكويت لاستقبال "مواطنين دواعش"؟ وما رؤيتها لإدماجهم؟
وكانت الحكومة المغربية قد سمحت بعودة 8 مقاتلين مغاربة انضموا لتنظيم داعش في سوريا، ووصفت الداخلية المغربية إعادة المقاتلين المغاربة إلى وطنهم "آمنين"؛ بـ "الإنسانية في طبيعتها"، وذلك قبل التحقيق معهم في إمكانية ضلوعهم بجرائم تتعلق بالإرهاب خلال انتمائهم للتنظيم.
مرصد الشمال لحقوق الإنسان: عزلة العائدين من داعش تشكل خطراً على المجتمع

"انعزالهم هو الذي يشكل خطراً"
ويرى مرصد الشمال للدراسات والأبحاث وحقوق الإنسان؛ أنّ القانون الدولي يفرض على الدول حماية رعاياها في حالة الحروب، معتبراً أنّ المغرب مسؤول عنهم من ناحية الحقوقية.
ويدعو محمد بن عيسى إلى "إعادة إدماجهم بالمجتمع، بعد التحقيق معهم، لمعرفة إذا كانوا متورطين في قضايا إرهاب، وأيضاً إعادة أطفالهم؛ فليس لهم أي ذنب".
ويضيف محمد بن عيسى في تصريح لـ"حفريات": "انعزالهم هو الذي يشكل خطراً على المجتمع، كما هو الحال بالنسبة إلى النساء المغربيات العائدات من داعش، أغلبهن يعشن في عزلة".

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب، بين قبضة الأمن وإعادة الإدماج
يشدّد رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان على ضرورة إشراك المغاربة العائدين من داعش في الفعاليات، والعمل على إدماجهم بالمجتمع.
ويشير بن عيسى إلى أنّ المقاربة الأمنية نجحت في محاربة الإرهاب، بيد أنّنا نحتاج إلى استئصال الفكر المتطرف من جذوره.
وفي دراسة ميدانية، كان قد أنجزها "مرصد الشمال للدراسات والأبحاث وحقوق الإنسان"، الذي يوجد مقره بمرتيل، شمال المغرب، كشف أنّ أغلب المقاتلين المغاربة الذين التحقوا بصفوف التنظيمات المتطرفة بالعراق وسوريا، لم يسبق لهم الانتماء إلى أيّ حزب أو جمعية، مؤكداً أنّ أغلب المقاتلين الذين سبق لهم ممارسة نشاط جمعوي، كانوا أعضاء في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السلفيين.

اقرأ أيضاً: تركيا وداعش: نهاية اللاعبين بالنار
وبحسب التقرير؛ الذي أُنجز في تطوان، شمال المغرب: فإنّ 10% من المستجوبين سبقت لهم المشاركة في الحركات الاجتماعية، وهي حركة 20 فبراير، إضافة إلى اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين السياسيين، وهي اللجنة التي تنظم وقفات أمام المساجد أو السجن المحلي، كلّ يوم جمعة، في مدن: تطوان، المضيق، الفنيدق، ومرتيل، شمال المغرب.
وبخصوص المستوى الدراسي لهؤلاء المقاتلين، الذين التحقوا بالعراق وسوريا، أشارت الدراسة، إلى أنّ أزيد من 57% من العينة التي جرت الدراسة عليها، لم تتجاوز المستوى الابتدائي، في حين 27% بلغ مستواهم الإعدادي، مقابل 6% ثانوي، و10% جامعي، وأنّ 74% من العينة المبحوثة تنحدر من فئة اجتماعية هشّة، تقطن أحياء هامشية بكلّ من مدن الفنيدق وتطوان ومارتيل، وأنّ حياتهم اليومية غارقة في العزلة والانطواء، وعدم التوافق والتكيف الاجتماعيين.
كيف يمكن إدماج العائدين؟
كيف يمكن إدماج العائدين المغاربة من التنظيمات المتطرفة، خصوصاً داعش، في المجتمع المغربي؟ يجيب الباحث المغربي يوسف المساتي: "الأمر يطرح طبيعة التعامل مع هذه العودة، على مستوى التدبير القانوني لها، وما قد تفرزه من احتمال تحول سجون البلاد إلى بؤر وأوكار للدعوة لفكر هذه التنظيمات".

اقرأ أيضاً: تحذيرات.. تنظيم داعش يتمدّد في هذه الدول
ويشدّد المساتي على أنّ "أبرز هذه المستويات، أو التحديات، يظلّ ثقافياً بالأساس، معتبراً أنّ محاولة فهم هذا الأمر تستوجب العودة إلى طبيعة المنظومة الفكرية، التي تؤطر تفكير المنتمين لهذه التنظيمات".
ويقول الباحث المغربي إنّ "منظومتهم الفكرية تنبني على عدة عناصر، من بينها ثُنائية دار الإسلام ودار الكفر، وإنّ هذه الثنائية هي المؤطر الأساسي لفكرِ التنظيمات المتطرفة، وتقوم على تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر".
يضيف المساتي: "إذا كانت المنظومة الفقهية التقليدية متضاربة بخصوص التعامل مع دار الكفر، وانقلاب دار الإسلام الى دار كفر، وبالتالي إلى دار حرب، فإنّ سيد قطب، الذي يُعدّ أبرز منظري الحركات الجهادية، المستند إلى القراءات الراديكالية لابن تيمية، الذي يعدّ أيضاً إطاراً مرجعياً للفكر الوهابي التكفيري، قد جاء بفكرة الجاهلية، أي جاهلية المجتمعات التي لا تطبق الشريعة".

اقرأ أيضاً: ملامح إستراتيجية داعش الجديدة في أفغانستان
ويوضح "إطارهم المرجعي جعلنا أمام حالة تكفير عام للدول والمجتمعات الإسلامية والمسلمين كذلك، الذين "لا يقبلون إقامة شرع الله"، ونستحضر هنا أيضاً مفهوم الحاكمية، الذي وضع أسسه أبو الأعلى المودودي، الذي يُعدّ بدوره أحد أبرز منظري تيارات الإسلام العنيف".
ويشير الباحث المختص في إعادة قراءة التراث إلى أنّ "دار الإسلام ودار الحرب تلتقيان مع عقيدة الولاء والبراء، والتي يمكن أن نختصرها في موالاة المؤمنين وبغض الكفار وكرههم".

"السجن يقيم جدراناً ذهنية"

ويضيف المساتي، في حواره مع "حفريات": "بغضّ النظر عن التفصيلات الفقهية في معنى وشروط كيفية الولاء والبراء، فإنّ التعبير عن الكره قد يكون مادياً، من خلال ممارسة العنف ضدّ المجتمع، ما تجلى بشكل واضح في الشام والعراق، أو من خلال الكره بالقلب، وعدم المجاراة في الأفعال والممارسات المنافية "للإسلام القويم"، وإنّ التحول الذي طرأ على التكفير يشمل أيضاً المسلمين المختلفين فكرياً".

اقرأ أيضاً: ما بعد الباغوز .. هل ثمة إستراتيجية جديدة لداعش؟
ومضى الباحث المغربي قائلاً: "الجهاد والشهادة يعدّان أعلى الفرائض عند المنتمين لهذه التنظيمات، وبالتالي حتى في ظلّ أعمال المقاربة الأمنية، يظل الأمر صعباً، ذلك أنّ فكرة الشهادة التي تشبّع هؤلاء المنتمين بها، والتي تقوم على التضحية بالنفس لمواجهة "الكفار" تجعل من السجون اختباراً يسيراً، يزيد من الفكر التحريضي والمتطرف عند المنتمين لهذه التنظيمات، ويقيم جدراناً ذهنية مع المجتمع الذي يظل "كافراً"، وفكر الجهاد الذي يقوم على "جهاد النفس" حتى لا تنساق مع المحيط". 
حاجز التراث المقدس
هل يمكن إدماج من تُؤطره هذه الخلفية الثقافية ويعدّها مقدسة؟ وهل يمكن أن ينتمي لمجتمع قائم على التعددية؟ يقول الباحث المغربي يوسف المساتي: "هذا الإدماج يظل صعباً جداً ما يعني أنّنا في الواقع نكون أمام خطر حقيقي، يتمثل في وجود خلايا نائمة، قابلة للتحرك في أي وقت".

الباحث يوسف المساتي: يتعين إعادة قراءة النصوص الدينية قراءات مغايرة عبر إخضاع النص الديني لمنهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية المتجددة

يقول المتحدث ذاته: "الإدماج يتطلب اشتغالاً كبيراً، على عدة مستويات، فلإدماج المتطرف لا بدّ من تغيير أفكاره، والأمر يتطلب تجفيف منابع التطرف فكرياً، لكن الإشكال الذي نواجهه في سياقنا الراهن، أنّ منابع التطرف دمجت المقدس والتراث، الذي أضحى بدوره مقدساً، بشكل أو بآخر، ما يعيد للواجهة إشكالية علاقتنا بالتراث في شتى أبعاده".
ويضيف: "بنية المجتمع تميل إلى الإعلاء من شأن ومساحة المقدس، مشدداً على ضرورة الشروع في عملية نقد حقيقي وجريء، بمعزل عن القراءات المؤدلجة للتراث، وأيضاً إعادة قراءة النصوص الدينية قراءات مغايرة عبر إخضاع النص الديني لمنهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية المتجددة".
وشدّد المساتي على ضرورة "إعادة قراءة تاريخنا قراءة نقدية، بعيداً عن التصورات المثالية"، مشيراً إلى أنّ نجاح في هذا الأمر سيمكننا من "تجفيف منابع التطرف المستندة إلى المرجعية الدينية، وبالتالي يصبح الاندماج سهلاً، في ظلّ وجود بنية استقبال حاضنة، تسهل هذه العملية".
لإدماج المتطرف لا بدّ من تغيير أفكاره، والأمر يتطلب تجفيف منابع التطرف فكرياً

مشروع مجتمعي واضح
ورأى الباحث المغربي أنّ هذا النجاح مرتبط بعوامل أخرى، وهي مشروع مجتمعي واضح، مشيراً إلى أنّه لا بدّ من أن تتوفر الدولة على تصور واضح للمجتمع الذي تريده، فالأمر لا يرتبط فقط بما هو اقتصادي، مشدداً على أهمية التعليم النقدي، الذي لا تقتصر وظيفته على الاستجابة لمتطلبات السوق؛ بل أيضاً مساهمته في إنتاج فرد ذي عقل نقدي، متشبع برؤية أكثر حداثة.
ودعا الباحث المغربي إلى ضرورة تتبع نفسي واجتماعي للعائدين من بؤر التوتر، وإعادة تأطيرهم فكرياً ودينياً وثقافياً، مؤكداً على أهمية العنصر الأمني أيضاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية