هل الأذرع الإيرانية في الإقليم أوراق تفاوض قابلة للتنازل؟

إيران

هل الأذرع الإيرانية في الإقليم أوراق تفاوض قابلة للتنازل؟


26/03/2018

تقوم سياسات القيادة الإيرانية، في إدارة صراعاتها الدولية، وفق مقاربات "حافة الهاوية"، والمتضمنة الذهاب بالتصعيد إلى أقصى مدى، ثم التراجع أمام ضغوط الخصوم، في اللحظة التي تتأكّد فيها من أنّ المضي في التصعيد سيرتب عليها خسائر كبيرة، خاصة المرتبطة بالنظام وديمومته وبقائه، وهذا ما يجري اليوم مع كوريا الشمالية، في مفاوضاتها مع أمريكا.

وفي سبيل ذلك؛ رتبت القيادة الإيرانية أولوياتها، بعد تمدّدها في مناطق الصراع التي يشهدها الإقليم، التي لها دور فيها، منذ احتلال العراق العام 2003، ثم انطلاقة "ثورات الربيع العربي"، ومحاولات اختطاف هذا الربيع من قبل الإسلام السياسي بأطيافه المختلفة، بعد أن "نجحت" في صياغة تلك الصراعات على أسس مذهبية، في العراق وسوريا، وفي لبنان واليمن وفلسطين، ساعدها في ذلك الدّعم الذي قدمته للقاعدة وداعش، ونسجها علاقات مع كلا التنظيمين، وتدلّ كثير من الوقائع على أنّ أذرع إيران وأدواتها في تلك الساحات، ما هي إلّا أوراق تخضع بالإستراتيجية الإيرانية، للتفاوض وتحسين شروطه، في إطار "فقه" الأولويات، وهو ما يعني أنّ أهمية تلك الساحات، وأذرع إيران فيها تتفاوت في أهميتها.

يشكّل العراق الأولوية الأولى لإيران بحكم الجغرافيا السياسية وتركيبته الديمغرافية؛ حيث فرض الاختراق الإيراني للعراق وقائع معقدة

ويشكّل العراق الأولوية الأولى لإيران بحكم الجغرافيا السياسية وتركيبته الديمغرافية؛ حيث فرض الاختراق الإيراني للعراق وقائع معقدة، منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، إضافة إلى جملة من الأسباب الاقتصادية، في ظلّ العقوبات والحصار على إيران، والمخاوف الإيرانية من صعود مرجعية "عربية" شيعية في العراق، وهو ما يعني إفشال مخططاتها بقيادة أتباع المذهب "الشيعي" من قم، بدلاً من النجف العراقية، فيما يشكّل حزب الله اللبناني الورقة الثانية في أولويات القيادة الإيرانية؛ كونه يعدّ الأداة الأكثر ولاءً لإيران في تهديد إسرائيل، وتمكين إيران من امتلاك ورقة في التهديد والتفاوض مع الغرب، خاصة أمريكا وأوروبا، في ظلّ ولاء موثوق من قيادة الحزب لإيران، لا يخفيه قائد الحزب "حسن نصر الله" الذي يعتمد على القيادة الإيرانية في التمويل والتسليح، والتخطيط، والإدارة، وتنفيذ العمليات بما يخدم سياسات إيران وتوجهاتها وأهدافها، كما حدث عام 2006، عند اختطافه جنوداً إسرائيليين، وتسبّب بشنّ إسرائيل حرباً طاحنة ضدّ لبنان، أبدى حسن نصر الله ندماً عليها بعد فوات الأوان.

 

 

أما بالنسبة إلى سوريا؛ فتشكل الأولوية الثالثة لإيران في المنطقة، وتكمن أهميتها في كونها جزءاً من المخطط الإيراني، المتضمن تأمين الطريق الإستراتيجي بين طهران وبيروت، مروراً ببغداد ودمشق، إلّا أنّ التركيبة الديمغرافية في سوريا "أغلبية سنية"، خلافاً لما هي عليه صورة العراق، تشكّل عقبة في وجه المشروع الإيراني، وأيّة ترتيبات مستقبلية في سوريا، من هنا كانت سياسات إيران بـ "اللعب" بالتركيبة الديمغرافية لسوريا، وتنفيذ مخططات تهجير المواطنين السوريين، وإغراق سوريا بالمليشيات الشيعية من الباكستانيين والأفغان، كما تشكّل الطموحات والخطط الروسية والأمريكية في سوريا عقبة أخرى بوجه المخطط الإيراني.

وتحتلّ حركتا حماس والجهاد الإسلامي في غزة، الأولوية الرابعة في المشروع الإيراني، باعتبارهما جزءاً من مشروع "مواجهة" إسرائيل، وورقة الضغط التي تمكّن إيران من حجز مقعدها على طاولة أي بحث دولي وإقليمي للقضية الفلسطينية، ولا ترتقي أهمية هذه الورقة إلى أهمية حزب الله اللبناني، باعتباره الورقة الأثقل وزناً في التعامل مع إسرائيل، من هنا كان تمرير "سكوت" إيران على تنازلات حركة حماس في علاقاتها مع القاهرة، والمصالحة الفلسطينية، وتعديلات ميثاق حماس، بما فيه من إشارات للاعتراف بإسرائيل، خاصة بعد الشكوك التي تولدت في حركة حماس إثر موقفها من الثورة السورية.

إيران تمكنت من استقطاب قيادات الحوثيين إليها، في إطار صراعها السياسي مع السعودية ودول الخليج

وفي اليمن، رغم الاختلاف المذهبي بين "الزيدية" و"الجعفرية"، إلّا أنّ إيران تمكنت من استقطاب قيادات الحوثيين إليها، في إطار صراعها السياسي مع السعودية ودول الخليج، ويبدو أنّ الحوثيين يشكلون في الإستراتيجية الإيرانية، أول الأوراق الأقل أهمية، التي تمكن الإطاحة بها في إطار مفاوضات مع السعودية والغرب، وهو ما يفسّر الاستدارة الحوثية التي يجري الحديث عنها اليوم في إطار مصالحة، وما يتردد حول مباحثات سرية مباشرة مع السعودية، بوساطة من قبل سلطنة عمان، من المؤكد أنّها تأتي بإشراف وتوجيه من إيران، في أعقاب مبادرة مصالحة طرحها الحوثيون قبل أشهر، تؤكّد وقف القصف الجوي للتحالف العربي، وفكّ الحصار.

وفي ظلّ الضغوطات التي تتعرض لها إيران اليوم، خاصة أنّها العنوان الرئيس في زيارة ولي العهد السعودي إلى أمريكا، وحالة التناغم غير المسبوقة في تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية، تطرح تساؤلات حول قدرة إيران على مواجهة تلك الضغوط الجدية، في ظلّ حالة الارتباك الداخلي إثر الانتفاضة الشعبية المتواصلة، والتنازلات التي يمكن أن تقدم عليها، تحديداً في الساحات التي يمارس فيها الحرس الثوري نشاطاته في الإقليم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية