هل تنجح الحكومة العراقية في تقويض نفوذ إيران هذه المرة؟.. كيف؟‎

هل تنجح الحكومة العراقية في تقويض نفوذ إيران هذه المرة؟.. كيف؟‎


14/12/2020

بدأت الآثار الاستخباراتية تظهر أخيراً على الساحة السياسية العراقية، في خضم محاولة الحكومة العراقية تقويض نفوذ إيران، مقدّمة تفسيرات جديدة للصمت الذي فُسّر على أنه عجز أمام الميليشيات العراقية المرتبطة بطهران، لترجّح أنه "صمت تكتيكي" جهّز لضرب النفوذ الإيراني بالمرجعية الشيعية العراقية الممثلة في مرجعية النجف.

اقرأ أيضاً: ميليشيا "رَبع الله" تتخذ شعار "الولاعة" لإرهاب المجتمع العراقي ودعشنته

وتصدير مرجعية شيعية في مواجهة النفوذ السياسي الفاسد لطهران، الذي يتستر خلف عباءة الدين، يدحض منذ البداية الدعاوى التي يعتمد عليها وكلاء إيران في إثارة النزعة الطائفية والاستعداءات الأمريكية والخليجية لتوطيد نفوذهم، وتبرير أعمالهم التي تصبّ بالأساس في صالح طهران وليس بغداد.

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية العراقي يُحذّر إيران من التدخّل في الشؤون العراقية

كما أنّ سلخ الشيعة الوطنيين المعتدلين عن الموالين لإيران يضعف الأخيرة، ويحجّمها في إطارها، ما يُسهّل مواجهتها التي لا تخلو من مخاطر الفوضى والعنف، لكنها لن تكون بالصعوبة نفسها فيما تتغطى بشعارات أخرى، لا سيّما أنّ تلك الفصائل متورطة في أعمال فساد وعنف.

وجاء نبأ توقيف الزعيم السابق لميليشيا سرايا الخراساني الموالية لإيران، حامد الجزائري، في بغداد أمس، مع 15 من أتباعه من قبل قوة خاصة تابعة لأمن الحشد الشعبي المرتبطة برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، جاء ليبرهن على ذلك التوجّه، خصوصاً أنه جاء عقب أيام من تمهيد فصائل في الحشد الشعبي للانفصال، وتكوين قوة موازية للحشد الذي تغلب عليه السطوة الإيرانية، على أن يتبع مباشرة الحكومة العراقية، ويأتمر بأوامر الجيش.

سلخ الشيعة الوطنيين المعتدلين عن الموالين لإيران يضعف الأخيرة، ويحجّمها في إطارها، ما يُسهّل مواجهتها التي لا تخلو من مخاطر الفوضى والعنف

وتُعدّ ميليشيا سرايا الخراساني من الميليشيات الموالية لإيران، وقد شاركت باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد أواخر عام 2019، وبحسب مواقع عراقية، فإنّ توقيف الجزائري جاء على خلفية تورّطه في قضايا فساد، وكان الحشد قد أصدر قراراً بإعفائه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من منصبه، دون الكشف عن السبب.

تفتيت الحشد

النهج الذي يرى مراقبون أنه كان يتمّ الإعداد له منذ فترة بدأ بالتنفيذ منذ مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري، خلال مؤتمر استمرّ على مدار 3 أيام لـ4 فصائل منضوية تحت "الحشد الشعبي"، لكنها تتبع في ولائها لـ"العتبات الشيعية العراقية"، وفي المقدّمة للمرجع الأعلى آية الله السيستاني.

وأعلنت الفصائل الـ4، وهي فرقتا "الإمام علي القتالية" و"العباس القتالية" ولواء "علي الأكبر" و"أنصار المرجعية"، خلال المؤتمر الأول لها، الذي عُدّ باكورة الانسلاخ عن الحشد الشعبي، عن مصدرين لشرعيتها يتمثلان في: "عراقيتها"، والتزامها الصارم بتوجيهات المرجعية الدينية الشيعية ممثلة بعلي السيستاني. واعتبر المتحدث باسم المؤتمر حازم صخر، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أنّ "حشد العتبات هو أصل الحشد". وأضاف: إنهم "ملتزمون بالقانون العراقي ووصايا المرجعية الدينية"، ويعملون وفق "توجيهات الوكيلين الشرعيين في العتبتين الحسينية والعباسية"، بحسب ما أوردته صحيفة "الشرق الأوسط".

أعلنت الفصائل الـ4  خلال المؤتمر الأول لها عن مصدرين لشرعيتها  يتمثلان في: "عراقيتها"، والتزامها الصارم بتوجيهات المرجعية الدينية الشيعية ممثلة بعلي السيستاني

ولا يُعدّ الخلاف بين السيستاني وإيران بالجديد، فالمرجعية الدينية العراقية من أبرز المواجهين لنفوذ طهران في العراق، والرافضين لتوظيف الانتماء الشيعي لتحقيق أهداف سياسية في العراق، وتوتير العلاقة بين العراق ومحيطها الخليجي.

لكنّ إيران رغم ذلك استطاعت توظيف الفتوى التي أطلقها السيستاني في العام 2014، والتي عُرفت بـ"فتوى الجهاد الكفائي"، وفيها حثّ العراقيين على قتال تنظيم "داعش" لوقف تمدّده بعد سيطرته على ثلث العراق.

اقرأ أيضاً: ميليشيات "ربع اللـه" قناع الفصائل المسلحة في العراق

ودفعت إيران بحلفائها من الميليشيات الشيعية المسلحة للانضمام إلى قوات الحشد، حتى غطّت، بحسب مصادر، نحو 60% منه، واستطاعوا استخدامه لتنفيذ أجندة إيران، والإغداق بالدعم المادي والسلاح على فصائل الحشد حسب الموقف من طهران، وهو ما تحاول الفصائل المعتدلة والحكومة وقفه مؤخراً.

وكان السيستاني قد وجّه رسالة دعم للكاظمي في أيلول (سبتمبر) الماضي تعكس التوافق بين الجانبين، وتدلل على أنّ التغيرات الأخيرة تحدث بتعاون واتفاق ما، وتنذر بما هو أكثر.

اقرأ أيضاً: غسيل الأموال وتهريب النقد في العراق.. فساد الساسة والأحزاب وإيران

آنذاك، أعلن المرجع الشيعي الأعلى في العراق دعمه لخطوات رئيس الوزراء لفرض هيبة الدولة، وهي الصيغة التي لطالما استخدمها الكاظمي في الإشارة إلى تقويض نفوذ الميليشيات المسلحة وإعادة التوازن في علاقات العراق الخارجية.

اقرأ أيضاً: لعبة الاغتيالات السياسية في العراق ترتدّ على إيران

وقال بيان صادر عن مكتب المرجع، بعد لقائه ممثلة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت في مكتبه بمدينة النجف: إنّ "الحكومة الراهنة مدعوة إلى الاستمرار والمضي بحزم وقوة في الخطوات التي اتخذتها في سبيل تطبيق العدالة الاجتماعية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتحسين أداء القوات الأمنية، بحيث تتسم بدرجة عالية من الانضباط والمهنية، وفرض هيبة الدولة، وسحب السلاح غير المرخص به، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد إلى مقاطعات تتحكم فيها مجاميع معيّنة بقوة السلاح، تحت عناوين مختلفة بعيداً عن تطبيق القوانين النافذة".

اقرأ أيضاً: هل ينجح مقتدى الصدر في إخماد انتفاضة العراقيين؟

وردّ الكاظمي على بيان السيستاني بآخر يعلن فيه أنّ "مسار المرجعية الرشيدة وإرشاداتها التي تمثّل منطلقات وأولويات الشعب العراقي الكريم إنما هي دليلنا الدائم نحو تحقيق تطلعات شعبنا في الانتخابات المبكرة الحرّة والنزيهة والعادلة، وأن تستمر الحكومة في الخطوات التي بدأت بها على طريق الحفاظ على السيادة وفرض هيبة الدولة ومحاربة الفساد رغم ما واجهت وتواجه من تحديات وعراقيل".

في غضون ذلك، توقّع المحلل العراقي عبد الله الغنام أن يتمتع حشد العتبات (المنسلخ عن الحشد الشعبي) بقبول جماهيري في الأوساط العراقية، وحماية شعبية وإيديولوجية يوفرها السيستاني، خاصة أنّ التشكيل الجديد يمثل أكثر من 40 % من تعداد عناصر الحشد الشعبي، وعادة ما تغيب تلك الميليشيات عن الذكر في ملف الانتهاكات والجرائم الطائفية، إذ توصف بأنها الأكثر التزاماً، بحسب ما أورده موقع "ميديا مونيتور".

اقرأ أيضاً: هل يتحول العراق إلى ولاية فقيه صدرية

وحول الخطوة وتوقيتها يرى الغنام أنه بهذه الخطوة يلدغ السيستاني الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، فما بنته على مدار 17 عاماً انهار في عام واحد، لأنّ الفصائل الـ4 التي يبلغ عدد عناصرها 15 ألفاً، شكّلت العمود الفقري لقوات الحشد الشعبي، منذ تشكيلها عام 2014، ويُعدّ انفصالها بمثابة تأكيد للانقسامات الكامنة في قوات الحشد، مشدداً على أنّ طهران ستعمل جاهدة على حلّ الخلاف خوفاً من فقدان أحد أهمّ أذرعها في العراق.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية