هجوما ريدينغ ومانشستر.. هل تدفع بريطانيا ثمن دعمها الإخوان والمتشددين الليبيين؟

هجوما ريدينغ ومانشستر.. هل تدفع بريطانيا ثمن دعمها الإخوان والمتشددين الليبيين؟


23/06/2020

يسلط العمل الإرهابي الذي ارتكبه طالب اللجوء الليبي خيري سعد الله في منطقة ريدينغ البريطانية السبت الماضي، المزيد من الضوء على علاقة بريطانيا المعقدة بالمتشددين الإسلامويين الليبيين، وبجماعة الإخوان المسلمين، المدرجة في كثير من الدول على قائمة "التنظيمات الإرهابية".

فمنذ عهد نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي اتخذ المتشددون الليبيون من المملكة المتحدة ملاذاً لهم، هرباً من بطش العقيد القذافي الذي كان يعتبرهم جماعات معارضة يجب القضاء عليها.

لتأتي الثورة الليبية وتعزز علاقة السلطات البريطانية بهؤلاء المتشددين، خاصة أنّ حكومة  ديفيد كاميرون حاولت استغلالهم عبر مشاركتهم في الثورة الليبية عام 2011، حيث سُمح لمئات الليبيين المنفيين بالسفر للقتال ضد نظام القذافي، وكان من بين الذين سافروا أعضاء في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، وفق ما أوردت صحيفة "التايمز" البريطانية.

لا تفوّت بريطانيا فرصة في ليبيا إلا وتدعم من خلالها تيار الإسلام السياسي المتمثل في جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة "القاعدة"، وذلك في تحرك مختلف عن باقي الدول الإقليمية والدولية التي تدعم مسار الأمن والاستقرار في الأراضي الليبية، من دون تقديم دعم أعمى لتيار الإسلام السياسي الذي أفسد الحياة السياسية الليبية.

يسلط العمل الإرهابي في ريدينغ المزيد من الضوء على علاقة بريطانيا بالمتشددين الإسلاميين الليبيين

ففي موقف غريب، خرجت الحكومة البريطانية بتاريخ 10 أيار (مايو) عام 2018 للاعتذار بشكل رسمي، للإرهابي الليبي عبد الحكيم بلحاج، وهو أحد قادة تنظيم القاعدة الذين قاتلوا إلى جانب أسامة بن لادن في أفغانستان، ونشرت حكومة المملكة المتحدة بيان اعتذار لما وصفته بـ"إساءة" معاملة عبد الحكيم بلحاج، الذي اختُطف في تايلاند عام 2004، ونقل إلى ليبيا حيث تعرّض للتعذيب على يد النظام الليبي السابق.

وقالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، تيريزا ماي، في الرسالة الموجهة إلى بلحاج وزوجته فاطمة، والتي نقلتها صحيفة "الإندبندنت": "نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة، أعتذر منكما بلا تحفظ"، وأقرّت تيريزا بأنّ "أفعال حكومة المملكة المتحدة ساهمت في اعتقالكما وتسليمكما ومعاناتكما".

بدوره، أوضح المدعي العام البريطاني أنّه علاوة على الاعتذار ستدفع حكومة المملكة المتحدة نصف مليون جنيه إسترليني (565 ألف يورو) لزوجة بلحاج، لكنها لن تدفع شيئاً للأخير الذي لم يطلب تعويضاً مالياً في إطار اتفاق إنهاء الملاحقات القضائية التي بدأها الزوجان.

الاعتذار البريطاني يؤكد أنّ المملكة المتحدة ستظل أبرز الدول الحاضنة للجماعات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، سواء جماعة الإخوان في دول "الربيع العربي" أو الجماعة الليبية المقاتلة والكتائب والميليشيات المسلحة في ليبيا.

واللافت في الأمر هو فرض بريطانيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي عقوبات على شخصيات ليبية، ومنهم الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام في ليبيا، نوري بوسهمين، الذي لم يكن يوماً صاحب قرار، وابتعد عن المشهد السياسي بشكل لافت، ورئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، وهي المؤسسة الشرعية الوحيدة في البلاد التي قدمت عن طريق صناديق الاقتراع، وعدم فرض أي عقوبات على قادة الكتائب المسلحة والميليشيات الإرهابية وفي مقدمتها الميليشيات التي يقودها عبد الحكيم بلحاج.

الحكومة البريطانية اعتذرت سابقاً بشكل رسمي للإرهابي الليبي عبد الحكيم بلحاج وهو أحد قادة تنظيم القاعدة 

كما أثارت حادثة أخرى الكثير من ردود الفعل، في بريطانيا بشكل خاص وفي أوروبا بشكل عام، وهي العملية الانتحارية التي نفذها الإرهابي سليمان العبيدي (22 عاماً) مطلع أيار (مايو) العام 2017 في الحفل الذي أقيم في ملعب مانشستر أرينا، وأسفر عن مقتل 22 شخصاً وجرح العشرات، بحسب صحيفة "التلغراف" البريطانية.    

والعبيدي هو نجل ليبيين منحتهما بريطانيا اللجوء بعد أن فرّا من ليبيا هرباً من بطش القذافي في أوائل التسعينيات، ويعتقد أنه عاد إلى بريطانيا من ليبيا قبل أيام قليلة من ارتكابه المجزرة في مانشستر أرينا.

ونشرت صحيفة "التلغراف" تحقيقاً مطوّلاً عن جذور إرهابي مانشستر، مقروناً بنفي والده تهمة التطرف والإرهاب عن نفسه وعن عائلته، إلا أنّ تاريخ الرجل المنتمي لجماعة ليبية متشددة يؤكد عكس ذلك.

 

 وتفاصيل حياة رمضان العبيدي التي سردتها الصحيفة والمعلومات الرسمية تجعل ذلك النفي غير ذي معنى، سوى محاولة إبعاد تهمة الإرهاب عن قيادات بارزة في حكومة الوفاق في طرابلس التي تدعمها بريطانيا.

وكانت وكالة "أسوشيتد برس" بثت مقطعاً صوتياً من مقابلة مع العبيدي نفى فيها تهمة التطرّف عن ابنه سليمان المتهم بالتفجير الانتحاري في مانشستر.

وقال العبيدي في تصريح لصحيفة "بلومبرغ": "لقد صدمت حقاً عندما رأيت الأخبار، ما زلت لا أصدق ذلك"، "حتى الآن ابني مشتبه به، ولم تتوصل السلطات إلى نتيجة نهائية".

ونفى بشدة الاشتباه في نجله، قائلاً إنّ سليمان كان "متديناً مثل أي طفل يفتح عينيه في عائلة متدينة".

رمضان العبيدي، والد انتحاري مانشستر، ينتمي للجماعة الليبية المقاتلة والمرتبطة بالقاعدة 

وتأكّد انتماء رمضان العبيدي، والد انتحاري مانشستر سليمان العبيدي، للجماعة الليبية المقاتلة والمرتبطة بالقاعدة والمصنفة كجماعة إرهابية، في جنوب مانشستر، حتى أصبح هناك فرع مهم لتنظيم "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، التي تضم عبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف (حاربا مع القاعدة في أفغانستان) وغيرهما، حسب ما نقلت "التلغراف" عن مصدر من الجماعة.

وحسب الوصف الرسمي للجماعة لدى وزارة الداخلية البريطانية، فإنها "جزء من الحركة الإسلامية المتطرفة العالمية التي تستقي أفكارها من تنظيم القاعدة"، وتهدف إلى "استبدال النظام في ليبيا بدولة إسلامية متشددة".

ورغم كل ذلك، حسب تقرير "التلغراف"، استخدمت بريطانيا الجماعة في صفقة عقدها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مع القذافي عام 2004 عُرفت باسم "صفقة في الصحراء" لإعادة إدماج ليبيا في الأسرة الدولية.

حينها عاد رمضان العبيدي إلى ليبيا ضمن تلك الترتيبات، قبل أن تدعم بريطانيا وفرنسا الجماعة الليبية المقاتلة وغيرها من الجماعات المتطرفة في 2011 لإسقاط نظام القذافي.

وتعليقاً على العملية الإرهابية في مانشستر وعلاقة رمضان العبيدي في حكومة الوفاق التي حاولت التستر عليه وعلى ابنه المتهم الثاني في القضية، قالت الحكومة الليبية المؤقتة في بيان لها إنّ الجماعة المقاتلة "كانت تجنّد شباباً ليبيين ومسلمين من بلاد أخرى في بريطانيا وأوروبا وترسلهم إلى ليبيا ودول أخرى للقيام بعمليات إرهابية".

وأضاف في بيان نشر عبر موقع "بوابة أفريقيا" بعد الحادثة بأيام: "كانت الحكومة البريطانية السابقة تعمل بكل الطرق لتمكين تلك الجماعات من السيطرة على ليبيا".

الحكومة الليبية المؤقتة: الجماعة المقاتلة كانت تجند ليبيين في بريطانيا وترسلهم للقيام بعمليات إرهابية

ومن الأدلة أيضاً التي تؤكد علاقة بريطانيا بالإرهابيين الليبيين، علاقتها بالإخواني محمد عماري عضو المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق ووزير التعليم المكلف فيها.

ولد محمد عماري عام 1973 بمدينة الإسكندرية المصرية (شمال)، ويعود نسبه إلى مدينة بنغازي، شرق ليبيا، والتحق بكلية الهندسة بجامعة بنغازي وحصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية عام 1994.

انخرط عماري، وهو من قبيلة ورفلة، بالجماعات المتطرفة في وقت مبكر، حيث انضم عام 1991 (في سن الـ18 عاماً) إلى ما يُعرف بـ "حركة التجمع الإسلامي"، وهي حركة نشأت من رحم جماعة الإخوان.

وكانت تلك الحركة (بالتعاون مع الإخوان وتنظيم القاعدة) تهدف للإطاحة بنظام معمر القذافي، ومع اكتشاف النظام الليبي السابق لتلك المخططات ضيّق الخناق الأمني على هذه الحركة، وفرّت أعداد كبيرة من أعضائها والجماعات الموالية لها خارج ليبيا، ومنهم محمد عماري الذي هرب إلى ألمانيا بجواز سفر مزوّر ثم استقرّ في مانشستر البريطانية، وعمل فيها خطيباً بمسجد الحكمة، والتحق بحركة "التجمع الإسلامي" التي كانت إحدى الأذرع السياسية للجماعات الإرهابية المتطرفة ببريطانيا، وكانت ترتبط بأجهزة المخابرات البريطانية ضد نظام القذافي.

وكشفت وثيقة صادرة عن جهاز الأمن البريطاني وجّهت إلى السلطات الليبية عام 2008 أن برلين لديها معلومات تشير إلى استمرار ميول حركة (التجمع الإسلامي) للعنف بغية استبدال نظام الحكم في ليبيا وإقامة دولة دينية.

وأدّى محمد عماري، وهو أحد تلامذة الإخواني يوسف القرضاوي، دوراً بارزاً في تمويل الجماعات المتشددة التي حملت السلاح ضد القذافي، ما أدى للإطاحة به في 2011.

وتقول تقارير إعلامية ليبية إنّ عماري كان "حلقة الوصل في توفير المال والسلاح من قطر وتركيا للإخوان والقاعدة لتسليح الجماعات المسلحة في العاصمة طرابلس بعد إسقاط القذافي".

وفي عام 2012، شارك عماري عبر حزب "رسالة" الذي أنشأته حركة "التجمع الإسلامي" بقائمة كبيرة من بنغازي في الانتخابات، لكنّ الحزب لقي فشلاً ذريعاً أمام التيار المدني.

لكنه استطاع الحصول على عضوية داخل المؤتمر الوطني العام (المجلس التشريعي في ذلك الوقت) ما دفعه للعمل على تشجيع قيام كتلة متشددة عرفت بـ"كتلة الوفاء"، ضمّت عناصر من الإخوان والقاعدة لمجابهة العلمانيين والتيار المدني.

وكان عماري عضواً في لجنة الحوار السياسي في اتفاق الصخيرات، الذي جرى في تونس عام 2015، وأدّى لتشكيل المجلس الرئاسي الليبي، حيث اختير عضواً به.

ولكونه عضواً في المجلس الرئاسي تعزّز نفوذ عماري، ليتواصل مع ممثلي الدول المعنية بالملف الليبي، وليظهر عداءً صريحاً لنواة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التي كانت آخذة في النمو منذ عام 2014 إثر عملية الكرامة.

ولم يتوانَ عماري عن دعم الإرهابيين ضد الجيش الليبي في مدينة بنغازي، ناعياً الإرهابي وسام بن حميد الذي تقول عنه تقارير ليبية إنه "ارتكب أبشع الجرائم ضد أبناء بنغازي وتولّى عملية زرع آلاف الألغام في شوارعها". 

كما أعلن دعمه للمطلوب دولياً إبراهيم الجضران الذي استهدف منشآت نفطية في حزيران (يونيو) العام الماضي.

وعمل عماري أيضاً على حشد الدعم اللازم للجماعات المتطرفة بالعاصمة من تركيا لصدّ عملية الجيش الليبي، وكان من أبرز المسؤولين الأجانب الذين قابلهم عماري السفير التركي لدى ليبيا سرحات إكس منذ بداية "طوفان الكرامة".

وفي نيسان (أبريل) الماضي، أصدر المدعي العام العسكري الليبي أوامر بالقبض على فايز السراج وأعضاء من المجلس الرئاسي أبرزهم محمد عماري، لقيامهم بـ"تفتيت البلاد وإنشاء تشكيلات مسلحة غير مشروعة والقيام بعمليات إرهابية وتمويل الإرهاب، وفقاً للقوانين الليبية".

وفي سياق مرتبط بمفتي الجماعات المسلحة الصادق الغرياني، فقد كشفت تقارير إعلامية لشبكة "بي بي سي" عرضت في شهر نيسان (أبريل) عام 2018 بأنّ المفتي المعزول الغرياني حاول إيجاد محط قدم له وبسط نفوذه في بعض المدن البريطانية عن طريق تقديم تبرعات مالية لأمناء مساجد.

وأكدت التقارير أنّ أمناء أحد المساجد في بريطانيا وجّهوا عريضة موقعة من أعضاء المجتمع الإسلامي في منطقة إكستر تحتوي على أسئلة كثيرة حول قبول تبرعات من شخصية مثيرة للجدل كالصادق الغرياني الذي عُرف بدعمه لجماعات إرهابية وميليشيات مرتبطة بتنظيم القاعدة في ليبيا، وظهر في مقاطع فيديو وهو يدعو لسفك الدماء والقتل.

عماري دعم الإرهابيين ضد الجيش الليبي في بنغازي، ونعى وسام بن حميد وأعلن دعمه لإبراهيم الجضران 

وأوضحت التقارير أنّ الغرياني تبرّع بما يقارب من 354 ألف دولار لإدارة المسجد في منطقة ديفون.

وختمت القناة تقريرها بالإشارة إلى العريضة الموقعة من أعضاء المجتمع الإسلامي في منطقة إكستر، والتي تؤكد أنّ تبرعات الغرياني وصلت إلى ما يقرب من 250 ألف جنيه إسترليني، فيما لم يردّ هو على القناة التي حاولت الاتصال به خلال إعدادها التقرير.

هذا، وأطلق الصادق الغرياني الكثير من الفتاوى المثيرة للجدل، منها حثّ الليبيين على قتل بعضهم بعضاً، والمطالبة بإغلاق المدارس وتسليح الأطفال للقتال ضد الجيش الوطني الليبي، كما دعا المواطنين لتقديم الدعم المادي والمعنوي لجماعات إرهابية مسلحة.

وكان الغرياني المقيم بشكل دائم في إسطنبول، الداعم الأكبر من خلال فتاواه للاتفاقيات التي عقدتها حكومة الوفاق مع السلطات التركية، وطالب الجميع باللجوء إلى تركيا.

وبعد أن احتضنت بريطانيا المتشددين وقدّمت لهم الدعم والمساندة لأعوام طويلة، ها هي تدفع الثمن، معرّضة مواطنيها لخطر صنعته بيديها، فهل ستعمد المملكة المتحدة إلى تصحيح أخطائها، أم أنها ستواصل مسلسل دعم تلك الجماعات المتطرفة؟



 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية