هل تدفع الأزمة الاقتصادية إيران للتفاوض مع أمريكا؟

هل تدفع الأزمة الاقتصادية إيران للتفاوض مع أمريكا؟


04/07/2018

منذ أيام، تشهد طهران العاصمة مظاهرات جديدة، وهناك احتمالات لتمددها باتجاه المدن والبلدات الإيرانية الأخرى، خاصة أنّها بقيادة الطبقة الوسطى؛ من التجار والحرفيين، وأصبحت تعرف بـ "انتفاضة البازاريين"؛ أي التجار؛ حيث أغلقت أسواق متخصصة بسلع وبضائع، كأسواق الجلود والأحذية والسجاد، وانضم إليها مجاميع تنتمي لقطاعات طلابية وعمالية وحرفية متعددة.

الانتفاضة الحالية تجري للأسباب ذاتها التي انطلقت من أجلها انتفاضة نهاية العام 2017، وهي تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة، إلا أنّها ترتبط مباشرة بالانخفاض الحاد للعملة الوطنية "الريال"، التي وصلت إلى تسعين ألف ريال مقابل كل دولار، منذ القرار الأمريكي في (8/5/2018) بالانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران والدول الستّ، هذا الانخفاض بالعملة الوطنية أسهم في زيادات جنونية في الأسعار؛ حيث بلغت نسب الزيادة ما بين (25%-40%) في أسعار المواد والسلع الغذائية والتموينية وإيجارات المساكن، فيما أفادت تقارير حكومية بأنّ أكثر من (80%) من القوى العاملة تعيش تحت ما يسمّى خط "الموت"، فيما تجاوزت المجاعة ما نسبته (30%) من عدد سكان إيران، وهو ما يعني أكثر من 25 مليون نسمة.

ما تزال هتافات المتظاهرين تزداد للمطالبة بإسقاط نظام ولاية الفقيه ووقف صرف المليارات على أذرع إيران في المنطقة

انتفاضة إيران الجديدة تنطلق في ظلّ معطيات جديدة نشأت خلال الشهور الستة الماضية، التي أعقبت انتفاضة أواخر العام 2017، وهي:

أولاً: أنها الانتفاضة الأولى بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وإصدارها حزمة عقوبات اقتصادية جديدة تصفها أمريكا بأنها "حازمة وغير مسبوقة في التاريخ"، شملت مؤسسات وأفراداً في النظام الإيراني، خاصة قيادات الحرس الثوري. وثانياً: فشل القيادة الإيرانية في معالجة أسباب الأزمات المركبة؛ داخلياً وخارجياً، التي أطلقت تلك الانتفاضة، فقد جاءت الموازنة الإيرانية، التي أقرت في آذار (مارس) الماضي، لتؤكد زيادة موازنة الحرس الثوري ومؤسسات ولاية الفقيه بمليارات الدولارات، في وقت ما تزال هتافات المتظاهرين فيه تزداد للمطالبة بإسقاط نظام ولاية الفقيه، ووقف تدخله في الشؤون الداخلية في الدول العربية، وصرف مليارات الدولارات على أذرع إيران في المنطقة، وفي الانتفاضة الحالية تتكرر شعارات: "لا غزة ولا لبنان... حياتي في إيران"، و"اتركوا سوريا".

اقرأ أيضاً: إيران تحت الضغط مجدداً.. خلاصة سيناريوهات القرار الأمريكي

أما المعطى الثالث فيتجلى بأنّ الانتفاضة الحالية رغم أنّها تشكل بداية لمفاعيل العقوبات الاقتصادية، إلا أنّ المفاعيل الحقيقة لتلك العقوبات ستكون أكثر تأثيراً وعمقاً في المراحل المقبلة، خاصة مع انسحاب الشركات الأوروبية من إيران، وإلغاء عقودها التي أبرمت بعد الاتفاق النووي العام 2015، مثل: شركة "شل" و"ميرسك" وغيرها، وتوقعات خبراء بانخفاض تصدير النفط الإيراني من مليوني برميل يومياً، حالياً، إلى ما فوق النصف بقليل مع نهاية العام الجاري.

اقرأ أيضاً: مظاهرات إيران: شيطنة الإنسان وتصدير الأزمة

القيادة الإيرانية تحاول تهدئة الأوضاع من خلال الإجراءات ذاتها؛ عقوبات على الصرافين وتجار العملة، وحظر استيراد أكثر من 1300 سلعة يتم إنتاجها محلياً، بموازاة المزاعم عند انطلاق كل انتفاضة بأنّها بفعل تدخل خارجي من قبل أمريكا وإسرائيل، وأعداء إيران ومشروع الدولة الإسلامية، ولا تملك في ظلّ حالة إنكار إلا مواصلة الإجراءات القمعية بالاعتقال والقتل والإعدامات للنشطاء، متناسية أنّ ذات الإجراءات لم تسعف جهاز "السافاك" ضارب القوة، خلال الثورة عام 1979، ولا جهاز الــ "كي بي جي" السوفيتي في الحيلولة دون السقوط.

على خصوم إيران في الإقليم أن يحسبوا حساب احتمالية الشروع بمفاوضات بين إيران وأمريكا تقدم خلالها إيران التنازلات

خيارات القيادة الإيرانية تبدو محدودة جداً، لمواجهة الحراك الشعبي والأزمة الاقتصادية، ويبدو أنّ تداعيات العقوبات لم تتفاعل بعد، وأنّ هذا الحراك ربما يشكل بداية لأزمة أكثر حدة، قادمة خلال الشهور القليلة المقبلة، خاصة في حال فشل رهانات القيادة الإيرانية (وهو ما يرجح) على قرارات أوروبية، يمكن أن تسهم بإنقاذ الاتفاق النووي، وتطبيق قرارات العقوبات بما فيها تصدير النفط الايراني.

اقرأ أيضاً: كيف غير الصفويون وجه إيران الديني والسياسي إلى الأبد؟

بمعزل عن التهوين الذي تمارسه القيادة الإيرانية تجاه المظاهرات، بأنها تحت السيطرة، وإجراءاتها باعتقال النشطاء، وحالة الإنكار بتوجيه اتهامات للمتظاهرين بأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، أو التهويل من قبل المعارضة باقتراب نهاية وسقوط النظام الإيراني، إلا أنّ ما تؤكده المظاهرات واستمرارها والتوقعات باتساع مساحاتها لتشمل مناطق أخرى؛ هو أنّ النظام الإيراني يواجه أزمات داخلية وخارجية حقيقية وحادة، قد تتطور باتجاه ثورة شاملة، وتتعدد احتمالات كيفية خروج القيادة الإيرانية من هذه الأزمات وتخفيف حدتها، غير أنّ أخطرها وأهمها؛ سيناريو الشروع بمفاوضات سرية أو علنية بين القيادة الإيرانية وأمريكا، تقدم خلالها إيران تنازلات في ملفها النووي، وتمددها الإقليمي، وهو ما يجب أن يحسب حسابه خصوم إيران في الإقليم.

اقرأ أيضاً: 3 سيناريوهات ستحكم مستقبل النظام في إيران



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية