هكذا يتعامل النظام التركي مع قتل الإناث

هكذا يتعامل النظام التركي مع قتل الإناث


16/12/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


ها هي حادثة قتل لامرأة أخرى تصدم الجمهور التّركيّ وتُسبّب موجة من الغضب على وسائل التّواصل الاجتماعيّ.
في وقت متأخّر من مساء يوم الثّلاثاء الماضي، توجّهت طالبة الفنون سيرين أوزديمير (20 عاماً)، من مقاطعة أوردو المطلّة على البحر الأسود، إلى المنزل بعد فصل الباليه. وتبعها رجل إلى باب منزلها، دون أن يلاحظه أحد. وهناك، أخرج سكيناً وطعنها عدّة مرّات. وتوفّيت الطّالبة متأثّرة بجراحها في المستشفى.


أُدين القاتل المشتبه به بالفعل 12 مرّة لارتكابه جرائم مثل قتل الأطفال والسّطو. وقبل أن يقتل الشّابة، كان قد هرب من السّجن. وبعد يوم، قُبِض على الرّجل في محطّة للحافلات. والآن تحقّق النّيابة العامّة في القضيّة.
لم يكن الجمهور التّركيّ هو الوحيد الّذي أذهلته الجريمة: فقد أعرب سياسيّون رفيعو المستوى عن تعازيهم وأعلنوا أنّ للحادثة عواقبها. ومن بين أشياء أخرى، يشعر العديد من الأتراك بالذّعر من أنّ قاتلاً يمكن أن يهرب من السّجن.

اقرأ أيضاً: تونس: من يوقف الانتهاكات ضد النساء في "عاصمة المرأة العربية"؟
من جانبه، قال وزير العدل التّركيّ، عبد الحميد غول، من حزب العدالة والتّنمية الإسلاميّ المحافظ: "لقد أوجعنا الحادث بكلّ عمق. ونأمل جميعاً ألّا يتكرّر. والنّيابة العامّة تحقّق في كلّ جوانبه". وأضاف غول أنّ كافّة ظروف هروب السّجين قد نُظِر فيها بعناية. كما عبّر وزير الدّاخليّة التّركيّ، سليمان سويلو، عن تعازيه وقال إنّه يأسف أنّه ما من شيء يمكن أن "يعيد ابنتنا".

مشكلة مُتجاهَلَة
ليس من الطّبيعيّ أن يولي سياسيّو الحكومة التّركيّة أيّ اعتبار للعنف ضدّ المرأة. ولفترة طويلة، كنست الحكومة والنّظام القضائيّ في تركيا المشكلة تحت السّجادة. هذا، بالرّغم من أنّ منظّمة "سنوقف قتل النّساء" تقدّر عدد جرائم القتل المسجّلة بحقّ النّساء في البلاد لهذا العام، حتّى الآن، بـ 430.

اقرأ أيضاً: "النسوية".. المرأة الغربية ماتزال تعاني التمييز
لكن مجتمع الإنترنت وجماعات حقوق المرأة وضعت الحكومة والقضاء تحت ضغط متزايد. وفي الأشهر القليلة الماضية، تصدّرت العديد من أعمال العنف الشّديد عناوين الصّحف، وأظهرت بوضوح أنّه في كثير من الأحيان لا تتّخذ إجراءات كافية عندما تكون النّساء ضحايا للعنف.
كما تسبّب مقتل سولي سيت (23 عاماً) من أنقرة - والطّريقة الّتي صوّر بها المحقّقون الحادث - في غضب واسع النّطاق. وكانت الشّابة قد اغتصبت في المكتب الّذي تعمل به على يد رجلين مخمورين، أحدهما رئيسها، ثمّ أُلقيت من النّافذة. وأخبر الرّجلان الشّرطة بعد ذلك أنّ سيت قتلت نفسها.


الطّبيب الشّرعيّ وجد أنّ الضّحيّة عانت كسراً في الرّقبة وتشقّقات في منطقة الشّرج وأنّ دمها يحتوي على مواد مخدّرة. بالرّغم من ذلك، وصف الفاحص الطبي ومحامي الدّفاع القضيّة بأنّها "جنس بالتّراضي" - ففي التّحليل الأخير، قرّرت سيت "شرب الكحول مع رجل في مكان معزول".
استمرّت المحاكمة لنصف عام، ورافقتها تظاهرات وبيانات تضامن من النّساء، إلى جانب استجابة كبيرة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وفي يوم الثّلاثاء من الأسبوع الماضي، أعلنت المحكمة في أنقرة أنّ أحد الجناة عليه قضاء عقوبة بالسّجن مدى الحياة، فيما على شريكه قضاء 19 عاماً في السّجن تقريباً.

اقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية.. حقوق مهدورة بين سلطوية الشاهات وقمع الملالي
وقالت هوليا جولبهار، المتحدّثة باسم منظّمة "منصّة آليات المساواة" النّسويّة، بعد إعلان الأحكام: "لن ننسى أبداً أنّ مكتب التّحقيق حاول تجاهل القضيّة. لقد قاومنا، نحن النّساء، وأبدينا تضامننا".

الالتزامات الدّوليّة: اتّفاقيّة إسطنبول

تأمل جماعات حقوق المرأة الآن في أن يؤدّي الضّغط العامّ النّاشئ عن مثل هذه القضايا إلى تحوّل اجتماعيّ، لا يدعمه المجتمع المدنيّ فحسب بل السّياسيّون أيضاً.

ليس من الطّبيعيّ أن يولي سياسيّو الحكومة التّركيّة أيّ اعتبار للعنف ضدّ المرأة؛ فقد كنست الحكومة المشكلة تحت السّجادة

هنا، العديد من النّساء الأتراك يضعن ثقتهن في اتّفاقية إسطنبول، وهي اتّفاقية صدرت عن مجلس أوروبا، وتعود إلى عام 2014، بشأن منع ومكافحة العنف ضدّ المرأة والعنف المنزليّ. وقد ألزمت الدّول الموقّعة نفسها بتهيئة الظّروف الّلازمة لمحاربة هذه المشكلات. وكانت تركيا صدّقت على الاتّفاقيّة قبل خمسة أعوام وأعطتها أساساً تشريعيّاً بوصفها قانوناً لمنع العنف ضدّ المرأة وحماية الأسرة.
لكن النّقاد يقولون إنّه من النّاحية العمليّة، لا تطبّق القواعد القانونيّة لاتفاقيّة إسطنبول، ولا تنفّذ المساعدة المقصودة وما يرافقها من تدابير حماية للمرأة. ويقولون إنّ العنف والتّمييز ضدّ المرأة لن يُمنعا إلّا عندما تتصرّف السّلطة القضائيّة وسلطات الادّعاء وفق المبادئ التّوجيهيّة الواردة في الاتّفاقيّة.


وكما تقول النّاشطة في حقوق المرأة، سيهناز كيماز باهتشي، فإنّه يجب أن يكون هناك وعي معيّن من جانب مسؤولي العدالة والسّياسيّين إذا ما أُريد تطبيق قوانين حماية المرأة. لكنّها تضيف: "تفتقر الحكومة إلى الإرادة الّلازمة للوفاء بالتزامات الاتفاقيّة".

الهياكل الأسريّة الأبويّة
ترى كوكجي يازار، من نقابة المحامين في سانليورفا، أنّ المشكلة تكمن في الهياكل الأسريّة الأبويّة والعادات الثّقافيّة. "من الطّبيعي للمرأة الّتي يهدّدها زوجها وتخشى على حياتها أن تطلب الحماية من الدّولة. فالأحكام القانونيّة واضحة، لكن رغم ذلك، يُخبَرن في كثير من الأحيان أنّه: "عليكِ العودة إلى زوجك"".

منظّمة "سنوقف قتل النّساء" تقدّر عدد جرائم القتل المسجّلة بحقّ النّساء في البلاد لهذا العام، حتّى الآن، بـ 430

حتّى إذا كان أعضاء الحكومة يتفاعلون الآن بصدمة تجاه مقتل سيرين أوزديمير، فليس هناك إرادة سياسيّة لمحاربة العنف ضدّ المرأة بأيّ طريقة مستدامة. وكان حزب الشّعوب الدّيمقراطيّ اليساريّ المؤيّد للأكراد قد اقترح تشكيل لجنة برلمانيّة للنّظر في القضيّة، لكن حزب العدالة والتّنمية الحاكم وحزب الحركة القوميّة الوطنيّ المتطرّف رفضا الفكرة في تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي.
وعندما اجتمعت حوالي 2,000 امرأة في إسطنبول في اليوم العالميّ للقضاء على العنف ضدّ المرأة، في 25 تشرين الثّاني (نوفمبر)، للاحتجاج على قتل الإناث، من بين أشياء أخرى، فضّت الشّرطة التّظاهرة بالغاز المسيل للدّموع والرصاص البلاستيكيّ.


دانييل بيلوت وبراق كاراكاس، دويتشه فيله
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.dw.com/en/femicides-in-turkey-a-problem-that-is-being-ignored/a-51587652



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية