هكذا جرّت حركة النهضة الإخوانية تونس نحو الخراب

هكذا جرّت حركة النهضة الإخوانية تونس نحو الخراب


08/03/2021

بدت تظاهرات حزب العمال التونسي، السبت الأخير من شهر شباط (فبراير) الماضي، اعتراضاً واقعياً على تداعيات الأزمة الدستورية التي تعيشها تونس، مؤخراً، وعطّلت مسار التعديل الوزاري، في  حكومة هشام المشيشي، فضلاً عن التردي الواضح في الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التونسي، والذي تجلى بوضوح تام في تخفيض الترقيم السيادي لتونس، والتلويح بعجزها عن الوفاء بالالتزامات المالية، وعلى خلفية ذلك الواقع، الذي كرّسته التداعيات العنيفة لفيروس كورونا، على كافة القطاعات الاستراتيجية، الأمر الذي أثر بالسلب على مستويات التشغيل والإنتاج، وكافة أوجه المناخ الاجتماعي والنفسي.

نددّ متظاهرون تابعون لحزب العمال اليساري، واتحاد القوى الشبابية، بما تشهده المنظومة القائمة خلال سنوات العقد الماضي من عبث

في سياق ذلك كله، نددّ متظاهرون تابعون لحزب العمال اليساري، واتحاد القوى الشبابية، بما تشهده المنظومة القائمة خلال سنوات العقد الماضي من عبث، ومسؤوليتها المباشرة عن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعاني منها تونس، خاصّة ما يتصل بالتزامات حركة النهضة، باعتبارها تصدّرت المشهد؛ كحزب قبض على السلطة، وتحكم في مجريات الأمور، وعليه بناء على ذلك أن يضطلع بمسؤولياته، ومن خلال ذلك كله، جاءت مسيرة أنصار حزب العمال، لتندّد بالمنظومة الحاكمة، سيما حركة النهضة، وزعيمها راشد الغنوشي.

 الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي

بيد أنّ اللافت في تظاهرات حزب العمال، وكذا مظاهرات حركة النهضة، في السابع والعشرين من شهر شباط (فبراير) الماضي، هو التباين الواضح في الأهداف المرجوة؛ إذ نددّ الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي، بممثلي سلطة الحكم في تونس، وألقى بالمسؤولية المباشرة عن تردي أحوال البلاد، على عاتق حركة النهضة، وإصرارها على جر البلاد إلى نقطة اللاعودة، بينما جاءت تصريحات الغنوشي، في واد آخر عن مطالب المواطنين، ورغباتهم الحقيقية في الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ حيث ظلّ يتحدث عن الثورة، وشعب الثورة، وضرورة الحوار بين كافة التونسيين.

مغزي توقيت مظاهرات حزب العمال والرسائل التي حملتها

انتقد بعض المتابعين والمراقبين للأوضاع في تونس، خروج مظاهرات ممثل اليسار التونسي، في نفس توقيت المظاهرات التي خرج بها ممثل الإسلام السياسي، غير أنّ الأصوات الرسمية داخل حزب العمال التونسي، ردّت على ذلك الانتقاد، بتأكيدها أنّ الهدف الرئيسي كان ألا يظهر الشارع التونسي، وكأنّه أضحى في قبضة النهضة، وحتمية وجود صوت معارض، وموقف مختلف يسمعه ويدركه التونسيون، فضلاً عن كون كافة التصريحات والمواقف التي تبلورت خلال اليوم، من قبل قيادات الحزب، واتحاد القوى الشبابية، تضمن رداً واضحاً وقاسياً على خطاب حركة النهضة، وعلى منظومة الحكم بشكل عام.

حمة الهمامي لـ"حفريات": حركة النهضة أنفقت أموالاً طائلة لاستعراض قوّتها، ولئن حققت هدفها من خلال حشد أنصارها من كافة أنحاء البلاد، فإنّها خسرت سياسياً

من جانبه أوضح حمة الهمامي، زعيم حزب العمال التونسي، في تصريحاته التي أدلى بها لـ"حفريات"، أنّ قرار نزول حزب العمال، بمعية تنظيم "اتحاد القوى الشبابية" إلى الشارع، في نفس الوقت الذي نزل فيه حزب النهضة الإخواني، بقيادة راشد الغنوشي، رئيس البرلمان، إلى الشارع، كان رسالة متعمدة، تضمنت عدداً من الرسائل؛ الرسالة الأولى؛ هي أنّه لا يوجد صوت واحد في تونس، وإنّما ثمة صوت، أو أصوات أخرى، لها رأي آخر فيما يجري داخل البلد.

والرسالة الثانية؛ هي "أنّنا نصرخ في وجه حكامـنا، وعلى رأسهم حركة النهضة: كفى عبثاً بمصالح تونس، ومصالح شعبها"، فمنظومة الحكم القائمة منذ إسقاط الدكتاتورية، وعلى رأسها حركة النهضة، التي ظلّت حاضرة في الحكم طوال عقد من الزمان، قد دمرت البلاد والمجتمع، في كافة المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والأخلاقية، والحال أنّ الشعب التونسي كان ينتظر مصيراً أفضل، وفق الهمامي.

اقرأ أيضاً: ما دامت حركة النهضة الإخوانية في الحكم.. ضد من تتظاهر إذن؟

ويؤكد زعيم اليسار التونسي، أنّ ثمة رسالة أخيرة؛ موجهة إلى الشعب التونسي، تدعو كافة الطبقات والفئات الكادحة والشعبية، المتضررة من سياسات منظومة الحكم، بأن تأخذ مصيرها بيدها، وتتنظّم وتتّحد حول برنامج إنقاذ، وتتحرّك لإسقاط هذه المنظومة، وتعيين حكومة وطنية شعبية، تُخرج تونس من النفق، وتنهض بها من جديد، لتحقيق أهداف الثورة، التي تمحورت حول شعار "شغل، حرية، كرامة وطنية".

مناورات النهضة وممانعة اليسار

وحول الانتقادات التي تعرضت لها تظاهرات اليسار التونسي، على خلفية الأعداد القليلة التي شاركت فيها، لفت زعيم حزب العمال، إلى أنّ الهدف الحقيقي من هذه المسيرة، تحقق على المستوى السياسي والإعلامي، بغض النظر عن الأعداد التي خرجت في المسيرتين؛ إذ جنّدت حركة النهضة الحاكمة أتباعها، وأنفقت أموالاً طائلة لاستعراض قوّتها، ولئن حققت هدفها من خلال حشد أنصارها من كافة أنحاء البلاد، فإنّها خسرت سياسياً، فقد حاولت أن تبدو بمظهر الحزب الذي "يوحّد"، والواقع أمام أعين الجميع، أنّها ظلّت تفرّق التونسيين، طوال عشر سنوات وتقسّمهم.

اقرأ أيضاً: نقابة الصحفيين التونسيين على خط معارضي حركة النهضة... لماذا؟

 كما حاولت أن تضطلع بمظهر الحزب الباحث عن حلول لمشاكل البلاد والحال أنها تتهرّب من تحمّل مسؤولية فشل عشر سنوات من الحكم.

كلّ هذا جعل فئات واسعة من الشعب التونسي ترى في مسيرة حركة النهضة استفزازاً لها.

ويواصل الهمامي، حديثه لـ"حفريات"، فيما يتعلق بدعوة زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، حزب العمال وأمينه العام من أجل للتحاور والعمل المشترك، مؤكداً أنّها لا تعدو في حقيقة الأمر، غير مناورة سياسية، يريد من ورائها الغنوشي، التغطية على فشل حركته، بتقاسم هذا الفشل مع بقية الأطراف، فضلاً عن تعمده الواضح أن تبدو دعوته، نابعة من وعيه بأهمية حزب العمال، وسمعته الطيبة لدى الرأي العام، كحزب مكافح ومناضل، لم يتورّط مطلقاً في الفساد، وفي التلاعب بمصالح الشعب التونسي، وقد ردّ حزب العمال بوضوح على تلك الدعوة بالتأكيد على أنّ: "حزب العمال لا يمدّ يده إلى حركة النهضة، التي ساهمت في تدمير البلاد من موقع رئيسي طوال عشر سنوات" مضيفاً أنّ "لغة التعامل الوحيدة مع حركة النهضة وحلفائها في الحكم، هي النضال ضدهم، وبناء تونس الجديدة، المستقلة والديمقراطية والتقدمية والاجتماعية، على أنقاض حكمهم".

الإخوان وتقويض بنية الحداثة في تونس

الواقع التونسي، الذي خبر تياراً حداثياً، طيلة عقود طويلة مضت، شقه الإسلام السياسي بمقولاته، وتموضع حركاته الأيديولوجية والتنظيمية، واستغلال الظرف الداخلي الذي طرأ في الداخل التونسي، عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتمكن من قبضة السلطة الحاكمة في البلاد، واستباح الإخوان التغول على طموحات الشعب التونسي في الاستقرار، ما قطع الطريق أمام تطور مرتكزات الرئيس بورقيبة، في التعليم والتنوير، بين قطاعات الشعب التونسي، الأمر الذي يلزمنا بضرورة اللجوء إلى علم الاجتماع السياسي، لفهم الكيفية التي استقبل بها الشارع التونسي مظاهرات" النقيضين"،  والنتائج التي ترتبت على خيار اللجوء إلى الشارع، والاحتكام إلى الجماهير، ومدى كلفة ذلك وأثره على مستقبل الحركات السياسية، خاصّة عندما تكون في الحكم، ويضحى مسؤولية الواقع المتردي ضمن التزامها السياسي تجاه الجماهير.

اقرأ أيضاً: النهضة ضد النهضة والغنوشي يناور في أزمته

في  إطار ذلك، يذهب الدكتور محرز الدريسي، أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة التونسية، إلى أنّ ما يربط بين مسيرتي النهضة وحزب العمال التونسي، هو اللجوء إلى الشارع كوسيلة للاحتجاج وأداة للتعبير عن الرأي، ومحاولة استعراض القوة، ونقل الرسائل المختلفة، غير أنّ الأمر في الحالة التونسية، يستقر عند ارتفاع درجة عدم الثقة في المؤسسات السياسية القائمة، وعجزها عن استيعاب السجالات، فضلاً عن تجاهل النهضة، وهي تلجأ للشارع أنّ بيدها سلطة الأمور، وعليها تقع المسؤولية المباشرة، في وصول الحال في تونس، نحو هذا السوء والتردي.

الدكتور محرز الدريسي

ويحذر الأكاديمي التونسي، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، من إمكانية الانزلاق نحو دوامة العنف المادي، على خلفية اللجوء إلى الشارع، واستعراض القوة بخروج المؤيدين، استناداً إلى أدبيات العلوم الاجتماعية، التي تؤكّد أنّ "الفرد وسط الحشود، يقترب من الكائنات البدائية، وأنّ الفعل الجماعي، يتيح للأفراد اكتساب قوة إضافية، لمجرد حضورهم وسط الجماهير".

محرز الدريسي لـ"حفريات": النهضة تدفع الأوضاع تجاه المزيد من التردي، وتوسيع رقعة الفقر والتهميش، وتنامي أرقام البطالة

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، أنّ الاختلافات بين المسيرتين تتجاوز تباين الأعداد، التي خرجت لصالح الحزبين، نحو جملة الهنات والثغرات التي اتصفت بها مسيرة النهضة، من كافة الطبقات السياسية، خاصّة شركاءها في الحكم، الذين رفضوا الانسياق وراءها، والخروج إلى الشارع، فضلاً عن عدد من القيادات الوازنة، التي رأت أنّ الاحتكام إلى الشارع خطأ سياسي، يعزز تقسيم الناس، وقد يفضي إلى معركة الشوارع.

اقرأ أيضاً: ماذا تريد "النهضة"؟

أما مسيرة حزب العمال، فعلى الرغم من تقلص أعداد مناصريها، فقد كان صوتها مرتفعاً، ونقلت بصدق نبض المعارضة من خارج أسوار البرلمان، وفرضت حضورها الرمزي في الشارع، الأمر الذي بدا واضحاً في تباين الشعارات والأهداف المعلنة لكلا المسيرتين؛ إذ ذهبت مسيرة حزب العمال تجاه تغيير المنظومة السياسية الحاكمة، والتي ترى فيها عنواناً للفساد والإفلاس السياسي، بينما بدت النهضة تدفع الأوضاع تجاه المزيد من التردي، وتوسيع رقعة الفقر والتهميش، وتنامي أرقام البطالة.

الصفحة الرئيسية